نصرة اليمن لغزة لا تطوقها التهديدات الأمريكية.. على إسرائيل انتظار الأسوأ.
مشاركة اليمن نصرةً لغزة هي بالفعل اتساع لرقعة الحرب وامتدادها إقليمياً، على نحو يهدد المصالح والوجود الأميركي والغربي، وهو ما يهدد الوجود والمصالح الأميركية والغربية بصورة عامة، ويوسع نطاق الاستهداف كذلك
بإعلان القوات المسلحة رسمياً تنفيذ ثلاث عمليات عسكرية كبيرة وواسعة على الكيان الصهيوني، يكون اليمن سجل رسميا دخوله ميدان معركة طوفان الأقصى. القوات المسلحة، في بيانها الذي تلاه المتحدث العسكري العميد يحيى سريع، عصر الثلاثاء، أكدت أنها ستواصل عملياتها وضرباتها ضد الكيان الصهيوني.
دخول اليمن الميدان نصرةً لغزة له ما له من تداعيات وانعكاسات وارتدادات كبرى، تمتد على طول المسافات التي تقطعها الصواريخ والطائرات المسيرة من اليمن، جنوبي شرقي البحر الأحمر، إلى فلسطين المحتلة، جنوبي غربي قارة آسيا، على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وتجاوز الصواريخ والمسيرات اليمنية لهذه المسافات المشبكة بمعادلات ومصالح أميركية وغربية يعاظم التهديدات والمخاطر على أميركا وتحالفاتها، ويقوض معادلاتها كذلك.
العمليات الثلاث التي نفذها اليمن وكشف عنها المتحدث باسم القوات المسلحة العميد سريع، في بيان رسمي اليوم، نفذت الأولى منها في الثامن عشر من تشرين الأول/أكتوبر، حينما أعلن البنتاغون الأميركي اعتراضه ضربات بالصواريخ والطائرات المسيرة اليمنية.
ومنذ الثامن عشر من تشرين الأول/أكتوبر اتجهت الأنظار العالمية نحو اليمن، بهدف تقدير مفاده أن دخول اليمن معركة طوفان الأقصى يدق نذر حرب إقليمية واسعة المخاطر والارتدادات ومكلفة الأثمان، ويوسع خريطة الحرب ويعدد ساحاتها، وذلك سيغير مسار الحرب التي يتعرض لها قطاع غزة.
وخلال الأيام الماضية تابعنا تصريحات أميركية وصهيونية وغربية صادرة عن مستويات سياسية ودبلوماسية متعددة، وعن ناطقين عسكريين أميركيين وصهاينة بصورة متكررة، وعلى نحو متواصل، وتبدو للمتابع كأنها تضخيم للمخاوف من ضربات صاروخية وجوية يمنية، أو تبرير لعمل ما، غير أنها في الحقيقة تعكس حالة من الفزع والرعب لدى القادة السياسيين والعسكريين في أميركا والدول الغربية، وداخل الكيان الصهيوني، من نذر وقوع عمليات عسكرية يمنية تستهدف الأراضي المحتلة، نظراً إلى ما ستحدثه من انعكاسات وارتدادات واسعة، ليس على سياق الحرب الصهيو أميركية على غزة فحسب، بل أيضاً بسبب ما ستحدثه من تغيرات في سياق الصراع الأوسع بين شعوب المنطقة وأحرارها ومنظومة الشر والاستكبار الصهيو أميركية الغربية، وستؤدي بلا شك إلى قلب معادلة الهيمنة الأميركية على المنطقة، عسكرياً وأمنياً، رأساً على عقب.
الصخب الإعلامي الواسع، والذي بدأ بإعلان البنتاغون اعتراض صواريخ ومسيرات يمنية متجهة إلى الكيان الصهيوني، يوم الثامن عشر من تشرين الأول/أكتوبر، وتأكيد البحرية الأميركية المتكرر لوقوع العملية، ثم تعقيباتها المتكررة بأن المدمرة “يو أس أس كارني” ظلت في حالة اشتباك لمدة تسع ساعت مع الصواريخ والطائرات المسيرة اليمنية، ثم إعلانها المتواصل بشأن تفاصيل أخرى للعملية، التي تقول إنها قامت بتنفيذها لاعتراض صواريخ ومسيرات يمنية كانت متجهة إلى الكيان الصهيوني، ثم إعلان وزير الخارجية الإسرائيلي في جلسة مجلس الأمن تعرض كيانه لصاروخ من اليمن، ثم الحديث المتزايد في كبرى وسائل الإعلام الغربية والصهيونية عن العملية، علاوة على التصريحات السياسية والعسكرية الكثيرة التي صدرت عن “تل أبيب” وواشنطن وعن قيادة البنتاغون، وحتى عن مستويات سياسية عليا في البيت الأبيض، كلها كانت تعكس حجم الصدمة الكبيرة التي أحدثتها تلك العملية، التي لم تعلن رسميا إلا الثلاثاء في سياق البيان الرسمي للعميد يحيى سريع، الذي أوضح أن عمليات ثلاثاً نفذها اليمن.
