من فلسطين إلى العالم: خطاب السيد الحوثي ينهض بالأمة لتغيير النظام العالمي

من فلسطين إلى العالم: خطاب السيد الحوثي ينهض بالأمة لتغيير النظام العالمي

الحقيقة كتب / كامل المعمري

التحديات الجسام التي تواجه الأمة العربية والإسلامية تتطلب وقفة تأمل عميقة في واقع الامة وما آل إليها حالها من ضياع وتفكك وفي الوقت الذي تتسارع فيه المحاولات الخارجية لطمس هوية الامة والتأثير في مصيرها يتجلى الخطر الأكبر الذي يهدد وجودها المشروع الصهيوني، ذلك المشروع الذي لا يقتصر على السعي لتحقيق مصالح ضيقة، بل يمتد ليشكل تهديدا ثقافيا وحضاريا للأمة بأسرها.
وإن الامة لن تجد مخرجا حقيقيا لهذه المعضلة إلا بالعودة إلى جوهر هويتها، إلى الأسس التي قامت عليها حضارتها وعقيدتها ولا يكمن الحل في مجرد ردود فعل سياسية أو تكتيك عسكري، بل في العودة إلى القرآن الكريم، ذلك المشروع الحضاري المتكامل الذي يحدد لها الطريق ويعيد ترتيب أولوياتها.

وقد رسم السيد عبدالملك الحوثي في كلمته الأخيرة رؤية استراتيجية عميقة تتجاوز التشخيص التقليدي للتحديات، لتصل إلى الدعوة الجادة لاستعادة الوعي القرآني الذي يمثل السبيل الوحيد لتجاوز ما يعصف بالأمة
إن ما طرحه السيد الحوثي ليس إلا انعكاساً لرؤية حضارية صادقة، تنطلق من الموروث القرآني كمرجعية تضمن للأمة عزتها وكرامتها وفي هذه اللحظات الحاسمة، يظل التمسك بهذا المشروع هو سبيلنا الوحيد، إذ لا يمكن لأمة أن تنتصر في معركتها ضد المشروع الصهيوني إلا إذا استلهمت من معين القرآن قوة لا تنضب.
بالتالي فان حديثه ليس مجرد خطاب سياسي، بل دعوة للإيمان العميق بالمشروع القرآني الذي يعيد للأمة مجدها ويصون كرامتها…..

كلمة السيد عبدالملك الحوثي تضمنت رؤى استراتيجية وفكرية شاملة، تعكس بوضوح كيف يمكن للأمة الإسلامية والعربية أن تواجه التحديات الكبرى المتمثلة في المشروع الصهيوني الذي يهدد وجودها

قبل ذلك قدم السيد توصيفا دقيقا للتجربة اليمنية في اطار المشروع القراني ووضح كل المراحل التي مرت بها وكيف وصلت الى هذا الحال من القوة والوعي رغم كل الحروب العدوانية التي استهدفت المشروع القرأني
ثم بعد ذلك توجه لتشخيص واقع الأمة والى اي مستوى وصلت من الخضوع واالاذلال والتبعية

