من كرش لحج ووازعية تعز : الحقيقة تنقل الحقيقة من قلب الحدث في رحلتها إلى محافظة تعز ”استطلاع خاص”
مضى على العدوان الأمريكي السعودي أحد عشر شهراً والعدو بماكينته الإعلامية الضخمة يعتمد بشكل أساس على التضليل الإعلامي وممارسة الحرب النفسية كوسيلة للإرجاف وإخافة اليمنيين وثنيهم عن مواصلة الصمود والدفاع عن وطنهم ومع ذلك فإن الحرب النفسية هذه أخفقت ولم يكتب لها النجاح بسبب أن من يديرها وهم خبراء ذات كفاءات عالية في علم النفس لم تسعفهم الأحداث على الأرض بإنجازات عسكرية من شأنها أن تتيح لهم الفرصة لفبركة شائعات تكون ولو قريبة من ملامسة الواقع فمثلاً عندما نرى الغزاة يشنون عمليات أشبه ما تكون بعمليات الانتحار على أبواب مديرية نهم حتى يوهموا الرأي العام بقرب دخول صنعاء ثم نقارن بين عمليات الانتحار تلك وبين ما يبثه الإعلام الحربي للجيش واللجان الشعبية من مشاهد حية لقتلى سعوديين وأجانب ومرتزقة واقتحامات وغنائم لا حصر لها في تعز والحديدة ومأرب والجوف وفي تخوم الأراضي السعودية على بعد آلاف الكيلو مترات من العاصمة فإن الجميع حينها سيدرك مدى إفلاس العدو وتخبطه وعدم قدرته على صنع أي شائعات من شأنها أن تربك الوضع الداخلي وتخلخل وحدة الصف اليمني من هنا كان بإمكان صحيفة الحقيقة أن تكتفي في الرد وتفنيد أكاذيب العدو وشائعاته بما يقدمه الإعلام الحربي للجيش واللجان الشعبية من تقارير ومشاهد حية عن طبيعة المعارك وما يسطره المقاتل اليمني من مواقف و انتصارات ميدانية عظيمة إلا أنها أبت هذه المرة إلا أن تشد الرحال إلى جبهات القتال لتقبل أولاً هامات رجال الرجال المرابطين في ساحات الشرف والعزة وثانياً لتنقل الحقيقة لقرائها كما هي لا كما يروج لها وسائل إعلام العدو فكانت الانطلاقة صباحاً من العاصمة صنعاء باتجاه محافظة تعز وعلى غير العادة لم نجد صعوبة في اجتياز شوارعها كما في الأوقات الأخرى نظرا لازدحام السير وانتشار المواطنين بكثافة غير مكترثين بقصف الطائرات ولا بأصواتها المزعجة وما إن اجتزنا مديرية حزيز جنوب العاصمة حتى كانت الشمس ترسل أشعتها الدافئة علينا ونسيم الهواء البارد يداعب الخدود ويصر على الدخول إلى أعماق النفس كطبيب طلب منه مداواة الجروح وبث روحية الأمل والتفاؤل كانت الطريق معبدة وتكاد تخلو من المارة لذلك اجتزنا مناطق عدة بسهولة وفي وقت قصير جداً وصلنا إلى سفح نقيل يسلح المطل على محافظة ذمار وهناك لفت انتباهنا أحد المطاعم على جانب الطريق يبدو أن صاحبه أعده بشكل خاص للمسافرين فقررنا التوقف والنزول لتناول الإفطار كان مزدحماً بالزبائن ولا حديث لهم وهم يتناولون وجبات الإفطار إلا التطورات الميدانية على الساحة اليمنية خاصة قاهر 1 وما أحدثه في الليلة التي سبقت سفرنا من تنكيل بالأعداء ودمار هائل في مطار أبها الدولي لمسنا من وجوههم ومن استراق السمع لحديثهم الحمية وحب الوطن والاستعداد للدفاع عنه حتى النهاية .