أمّا تفاصيل العمليات التي نفذها اليمن، فكانت الأولى منها يوم الثامن عشر من تشرين الأول/أكتوبر، والعملية الثانية امتدت من مساء السابع والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر إلى صباحه. أمّا الثالثة فكانت في ليل الحادي والثلاثين من تشرين الأول/أكتوبر وصباحه، وفيها استخدمت عشرات صواريخ “كروز” المجنحة من نوع قدس، وعشرات الطائرات المسيرة ذات المدى البعيد، علاوة على استخدام عشرات الصواريخ الباليستية في العمليتين الثانية والثالثة. وبحسب المعلومات، وصلت معظم الضربات إلى أهدافها، ومنها ضربة استهدفت صحراء النقب، التي يوجد فيها مفاعل ديمونا الإسرائيلي، بينما استهدفت الأخرى إيلات وأهدافا محاذية لها.
حالة الهستيريا الأميركية التي بدأت مع عملية الثامن عشر من تشرين الأول/أكتوبر كانت انعكاساً لمقدمات سبقت العملية، حاول الأميركي من خلالها ألا تحدث. ولهذا كانت الهستيريا تعبر عن صدمة الأميركي مما كان يتجنّب وقوعه ويحاول تطويقه بالتهديدات وبالضغوط المتعددة على اليمن، ومنها إعادة تسخين الجبهات في اليمن، وغيرها من الرسائل التي أوصلها الأميركيون عبر جهات وسيطة.
تجاه عملية طوفان الأقصى كان موقف اليمن واضحاً في تأييد العملية ومساندتها، وتطور الموقف اليمني إلى نحو أوضح إزاء ردة الفعل الصهيو أميركية الغربية، والتي أخذت شكل الإبادة الوحشية لقطاع غزة ومضمونها، وتجاه ذلك ظهر قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي بخطاب مقتضب خصصه لتطورات الحرب الصهيو أميركية على غزة، وأعلن فيه أن التنسيق مع محور الجهاد والمقاومة تام ومتكامل لفعل ما يجب. وأضاف “لهذا التنسيق خطوط حمر ومستويات معنية، من ضمنها أنه إذا تدخل الأميركي بصورة مباشرة، فنحن مستعدون للمشاركة حتى على مستوى القصف الصاروخي والمسيرات والخيارات العسكرية”.
وتابع: “فيما يتعلق بقطاع غزة، هناك خطوط حمر، ونحن في هذا على تنسيق مع محور الجهاد والمقاومة، وحاضرون وفقاً لذلك، للتدخل بكل ما نستطيع، وسنحرص على أن يكون لدينا الخيارات المساعدة على فعل ما يكون له الأثر الكبير في إطار تنسيقنا مع إخوتنا في محور الجهاد والمقاومة”.
عملية طوفان الأقصى كرست معادلات لجهة المقاومة ومحورها، ولجهة مواجهة الاحتشاد الصهيو أميركي الغربي غير المسبوق، وذلك كله كان في صلب الموقف اليمني المتميز تجاه العملية، دعماً ومساندةً، وفي مواجهة الاحتشاد الصهيو أميركي الغربي وردع عدوانه الوحشي على غزة، وذلك ما عبّر عنه السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي بوضوح، حين خرج بخطاب دون سائر قادة المحور، ليعلن عن التنسيق التام مع المحور بأكمله، وعما سيفعله اليمن في المعركة، وليضع خطوطاً حمراً، منها التدخل الأميركي المباشر، وأخرى لم يفصح عنها صراحة فيما يتعلق بالوضع بالحرب على غزة. واليوم يتضح أن المجازر الوحشية في غزة، والتوغل البري الصهيوني، هما ضمن معادلات قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي فيما يتعلق بالوضع في قطاع غزة.
