نص المحاضرة الرمضانية الحادية والعشرون للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 23 رمضان 1444هـ
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّدًا عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.
أَيُّهَــــا الإِخْــــوَةُ وَالأَخَوَات: السَّــلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَــةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُــه؛؛؛
من أعظم النعم التي أنعم الله بها على الإنسان، وميزه بها، وفضّله على كثير من مخلوقاته، وعلى معظم الحيوانات التي خلقها في الأرض: هي نعمة النطق والبيان.
نعمة البيان، نعمةٌ عظيمةٌ على الإنسان: النطق والتعبير باللسان، ويتبعه أيضًا الكتابة، هذه النعم تعتبر من أعظم النعم، التي لا يدرك الإنسان ولا يستوعب مدى أهميتها، ومدى عظمة هذه النعمة، وإحسان الله الكبير إلى الإنسان بذلك.
يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ}[الرحمن: 1-4]، ويقول “جَلَّ شَأنُهُ”: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ}، يعني للإنسان، {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}[البلد: 8-10]، وعن الكتابة يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ}[القلم: الآية1]، قسم بالقلم، وقسم بالكتابة؛ لأهميتها كنعمةٍ كبيرة، لها أهمية وتأثير كبير في حياة الإنسان، ويقول “جَلَّ شَأنُهُ”: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}[العلق: 3-5].
في حياة الإنسان، وطفولته المبكرة، حينما لا يزال طفلًا صغيرًا، قبل أن يمتلك النطق، يعتمد على الصياح، عندما يشعر بالجوع يصيح، عندما يشعر بالظمأ يصيح، عندما يشعر بالألم يصيح، عندما يتفاعل مع شيءٍ معين، أو يتأذّى من شيءٍ معين يصيح، لغته هي الصياح.
ماذا لو بقيت حياة الإنسان على هذا النحو، لو لم يُعطَ نعمة النطق؛ إنما فقط يصيح، إذا احتاج إلى شيء، أو انزعج من شيء، أو غضب من شيء، لا يمتلك إلا الصياح؟ لكانت حياة الإنسان محدودة جدًّا، في أعماله، فيما يمكن له أن يتحرك فيه في هذه الحياة، ولكانت المسألة بالنسبة للإنسان صعبة، كذلك هو الحال بالنسبة لمن لا يمتلكون هذه النعمة (نعمة النطق)، يصعب عليهم التعبير عن أشياء كثيرة، والحديث عن أشياء كثيرة، قد يعتمدون على الإشارة، أو قد يعتمدون على الكتابة.
البيان: هو وسيلةٌ أساسيةٌ للإنسان للتعبير عن احتياجاته في هذه الحياة، وعن أموره، وعن مشاعره، وعن عقائده، هو ترجمان جنانه، يعبِّر عمَّا في نفسه، ويعتمد على هذه الوسيلة أيضًا في معاملاته، علاقاته، قضاياه، مواقفه، هي وسيلة أساسية، يعتمد عليها الإنسان في ذلك كله.
والإنسان هو كائنٌ اجتماعي، حياته، ونشاطه في الحياة، ومعاملاته في الحياة، ومتطلبات حياته، في إطار نشاط جماعي، مع مجتمعه، مع الناس من حوله؛ ولذلك يحتاج بشكلٍ كبير إلى هذه النعمة العظيمة، ويعتمد عليها أساسًا في مختلف شؤون حياته، ولذلك تقوم كافة المعاملات على هذه النعمة، وتقوم الحضارات على هذه النعمة، وتجري شؤون الحياة بناءً على هذه النعمة، نعمة البيان، بالنطق باللسان، ويتبع ذلك الكتابة، هي أيضًا وسيلةٌ أساسيةٌ للتعلم، والتعليم، واكتساب المعرفة، وصلةٌ بهدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
والله “جَلَّ شَأنُهُ” جعل للإنسان في هذه النعمة، ما ليس لغيره من الحيوانات، مجال واسع جدًّا في هذه النعمة، في التعبير لغات كثيرة، وأيضًا قدرة على التعبير الواسع، يعني: عن كثيرٍ من الأمور، عن كل التفاصيل، عن… كم هي المفردات التي نستخدمها، لِنُعبِّر بها عن كل مجال من المجالات، ولنعبر بها في كل شؤون الحياة، ولنتحدث من خلالها عن كل الأمور، فهناك ثروة وَسَعَة، منح الله الإنسان:
-
أولًا: القدرة على الاستخدام لهذه النعمة: أن يعبِّر، أن ينطق، أن يتكلم، أو أن يكتب أيضًا تبعًا لذلك.
-
ومنحه المفردات الكثيرة، التي يعبِّر بها عن ذلك.
-
وهيّأه في القدرة الذهنية، والنفسية، والبدنية، وفي الوسائل ذات العلاقة المباشرة: اللسان، وما يتبع اللسان، التوابع التي تتبع اللسان في عملية النطق، وفي القيام بعملية النطق، وكذلك نعمة الكتابة، بالرغم من أنها حروف معدودة، لكن كم تتألف منها من المفردات والجمل، ثم كم اتصل بها في وسائل التعبير، وآداب التعبير، وبلاغة التعبير، على مستوى شيِّق، ومؤثر، وجذاب، عالم واسع، أصبح عالمًا واسعًا، في واقع الإنسان، وحياة الإنسان.
فيبقى أيضًا الاتساع مستمرًا في ذلك، في كل جيل تأتي المزيد أيضًا من الاستخدامات، والمفردات، وأسلوب التعبير، فأصبح هذا المجال واسعًا جدًّا في حياة الإنسان، ومن المجالات ذات الجاذبية، وذات الأهمية، في واقع الناس.
ارتباط البيان (نطقًا وكتابةً) بشؤون الإنسان، واتساع وكثرة الاستعمال، وارتباطه ببقية الأعمال، بما هو أكثر من بقية الجوارح، الإنسان في استخدامه لجوارحه، وأعضائه، وقدراته التي منحه الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فعلى مستوى الجوارح، أكثر ما يستخدم، يستخدم لسانه، أكثر شيء استخدامًا عند الإنسان هو اللسان:
-
له علاقة ببقية المجالات؛ لأنه ترجمان، يعبِّر عمَّا في نفس الإنسان، عمَّا في مكنون صدره.
-
وله أيضًا علاقة ببقية الأعمال، صلة مع بقية الأعمال، هو حاضر مع بقية الجوارح في بقية الأعمال.
-
وله موارد في الاستخدام تخصه.
فلذلك هو الأكثر استخدامًا في جوارح الإنسان، وعملية ميسَّرة للإنسان، ليست عملية صعبة، النطق، عملية النطق عملية ميسرة للإنسان، فلذلك يحتاج إليها بكثرة، ويستخدمها بكثرة، فهي في نفس الوقت عملية ميسرة.
ثم دور هذه النعمة في الحياة دورٌ كبير، ومؤثر، (في الخير، أو في الشر)، والنتائج المترتبة على ذلك كثيرة، فهذه الوسيلة هي من أبرز الوسائل المؤثرة، التي ينتج عنها نتائج مهمة (إمَّا في الخير، وإمَّا في الشر).
ولذلك بهذه الأهمية الكبيرة لهذه النعمة، لكثرة استخدامها، لما يترتب عليها من نتائج في واقع الحياة، فهناك رقابةٌ كبيرةٌ على الإنسان، في طريقة استخدامه لهذه النعمة، ومسؤولية تجاه ذلك، يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَـمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ(16) إِذْ يَتَلَقَّى الْـمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ(17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ق: 16-18]، الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” خلق الإنسان، ويعلم ما توسوس به نفس الإنسان، ولذلك حينما يجعل رقابةً علينا، ليس ليطلَّع على ما نقول، هو يعلم حتى بما نوسوس، بما هو في ذات صدورنا، فما بالك بما ننطق، هو يعلم بما نسر وما نعلن، ولا يخفى على الله شيءٌ من أعمال الناس، ولَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، ولكن هذه الرقابة:
-
أولًا: لتكون حافزًا لنا على أن نتعامل بمسؤولية تجاه هذه النعمة، وفي بقية شؤوننا، وطريقة أعمالنا.
-
وأيضًا لتكون حجةً علينا يوم القيامة، من خلال عملية التوثيق الدقيق، لكل ما قلناه، في (الخير، أو في الشر)، مما يدخل في حيِّز الحساب والجزاء.
مَلَكان مخصصان لتوثيق أعمال الإنسان، وفي مقدمة ذلك ما يقوله، {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ق: الآية18]، حاضر، متنبِّه، جاهز للكتابة، جاهز للتوثيق لما يقوله، لا يفوت أي عبارة، أي مفردة، كل شيء سيتم توثيقه، وهو بحسبه: إن خيرًا فخيرٌ، في آثاره، في نتائجه على الإنسان، وإن شرًا فشر.