ذمار الأصالة والتاريخ العريق
واصلنا المسير باتجاه محافظة ذمار التي تبعد عن العاصمة صنعاء 100 كيلو متر ما لفت انتباهنا ونحن نشق طريقنا بين قيعانها الفسيحة أتساع أراضيها الخصبة وكثرة أسواقها ومحاصيلها الزراعية وفيها يوجد قاع جهران أكبر وأوسع القيعان اليمنية وفيه تزرع الذرة والقمح والشعير والخضروات والمحاصيل البستانية وأنت تشاهد الأسواق الشعبية لذمار والمباني المعمارية وتتفرس في وجوه أبنائها تشعر وكأنك في محافظة صعدة نفس الوجوه ونفس الزي ونفس الحركة والحيوية والنشاط لا تكاد تمر من أمامك سيارة لأحد المواطنين إلا وتحمل صورة شهيد وبجنبه ملصقات الثقافة القرآنية واللافتات المنددة بجرائم العدوان تكاد تملأ شوارع المدينة التاريخية ذات الأصالة والتاريخ العريق وهي المحافظة التي حملت على عاتقها في القرن السادس عشر الميلادي مقاومة الاحتلال العثماني وطردته من اليمن في عهد الإمام القاسم الذي اتخذ من مدينة ضوران عاصمة له اتجهنا جنوباً ومن قاع جهران الخصيب صعدنا إلى جبل سمارة الشاهق حيث تعانق قممه سحب السماء وفي مشهد من طيف الجمال أثارنا جمال السلسلة الجبلية المترابطة والمكسوة باللون الأخضر الغامق عندها تساءلنا إذا كانت هذه المناطق والجبال لا تزال بهذا الجمال الخلاب مع الجدب وقلة الأمطار فكيف سيكون سحر جمالها في المواسم التي يكثر فيها هطول الأمطار..؟ طوت السيارة بعجلاتها الطريق الملتوية نزولا إلى السحول الممتدة من سفح جبل سمارة إلى عقبة مدينة إب والتي تشتهر بخصوبة أرضها وتنوع محاصيلها الزراعية وفيها قال علي بن زايد مقولته المشهورة “إن كنت هارب من الموت فما من الموت مهرب, وإن كنت هارب من الجوع فاهرب سحول ابن ناجي” نسبة إلى ناجي بن أسعد التبعي”
اللواء الأخضر إب عاصمة السياحة اليمنية
بعد مرورنا من حقول السحول المتسعة صعدنا إلى مدينة إب والتي تبعد عن العاصمة صنعاء 193كم وتمتاز بخصوصياتها المعمارية ومبانيها المتقاربة الموشحة باللون الأبيض وتعد من أجمل المدن اليمنية وفيها العديد من المنتزهات السياحية التي تطل على السحول من جهة الشمال ووادي الدور والمدرجات الزراعية على سفوح الجبال اجتزنا الخط الدائري للمدينة بصعوبة نظراً لازدحام السيارات وانتشار المواطنين وعند مدخلها الجنوبي استوقفَنا شابان وطلبا منا إركرابهم إلى محافظة تعز وفي الطريق وكمحاولة لمعرفة هويتهم وموقفهم من العدوان سألت أحدهم عن المناطق التي تتمركز فيها المقاومة فابتسم ورد على السؤال بسخرية في مواقع التواصل الاجتماعي وصحافة نت انفجرنا بالضحك وكان جوابه الساخر بمثابة افتتاحية لحديث طويل عن العدوان الأمريكي السعودي والهدف من غزو اليمن بالإضافة إلى الصمود العجيب لليمنيين هذه المدة الطويلة والمرتزقة والدور القذر الذي يلعبونه ومما قاله ذلك الشاب أنه وبالرغم من حجم المآسي وما ترتكبه دول الغزو والعدوان من قتلٍ وتدميرٍ وهدمٍ للبنى التحتية إلا أن ذلك الإجرام يعد من العوامل الأساسية في تلاحم ووحدة اليمنيين وإدراكهم لحجم المؤامرة الكونية على وطنهم ثم استرسل قائلا كيف يعقل أن يجتمع تحالفٌ دولي مكون من 17 دولةً من أجل سواد عيون رئيس انتهت ولايته وأعلن استقلاله؟ كيف يعقل أن تستنفذ السعودية أموالها بشكلٍ مخيفٍ جعلها معرضة للإفلاس من أجل حفنة من اللصوص الهاربين لديها ؟ لو لم يكن اليمن مستهدفا بالغزو والاحتلال . أعدت عليه السؤال الأول هل صحيح أن مرتزقة العدوان لهم تواجد كبير في محافظة إب ..؟ يا سيدي محافظة إب مثلها مثل بقية المحافظات اليمنية فيها الأحرار وفيها الأنذال ومع ذلك فنسبة المؤيدين للعدوان لا يمثلون 2% من أبناء المحافظة قاطعته قائلاً لكننا سمعنا أن الكثير من أبنائها انتماؤهم الحزبي للإصلاح والإصلاح كما تعرف مؤيد للعدوان أجاب على سؤالي قائلا ليس كل الإصلاحيين مؤيدين للعدوان , المؤيد للعدوان هم قياداته ويجب أن نفرق هنا بين الإصلاح وبين العدوان, العدوان عدوان لا يؤيده ولا يرضى بأن يقتل أهله وتحتل أرضه وتداس كرامته إلا إنسان ليس له أهل ولا وطن ولا كرامة وأبناء إب لهم أهل ووطن وكرامة ثم إن تحكم قيادات الإصلاح بوسائل إعلامه وظهورهم أمام العالم بمظهر القاعدة الشعبية للحزب كمؤيدين للعدوان جعلهم يدفعون الثمن غالياً, اليوم هناك خروج جماعي لأبناء محافظة إب من عضوية الحزب وأغلب من كانوا ينتمون للإصلاح أصبحوا مع الأحرار والشرفاء ولهم مواقف مشرفة ومنهم شهداء والكثير منهم شارك مع الجيش واللجان الشعبية في إخماد أنفاس الفتنة التي أشعلها مرتزقة العدوان في بعض مناطق المحافظة كان حديثنا مع الشابين ممتعاً وشيقاً ساعدنا على اجتياز الطريق بيسر ودون أي تعب .
في كرش على بعد 40 كيلو من عدن قبضة الجيش واللجان الشعبية لا تزال على الزناد
قبل وصولنا إلى مدينة تعز كنا نعتقد أن المناطق التي تدور الاشتباكات فيها مثل الوازعية والمصراخ وحيفان تمثل في مجملها أحياء متفرقة من مدينة تعز لم نكن نعلم أن كل منطقة من تلك المناطق تبعد عن مركز المحافظة عشرات الكيلو مترات في بداية رحلتنا الاستطلاعية للجبهات انطلقنا شرقا باتجاه جبهة كرش بمحافظة لحج التي زرناها وهالنا ما رأينا ونحن نمر من منطقة الشريجة من آليات ومعدات عسكرية للعدو لا تزال متفحمة ومرمية على جنبات الطريق وفي الأماكن التي دارت فيها معارك شرسة انتهت بهزيمة نكراء للغزاة والمرتزقة لحظنا ونحن نتنقل من موقع إلى آخر رجال يعجز التعبير عن وصفهم ألسنتهم تلهج بذكر الله وأيديهم على الزناد لا تفارقها وأقدامهم راسخة في المتارس رسوخ الجبال لا يكاد يمر يوم من الأيام دون أن ينكلوا بأعداء الله قنصاً واستهدافاً