كما أوضح السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي أن الجغرافيا البعيدة ـ وبعض الدول ـ تعوّق اليمن عن القيام بإرسال مئات الآلاف من المقاتلين، والحقيقة أيضاً أن عدة دول تعوّق كذلك وصول الصواريخ والطائرات المسيرة، وتعمل على اعتراضها وإبلاغ العدو الصهيوني بشأنها، والتعاون معه في التصدي لها. وهذا الموقف اليمني المتميز جعل الأميركي يعمد إلى توجيه رسائل التهديد، التي ربما سارعت الى تنفيذ العمليات اليمنية.
في كلمته يوم الأحد، سبق أن ألمح رئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط إلى تهديدات أميركية بتصعيد الحرب، وقال الرئيس المشاط إن “الأميركي يهدد بعودة الحرب، وهذا لا يقلقنا، وهي رسالة مخزية لكل القوى التي تحارب اليمن بأنها عبدة للأميركي وأدوات لليهودي”. وأضاف: “لا تخيفنا التهديدات بالحرب، والشعب اليمني جاهز وحاضر بإذن الله وبكل قوة”.
تلك الإشارات التي بعث بها الرئيس المشاط كانت هي مقدمات عملية الثامن عشر من تشرين الأول/أكتوبر، والتي أوضحت تفاصيلها مصادر وثيقة ومطلعة، وقالت إن رسائل التهديد الأميركية أوصلت عبر جهات وسيطة إلى السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي مباشرة، وذلك في ساعات متأخرة من ليل الـ17 من تشرين الأول/أكتوبر، والتي ارتكب فيها العدو الصهيوني مذبحة المعمداني. هذه الرسائل كان مفادها أن الأميركيين “يحذرون من أي عمل عسكري يمني، ويهددون بأن الرد عليه سيكون بإعادة تصعيد الحرب وتسخين جبهاتها، وإعادة تسليط التحالف السعودي لشن حرب طويلة لن تتوقف”. المصادر أشارت إلى أن الرد اليمني، من قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، كان حاسماً وواضحاً للأميركيين، ومفاده/ “لا تطمئنوا، وعليكم أن تقلقوا، والرد هو ما ترونه وما تسمعونه”.
وبعد ساعات قليلة بدأت عملية الثامن عشر من تشرين الأول/أكتوبر، والتي استمرت من صباحه إلى مسائه. وبحسب المصادر، فإن قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي قال: “حرصنا على ألا يحل مساء ذلك اليوم إلا وقد أوصلنا رسائلنا وموقفنا إلى الأميركيين، ومفادها أننا لا يمكن أن نتخلى أو نتوانى أو نقصر في الدفاع عن الشعب الفلسطيني”.
ما أكدته المصادر الوثيقة أيضاً أن عملية الـ18 من تشرين الأول/أكتوبر انطلقت من صباح اليوم الذي وصلت فيه رسالة التهديد في ساعات الليل الأخيرة، وأن العملية استمرت من صباح ذلك اليوم حتى مسائه.
ويتطابق ذلك تماماً مع ما أعلنه البنتاغون نفسه، الذي أكد أن عملية التصدي استمرت تسع ساعات متواصلة، وما أوضحته وسائل إعلام أميركية متعددة، ومفاده أن العملية كانت كبيرة وأكبر مما أعلنه البنتاغون، وذلك يجعل التقدير بأن الضربات الصاروخية والمسيرة كانت رداً يمنياً عملياً ومباشراً على التهديدات الأميركية، مفاده أن موقفنا “هو ما ترونه وما تسمعونه أيضاً”، وذلك لا يُبعد فرضية أن المجزرة التي ارتكبها العدو الصهيوني في المستشفى المعمداني، مساء 17 تشرين الأول/أكتوبر، كان لا بد لها من رد وازن من اليمن، وأنها كانت تجاوزاً للخطوط الحمر التي أعلنها السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، وأن المذابح واستمرارها، في أي شكل، كانت تُعَدّ تجاوزاً للخطوط الحمر في المعادلة التي أعلنها السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي فيما يتعلق بالوضع في غزة، بالإضافة إلى التدخل الأميركي المباشر.
ومن وراء الكواليس تذكر المصادر الوثيقة تفاصيل تتعلق بموقف السعودية، تعزز ما ذكرته وسائل إعلام صهيونية، ومفاده أن السعودية ساعدت الكيان الصهيوني على التصدي للضربات.
في الكواليس، تفيد المصادر بأنه، في اللحظات الأولى لتنفيذ الضربات، بادرت القيادة في اليمن إلى طمأنة القيادة في الجانب السعودي، من خلال إبلاغها أن الصواريخ والمسيّرات، التي تنطلق في الأثناء، لا تستهدف المملكة، وأن هدفها هو الكيان الصهيوني، و”لا تقلقوا “.
