مُحوِّلْ شاحِن الجِنرال !
عين الحقيقة/كتب /د/مصباح الهمداني
وعاد الأشبال الأبطال من معركة #ذات_السلالم بغنائم كثيرة، وفرحة كبيرة بنصر الله، ومعهم أحد الأحياء الشُّهداء، ورافقتهم السلالم الحربية، آملةً أن تُشارِكَ في المعارك مرات ومرات..
وفي الطَّرف الآخر وبعدَ أن هدأَ إطلاق الرَّصاصْ، وبعدَ ليلةٍ كاملة، هبطَت المروحيةُ الأولى، وعليها بضعة من المرتزقة السنغال والبنقال، ونادى أحدهم عبرَ الجِهاز:
-الموقِعُ آمنٌ، بعدَ انسحاب العدو، والقتلى هُنا بالعشرات..
ويأتي الجوابُ من ضابطٍ “سعاودي”:
-مشطوا الخمسة الجبال كاملة.. فيردُّ عليه البنقالي:
-تم التمشيط بكل مكان، فالعدو قد انسحبْ تمامًا..
وتهبطُ ثلاثُ مروحيات أخرى عليها ثلاثة جنود سعوديون، يرافقُ كل واحدٍ منهم سبعةٌ من المرتزقة ..
كانت الطائرات في مكانٍ آمن، ولكن النازلين منها متلحفين بالخوفِ والرعبِ، ورشاشاتهُم مُعدَّةٌ لإطلاق الرصاص، وتحركَ العساكرُ الثلاثة بين تلكَ المواقع والتي ما تزالُ الأدخنةُ تتصاعدَ منها مختلطةً برائحةِ الدماء.
وما إن وقفَ الجنودُ الثلاثة على زملائهم ، حتى انفجروا باكين وارتفعَ عويلهم، وأشاروا للمرتزقةِ بحملِ القتلى بسرعة، قبلَ أن تغيبَ الشمسُ ويحلُّ الظلام فترتفعُ نسبةُ الخوفِ والذعرِ والهلعْ..
أقلعتِ الأربعُ المروحيات، ثم هبطت، لتجد في استقبالها المآت من الضباط، وحوالي ثلاثة آلاف جندي، قد انتظمت صفوفهم، وبدا الحزنُ على وجوههم، وبعدَ أن ألقوا النظراتِ على القتلى الملفوفين بأعلامِ المملكة، وانطلقت بعدها الجُثث في سياراتِ الإسعاف باتجاه المستشفى، ثمَّ اعتلى كبيرُ الضبَّاطِ منصةً مُعدَّة، وأرعَدَ وأزبدَ، وأخبرَهم بأن العدو قد أدخَل سلاحًا جديدًا في المعركة، ولهذا سيتم إحراق كل شيء يلمعُ في الجبالِ المطلةُ على نجران، وطالبَ الجميعَ بالاستعداد لبدء ليلةٍ جديدة، وذكَّرهم بوعد الملكِ بالمكافأة المُجزية..
وصعدَ خلفه جنرالٌ أمريكي يتكلمُ عربيةً مكسَّرةً وقال:
-لقد أحرجتمونا أمامَ العالَمَ كله وفضحتمونا فضيحة تلوَ فضيحة، فأحدَثْ دباباتنا تُحرَقْ بالولاَّعة، ومدرعاتنا القوية تُصبحُ رمادًا بالكرتون، والآن يأتونَ إليكم في الأماكن التي جعلناها شواهِقْ لا يرقى إليها الطير ولا يستطيع الوصولَ إليها بشر، فيأتونكم بالسلالِم، أي فضيحةٍ جلبتموها لنا، وأي خزيٍ وعارٍ ألبستمونا؛ أينَ كنتم نائمين أيها البِغال، وأينَ حِسُّكم الأمني أيها الأغبياء..
ويرفعُ أحدُ الجنودِ يده ويقول:
-ياسيدي أعداؤنا متمرسون على الحربِ، ومتدربون منذ الطفولة، وهم يشاغلوننا قبل الهجوم بقذائف بعيدة، ولا ندري أنهم قد اقتربوا منا بسبب استمرار القذائف، وخاصةً والمكانُ محصَّن بذلك القص المُتقن.. يقاطعه الجنرالُ الأمريكي قائلاً:
-ماذا نفعَلُ لكم أيها الجُبناء، هل نصنعُ لكم متارس ونُعلقها في السماء، أم نجعل لكم أقفاصٍ من حديد، أم ماذا نفعَل؟ ثم ينظر إلى الطوابير المتعددة الألوان والجنسيات ويكملُ حديثه قائلاً:
-إن كنتم في مواقع مفتوحة فسُرعانَ ما تهربون عند أولِ طلقة، وإن حصَّناكم أتوكم إلى متارسكم، ولولانا وطائراتنا لكُنتُم ومملكتكم في خبرِ كان..
رفعَ يدهُ جنديٌ آخر وقال:
-ياسيدي نحنُ نقاتلُ بمعنوياتٍ منهارة، فالرواتب ستة أشهر لم نستلم ريال واحد، والمكافأة كلام فقط، ومن ماتَ منا لا تصِلْ مكافأة الملك لأهله أبدًا واسألوا من مات، وقيادتنا ممزقة وقائدُ حرسِنا الوطني معزول .. صاحَ الضابط السعودي قائلاً:
-اصمت اصمت ، شكلك عميل، خذوه إلى الزنزانة.. وقفز خمسة جنودٍ ليكتفوه ويدفعون به نحو مبنى كبيرٍ في الجوار.. لكن الجنرال الأمريكي صاحَ قائلاً:
-فكوا رباطه وأحضروه إلي.. وأوقفه بجواره وتابعَ الجنرال الأمريكي حديثه قائلاً:
-تلفتوا يا سعاودة يمينكم ويساركم، ألا ترون هؤلاء الجنود من كل بقعةٍ في العالمِ قد أتوا لمساعدتكم ضد هؤلاء اليمنيين الأوباش، ألا ترون كم عدد الطائرات والطيارين الأمريكيين الذين يساعدونكم ليلاً ونهارا، ألم تروا إلى أنواع السلاحِ الذي نُزودكم به، ألا تعلمون أن في موقع (الضبعة) لوحده ستة نواظير لا توجد مثلها إلا مع الجيش الأمريكي والإسرائيلي فقط، وباستطاعتها رؤية نملة على بعد كيلومترات في ليلٍ أو نهار، ومثلها ثمان قناصات حديثة جدًا، عدا عن المدافعِ والرشاشات الكبيرة؛ ألا تعلمون أنها وقعت بيد أعدائكم..
كانت الشمسُ قد طوَتْ سراجها الوهاج، وبدأ الليل يبسطُ رداءه الأسود ببطء شديد، وفيما التوبيخ والتهديد والزجرِ والوعيد يستمرُّ من الجنرالِ الأمريكي، حتى صاحَ أحدُ العساكرُ الأمريكيين مِنَ المتمركزين على سطحِ أحدِ المباني المجاورة الكبيرة بأعلى صوته قائلاً:
-” أووو ماااي قااااااد ” -” أووو ماااي قااااااد “-” أووو ماااي قااااااد “
وماهي إلا ثلاثٌ ثوان، وقد تعلَّقتْ كل العيونِ نحوه، وهو قابضٌ بكلتا يديه على رأسه..
وإذا بجسمٍ طويل وكأنه برجٌ سقطَ من السماء، يهوي كالبركان في الساحة، فيقلِبَ عاليها سافِلها، وتتصاعدُ الحرائقُ الكثيفة من الطائرات، وتلتهبُ مآت الأجساد، وتتعالى الصرخَاتِ بكل اللغات،
“أووو مااااي قاااااد” -” أووه ديوس” -“أوميو ديو” -” إي منقو وانقو” -” أوه مون ديو” -“مو قابنا غصف عمرك واموكريد”- “يا امَّايه اريولي يحرقون”- ” يالربع طَاح سروالي”
كانت أقدام الجنرال تحترق، من أثرِ بترولٍ متسرب، أخرج هاتفه وتحدثَ إلى زوجته وقال:
-عزيزتي نحن نحترق الآن، وأعلمُ أن الإعلام السعودي سيكذب، فإن متُّ فأخبري القنواتِ كلِّها، بأنَّني متُّ حرقًا، ومعي المآت من جنودِ النخبة الأمريكية، ومن الطيارين المهرَة، والكثير الكثير من الجنسيات المتعددة، في مشهدٍ لم أرَ مثله في حياتي، وأخبريهم بأنَّ من أحرقنا هو صاروخٌ من جهةِ اليمن..
وترتفِعُ رائحة الشِّواء، وترتفعُ معها ألسنةُ اللهب، وتَحمِلُ نسائمَ الليل ترددات صدى أصوات رجال الرجال حاملةً في أمواجها صرخاتُ (الله أكبر)
وتُعلنُ قناة المسيرة المظفرة، بأن السُّلَّمَ بريء من حرائقِ الليلة في القواتِ الخاصةِ السعودية في نجران؛
وأن الفاعل هو اليمني الباليستي بركان من نوع قاهر تو إم ..
وتُعلِنُ قنوات العربية والإخبارية والحدث واسكاي نيوزٍ كالعادة؛ بأن الصاروخ تم إسقاطه بالباتريوت وأن الحرائق كانت من اشتعال مُحوِّل شاحِن الجِنرال الأمريكي.
شُكرًا لله، وللقائدِ، ولرجالِ المَسيرةِ والسِّيرةِ والتاريخ.