من صنعاء إلى لاهاي فعملية عمان.. لعنة غزة تطارد واشنطن!.. أمريكا التي امتهنت إذلال وقهر الشعوب العربية تجثو على ركبتيها في البحر الأحمر لتتوسّل اليمن، أن يرفعوا “صنارة” صيدهم على أمعائها
Share
المتعارف عليه في ساحة الصراعات الدولية، أنّ الانتصار مقترن بالصبر وقوّة التحمّل والأكثر من ذلك، القدرة على امتصاص الصدمة الأولى، وهو لسان الحال في محرقة غزة، حيث المذابح التي أتقن نتنياهو سلخ ضحاياها في إرعاب وإرهاب لم يشهد لهما التاريخ مثيلا، تمخّضت على نتائج عكسية، ليس فقط على مستوى “دويلة” الكيان الصهيوني، ولكن في ساح الدول التي وقّعت صكا على بياض لنتنياهو لكي يفعل ما يشاء، فإذا المشيئة اليوم كلّها غزة، وإذا لعنة المحرقة، تنقلب على النيران ومُضرم حطبها، ليكتب التاريخ بواقعه وشواهده، أنه بقدر حجم الخراب والقتل والوحشية التي قامت بها “إسرائيل” في حق العزل، فإنّ اللعنة ارتدّت على محرقتها، ووحدها غزة من كان صبرها نصرا ولعنة على كلّ المتآمرين والخاذلين وحتى الصامتين..
من أمريكا إلى بريطانيا وصولا لفرنسا فإيطاليا وألمانيا، فإنّ النتيجة التي رست عليها بورصة التآمر الدولية ضدّ الحقّ الفلسطيني، أن أصبحت غزة “لعنة” معولمة، تطارد قتلتها في البر والبحر، حيث المغامرة الإسرائيلية، ورّطت الجميع في المذبحة، ليكون حصاد المحرقة أن خنق دخانها، كل من ساهم فيها من بعيد أو قريب، ومن باب المندب، حيث موقف اليمن، لم يكن بيانات تنديد واستنكار وتعاطف، ولكن صواريخ عابرة للبحر و”غرق” يهدّد أمعاء العالم، غير مستثن لأيّ راية أو سفينة، إلى محكمة لاهاي، حيث جنوب إفريقيا، أعادت للعدالة الدولية صوتها المكتوم، وصولا إلى مقاومة لبنان فمصيدة الأردن وما جنته أمريكا من حرثها المسموم بغزة، لتحصده من أرواح جنودها، قلنا من هذا إلى ذاك فتلك، فإنّ من يشعل النيران سيصطلي بشرارتها، وهو الواقع الذي صحا عليه جميعهم، في حرب إبادة سعى جزارها الدولي لأن يحصرها في رقعة غزة، فإذا بلعنة الدماء المسفوكة، تخترق كل الحدود، لتعلن أنّ جغرافية المعركة، أكبر من أن تتحكم فيها مخططات مخبرية مسبقة، وأنّ لعبة اللهب كثيرا ما جنت على أصابع صغارها، حين يتناسون قاعدة هامة في علم الحروب مختزلها، أنّ الحرب ليست لعبة تبدأها متى شئت وتنهيها متى أردت، ولكنها جحيم، يكفي أن تفتح أبوابه حتّى تفقد السيطرة على تداعياته وسعيره، فقد يتحكّم جنرالات وتجار الحروب في البدايات، لكن النهايات، حصاد لا يمكن التنبؤ به، وهي الصورة والمشاهد التي انتهت إليها حربا كانت غزة، فأضحت غرقا في اليمن ومقاصف في لبنان ومقتلا في الأردن، ناهيك عن معركة عدل في “لاهاي”، وكل ذلك تحت عنوان ثابت، أنّ غزة وبدلا من أن تختنق بدخان محرقتها، أضحت اللعنة المعولمة التي طالت دماء أطفالها كل “قتلة” العالم، عجما كانوا أو عربا، لتضحى كابوسهم الذي يهدّد بزوال عروشهم وانهيار عوالمهم..
بايدن وخرافة أمريكا التي لا تقهر!
أكبر الخاسرين في ساحة غزة، ليست فقط خرافة “إسرائيل” وجيشها الذي لا يقهر، ولكنه “البعبع” العالمي الذي رسّخ على مدار قرن من الاستعراض الخرافي لقواه العابرة لكلّ سيادة أو حدود، أنّه الحاكم والمشيئة الإلهية في الأرض، فإذا برعاة حفاة وعراة من كهوف اليمن، يحرقون أسطورة الدركي العالمي، ويجسّدون فعلا وقولا، أنّ أمريكا في النهاية، ليست إلا “فزاعة” إعلامية، نفّخها الخذلان والخيانات العربية، فقد كان يكفي أن تغيّر قوارب الصيد اليمنية في مضيق باب المندب وظيفتها من صيد السمك إلى صيد البوارج والسفن العالمية، حتى يئنّ العالم وتتوجّع أمريكا متألمة ومستجدية مخرجا من مستنقع كان محرقة في غزة فأصبح غرقا في اليمن..