وأتت التعليمات في القرآن الكريم، في مثل هذه الآية وغيرها، وعن رسول الله “صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ”، التي تبيِّن أهمية أن نستشعر المسؤولية تجاه ما نقول، وأن نعي جيدًا أننا محاسبون، وأنه لابدَّ من الحساب والجزاء على ذلك، وفي الحديث النبوي المشهور، يقول رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ” فيما رُوي عنه: ((رحم الله عبدًا تَكَلَّمَ فَغَنِمْ، أو سكت فسَلِمْ، إنَّ اللسانَ أملَكُ شيءٍ للإنسان، ألا وإنَّ كلام العبدِ كلَّه عليه، إلَّا ذِكرًا لله، أو أمرًا بمعروف، أو نهيًا عن منكَر، أو إصلاحًا بين مؤمنِين))، وهنا تعجّب البعض، أن هناك جزاء على الكلام، وأن هناك حسابًا على الكلام، فقام إليه معاذ بن جبل، فقال: (يا رسول، أنؤاخذ بما نتكلم به؟)، فقال: ((وهل يَكُبّ الناسَ على مناخرهم في النار، إلا حصائدُ ألسنتهم، فمن أراد السلامة، فليحفظ ما جرى به لسانه، وليحرس ما انطوى عليه جَنانه، وليُحسِن عمله، وليُقَصِّر أمله)).
نلحظ في هذا الحديث النبوي: التأكيد على أهمية الكلام، وأن يدرك الإنسان أنه مسؤول تجاه ما يتكلم به، ومُجازى، فإذا تكلم، فليحرص على أن يكون كلامًا مفيدًا، يكسب به الأجر، يكسب به الثواب، ينتفع به، أو على الأقل أن يكون سليمًا من الإثم، إذا لم يكن في إطار أن تكسب به الأجر، أن تكسب به الخير، أن تكسب به رضوان الله، فلتحرص- في أقل الأحوال- أن يكون سليمًا، مما فيه إثم، مما يُحمِّلك الوزر، مما تكسب به الذنب، ولهذا يقول: ((رحم الله عبدًا تكلَّم فغَنِمْ))، عندما تتكلم بما هو خير، بما هو مفيد، ما ليس فيه إثم، وتكسب به الأجر، ((أو سكت فسَلِم))، لا داعي لكثرة الكلام، إذا كان الكلام سيحمِّلُك وزرًا، أو ذنبًا، أو إثمًا، فأنت غنيٌ عن ذلك، لا تحمِّل نفسك الإثم والوزر؛ بهدف أنك تريد أن تكثر من الكلام، وأن تتكلم في كل الأمور، وأن تكون فضوليًا في كل شيء، تتحدث عن كل شيء، حتى تحمِّل نفسك الإثم.
((إن اللسانَ أملَكُ شيءٍ للإنسان))، وفعلًا، كثرة استخدامه، ودوره في الحياة- فيما يتكلم به الإنسان، وله علاقةٌ بالحياة- واسعٌ جدًّا وكبيٌر جدًّا، ثم يقول: ((ألا وإنَّ كلامَ العبد كلَّه عليه، إلا ذكرًا لله))، ذِكر لله، من موارد استخدام اللسان بشكلٍ يفيدك، تتكلم فتغنم، فتكسب، عندما يكون الذكر لله باللسان، وبالقلب، وبالنفس، ((أو أمرًا بالمعروف، أو نهيًا عن منكر، أو إصلاحًا بين مؤمنِين))، كل هذه مجالاتٌ للسان فيها دور أساسي ومهم، والكلام فيها مهم، وعليه الأجر، وتكسب به رضوان الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
معاذ بن جبل، حينما استغرب أن هناك محاسبة على الكلام، وسأل رسول الله: (أنؤاخذ بما نتكلم به؟)؛ لأنه يدرك أن الناس يكثرون من الكلام، فإذا كان هناك حساب وجزاء على الكلام، فالموضوع خطير، فقال: ((وهل يَكُبُّ الناسَ على مناخرهم في النار، إلا حصائدُ ألسنتهم))؛ لأن الذنوب الكثيرة التي ترتبط باللسان كثيرة وخطيرة، ((فمن أراد السلامة، فليحفظ ما جرى به لسانه، وليحرس ما انطوى عليه جَنانه، وليُحسِن عمله، وليُقَصِّر أمله)).
لا يستوعب الكثير من الناس مدى أهمية الكلام (في الخير، أو الشر)، أهميته الكبيرة جدًّا في جانب الخير، وفيما يرضي الله، وخطورته البالغة جدًّا في الشر والباطل، وفيما يسخط الله، وفيما نهى الله عنه، ما يترتب على ذلك، إلى درجة أنّ مصير الإنسان أحيانًا قد يكون رهينًا بكلمة معينة:
-
قد تتكلم بكلمة مهمة، تكسب بها رضوان الله، وتكون سببًا لتوفيقك، أن يوفقك الله في كل أعمالك، وفي كل شؤون حياتك، حتى تلقى الله فائزًا.
-
وقد تتكلم بالكلمة من سخط الله، تسبب لنفسك بها سخط الله الكبير، والعقوبة الشديدة، وتخسر بها مستقبلك، وتُسلَب بها التوفيق، وتكون تبعاتها عليك كبيرةً جدًّا، ولهذا فالمسألة خطيرة، خطيرة للغاية.
عن الرسول “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ”: ((إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله))، كلمة جيدة، كلمة مهمة، تُرضي الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في مقام مهم، ((ما كان يظن أنها تبلغ ما بلغت، فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه))، تكون سببًا للتوفيق، للتوفيق لك، يرضى الله عنك، ((وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله، ما كان يظن أنها تبلغ ما بلغت))، لم يكن يتوقع أنها كلمة خطيرة، أو حتى لو كانت كلمة سيئة، لم يكن يتوقع أنها إلى ذلك المستوى من الخطورة، في سوئها، وآثارها، ونتائجها، وتبعاتها، ((فيكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه))، يُسلَب التوفيق نهائيًا، تحبط أعماله، تؤثر على علاقته بالله بشكلٍ تام، فالمسألة خطيرة جدًّا.
وأتى التصنيف في القرآن الكريم، لكلام الإنسان (في الخير، والشر)، يقول “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وضرب مثلًا مهمًا: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}[إبراهيم: 24-25]، الكلمة الطيبة مهمة، كلمة حق، كلمة هداية، كلمة خير، كلمة أمر بمعروف، كلمة نهي عن منكر، كلمة إصلاح بين المؤمنين، كلمة لها أثرها الإيجابي في واقع الناس وحياتهم، والخير لهم، كلمة لها أثر إيجابي في جوانب مهمة، كم هي المجالات الواسعة للكلمة الطيبة المثمرة، للثمرة الطيبة المنتجة للنتائج الإيجابية والطيبة، فلها أثرها المهم، وهذا مثلها الكبير والعجيب: {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا}.
أما عن الكلمة الخبيثة، فيقول عنها: {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ}[إبراهيم: 26-27].
-
ولأهمية الكلمة، وأهمية التعبير والبيان، ارتبط به قيم مهمة؛ لضبط الاستخدام لهذه النعمة بشكلٍ صحيح:
-
في مقدمتها الصدق: الصدق مسألة مهمة، ومن القيم العظيمة، وجزءٌ أساسيٌ منه يتعلق بالصدق في الحديث، أن تتحرى الصدق في حديثك، يقول الله: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ}[آل عمران: من الآية 17]، فهو يصف عباده المؤمنين بالصدق؛ لأنهم يتحرَّون الصدق، في كلامهم، في حديثهم، الصدق يتعلق بالمعتقد، ويتعلق بالعمل، ويتعلق بالموقف، ويتعلق بالحديث. فمن القيم المهمة المتعلقة بالكلام: التحري للصدق في الحديث.
-
ومن القيم المهمة العدل: يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى}[الأنعام: من الآية 152]، اعدل في كلامك، لا تتجاوز العدل في كلامك.
-
وأيضًا من القيم المهمة الإحسان: الإحسان في الكلام مهم، يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً}[البقرة: من الآية 83]، تلحظ وتتحرى الكلمة الحسنة، وليس الكلمة السيئة، فيما تقوله للناس، فيما تتخاطب به مع الناس، في تعاملك مع الناس.
-
والتواضع أيضًا: {وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ}[لقمان: من الآية19].
-
والحكمة: الحكمة في الحديث مسألة مهمة جدًّا، يقول الله: {يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ}[البقرة: من الآية 269]، الحكمة هي: في الرؤية، في الموقف، في العمل، في التعامل، في السلوك، في التصرف، في القرار، وهي أيضًا في الحديث؛ أن يكون كلامًا حكيمًا.
-
والسداد: أن تحرص على أن يكون قولك سديدًا، هذه مسألة مهمة، يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}[الأحزاب:70-71]، والقول السديد: هو القول الصائب، الذي لا تعدل فيه عن الصواب، هو صوابٌ في مضمونه، في طريقة تقديمه، في ظروف تقديمه، وهو مهمٌ جدًّا، القول السديد هو مهمٌ جدًّا؛ لأنه يترتب عليه النتائج المهمة، وله علاقة بالتعامل بمسؤولية، مع الأمور، مع الواقع، فهذه مسألة مهمة جدًّا؛ ولهذا ارتبط به صلاح العمل، وإلَّا فالقول غير السديد، قد يؤثر على الأعمال، قد يخرِّب الكثير، قد يخرِّب العلاقات، قد يؤثر على الواقع العملي تأثيرات سلبية. الحكمة نفسها ذات أهمية كبيرة؛ لأنك تقدم الحق، لكن بطريقة حكيمة، وصائبة، ومناسبة.