للآليات وغزواتٍ حتى أنهكوا العدو واثخنوا فيه القتل والجراح والملفت هنا وكما أخبرتنا وحدات الرصد أن ضباط وجنود الغزو في كل معركة من المعارك كانوا يتمركزون في مواقع خلفية ويمارسون دوراً قذراً في الزج بالمرتزقة الذين غرروا بهم وأوهموهم أنهم يخوضون حرباً مقدسة لتحرير اليمن من اليمنيين في المقدمة ومن ثم يقومون بتطويقهم من الخلف ويمنعونهم من التراجع أو الهروب ومن يحاول التراجع أو الفرار فلا مصير له إلا القتل أخبرتنا أيضا أن المئات ممن قتل من المرتزقة قتلوا برصاصات جنود وضباط الغزاة الذين يحرصون على قتل أكبر عدد من اليمنيين حتى ولو كانوا ممن يقاتلون معهم ويأتمرون بأمرهم فربما يأتي اليوم الذي يصحى فيه أولئك المغرر بهم مثلما صحى الجيش اليمني بعد أن تعرض في عهد الإخوان وهادي لعشرات المجازر بتخطيطٍ ومؤامرة ممن يطوقون اليوم المرتزقة ويثخنون فيهم القتل. في رحلتنا الاستطلاعية إلى جبهة تعز رأينا العزة في موطن العز آلافاً مؤلفةً من أفراد الجيش واللجان الشعبية ينتشرون بكثافة في الجبال والتباب والطرقات والأسواق كأمنيات ورصد وتحري ومراقبة ومثلهم بل وأكثر منهم داخل الجبهات في قمم الجبال وفي السهول والوديان يترصدون العدو ويتحينون الفرص للانقضاض عليه كالأسود المفترسة شهدنا الحرب الرابعة والخامسة والسادسة وكانت رحى الحرب تدور في أجزاء بسيطة من محافظة صعدة مجاميع صغيرة بإمكانات بسيطة لا تتعدى السلاح الشخصي لهجتم واحدة وكل واحد منهم يعرف البقية من إخوته المجاهدين أما اليوم ففي جبهة تعز لوحدها المتشعبة لأكثر من تسع جبهات فضلاً عن جبهة ذو باب والمخا والحديدة وحرض وجيزان ونجران وعسير ومأرب والجوف وشبوة والبيضاء رأينا ما هالنا مجاميع لا تحصى يتحركون كخلايا نحل تجمعهم الأخوة الإيمانية والجهاد في سبيل الله وكل واحد منهم يؤدي ما أوكل إليه من عمل بكل همةٍ وعزيمةٍ ونشاطٍ , لديهم من الإمكانيات ما يستطيعون أن يواجهوا جيلا بعد جيل ومن يلحظ تلك الإمكانيات وأولئك المقاتلون ويقارن بينهم وبين أمكانيات إخوتهم المجاهدين قبل سبع سنوات فإنه سيحس برعاية الله لأوليائه وأن القضية التي يتحركون من أجلها مكتوب لها النصر والغلبة حتى لو اجتمع العالم ضدهم وقد اجتمعوا وشنوا حرباً كونيةً وعلى مدى أحد عشر شهراً رأينا ونحن نتنقل في جبهات تعز مدى الانحسار والانكسار الذي هم عليه لا سيما المرتزقة الذين فتك بهم القتل بعد أن تمترس خلفهم الغزاة وجعلوهم وقوداً لعدوانهم على اليمن بالمقابل من يلحظ ثبات المقاتل اليمني وصموده وإصراره على خوض الحرب حتى النصر أو الشهادة سيدرك أن هؤلاء الإبطال ما خلقوا لإلحاق الهزيمة فقط بفلول مرتزقة تجمعوا من شتات العالم لاحتلال اليمن وإنما خلقوا لتحرير الأمة وانتزاعها من براثن جاهلية أمريكا الثانية .