يبدأ السيد الحوثي بتشخيص المشروع الصهيوني على أنه مشروع ديني يهدف إلى تدمير الأمة الإسلامية والعربية والسيطرة على مقدساتها ومحيطها الجغرافي يعكس أبعادًا عميقة من التحديات الحضارية والوجودية التي تفرزها هذه الحرب، وهو يتناول هذه التحديات من منظور إيماني وفكري يعتقد أن الرد عليها يجب أن يكون مطابقًا لطبيعة هذا المشروع.
لقد أكد السيد عبدالملك في كلمته أن القوة الحقيقية لمواجهة هذا المشروع تتجسد في المشروع القرآني، الذي يستند إلى الهوية الإسلامية والإيمانية للأمة.
فالمشروع الصهيوني الذي يروج له الغرب في إطار أيديولوجي ديني، يرتكز على تحقيق أهداف تدميرية للأمة العربية والإسلامية، لا يمكن مواجهته بأي مشروع سياسي أو عسكري عابر لا يتناغم مع هوية الأمة الدينية والثقافية فهو يرفض تماما أي مشاريع لا تتوافق مع أسس الدين والعقيدة الإسلامية، إذ يرى أن المشاريع التي لا تستند إلى هذا الأساس لن تجد القبول الكافي في نفوس الأمة ولن تتحقق من خلالها التضحية اللازمة.
بالتالي يُشير إلى أن الأمة بحاجة ماسة إلى استنهاض قرآني يتغذى من روح الإسلام وتعاليمه، وأن غياب هذا الاستنهاض أسهم في التراخي والجمود الذي عانت منه الأمة على مدار عقود. ويُعد القرآن الكريم في هذا السياق، هو الأساس الذي يبعث في الأمة الشعور بالمسؤولية، ويحفزها على تحريك طاقاتها وقدراتها لمواجهة الأخطار المحدقة بها.
إن القرآن الكريم، وفقا لرؤيته، لا يُعد فقط مرجعا دينيا بل هو مشروع حضاري متكامل يمكن أن يعيد للأمة وعيها ودورها الطليعي في العالم.
كما يلفت السيد الحوثي إلى التحدي الكبير الذي يواجه الأمة من خلال الصراع الوجودي مع المشروع الصهيوني، الذي بدأ منذ أولى خطواته مع تدفق الصهاينة إلى فلسطين تحت حماية الاستعمار البريطاني. وهذه المرحلة التي يشير إليها تتوازى مع ما يعانيه العالم العربي من حالة تراجع فكري وأخلاقي أمام الهجمة الغربية والصهيونية. إن ضعف الوعي الديني والمسؤولية المجتمعية هو ما مهد الطريق لهذه الهجمة الاستعمارية التي لم تُقابل برد مناسب في البداية، مما سمح بتفاقم الوضع حتى وصلنا إلى مرحلة التطبيع العلني مع العدو.
في تعقيبه على مشاريع التعاون مع الأعداء، يرى السيد عبدالملك أن أي مسار من هذا القبيل هو بمثابة تمكين للعدو، وخيانة لقيم الأمة ومبادئها. إن التعاون مع الأعداء تحت أي مسمى هو بمثابة التفريط في القيم والمقدسات، حيث تتحول الولاءات والعداوات إلى مجرد وجهات نظر سياسية دون أي اعتبار للمبادئ أو الأخلاق فهذا الانفلات في الولاءات يعكس واقعا مؤلما للأمة التي فقدت القدرة على التمييز بين من هو عدو حقيقي ومن هو صديق في هذا العصر المضطرب.