أمريكا أو الدركي العالمي الذي امتهن إذلال وقهر الشعوب العربية دولا وحواضر وسيادات منتهكة، غير مبال بأيّ ردة فعل، تجثو على ركبتيها في البحر الأحمر، لتتوسّل “رعاة” اليمن، أن يرفعوا “صنارة” صيدهم على أمعائها بعد أن طالها شرّ حربها في برّ غزة، لتجد لها في بحر اليمن غرقا، والنتيجة فيما يجري في بحر اليمن، أنّه لا صواريخ بوارج أمريكا وحلفها الأوروبي أخافت رعاة عدن، ولا قوة أمريكا الافتراضية، أوقفت لعبة صيد القرش اليمنية في باب المندب، ليرسو المآل على استجداء ومراودة وإغراء لليمينين لحفظ ماء وجه أمريكا في البحر، مقابل صفقات اقتصادية وسياسية، حملتها حقيبة المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن “تيموثي ليندر كينغ” في محاولات أخيرة لحماية صورة “البعبع” الأمريكي وقوّته الافتراضية، التي هزتها رياح عدن، لتقول اليمن السعيد للعالم، أنّ قوة أمريكا، ليست في صواريخها وطائراتها النفاثة، ولكن في ضعف الأمة العربية وخيانة وجبن أنظمتها وحكامها، والدليل أنّ حفاة اليمن أجبروا أمريكا وأوروبا على الحبو إلى كهوفها بحثا عن مخرج من مأزق البحر وما أحدثته عدن من اختلال في اقتصادها العالمي..
اليمن كشفت أنّ نقطة ضعف أمريكا ومن ورائها أوروبا والعالم كلّه في بطنه، وأنّه يكفي أن تشدّ على ذلك البطن في مضيق عدن أو باب مندب بالبحر الأحمر، حتى يصرخ البعبع متوجّعا ومستجديا حلا ومخرجا، فرغم استعراض القوة الذي قامت به دول التحالف بقصف مواقع ومناطق في عدن، إلا أنّ الواقع من خلال مبعوث أمريكا “تيموثي ليندر كينغ” إلى اليمن، ليس إلا ذلك المأزق الذي تعيشه إدارة البيت الأبيض ومن خلالها عجوزها الهرم جو بايدن، جراء صنارة الصيد اليمنية وما فعلته من “شلٍّ” للتجارة العالمية وأسماك “قرشها” العابرة للقارات..
المأزق الأمريكي، الذي أظهر هشاشة البعبع العالمي، حين خرجت اللعبة من مسارها المرسوم سلفا، أنّ لعنة غزة، التي ظهرت في بحر عدن، مدّدت أثرها إلى الأردن، والمحرقة الصهيونية التي كانت أمريكا موقدها، طالت تداعياتها القواعد العسكرية الأمريكية، ليس فقط في العراق المحتل، ولكن في الأردن، والنتيجة كمين أدى إلى مقتل جنود أمريكيين وجرح العشرات، وذلك في عملية رسالتها الواضحة، أنّ النيران التي أشعلتها مواقف البيت الأبيض المنحازة طولا وعرضا إلى “إسرائيل”، انتقلت شرارتها إلى بيت جو بايدن شخصيا، لتكون الضريبة، أنّ الحرب لم تعد غزة كما أنها لم تعد ضدّ جنود الكيان الصهيوني فقط، ولكنها مع “المفرخة” التي أنتجت هذا الخراب ورعته ودعمته، والمتمثلة في أمريكا ذاتها، والمهم فيما تهاوى في مخطط حرب إبادة كانت غزة، أنّ أمريكا، التي صرخت في باب المندب، وجدت نفسها تدفع الثمن من دماء جنودها بالأردن، فيما القادم من حصاد غير محسوب، كابوس “فيتنام” متجدّد، لا زال يؤرّق مضاجع الأمريكيين، ويؤكّد لهم، أنهم ليسوا بتلك القوة العظيمة التي تمّ ترسيخها في عقل المجتمع الدولي، وأنّ ما حدث في الفيتنام تجدّد باليمن، كما أنه قد يتجدّد ويستنسخ له هزائمه في أي بقعة وطأتها أقدام الرونجاس الأمريكي..
مجمل القول في منتهى خيارات البيت الأبيض بالتموقع قلبا وقالبا مع محرقة الكيان الصهيوني، أنّ لعنة “غزة”، جرفت أمريكا إلى قاع ومستنقع لم تتوقعه، وحصاد الخيارات الخاطئة، هو ما نراه من تخبط أمريكي على المستوى العالمي، بعد أن فهم المجتمع الدولي، أي غرق وقعت فيه إدارة البيت الأبيض، حين لم تترك خطا للرجعة، لتكون “فاتورة” مغامرة راعي البقر الأمريكي، في مرعى غير مرعاه وأرضه، أن تحطمت خرافة قوته وتحكمه في العالم، وذلك بمعاول بسيطة في اليمن ولبنان والأردن، معاول، لا تمتلك إلا إيمان أهلها بأن القوة الحقيقية عقيدة رجال، يمكنهم أن يغيروا معادلة الصراع، حين يكون السلاح هو قناعتهم وإصرارهم وصدقهم مع أمتهم..
وكخاتمة قول، فإنّ المضحك والساخر، في التخبّط الأمريكي بالشرق الأوسط، أنّه بالتوازي، مع النكسات التي تعيشها أمريكا في ساحة غزة، انفجر لغم سياسي في أمريكا ذاتها، وذلك بعد أن لاحت بوادر أزمة داخلية، تهدّد عمق النسيج الأمريكي كما تهدّد وحدة أمريكا، وذلك على خلفية أزمة “تكساس” التي كشفت أنّ فشل العجوز جو بايدن، ليس فقط في الشرق الأوسط ومحور صراعه في غزة، ولكنه داخل “بيت” بايدن نفسه، ولنا أن نتصوّر، كيف نتوقّع ويتوقّع العالم من إدارة بايدن، التي تعيش شبح انفصال تكساس عنها نتيجة أزمة المهاجرين، أن تحلّ مشكلة غزة أو فلسطين أو اليمن؟ وفعلا كم في بيت وفي “تكساس” عجوز البيت الأبيض جو بايدن من المضحكات والمبكيات معا.