حصار تعز
ما لحظناه ونحن في طريقنا إلى تعز وجود عشرات النقاط الأمنية وكلما اقتربنا من عاصمة المحافظة ازداد عدد النقاط ومعها ازدادت التحريات والتشديدات الأمنية إلا أن الأفراد المناوبين كما لحظناهم حرصون كل الحرص على تيسير حركة المرور وتسهيل تنقل المواطنين والشيء الملفت أننا وقبل دخولنا مدينة تعز وبعد دخولنا وإقامتنا فيها شاهدنا مئات الناقلات المحملة بجميع أنواع المواد الغذائية ليس هناك حصار فكل شيء متوفر والمواد الغذائية تصل إلى كل أحياء المدينة ومن المستغرب هنا أن نسمع أن مدينة تعد من أكبر المدن اليمنية من حيث الكثافة السكانية محاصرة من الماء والغذاء ولا يدخلها شيء إلا جملٌ يصوره إعلام العدو وهو يحمل كيس دقيق وكهلٌ شاحب يحمل دبة ماء وهنا السؤال يطرح نفسه
هل يعقل أن يتكفل جمل الإصلاحيين وعجوزهم الكهل بتوفير الماء والغذاء لأكثر من مليوني نسمة على مدى أكثر من ثمانية أشهر..؟ إن الخطوط الرئيسة والفرعية مفتوحة على مدار الساعة لإدخال المواد الغذائية بمختلف أنواعها إلى كل حي وشارع حتى الأحياء التي يسيطر عليها المرتزقة تدخلها الناقلات وهناك خط رئيس مفتوح إلى عدن ويسيطر عليه المرتزقة لكن من دأب على الكذب ونمت مواهبه على تزييف الحقائق لا يتورع عن قول أي شيء حتى عن القول بأن تعز محاصرة .
في المدينة كان بإمكان الجيش واللجان الشعبية أن يحسموا المعركة لكنهم فضلوا التمركز في خطوطٍ دفاعية تحاشيا لسقوط ضحايا مدنيين حيث عمدوا إلى نقل المعارك إلى جبهات بعيدة تحول دون سقوط ضحايا مدنيين وتمنع أيضا من تمترس المرتزقة بهم وهذا ما تم حيث تدور أغلب المعارك في مناطق بعيدة إما في مناطق صحراوية أو جبلية يندر تواجد السكان فيها
زيارة وازعية الصمود والتحدي
تزامنت زيارتنا لجبهة كرش مع محاولة تقدم للغزاة والمرتزقة في جبهة الوازعية وبسبب عدم معرفتنا بمناطق المواجهات سألنا أحد المجاهدين هل تقرب جبهة الوازعية من جبهتكم تبسم قائلا لا يا سيدي الوازعية تبعد عنا كثيراً نحن الآن نتمركز باتجاه الشرق في محافظة لحج على مسافة قريبة من قاعدة العند والوازعية باتجاه الغرب على الحدود من محافظة الحديدة كان الوقت يقترب من الغروب وكان علينا أن نغادر رجال الله يحرسهم في تلك الجبهة المحصنة بالأسود من آلاف الرجال.
