{مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ} منهج يبيّن كيف كانت حركة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)
{مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ} منهج يبيّن كيف كانت حركة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)
{مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ}(المائدة من الآية: 99) هذه عبارة تهديد يعني: الله هو المتكفل بهذه، يثيب، ويعاقب هو عندما يجعل الرسول كما قال سابقاً: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ}(النساء من الآية: 64) وهذه من الأشياء التي تبين لك كيف أن القرآن لم يقدم بديلاً عن الله، والرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) لم يكن بديلاً عن الله، الرسول في حركته، والقرآن في حركته يشد إلى الله فتلمس أن الله هو الملك، هو الإله، هو الرب، هو يهدي إلى الله، يقول هنا: {ذَلِكَ لِتَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ}(المائدة من الآية: 97) يعني: هو ملك الناس، ملك السماوات والأرض وما فيها، وهو بكل شيء عليم، يثيب، ويعاقب، فهو أرسل رسوله مبلغاً عنه، فهو الذي يثيب، ويعاقب هو، الله سبحانه وتعالى، ورسوله يهدي إليه، أليس هو يهدي إليه، ويعمل بهداه؟ فكل ما يعمله، وكل ما يدعو إليه، كل ما يتحرك فيه هو يشد الناس إلى الله.
{مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ} ورسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) كانت حركته على هذا النحو، يعني: حركته بالشكل الذي يملئ نفوس الآخرين توجهاً إلى الله، عبادة لله، لا يكون بالشكل الذي يكون مثلاً يلمس نفسه بأنه مثلاً ذكي، وعبقري، وقدير، فيحاول أن يشدهم له، له، مثلما يعمل الآخرون، الطواغيت، الله يقول هناك: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ}(آل عمران من الآية: 79) هذه طريقته، عندما تقرأ الآية هذه {مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ} فاعرفها هي منهج تبين لك كيف كانت حركة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)؛ ولهذا نقول: أن القرآن أهم مصدر لمعرفة سيرة النبي (صلوات الله عليه وعلى آله)، وشخصيته، في الآية السابقة: {فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ}(المائدة من الآية: 92) كيف الصورة هنا: لكي لا تعتقدوا أنكم – مثلاً – أمامكم محمد، فقط محمد، ما كأنه يبعده من أمامهم، ويبرز هو سبحانه وتعالى في الصورة؟ هي نفس القضية هنا، حركة رسول الله تكون على هذا النحو: يوجه الناس بالشكل الذي يجعل ما يملئ مشاعرهم هو ماذا؟ التوجه إلى الله، واستشعار رقابة الله، وملكه، وألوهيته.. الخ.
كذلك الإمام علي، ولذلك نستبعد جداً أن يكون هناك أناس ألهوه – كما يقولون – إذا كانوا يجلسون عنده، ويسمعونه، لا يمكن أن يحصل عندك أن تؤلهه؛ لأنه يشدك إلى ماذا؟ إلى العبودية لله، ولا هو يقدم لك مؤهلاته بالشكل الذي يجعلك أن تعجب به وتعتقد أنه قد صار إلهاً، لا يحصل هذا على الإطلاق. الآخرين الطواغيت الذين يجعلون الناس يتخذونهم أنداداً من دون الله، هنا يشد الناس إلى نفسه فقط لم يعد يرى منه وفوق شيئاً، إلى عنده فقط، إلى أن يصبح رمزاً، أو أي عبارة من هذه، وعَلَم، وفقط لم يعد منه وفوق شيء.
بعضهم يفهمون هذه الآية بمعنى: الرسول عليه يبلغ، يبلغ، ثم يقول في الأخير: الدين هو فقط اهتماماته أنك تبين فقط {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ}(الغاشية:22) أليسوا يقدمونها هكذا؟! لا، إنها بهذا الشكل: هو في المقدمة يقول: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ}(النساء من الآية: 64) وهنا قال بعبارة واضحة: {أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ} أطيعوا الرسول، متكررة، لكن ليفهموا بأن الله هو ملك، ملك حاضر، شهيد، رقيب، مثلما يقول لك: ابعد منهم، ذكر إنما أنت مذكر وانتهت مهمتك، عليَّ المسألة {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً}(المدثر: 11) {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ}(الغاشية: 25) ونظائرها في القرآن كثيرة بهذا الشكل، ليس معناها: أنك تقول: إذاً فالنبي كانت مهمته هو أن يوعظ فأنت تتعلم على أساس تطلع أيضاً موعظ فقط و{مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ}(المائدة: من الآية99)، {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} يعني: لا دخل لك بهم، ولا تفرض نفسك عليهم، ولا أشياء من هذه، يقدمونها بهذا الشكل! أليس الله يقول: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ}(الأحزاب من الآية: 6) أليس هكذا؟ أليست الآية واضحة؟ يعني: يجب أن يطيعوه، ويتبعوه، هو أولى بك من نفسك، ليس هناك فوق هذا، بمعنى تطيعه وتتبعه. {مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ}(المائدة من الآية: 99) ماذا وراء هذه أنه هو سيؤاخذ، هو شديد العقاب.