من قصص الخالدين .. “الشهيد زكريا عبدالله النعمي ” 

 

من قصص الخالدين .. الشهيد زكريا عبدالله النعمي  

“الحلقة الأولى”

 

ولد الشهيد زكريا في عام 2002 .. وشن العدو عدوانه عام 2015 وهو في سن ال13 من عمره ..

كان زكريا واخوه كميل الذي يصغر زكريا بسنتين يشاهدان جرائم طيران العدو الامريكي السعودي الاماراتي فيتأثران ويتألمان ، وفي نفس الوقت كانا يسمعان عن بطولات الشباب المجاهدين في الجبهات ، وكان الكثير من العائدين من الجبهات يأتون للمقيل في منزلنا بمدينة حجة ، ويحكون عن بطولات اشبه بالخيال قام بها شباب ما يزالون في ريعان شبابهم بجبهات العز والشرف ، أذاقوا فيها العدو الويل والثبور والحقوا به العديد من الهزائم ..

كل تلك الحكايات والروايات التي كانوا يسمعونها كانت تحفر تأثيرها في نفسياتهم بشكل عجيب ..

ايضا فإن مرافقتهم لي اثناء النزول الميداني للتعبئة العامة في اكثر من محافظة كان له ايضا تأثير واضح في بث الحماس في نفسيتهما ، لاسيما وان القلوب عندما تكون باقية على الفطرة الربانية التي فطر الله عباده عليها ، وسليمة من اية ملوثات مسبقة ، فإنها سرعان ما تستجيب لنداء القرآن الكريم ..

بدأ زكريا وكميل يطلبان مني الإذن لهما بالالتحاق بالجبهة ، وكنت دائما ما احاول اقناعهما أنهما ما يزالا صغيرين ، وأن انsار الله لن يقبلوهما في الجبهة ..

كان كميل اكثر طاعة والتزاما بالتوجيهات ، اما شهيدنا الغالي زكريا فقد تمرد والتحق بالجبهة دون اذني ، غير ان الاخوة المسئولين على مراكز استقبال المقاتلين سرعان ما رفضوا السماح له بالمشاركة في دورات المقاتلين بسبب صغر سنه ..

وحاولوا اقناعه بشتى السبل بالعودة ، ووعدوه بالقبول في العام الثاني ..

فلم يقتنع وفي الاخير اجبروه على العودة ، وصدرت توجيهات صارمة بإرجاعه الى ابويه ..

فرجع مكرها ، لكن ليس الينا ، وانما الى الأطقم التي كانت تنزل الى المديريات لحشد المقاتلين وايصالهم الى مراكز الاستقبال ، ظل يرافق الأطقم اشهر عديدة ليلا ونهارا ، ينام في صناديقها ، ويأكل ويشرب مع السائقين لها ..

وكانت اخباره تأتينا من الاصدقاء ، بانهم وجدوا زكريا مع الطقم الفلاني في المديرية الفلانية وهكذا ..

كان يرفض رفضا قاطعا العودة الينا الى صنعاء ، وظل هكذا اشهرا عديدة ينتظر الفرصة التي سيسمحون له بالالتحاق بالجبهة العسكرية ..

وفي الاخير وبعد محاولات عديدة من قبل بعض الاصدقاء بإقناعه بزيارتنا وافق ولكن على مضض ..

وصل الينا ومكث لدينا حوالي شهرين فقط ..

غير ان روحه ظلت معلقة بالجبهة ولم يكن لدينا سوى الجسد ..

 

“الحلقة الثانية”

 

 

وفي احد الأيام جاءني خبر وانا في ديوان المقيل بأن زكريا يجمع ملابسه يريد ان يلتحق بالجبهة .

فأرسلت توجيهات صارمه بمنعه ، فقال والله لابد ما أسير لو تقطعوني ..

فابلغوني بذلك ..

فقلت لهم إذن اتركوه ..

فغادر المنزل ، وما يزال مغادرا له الى هذه اللحظة ..

لست ادري من الذي اوصله ، ولا كيف وصل ، ولا اعلم من الذي موله حتى وصل مركز الاستقبال ..

المهم وصل الى مركز الاستقبال بجبهتي حرض وميدي ، وصمم على الدخول رافضا الرجوع مهما كانت الضغوطات .

اعتقد ان ذلك كان في شهر 8 من عام 2016

وكان عمره يقارب من ال15 عاما ..

فاشترطوا عليه اولا ان يلتحق بدورة مقاتلين لمدة ثلاثة اشهر ..

فإن اجتازها فسيقبلونه ، وإن لم يجتزها فعليه الانتظار للسنة القادمة ..

كان المشرفون على الجبهة العسكرية يعتقدون أن هذا افضل حل للتخلص منه وإقناعه بالرجوع الى ابويه ..

فوافق على طوووووول ، وتم ادخاله الدورة العسكرية ..

وهي دورة تشتمل على تدريبات متعبة للغاية ، وتدريب على الصيام لثلاثة ايام متواصلة ، يتخللها شربة واحدة مغرب كل يوم لا يمكن ان يصبر عليها إلا القليييييل ممن لديهم منعة وفتوة وقوة جسدية ..

كان زكريا يقول لهم ، انا داري أن كل هذه الاجراءات بتفعلوها من اجلي انا .. تشتوني اخرج .. لكن اقسم بالله ما اخرج لو اموت هانا ..

وبالفعل تجاوز الدورة مع شباب يكبرونه في الجسم والبنية والعمر بشكل كبير ، تجاوزها معهم بكل امتياز وبكل اقتدار ..

“الحلقة الثالثة”

وعند خروجه من الدورة العسكرية حاول الاخوة المشرفون ان يقنعوه مرة اخرى بالعودة الينا لكنه قابل ذلك برفض مطلق ..

فتم توزيعه هو ومجموعة من الشباب الأبطال ومنهم حسب ما اذكر

الشاب المجاهد البطل

عبدالمجيد عادل حلاوى

والشاب المجاهد البطل بكيل محمد العوبلي

كلاهما من مديرية المحابشة ، تحت قيادة الشهيد المجاهد مرتضى زيد عامر الذي هو من المحابشة ايضا ، تم تشكيلهم كمجموعة استطلاع ، ومنعوهم من خوض اية معركة نظرا لصغر سنهم ..

غير انهم لم يستحيبوا للتوجيهات ، وظلوا يشاركون الكبار في خوض غمار المعارك ،

فخاضوا معارك بطولية ، اثبتوا فيها من العزم والبسالة والشجاعة والروح المعنوية والقتالية مالم يستطع ان يحوزه الكثير ممن هم اكبر منهم سنا وخبرة ..

وكان قد وصلني خبر بان زكريا قد اصيب بطلقة من طلقات العدو اثناء المعركة اصابت اذنه اليمنى ..

وشاء الله لي أن ازوره انا والاستاذ الاديب عبدالحفيظ حسن الخزان  والاستاذ احمد البنوس

والاستاذ ابراهيم احمد عجلان النعمي قبل استشهاده بيومين .

زرنا جبهتي حرض وميدي ، والتقينا فيها بكثير من شبابنا الأبطال وعلى راسهم قادة المقاتلين هناك ..

غير أنا لم نجد زكريا ، وعندما سألنا عنه ، قيل لنا انه في مقدمة الجبهة العسكرية ، وأن من المستحيل الدخول اليهم في تلك الساعة ، فصدمني هذا الخبر ، لأني كنت قد اشتقت اليه كثيرا ، وكنت اتمنى ان اراه ، لكن ما باليد حيلة ، فحمدنا الله ورجعنا الى العشة التي ارادوا ضيافتنا فيها ..

تناولنا وجبة الغداء بعد ان ادينا صلاة العصرين جمعا وقصرا ، وبدأنا في مقيل القات ، وماهي الا ساعة واذا بزكريا مع مشرفه مرتضى عامر وبعض رفاقهم يدخلون علينا العشة ..

 

“الحلقة الرابعة”

 

قمنا واقفين لاستقبالهم ، احتضنت زكريا بكل حب وشوق ، وهو ايضا احتضنني بحرارة ، وظل ممسكا بي لفترة طويلة ..

طبعا زكريا كان اكثر اولادي تعلقا بي ، وجلوسا بجانبي ، واكثرهم مرافقة لي في كل رحلاتي وتنقلاتي ، وكان اجتماعيا الى حد كبير ، وعاطفيا الى حد اكبر ..

نظرت في اذنيه فوجدتهما بخير عدا لطشة خفيفة اصابت اذنه اليمني .. وظللت امزح عليه كثيرا ..

(مالك يا زكريا ، قالوا لنا ان ما عاد بش معك اذن .. قالوا ان الطلقة اخذت عليك اذنك الى الارض وهي مشتعلة بنار الرصاص وانت أطفأتها برجلك ?)

فضحكنا وضحك الجميع ..

كنت اتمنى ان يجلس بجانبي ، لأضمه الي واستمتع برائحة عرقة ، غير ان احد الشباب وقف بيننا فاستحييت ان اطلب منه القيام ليجلس مكانه زكريا ..

سالت زكريا ما رأيك تروح معنا تزور امك وترجع ? قال لااااا ما يسبرش افلت المجاهدين وهم بهذه الحالة ..

طبعا كانت المعارك تلك الأيام على اشدها ..

وبعد لحظات من الترحيب والتسهيل والسؤال عن الحال والظروف ، وتبادل الكلام نهضوا مستأذنين بالمغادرة الى ثغورهم القتالية .. فودعناهم توديعا حااارا ..

غير اني لم اكن اعلم انه الوداع الأخير ..

وبعد غروب شمس ذلك اليوم غادرنا نحن الجبهة متجهين الى مدينة عبس ومنها الى حجة فصنعاء ..

وفي اليوم الثالث وتحديدا في 1 يناير من عام 2017 جاءني اتصال بأن زكريا اختاره الله شهيدا ،

فجادت اعيننا عليه بالدمع كالمطر ..

ثم جاءني اتصال اخر انهم ليسوا متأكدين من استشهاده ، وانه الى حد الان في عداد المفقودين ..

فقلقت اكثر ، وظلت هذه الاخبار تقطع نياط قلبي على فلذة كبدي زكريا اياما عديدة ..

وظللت ادعو الله أن لا يفجعني بخبر اسره ، وأن يريحني بخبر استشهاده ، يااارب لا تجعل للعدو على ولدي سبيلا ..

 

  ” الحلقة الخامسة “

ظلت الأخبار المتضاربة تزعزع كياني ، حتى اتصل بي احد الاخوة في الجبهة وحكى لي قصة استشهاده فتيقنت بنسبة 80% انه قد استشهد  ..

(قصة استشهاده)

يقول بعض رفاقهم ان الشهيد زكريا تعاهد هو وبقية رفاقه أن يقوموا بغزوة قتالية الى عمق العدو ..

وبالفعل فقد رسموا الخطة ، ونقطة الانطلاق ، ورسموا لأنفسهم مسار المعركة ، وتحركوا تحفهم ملائكة الرحمن ، وتوغلوا في ساحة العدو ، حتى وصلوا الى وسطهم ، وهنالك خاضوا اروع بطولة ، واروع استبسال ، وجها لوجه مع عناصر العدو ، فالحقوا بهم مجزرة مدوية ..

اصيب زكريا فيها بطلقة نارية اخذت كتفه الايمن ..

ثم عاد الى موقعه مثخنا بجراحه ..

يقول بعض رفاقه وصل الينا زكريا ، فوجهناه بالتحرك الى الخيمة الطبية القريبة من موقعنا وارسلنا معه المسئول الصحي المجاهد عبدالمجيد حلاوى .. غير انهما لم يتجها الى الخيمة ولا رجعا الينا ..

ويبدو انهما قررا الرجوع الى المعركة ، لأن المعركة كانت ماتزال مشتعلة بين بعض رفاقه وبين مجاميع العدو ..

ومنذ ذلك الحين غاب زكريا ورفاقه ولم يعودوا الينا حتى هذه اللحظة ..

وبعد عام من الأخبار المتضاربة ، وبينما انا في نزول ميداني الى محافظة حجة ، قال لي الولد كميل والولد عقيل ، كيف لو اعطيناك معلومة مؤكدة أن زكريا قد استشهد .

قلت سأكون لكما من الشاكرين ..

فناولوني تلفون احدهما وفيه مقطع فيديو للعدو وثق فيها الملحمة التي خاضها شهيدنا الغالي زكريا وبقية رفاقه ..

فسلام سلام سلام ..

 

كتب/القاضي عبدالله محمد النعمي

والد الشهيد

قد يعجبك ايضا