تكشف المصادر أن رد السعوديين كان صادماً، إذ عبّروا عن رفضهم المطلق لأي عمليات، وأنهم يرفضون ولا يقبلون أي عمل يستهدف الكيان الصهيوني من أجوائهم، بل زادوا: “لن نسمح لكم بذلك، وسنَعُدّه انتهاكاً لسيادتنا، وتصعيداً عسكرياً”. ولم يقف الأمر عند مستوى ردهم على الرسالة، بل ذهب السعوديون إلى إبلاغ الأميركيين والإسرائيليين مباشرة بشأن العملية، وقاموا بتسهيل اعتراض الصواريخ والمسيّرات، وبالمساندة للأميركيين في عملية الاعتراض.
وهذا الأمر عدّته القيادة اليمنية موقفاً فاضحاً للسعودية، يؤكد انحيازها إلى العدو الصهيوني ومساندتها له، من خلال مساهمتها في التصدي للصواريخ والطائرات، وأن تذرّعها بالسيادة والأجواء مكشوف، فهي، أي السعودية، ما زالت تسمح للطائرات الإسرائيلية بعبور أجوائها من دون توقف. ولولا المخاوف الصهيونية من تعرض الطائرات لاستهداف من اليمن لظلت الأجواء السعودية مفتوحة، بينما يَعُدّ السعوديون أن أي عمل من أجوائهم، ويهدف إلى مساندة غزة، هو اعتداء على سيادتهم!
والأمر الأوضح من ذلك أن العدوان على اليمن، والذي تشنّه دول التحالف، المكونة من السعودية والإمارات وأميركا وبريطانيا ودول أخرى، منذ تسعة أعوام، يتضح أن من أهدافه الحقيقية حماية أمن الكيان الصهيوني، وأن رسائل التهديد التي وجهها الأميركيون بشأن دفع السعودية وتحالفها إلى تصعيد الحرب وتسخين جبهاتها لمشاغلة اليمن ومعاقبته نتيجة أي مشاركة عسكرية له نصرةً لغزة في مواجهة الكيان الصهيوني، تؤكد بوضوح أن السعودية تعمل أداةً أميركية لحماية الكيان الصهيوني، وهو أمر يشير إلى أن الإدارة الأميركية ربما ستستخدم الأدوات نفسها في الضغط على المقاومة في لبنان وغيرها.
لكن ما لا شك فيه أن مشاركة اليمن عسكرياً في المواجهة مع العدو الصهيوني ورعاته لن تطوقها هذه المعادلات المعقدة، والتي تموضعها الجغرافيا البعيدة، والتجنّد السعودي وغير السعودي لحماية الكيان الصهيوني، وأن اليمن حاسم في نصرة غزة، وموقفه واضح، وأن مشاركته ستحدث بصورة خارج حسبان العدو الصهيوني ورعاته، ولن يقتصر الأمر على ما حدث ويحدث، وخصوصاً أن المتحدث الرسمي للقوات المسلحة أكد استمرار الضربات والعمليات العسكرية على الكيان الصهيوني.
رسمت عملية طوفان الأقصى مساراً محتدماً لحالة الصراع والاشتباك مع قوى الهيمنة والاستكبار الصهيو أميركية الغربية، وأحدثت هزة مدوية للكيان الصهيوني. والتقديرات لآثارها المباشرة وغير المباشرة تشير إلى أنها وضعت بالفعل مصيره على المحك.
لذلك، هرع المسؤولون العسكريون والسياسيون الأميركيون والغربيون إلى “تل أبيب”، وتقاطروا تباعاً في مهمة تشبه عملية الإنقاذ للكيان. وصل بايدن، ثم شولتز، ثم رئيس وزراء بريطانيا، ثم ماكرون، لتأكيد المضامين ذاتها: “لن نترككم وحدكم، وسنكون إلى جانبكم”، بينما تدفقت شحنات الأسلحة والذخائر والصواريخ الأميركية والدعم الغربي المساند لحرب الإبادة المتواصلة على قطاع غزة. ومن الواضح قطعاً أن أميركا والغرب أباحا للكيان الصهيوني استباحة كل شيء في غزة.
اليمن وقيادته يَعُدّان هذا الموقف انكشافاً واضحاً للمعركة، ويريان أن أقل واجب لنصرة الشعب الفلسطيني ومساندته هو بتنفيذ عمليات عسكرية نصرة لغزة، تترجم العقيدة الإيمانية للشعب اليمني، الذي يَعُدّ شعار “الموت لأميركا والموت لإسرائيل” بنيته الأساسية والرئيسة.