صباح اليوم الثاني ومن مدينة تعز انطلقنا باتجاه الغرب إلى منطقة الوازعية برفقة أحد المشرفين العسكريين كان الضباب يغطي المنطقة وآيات من القرآن الكريم تتردد على مسامعنا بصوت المقرئ المنشاوي الطريق كانت معبدة تتوسطها الكثير من الحفر بسبب رداءة التعبيد وقلت مادة الإسفلت وكلما انحدرنا باتجاه السواحل الغربية ازدادت حرارة الشمس توقفنا في منطقة جميلة تكسوها أشجار النخيل والمانجو والسدر وعلى وقع جمال الطبيعة وانتشار أعداد كبيرة من الجِمال والماعز والأبقار على جنبات الطريق وفي التباب المقابلة لنا جلسنا لتناول وجبة الإفطار. على بعد عشرة كيلو مترات من مفرق المخا انعطفنا جنوبا في طريق فرعية باتجاه الوازعية وعلى اصوات عيسى الليث شديت أنا للجبهة إرحالي كانت السيارة تنطلق كالسهم بسرعة فائقة لم نشأ أن نطلب من السائق أن يخفف السرعة كون الطريق خالية من المارة وفي نفس الوقت أصبحت عسكرية وهذا ما يجعلها عرضة لاستهداف الطيران مررنا بعدد من النقاط الأمنية وبوجود المشرف العسكري معنا لم يحصل لنا أي مضايقات أو مساءلة أمنية لذلك لم نتوقف إلا في مقدمة الجبهة وهناك كان لنا شرف مشاركة المجاهدين فرحة الانتصار العظيم الذي تحقق لهم في اليوم الأول على الغزاة والمرتزقة أخبرنا أكثر من واحد ممن ألتقينا بهم أنهم أوهموا العدو بسحب مجاميع عسكرية من المجاهدين وأن المنطقة أصبحت شبه خالية وفي نفس الوقت كان الإعداد يسير بوتيرة عالية من بناء التحصينات وتعزيز وحدات التدخل السريع ووضع متارس سرية بعيدة عن عين العدو وهنا سال لعابه للتقدم والسيطرة على المنطقة وما إن تقدم وأدخل جنوده وآلياته حتى أطبق عليه المجاهدون من كل اتجاه وانهالت عليه النيران من الأمام ومن الخلف ومن الجبال و باطن الأرض كان يوما كما وصفه المجاهدون من أيام الله تكبد العدو خلاله خسائر مهولة في الأرواح والآليات وتمكن أفراد الجيش واللجان الشعبية من التقدم مسافة كبيرة وسيطروا على عدد من المواقع التي كان العدو يتمركز فيها أثناء تواجدنا كان الغزاة والمرتزقة يضربون بمختلف أنواع الأسلحة وعندما سألنا عن سر الضرب أجابنا أحد المجاهدين أن هذا الضرب يأتي عادة من جهة العدو بعد كل هزيمة تلحق به وأمس أصيب بانتكاسةٍ وخيبة أمل كبيرة وما قيامه بالضرب الكثيف إلا محاولة لتعويض الخسائر التي لحقت به ألتقطنا بعض الصور وعقدنا اللقاءات مع بعض المجاهدين ثم انحدرنا إلى أحد الأودية القريبة من الجبهة وهناك استحمينا بمياهه الدافئة وأدينا الصلاة وتناولنا وجبة الغداء تحت أشجاره التي تبدو كواحة من الغابات جلسنا في نفس المكان مع بعض المجاهدين لتناول أغصان القات التي جلبناها معنا من مديرية البرح وعلى وقع صوت هدير الماء ومواويل أصوات المدفعية والرشاشات واصوات الطائرات جلسنا نستمتع بطعم القات وبحديث المجاهدين وهم يتفننون في وصف معارك الوازعية وبطولات المجاهدين والعمليات التي نفذوها وكيف استطاعوا أن يديروا المعركة مع عدو مدجج بمختلف أنواع الأسلحة ويثخنوا فيه القتل والأسر وينكلوا به وبآلياته حتى بات عاجزاً لا يقوى على المواجهة ولا يجيد إلا التولي والهروب من الميدان مع سقوط أول قتيل أو إحراق آلية من آلياته كان حديثنا معهم شيقاً وكان الوقت يقترب من الغروب لذلك ودعناهم ودعونا لهم بالنصر والغلبة والتمكين لنعود بعد ذلك إلى عاصمة محافظة تعز وفي صباح اليوم الثاني عدنا أدراجنا إلى العاصمة صنعاء بعد رحلة شيقة عرفنا خلالها مدى انحسار مد العدو وانتكاسته وعجزه وعدم قدرته على أخذ زمام المبادرة وعرفنا أيضا مدى التأييد الإلهي لأوليائه وصدق وعده عندما قال “إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم”