ميناء عدن يحتضر: الكشف عن أسباب توقف نشاطه منذ 10 أيام في سابقة تاريخية

لا يزال النشاط الملاحي في ميناء عدن متوقفاً منذ السابع والعشرين من نوفمبر الماضي، ولا تزال التساؤلات عالقة في فضاء واسع من الصمت الحكومي المطبق، فلا إجابة تفسر رسمياً توقف الحركة الملاحية في الميناء بشكل كامل، خصوصاً أن هذا التوقف يأتي بعد حصول الميناء على امتيازات كان يفترض أن ترفع معدلات نشاطه، لا أن توقفه نهائياً بشكل يتنافى مع المنطق، خصوصاً أن التوقف الذي اعتبره البعض سابقة لم تحدث منذ خمسين عاماً أصبح حدثاً تاريخياً يتكرر يومياً منذ غادرت الميناء آخر سفينة كانت محملة بمواد البناء، عصر الإثنين 27 نوفمبر الماضي.

تساؤلات الناشطين والصحافيين بشأن ميناء عدن لم تحرك أحداً من مسؤولي الحكومة، فتوقف أهم موانئ البلاد لأول مرة منذ تأسيسه عام 1972م، لم يدفع بالمسؤولين لتوضيح ما يحدث في أحد أهم موانئ اليمن، باستثناء الدائرة الإعلامية لميناء عدن التي هاجمت وسائل الإعلام التي نشرت عن عدم استقبال الميناء أي سفن تجارية، لكنها وحين أرادت أن تنفي الخبر قامت بإثباته وإرجاع السبب إلى أن شركات الشحن تمر بمرحلة الإقفالات السنوية رغم أنها تتم في نهاية السنة المالية أي بنهاية الشهر الجاري.

الدائرة الإعلامية لميناء عدن، قالت في ردها إن نشاط الميناء تراجع قليلاً بسبب الإقفالات السنوية في الأسواق العالمية ودول التصدير، كما أشارت إلى أن المستوردين يُجبرون على التوجه إلى ميناء الحديدة، رغم الفارق الكبير في أسعار الشحن البحري بين الميناءين.

وكما لو كانت الدائرة الإعلامية لميناء عدن تتخبط فيما تقول وتتناقض، فقد أسهبت في استعراض ما يتمتع به ميناء عدن من “علاقات وطيدة مع كبريات الخطوط الملاحية الناقلة، والتي تجعله الخيار الأول لسفن الخطوط الملاحية العملاقة نظراً لما يمتلكه من إمكانيات البنية التحتية والفوقية والموقع المتميز، وقائمة العملاء التي تضم أكثر من خمسين خطاً ملاحياً عالمياً ناقلاً، ما بين مشغل ومالك للسفن وما بين مالك ومشغل للحاويات، ما يجعله الرقم الأصعب”، لكن الشاهد هنا أن الميناء متوقف منذ عشرة أيام، والحقيقة أن ذلك البيان بقائمة المميزات لا يعني شيئاً والميناء متوقف، ثم إن التساؤلات في الأساس مبنية على ما ينشره موقع مؤسسة موانئ خليج عدن من تحديثات حركة السفن من وإلى الميناء، والتي تعيش حالة صفرية من الحركة منذ عشرة أيام.

الدائرة وعدت حينها بنشر أخبار سارة خلال أيام تؤكد أن “قدرة ميناء عدن تفوق كل المكائد والدسائس التي تحاك، وأنه ميناء محوري معد لاستقبال وخدمة السفن العملاقة من فئة الجيل الخامس والسادس من سفن الحاويات العملاقة”، لكن اللافت أن ما حدث منذ البيان وإلى اليوم أن الميناء لم يستقبل أي سفن وهو ما لم يحدث في التاريخ الحديث للميناء.

وبالعودة لإرجاع الدائرة الإعلامية لميناء عدن تراجع نشاطه إلى الإقفالات السنوية العالمية التي تتم في ديسمبر بشكل دائم، تتبع “يمن إيكو” حركة النشاط الملاحي للميناء خلال الشهر نفسه من العام السابق والعام الأسبق، ووجد أن رصيف الميناء لم يخلُ أبداً من السفن الواصلة، ولم يكن متوقفاً في تلك المرحلة على الإطلاق، الأمر الذي يثير المزيد من التساؤلات، فعلى سبيل المثال: أشارت تحديثات مؤسسة موانئ خليج عدن إلى أربع سفن راسية في رصيف ميناء عدن في الأول من ديسمبر 2022م، وفي الثاني من ديسمبر من عام 2021م، كانت هناك أربع سفن راسية على رصيف ميناء عدن، حسب تحديثات المؤسسة، الأمر الذي يثبت انتفاء الإقفالات السنوية كسبب لتوقف نشاط الميناء بشكل كامل.

وكان موقع “يمن إيكو”، في إطار تحريه عن أسباب تعطل العمل في ميناء عدن، حاول التواصل هاتفياً مع العلاقات العامة لمؤسسة موانئ خليج عدن، لمعرفة سبب توقف النشاط الملاحي في الميناء، إلا أنه لم يحصل على أي إجابة.