فالشهيد السيد حسين بدر الدين الحوثي، الذي انطلق بالمشروع القرآني في عام 2001، كان من يوم القدس العالمي. وفي محاضراته “يوم القدس العالمي”، وضع، رحمه الله، أساس المشروع وركائزه، وفيها أطلق شعار الصرخة لا ليكون هتافاً تعبوياً فحسب، بل استراتيجية ثابتة محكمة للمشروع الذي وُلد حينذاك وكبر واتسع حتى بات اليوم يتخطى الحدود. وعلى رغم الحروب والعواصف التي واجهها المشروع القرآني، فإن استراتيجيته الصلبة والراسخة “الموت لأميركا، الموت لإسرائيل” لم تتغير ولم تتبدل بأخرى، وهي اليوم تُصاغ عملياتياً في هذه المعركة الفاصلة والحاسمة من تاريخ الأمة.
هذا الشعار لم يبلور في مستوياته العقائدية والثقافية والسياسية والإعلامية فحسب، بل حتى الاستراتيجية العسكرية والأمنية للمشروع القرآني تم بناؤها وترسيخها أيضاً على هذا النحو. فالترسانة العسكرية، التي استطاع اليمن إنجازها خلال مرحلة العدوان على اليمن، تم بناؤها. ولهذا كانت صواريخ قدس، في مداها البعيد، ترجمة لذلك، وأصبحت أجيالها الأربعة، والتي جُرِّبت كثيراً، تمثل واحدة من أهم الترسانات الصاروخية لليمن، ومصوَّبة على الكيان الصهيوني بصورة أساسية.
اليمن بات اليوم يمتلك مخزوناً ضخماً من الصواريخ الباليستية، ومداها يتجاوز 2000 كم، ويملك كذلك منظومات كروز مجنحة وبأبعاد ومدى يتجاوز 2000 كم، وكذلك يملك أسلحة بحرية متطورة ومقتدرة. وإذا كانت وتيرة التصعيد لحرب الإبادة الصهيو أميركية الغربية، التي يتعرض لها قطاع غزة تُعَدّ هي الأعلى اليوم، وتترافق مع غزو بري، فإن الخطوط الحمراء بكل تأكيد تم تجاوزها فيما يتعلق بالوضع هناك، وهذا يعني بوضوح أن اليمن سيواصل عملياته، كما أكد المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة، وأن على الصهاينة أن ينتظروا السيناريو الأسوأ، ويحسبون الحساب لهذا الأمر.
أما فيما يخصّ البعد الجغرافي لليمن عن فلسطين، فإن مشاركة اليمن في تنفيذ الضربات الصاروخية والجوية على الكيان الصهيوني، تعني انفراط عقد المعادلة الأميركية التي تطوق المنطقة لحماية الكيان الصهيوني، وقبل ذلك انكشاف معادلة تطويق المنطقة بحراس الكيان الصهيوني، كما أن هذا البعد الجغرافي وهذا التطويق، عسكرياً وأمنياً، لم يعودا يصعّبان مسألة المشاركة العسكرية لليمن مع غزة، بسبب ما بات يمتلكه من سلاح، ذي مدى بعيد وقدرات كبيرة، بل إن هذا البعد يقوي آثار الضربات، من حيث إنه يراكم المخاطر ويوسع الأضرار على الإدارة الأميركية والقوى الغربية وعلى كل الكيانات العربية، التي تعمل حراسَ شرطة للكيان الصهيوني، وسيكون بقدر أكبر مما تقدره دوائر صنع القرار في أميركا والدول الغربية.
ويعني أن مشاركة اليمن نصرةً لغزة هي بالفعل اتساع لرقعة الحرب وامتدادها إقليمياً، على نحو يهدد المصالح والوجود الأميركي والغربي، وهو ما يهدد الوجود والمصالح الأميركية والغربية بصورة عامة، ويوسع نطاق الاستهداف كذلك. وبكل تأكيد، فإن أي ردة فعل أميركية تجاه أي عمل مشروع يقوم به اليمن ستوسع التداعيات وتدحرج كرة النار، وقبل ذلك تضع القواعد والقوات الأميركية في المنطقة ومياهها أهدافاً للقصف، وتستدعي تدخلات جديدة في هذه المعركة الفاصلة والحاسمة. وبكل تأكيد، فإن هذه الحرب لن تجرّ إلّا الويلات على الكيان الصهيوني، وعلى رعاته أميركا والدول الغربية.
المصدر /الميادين