نحو صناعة وعي الجماهير وحفظ القضية
إيهاب شوقي
مع كل تحول عالمي تروج التحليلات وتنتعش الامال وتنتشر المخاوف، ويبقى الترقب سيدا للموقف الدولي والعالمي، ما عدا الشعب الفلسطيني الصامد ومحور المقاومة وأنصاره.
والمقصود بالترقب هنا للدقة، هو الرهان على الآخرين في حدوث مستجدات تخدم الآمال والأهداف، بينما لو كان الترقب بمعنى الرصد والتأهب، فالمقاومة في مقدمة المترقبين.
ولعل استثناء الشعب الفلسطيني والمقاومة من هذا الرهان ينبع من نظام عالمي منافق وأنظمة حكم متواطئة، ونخب سياسية دفعت ثمن تصدرها للساحات من ثوابت القضية واستطاعت البقاء في الصورة السياسية وطاولة المفاوضات العبثية من بوابة التفريط والارتهان والارتزاق.
والمحصلة هي حشر القضية الفلسطينية في زاوية ضيقة سياسيًا ووضعها في مدى محدود، بين نقطة التصفية التامة للقضية وبين حل شكلي لدولتين، تكون الدولة الفلسطينية به مقاطعات متفرقة لا علاقة لها من قريب أو بعيد بفلسطين التاريخية ولا بمفهوم الدولة من الأساس.
فيما استبدل المبدأ التاريخي المتعلق بكامل التراب الفلسطيني وان فلسطين حرة من البحر الى النهر، كبرنامج عمل وهدف أسمى يتم العمل والنضال تحت سقفه، الى مبادرة سعودية استسلامية تعطي العدو كل ما يريد من اعتراف وتطبيع مقابل حدود العام 67، وكان هذا هو المبدأ، ومع كل هذا التفريط، فإن المبادرة تم تجاوزها عبر ممارسات التطبيع المجاني والخيانة العلنية!
هنا لا يترقب الشعب الفلسطيني أي تحولات عالمية أو تغبير لرؤساء امريكا، حيث حدثت سوابق للتحولات دون التطرق للقضية الا من خلال عناوين انشائية فضفاضة تنادي باستئناف “عملية السلام” أو تسوية “النزاع الفلسطيني الاسرائيلي”، مع التغافل التام عن جرائم وانتهاكات العدو والتي وصلت لتصفية عملية للقضية بالتعاون مع امريكا وخونة القضية داخل فلسطين وخارجها من النخب والحكومات.
وأصبحت المحصلة الآن باختصار كما يلي:
أولًا: التعامل مع الاحتلال الصهيوني كأمر واقع قانونيًا وسياسيًا.
ثانيًا: استبدال عزلة العدو وداعميه بعزلة فلسطين وداعمي حقوقها، فأصبح الارهاب وصفًا للمقاومة ومحورها بدلًا من الارهاب الصهيوني، وأصبح المتمسك بالثوابت في عزلة بينما باتت الخيانة هي الأمر الواقع والشرعي!
كما أن محور المقاومة مستثنى من دائرة الرهانات باعتباره ثابتا على مبادئ غير قابلة للتنازل والمساومة وكل ما يترقبه هو اختيار طريقة التعاطي مع المستجدات لا الرهان عليها.
هنا ينبغي الاعتراف بأن الوضع الحالي يحوي اشكالية ينبغي التعاطي معها، تتمثل في مستجدات شعبية لم تكن موجودة من قبل، تتمثل في محاولات لتغيير الثقافة، نجحت بكل أسف، ولو بشكل جزئي، في اختراق بعض القطاعات الشعبية العربية، وخاصة في الخليج.
كان الرهان دائمًا، ولا يزال، على الشعوب ووعيها وتمسكها بثوابتها ورفضها للتطبيع والاعتراف بالعدو، وهو صمام الأمان رغم التفريط الرسمي وتماديه وانزلاقه لمستويات أعلى من الخيانة. بينما هناك حقيقة يجب الاعتراف بها، وهي أن الأنظمة لم تكن لتصل بمستويات الخيانة لهذه الدرجة، لولا المستجدات التي طرأت على الشعوب وجعلت من الرأي العام العربي طرفا غير وازن في المعادلة.
وبلحاظ التغيرات التي طرأت على الأجيال الجديدة والتي تشكل أغلبية الشعوب، وما تعرضت له من غزو ثقافي وتشويه للتاريخ وتجهيل وتشتيت، فإن المطروح الى جانب المقاومة المسلحة واحتفاظها بتوازن الردع والرعب، مشروع ثقافي كبير يستهدف هذه الأجيال الصاعدة ويستعيد وعيها ويعيد الاعتبار لثوابتها.
على النخب المتمسكة بالثوابت بذل المزيد من الجهد لفضح محطات الخيانة واستعادة محطات المقاومة والانتفاضات وبيان تهافت الخيار العبثي للسلام المزعوم، فإنقاذ المزيد من القطاعات الشعبية من الوقوع في فخاخ التمييع والتفريط، لا يقل أهمية عن العمل المسلح.