بعد وصول الرحلة الأولى إلى مطار صنعاء، أطل المبعوث الدولي تيم هانس غراند برغ بإحاطة إلى مجلس الأمن عبر الفيديو من العاصمة الأردنية عمان، وعبّر صراحة عن أنه سيعمل على مشروع تمديد الهدنة والتمهيد لما بعدها من خطوات سياسية.
مع اقتراب الهدنة من نهاياتها، تسجّل الكثير من الطروحات السياسية بين من يدعو لتمديدها رغم علاتها، ومن يطالب بتصحيح مسارها وفق المتفق عليه والمعلن أممياً.
خلال الأيام الماضية، أطل المبعوث الأميركي تيم ليندر كينغ في مقابلة خاصة مع قناة “الحرة” الأميركية، ليعبر صراحة عن رغبة بلاده في تمديد الهدنة الإنسانية العسكرية، بزعم حرص واشنطن على “تخفيف الأزمة الإنسانية”، في حين لم تسجل أيّ رحلة تجارية إنسانية إلى مطار صنعاء حينها.
وبعد وصول الرحلة الأولى، أطل المبعوث الدولي تيم هانس غراند برغ بإحاطة إلى مجلس الأمن عبر الفيديو من العاصمة الأردنية عمان، وعبّر صراحة عن أنه سيعمل على مشروع تمديد الهدنة والتمهيد لما بعدها من خطوات سياسية. وفي اليوم التالي (17-05-2022)، “أعرب مستشار الأمن القومي عن تقدير بلاده لقيادة السعودية في تأمين هدنة بوساطة الأمم المتحدة”، ما يعني أنَّ ثمة رغبة أميركية سعودية أممية مشتركة في العمل على مشروع التمديد، وإن بطريقة عرجاء ملتوية، وخصوصاً أن قوى العدوان لم تلتزم بما نصت عليه الهدنة الإنسانية من تسيير 16 رحلة تجارية إلى وجهتين محددتين، هما الأردن ومصر، ولم تستكمل السفن المنصوص عليها في الهدنة، ولم تتوقف الخروقات الميدانية يوماً منذ 2 نيسان/أبريل المنصرم.
صحيح أن هناك رغبة في ذلك، لكن هل هي بدافع الحرص على تخفيف الأزمة الإنسانية في اليمن أو لأهداف سياسية اقتصادية ومآرب أخرى؟ هنا، لا بد من قراءة هذا المعطى في سياقه العام على المستوى الدولي، لنستطيع تفكيكه والوصول إلى استنتاج منطقي.
أولاً: لم تكن الرغبة هذه متوافرة منذ 7 سنوات خلت. وقد تخلّلها وصنع فيها أكبر أزمة إنسانية في العالم.
ثانياً: هذه الرغبة جاءت بعد عمليات عسكرية استراتيجية ضربت صميم الاقتصاد السعودي، ضمن ما أسمته صنعاء “عمليات كسر الحصار”.
ثالثاً: هذه الرغبة تزامنت مع الأزمة في أوكرانيا، وما نجم عنها من صراع جيوسياسي في أسواق النفط، وبالتالي إن الحرص الأميركي على بقاء الهدنة يعبر عن رغبة أميركية سعودية غربية في تجميد العمليات العسكرية اليمنية على منشآت النفط السعودية، وضمان توفير البدائل من الغاز والنفط، بمعنى أن الهدنة تصب في مصلحة أميركا والسعودية، أقله بانتظار مآلات الأزمة في أوكرانيا.
رابعاً: ربطاً بالنقطة الثالثة، لوحظ خلال الأسابيع الماضية تحرك عسكري وأمني أميركي مريب، من إرسال قطع بحرية إلى البحر الأحمر، إلى زيارات مكوكية لقائد القيادة المركزية في الخليج ومصر، وصولاً إلى الرغبة الأميركية في إعادة التموضع على الضفة الجنوبية لمضيق باب المندب. كل ذلك في سبيل خدمة مصالح أميركا وهيمنتها على طرق التجارة الدولية في سياق التنافس والصراع الأميركي الصيني الروسي. وقد توج ذلك بزيارة الأمير خالد بن سلمان إلى واشنطن ولقائه عدداً من المسؤولين، بينهم مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، الذي طرح على الملك سلمان سابقاً الحفاظ على استقرار أسواق النفط.
كل هذه المكاسب تريدها واشنطن والرياض، في مقابل حرمان اليمنيين وتجميد خياراتهم في فك الحصار وكسر العزلة المفروضة عليهم منذ 7 سنوات. ولا شك في أن صنعاء تقرأ هذه المعطيات قراءة دقيقة وتراقبها بعناية، بل تنظر إليها بأنها لا تخدم السلام وموجباته، وإن بدت تصريحات المعسكر الآخر براقة.
ولأن صنعاء تنظر إلى سلوك قوى العدوان، ولا تنخدع بالأقاويل والتصريحات، فقد وضعت هذا الطلب قيد الدراسة، كما أوضح المجلس السياسي الأعلى في البيان الصادر عنه الأربعاء، ووضعت مطالبها المشروعة التي تمثل في حقيقة الأمر فرصاً ذهبية لمشروع التمديد ووضع الأقدام على سكة السلام، وهي على النحو الآتي:
– الإسراع في تسيير الرحلات التجارية إلى عمان والقاهرة، واستكمال السفن النفطية فيما تبقى من أيام الهدنة.
– فتح الطرق بين المحافظات اليمنية، بما في ذلك طرق تعز.
– ضمان استفادة الشعب من ثرواته، واستدامة صرف مرتبات الموظفين السابقة واللاحقة، ورفع اليد عن ثروات البلد من النفط والغاز، لتسخيرها في مصالح الشعب من المهرة إلى صعدة من دون تمييز، والتزام الأمم المتحدة ودول التحالف بذلك.
– الدخول في ترتيبات ما بعد الهدنة، مع استمرار الرحلات الجوية ودخول السفن النفطية.
– حسم اتفاق إنساني ناجز يضمن حقوق الشعب، سواء على مستوى المرتبات أو الخدمات والتنقل وتدفق السلع التجارية وإمداد النفط.
– التأسيس لاتفاق إنساني
أما أن تمدد الهدنة من دون أفق واضح، فهذا يعني تكريس حالة الحرب والحصار. ولا يشترط أن تكون الحرب بالحديد والنار، فالحرب الاقتصادية وسياسة التجويع من أخطر أنواع الحروب. وما لم تنفذ قوى العدوان مطالب الشعب اليمني المحقة، فإنها بالتالي تهدد فرص تمديد الهدنة ومد جسور الثقة بما يمهد للسلام العادل والشامل.