اللافت في توقف النشاط الملاحي في ميناء عدن بشكل كامل، هو أنه جاء بعد ما حصل الميناء على عدد من الميزات التي كان يفترض أن تجعله وجهة مفضلة للتجار اكثر من ميناء الحديدة، منها على سبيل المثال خفض الرسوم التأمينية على السفن والبواخر، والتي ارتفعت إلى 16 ضعفاً بسبب ظروف الحرب واعتبار الميناء ذا مخاطر عالية، وتم خفضها بموجب مذكرة تفاهم وقعها وزير النقل في الحكومة اليمنية، عبدالسلام حُميد، مع الأمين العام المساعد للأمم المتحدة المدير الإقليمي للمنطقة العربية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي عبدالله الدردري، في شهر أغسطس الماضي، ورغم ذلك لا تزال السفن تفضل التوجه إلى ميناء عدن الذي لا تزال رسوم التأمين البحري عالية الكلفة على السفن القادمة إليه، حتى في الظروف الحالية التي فرضت تواجد قوات صنعاء في البحر الأحمر بعد قرار سلطاتها منع عبور السفن الإسرائيلية من مضيق باب المندب، على خلفية تضامنها مع الشعب الفلسطيني في الحرب التي يشنها جيش إسرائيل على قطاع غزة.

ويرى خبير الملاحة البحرية في موقع “يمن إيكو”، أن توقف الحركة الملاحية في ميناء عدن ناتج عن مجموعة من الأسباب، منها ما كانت الحكومة اليمنية سبباً في حدوثه ومنها ما عجزت عن التعامل معه لتورط محسوبين عليها، ومنها ما يفرضه الموقع الجغرافي الذي يناسب أو لا يناسب التجار، وتتمثل هذه الأسباب في عزوف الكثير من الجار عن الاستيراد عبر ميناء عدن والتوجه إلى ميناء الحديدة، بسبب قربه من أسواقهم، وهذا لا يعني قلة تكاليف النقل وحسب، بل يعني أن بضائعهم ستكون أكثر أماناً من المخاطر التي تعترض الشاحنات على طول الخطوط في المحافظات الجنوبية.

وأضاف خبير “يمن إيكو”، أن الرسوم الباهظة التي تفرض على التجار في ميناء عدن تُعدّ سبباً مهماً لتوجه التجار إلى ميناء الحديدة، سواء الرسمي منها المتمثل في رفع التكلفة الجمركية، حيث وصل سعر الدولار الجمركي إلى 750 ريالاً، والرسوم التي تفرضها هيئة النقل على كل حاوية بضائع، أو الجبايات الخارجة عن القانون التي تفرضها جهات نافذة في الحكومة، وفي المقابل قدمت حكومة صنعاء مزايا عدة وتسهيلات للتجار المستوردين عبر ميناء الحديدة، منها إعفاؤهم من 50% من رسوم الجمارك على السلع الواردة عبر الحديدة، وبسعر 250 ريالاً للدولار الجمركي الواحد.

وأوضح أن شاحنات نقل البضائع تصطدم بنقاط جبايات منذ خروجها من ميناء عدن حتى تصل إلى المحافظات المقصودة، وهو ما اعترف به المجلس الانتقالي الجنوبي، المشارك في الحكومة، ودعا إلى تقنين تلك النقاط، حيث طالبت اللجنة المكلفة من رئاسة المجلس الانتقالي في الثامن والعشرين من نوفمبر الماضي، بضرورة وقف الجبايات المتعددة على خطوط ونقاط محافظة أبين، وتوجيه ما يتم جبايته لصالح تنمية المحافظة وخدمة أبنائها، ورفع كافة نقاط الجبايات من الطريق التجاري الدولي بأبين كونها تثقل كاهل المواطنين، كونها تنعكس على رفع الأسعار.

وأشار الخبير إلى أن منطقة الصبيحة في لحج تعد البؤرة الأكثر استهدافاً لشاحنات نقل البضائع، حيث شهدت الكثير من أعمال النهب القسري والقتل على مدى السنوات الماضية، ففي 1 فبراير 2022م أقدم مسلحون مجهولون على نهب قاطرة محملة بمادة الديزل تابعة للتاجر جياب قحطان بعد تعرضها لحادث مروري في منطقة الحبيلين، وفي 5 مارس من العام نفسه قتلت عصابة مسلحة محمد عمر سائق شاحنة لنقل البضائع في طور الباحة، وفي 5 أبريل 2022م اغتال مسلحون “خالد عبد الحميد العاطفي” (مالك قاطرة) بنقطة تفتيش في منطقة يافع.

وكانت الحكومة اليمنية رفعت أسعار الدولار الجمركي مرتين، الأولى في أغسطس 2021 بنسبة 100% من 250 ريالاً إلى 500 ريال، والثانية في يناير من العام الجاري من 500 ريال إلى 750 ريالاً، بحُجة تعزيز موارد البلاد، وسط تحذيرات من كيانات نقابية وقانونية وتجارية ومجتمعية من تداعيات هذا القرار على المواطنين وأيضاً على الحركة التجارية في البلاد، خصوصاً بعد القرار الذي اتخذته قوات صنعاء بمنع تصدير النفط من الحقول اليمنية، وهو الأمر الذي كان أحد أسباب توجه التجار إلى الاستيراد عبر ميناء الحديدة، والذي أدى بدوره إلى توقف نشاط ميناء عدن.

 

المصدر:يمن إيكو

 

 

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا