في زمن التحالفات المشبوهة وتمدد القرن الأمريكي بشكل غير مسبوق، يستمر الوضع كما هو عليه من الاستهانة بقدرات الدول ومحاولة إخضاعها للسيطرة الأمريكية المباشرة، وإن بواسطة دول أخرى في الإقليم تسير في ركب هذه الدولة الفاجرة . أمريكا يا سادة تحاول شيطنة كل شيء: القاعدة، طالبان، داعش وكل إنسان يمكن أن يهرول صوب الارتزاق والعمالة والخيانة المباشرة للوطن، بما في ذلك المرتزقة والعملاء في اليمن، سدنة الشرعية – حسب زعمهم . في هذه الأجواء تحاول أمريكا أن تلعب على التناقضات، فمن تابع كلمة مندوبة أمريكا في مجلس الأمن بالأمس القريب سيلاحظ كيف أن هذه الدولة استطاعت أن تطوي دول المجلس تحت جناحها، وتمرر لمندوبيها الأشياء التي ترغب الإفصاح عنها، من خلال الكلمات التي تعاقبت للمندوبين في الجلسة، التي خُصصت لمناقشة القضية اليمنية، لم يظهر أحد إحاطة كاملة بعناصر القضية، وظهرت جلياً خطورة التلقين المسبق السعوأمريكي الذي حوّل المندوبين إلى ببغاوات ناطقة، الكل يتحدث عن أشياء وهمية ويهرب بعيداً عن جذور المشكلة، ويكتفي أن يختم حديثه بكلمة السلام، أي سلام لا ندري؟! حيث جاءت المداخلات تعبيراً مُقززاً عن مستوى متدنٍ في الوعي والإدراك، كما هو حال مندوب بريطانيا المهندس الأصلي للعدوان، لم يكتف بأن يعكس وجهة النظر الأمريكية لكنه اختزل القضية في مارب ومشكلة مارب، وكأنها هي رأس الحربة. في مداخلته لم يتحدث – من قريب ولا من بعيد عن ضربات طائرات المعتدين التي لا تفارق أجواء مارب وعدد من المحافظات – دقيقة واحدة، مع أنه تكلم بهستيريا وتخبط في محاولة للوصول إلى نقطة يلتقي فيها مع الآخرين، وهذا هو حالنا في اليمن مع مجلس الأمن وجلساته التي تتحول إلى مهازل وشهادات زُور يُدلي بها مندوبو الدول، لا لرفع معاناة الشعب اليمني والنظر إلى مآسيه ولكن لإرضاء أمريكا وربيبتيها في المنطقة نظامي آل سعود وآل زايد . من الأشياء التي أجمع عليها كل المتحدثين، ضرورة رفع الحصار وفي المقدمة ميناء الحديدة ومطار صنعاء، بدءاً بغريفيث الذي طالب بتنفيذ هذه الخطوة دون قيد أو شرط وانتهاءً بمندوب روسيا الذي طالب برفع الحصار البري والبحري والجوي المفروض على اليمن كمقدمة لإثبات حسن النية والتمهيد للحل والتسوية السلمية، وملامسة قضايا اليمنيين الأساسية متمثلة في أزمة المشتقات النفطية والمواد الغذائية، بينما تفردت المندوبة الأمريكية بعبارات نفس الخطاب العدائي الدائم المليئ بالمغالطات، والذي يحاول تحميل الضحية كل شيء ويستبعد الجلاد . كنا نأمل أن مجلس الأمن فعلاً في هذه الجلسة الخاصة سيُقدم شيئاً لليمن واليمنيين، لكنه وكما هي العادة في مثل هذه المحافل كل مندوب أثبت حضوره ووقّع في كشف الحضور بكلمات لا تُقدم ولا تؤخر، وفي خضم المداخلات وعبارات التأييد والمجاملة أشار مندوب كينيا إلى نقطة هامة وخطيرة، حيث ربط بين برقية تأييد ما يُسمى بقاعدة جزيرة العرب لطالبان وما حملته من إشادة بانتصار الأخيرة الساحق على القوات الأمريكية وبين ما يُخطط للمنطقة مستقبلاً، وهي مقارنة ذكية لأنه كما نعرف القاعدة انتشرت وامتدت في المنطقة وقامت بالتفجيرات والقتل والسحل والذبح بعد أن وصلت طالبان إلى سدة الحكم في أفغانستان عام 1996م، وها هي اليوم تعود إلى نفس الموقع بقوة أكثر وبدعم أمريكي مباشر، وهنا تتضح حقيقة هامة تكشف العلاقة الخفية بين أمريكا – الدولة التي تدعي أنها حامية للأخلاق والقيم وحقوق الإنسان – وبين العصابات المسلحة ممثلة بالقاعدة وتنظيم الدولة وطالبان وأمثالهما، كلها مفارقات عجيبة وأشياء مبهمة لا يعرف كُنهها إلا من استطاع أن يَنفُذ إلى الأعمال والممارسات غير السوية لهذه الدولة، عندها سيعرف كيف أنها تلعب بالقاعدة كقطع الشطرنج وتنقلهم من منطقة إلى أخرى، وليت أصحاب النفوس المريضة الذين شككوا ويشككون فيما يقوم به الأبطال رجال الرجال من أعمال أسطورية خارقة، ممن لم يستوعبوا الممارسات الشاذة التي تقوم بها أمريكا ومواقفها تجاه هذا التنظيم الموجود في اليمن، ليعرفوا أن العم سام استاء جداً لأن أصحاب الهامات القوية والإرادات الصلبة استطاعوا دحر عناصر القاعدة الإجرامية في البيضاء، فبلغت في مواقف رد الفعل حد الاستماتة وتزويد من تبقى من هذه العناصر بالأسلحة الفتاكة التي تمكنهم من إعادة التوازن والاحتفاظ بموضع قدم في محافظة البيضاء، أي أن أمريكا هي القاعدة وهي داعش وهي طالبان، فالأخيرة ليست إلا مجرد أدوات تستخدمها الدولة العظمى لتطويع الآخرين وفرض الوصاية عليهم ليصبحوا أتباعاً لإرادة البيت الأبيض. إذاً .. طالما أن أمريكا هي المهيمنة على مجلس الأمن وهي التي تفرض إرادتها على الدول – بما في ذلك الدول العظمى الأخرى وبالذات روسيا والصين- فماذا ننتظر من هذا المجلس؟!! الحقيقة أن كل المؤشرات تُشير إلى أن الأبطال في مواقع العزة والكرامة هم من سيفرضون الحل، فالهامات الصادقة الملتحمة بقضايا الوطن والمجسدة لهموم أبناء اليمن وتطلعاتهم هي التي ستفرض الحل السلمي المقبول والبعيد عن السيطرة والهيمنة والابتزاز السياسي، وطالما أن إيمانهم قوي بالله سبحانه وتعالى فإن هذا الأمر سيحدث قريباً، وليس ذلك على الله ببعيد، والله من وراء القصد ..