إذًا، فإن ما يطرحه السيد عبدالملك هو دعوة قوية للرجوع إلى القيم الإسلامية الأصيلة التي يُمكن أن تمثل مشروعا متكاملا لمواجهة المشروع الصهيوني.
وهذا يتطلب من الأمة استعادة هويتها الدينية والفكرية التي كانت أساسية في إلهام نهضتها السابقة. فالمشروع القرآني ليس مجرد رد فعل على التحديات الصهيونية بل هو دعوة مستمرة للتمسك بالمبادئ الإسلامية في شتى مناحي الحياة، لتكون هي القوة المحركة للأمة في مواجهة العدوان والتحديات السياسية والإستراتيجية التي تهدد وجودها في هذا العصر.
مواجهة المشروع الصهيوني والأمريكي،يجب ان تركز على ضرورة إعادة الوعي والمواقف لدى الأمة الإسلامية وفي هذا السياق استعرض السيد الحوثي حالة الفوضى والتشتت الذي وصلت إليه الأمة الإسلامية في مواقفها السياسية والولائية، ويعزو ذلك إلى تأثيرات العدو الصهيوني والأمريكي الذي يحدد من يجب أن يعادي المسلمون ومن يجب أن يوالوه ويشدد على أن هذا الوضع يعكس حالة من “الضلال” التي وصلت إلى حد أن الأمة لا تعرف من هو العدو الحقيقي لها، مشبها حالتها بحالة الحيوانات التي تميز أعداءها بغريزتها.
يعتبر السيد عبدالملك أن التفريط في هذه المعرفة المبدئية والعقائدية في المواقف يؤدي إلى اختلال في الولاءات والعداوات موجها كلامه إلى الأمة الإسلامية ويحثها على العودة إلى القرآن الكريم كمصدر أساسي للوعي والهدى، فبذلك يمكن للأمة أن تكتسب البصيرة والرشد وتستعيد حسها بالمسؤولية تجاه تحدياتها، وفي مقدمتها المشروع الصهيوني.
ويُظهر السيد عبدالملك التأكيد على ضرورة أن تكون الأمة على وعي كامل بمواقفها تجاه العدو، موضحًا أن هذا الوعي لا يقتصر على فهم التهديدات فحسب، بل يتعداه إلى ضرورة تحصين الأمة بأخلاق ودين القرآن الكريم الذي يمنح الأمة حصانة من الإفساد والهجمات الموجهة ضدها. يشير إلى أن الأمة بحاجة لتزكية نفوسها وتطهيرها من الفساد، وأن العواقب ستكون وخيمة إذا تخلت الأمة عن مسؤولياتها في مواجهة هذا المشروع الاستعماري.
السيد الحوثي يربط بين مكانة الأمة الإسلامية ورسالتها الإلهية، مذكرًا الأمة بمسؤوليتها الكبرى التي أوجبها الله عليها. ويُظهر أن هذه الرسالة هي عالمية، مرتبطة بالخير للبشرية كلها، وأن دور الأمة لا يمكن أن يقتصر على حماية مصالحها الذاتية، بل يشمل السعي لتحقيق العدالة والسلام لجميع الشعوب ويشدد على أن الأمة الإسلامية إذا تخلت عن هذا الدور الإلهي، فإن العواقب ستكون كارثية ليس فقط في الدنيا بل أيضًا في الآخرة
ينتقل السيد الى وصف المشهد عالميا منتقدا بشدة القوى الإمبريالية المتمثلة في الولايات المتحدة الأمريكية و”إسرائيل” وحركة الصهيونية، ويصفها بأنها “مصدر شر” يعم على الشعوب كافة. ينطلق في خطابه من فكرة أساسية مفادها أن هذه القوى تمثل خطرًا ليس فقط على الشعوب العربية والإسلامية ولكن على الإنسانية جمعاء، محملاً إياها مسؤولية ممارسات عنيفة، مثل استهداف المدنيين بالقنابل النووية والذَرّية، وكذلك استغلال الثروات وارتكاب الجرائم ضد الإنسانية، كما حدث مع الهنود الحمر في أمريكا. يؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية مستمرة في سياساتها العدوانية التي تهدد السلام الإنساني، وتستهدف الإنسان العادي بغض النظر عن الجنس أو العرق، كما يستعرض الأرقام والشواهد التي تثبت القتل والدمار الذي خلفته.

تتناول الكلمة أيضا مشكلة كبيرة، وهي الهيمنة الأمريكية التي تستغل أنظمة سياسية واقتصادية لتحقيق مصالحها، وهو ما يظهر في توجيه ضربات اقتصادية وعسكرية للدول الضعيفة، وتدعيم استبداد الأنظمة في مختلف أرجاء العالم. ويُظهر خطاب السيد عبدالملك عدم قدرة القوى العالمية الأخرى على الوقوف بوجه الهيمنة الأمريكية، حيث يتطرق إلى أن هذه القوى قد تُنافس أمريكا سياسيا واقتصاديا، ولكنها تفتقر إلى القيم الأخلاقية والمعرفية للتصدي للشر الأمريكي. وتُظهر هذه الملاحظة العلاقة السلبية بين أمريكا وباقي المؤسسات الدولية، مثل محكمة العدل الدولية والأمم المتحدة، التي باتت في نظر السيد عبدالملك أدوات تدعم القوى الاستعمارية بدلاً من تحقيق العدالة.

إحدى النقاط الجوهرية التي يُبرزها السيد عبدالملك هي ضعف النظام العالمي الحالي في تحقيق العدالة والكرامة الإنسانية هذا النظام الذي يهيمن عليه الغرب ويُدير من خلاله استعباد الأمم والشعوب، لا يعترف بمبادئ الأخلاق أو الحقوق الإنسانية، بل يسعى إلى فرض الاستبداد والسيطرة. وفي هذا السياق، يتحدث عن التلاعب في حقوق الشعوب، مثل قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتغيير اسم “الخليج المكسيكي” إلى “الخليج الأمريكي”، في إشارة إلى التوسع الأمريكي على حساب الدول الصغيرة.

أما فيما يخص الخطاب العربي والإسلامي، يُوجه السيد عبدالملك دعوته للأمة الإسلامية ليكونوا سادة الأمم كما أراد لهم الله، بدلاً من أن يكونوا عبيدًا وأتباعا للهيمنة الغربية معلنا أن الاستسلام لأمريكا و”إسرائيل” يعني الخيانة والظلم، وهو ما يؤدي في النهاية إلى تدمير هويتهم الأخلاقية والإنسانية كما يركز على فكرة أن الأمة الإسلامية يمكن أن تكون قوة رائدة وموجهة للعالم إذا ما عادت إلى المبادئ الإلهية التي تُعلي من شأن العدالة والكرامة.
كلمة السيد تظهر في هذا التحليل مفارقة أساسية بين ما يريده الله لهذه الأمة، والذي يتجسد في الاستقلالية والعدالة والعزة، وبين ما تفرضه القوى الغربية التي تتسم بالاستغلال والإفساد. كما أن هناك تحذيرًا صريحًا من أن العالم الذي يخضع للهيمنة الغربية ليس قادرًا على إعطاء العالم نموذجًا إنسانيًا يعكس العدالة، بل يعزز القيم المدمرة من خلال التوسع الاستعماري.
يظهر بجلاء من خلال كلمة السيد عبدالملك الحوثي أن المعركة التي تخوضها الأمة الإسلامية والعربية هي معركة مصيرية لا تتعلق فقط بمواجهة عدو خارجي، بل تتعلق بإعادة تشكيل هويتها، واستعادة قيمها الدينية والإنسانية التي طالما شكلت نبراسا للنهضة والكرامة. إنها دعوة صادقة للرجوع إلى المصدر الأساسي الذي يمنح الأمة قوتها الحقيقية: القرآن الكريم، الذي لا يمثل مجرد نص ديني بل مشروعًا حضاريًا يمتد ليشمل كل جوانب الحياة.
وفي الختام، نجد أن ما طرحه السيد عبدالملك الحوثي ليس مجرد دعوة للوقوف في وجه العدو، بل هو نداء عميق للعودة إلى الذات، إلى الأصل الذي يشكل الأساس لكل حركة إيمانية وحضارية. فالأمة التي تجهل هويتها الدينية وتغفل عن مسؤولياتها تجاه قيمها السماوية، لا يمكنها أن تقف في وجه الأخطار المحدقة بها.
المشروع القرآني هو المشروع الوحيد القادر على إعادة ترتيب الأولويات، على إعادة الوعي للأمة التي غيبتها سنوات من الركود والتبعية، فلا عودة للمجد إلا من خلال هذه العودة إلى الجذور.
بينما المشروع الصهيوني، كما وصفه السيد الحوثي، ليس مجرد تهديد خارجي بل هو مشروع داخلي يتغلغل في أعماق الأمة ويسعى لتفكيكها من الداخل، لذا فإن المقاومة لا تبدأ من الحدود، بل من الوعي، من النهوض الروحي والعقائدي الذي يعيد للأمة تماسكها وتفردها. وفي هذا السياق، لا بد أن نتذكر أن قوى الظلم والاستبداد لن تهزم إلا بعزم شعوب تؤمن بمبادئها، لا فقط بمقدراتها العسكرية.
إن مشروع الامة الحضاري لا ينفصل عن مشروعها الإيماني، وكما أن القرآن الكريم هو المصدر الأول للتحرير، فإن العودة إلى تعاليمه هو الطريق الأوحد لتجد لها مكانا في هذا العالم المتلاطم.
وما زال الأمل قائما، إن استنفرت الهمم وأيقظت في أنفس ابناءها الفطرة السليمة، فالأمة التي تحمل رسالة السماء، لا يمكن لأي قوة أن تحجب عنها نورها.
كذلك فإن المستقبل لا يُبنى إلا بالتمسك بالقيم العظيمة التي قامت عليها الأمة، وإذا ما تحققت هذه العودة الطوعية إلى الدين والمبادئ الإسلامية، ستستعيد الأمة مكانتها الطليعية في العالم، كما يحق لها أن تكون سيدة الأمم، لا تابعة ولا مغلوبة على أمرها.

قد يعجبك ايضا