من سيبكي على بني سعود حين يرحلون؟
الحقيقة / بنت الأرض ( الدكتورة بثينة شعبان)
بدأ إطلاق الملفات الأميركية في وجه السعودية منذ زيارة الملك سلمان إلى الولايات المتحدة منذ أكثر من عام. عشية تلك الزيارة نشرت النيويورك تايمز مقالاً للكاتب الشهير توماس فريدمان في 2 أيلول 2015، بعنوان ساخر: «الإسلام المتطرّف صديقنا الأبدي: السعودية»، حيث قام بتعرية وجه السعودية المتورطة بنشر الإرهاب في العالم كلّه، ويفضح حقيقة الإيديولوجية الوهابية المتّسمة بالعنف والتطرّف والفساد وخطرها على العالم، ويعتبر داعش والقاعدة والنصرة الفروع الإيديولوجية للوهابية التي تنشرها السعودية في الجوامع والمدارس من المغرب إلى باكستان وأندونيسيا. إلا أن ذلك المقال لا يُقارن بالضخّ الإعلامي الذي اتّخذ منحىً تصاعدياً بدءاً من فيلم وثائقي عرض على البي بي سي إلى سيل المقالات عن خطر الوهابية وعنفها إلى نشر نتائج دراسات أجريت في مراكز الأبحاث عن تغاضي الحكومة الأميركية عن حقيقة أن معظم منفّذي هجمات 11 أيلول هم من الإرهابيين السعوديين، إلى التهديد بنشر الصفحات الثماني والعشرين من التقرير الخاص بتلك الهجمات، والتي أخفاها بوش الابن بعد أن دفعت السعودية له الثمن اللازم، حيث يعتقد أن هذه الصفحات تحتوي على أسرار تورّط العائلة المالكة السعودية بهجمات 11 أيلول الإرهابية. ولكنّ ما نشر عقب زيارة أوباما الأخيرة إلى الرياض، والاجتماع بزعماء الخليج والملك سلمان يدخل عتبة أخرى في هذه العلاقة الأميركية – السعودية، والتي غدت محطّ تساؤلات مشروعة. إذ سارعت جريدة الإندبندنت إلى نشر آلية الحديث بين الملك سلمان والرئيس أوباما، وكشفت أن كتلة الورد الأبيض أمامهما كانت تخفي جهازاً ينقل الجواب الذي يجب أن يقوله الملك إلى شاشة يقرؤه الملك سلمان، وأنّ شخصاً ما يجلس أمام حاسب يضع له الأجوبة كي يقرأها. ولذلك فإن الملك سلمان لا ينظر إلى ضيفه، بل ينظر إلى الشاشة التي توضع عليها الأجوبة!! كما تضمّن المقال استقراء جديداً بأن آمال بني سعود مبنيّة على أن تغيير الإدارة الأميركية من أوباما إلى خلفه قد يُحدث صدمة في الرياض لأن الجمهوريين والديمقراطيين قد اتخذوا موقفاً واحداً من السعودية، وأنّ أيام شهر العسل لن تعود حتى بعد انتهاء ولاية أوباما. كما أن سيلاً من المقالات أخذ يتحدّث عن استحقاقات عائلات ضحايا 11 أيلول، وأنّ أميرين سعوديين قد دفعا رواتب لهؤلاء الذين قاموا بالتفجيرات في نيويورك.
كلّ هذا يشير بما لا يقبل الشكّ أن العلاقات السعودية – الأميركية قد لا تعود أبداً إلى سابق عهدها من التعاون على البغي والعدوان، ذلك لأن الإستراتيجيين في الولايات المتحدة ينخرطون بالتحضير لعالم جديد تختلف عناصره ومقوماته وموجبات العمل فيه عن العالم الذي كان قائماً قبل سنوات، وبما أنه من الصعب على بني سعود الإحاطة بهذه الحقيقة، ناهيك عن التعامل معها، فإنّهم مازالوا يعيشون أضغاث أحلام الماضي، ويحاولون إثبات وجودهم من خلال دعم الإرهاب في سورية والعراق، وتدمير اليمن، وإحكام السيطرة على دول الخليج، وضرب الحركة الديمقراطية في البحرين، وشراء جزر هنا وحكومة رخيصة هناك. لقد تغيّرت الأولويات في الغرب والشرق وفق الدورة التاريخية الجديدة التي يشهدها العالم، والدول الحيّة هي التي تخطّط وتكتب وتعمل وترسم خطواتها وتوجهاتها لعشرات السنين القادمة، على حين تبقى الدول الهالكة منخرطة بردود أفعال هنا وهناك، لا تغيّر من الواقع شيئاً، ولا تساهم في خلق مستقبل مختلف يتناسب مع حجم التغيير المطلوب.
قد تكون الهجرة غير المسبوقة لسكان المملكة والملحوظة إلى الإمارات وإلى الولايات المتحدة الأميركية مؤشراً على شعورهم أن المستقبل في بلادهم ينذر بالخطر، وقد يكون كرم الولايات المتحدة بمنح جنسيات أميركية لأعداد من السعوديين يشي بتحضير الولايات المتحدة لجيل من السعوديين سوف يعود ليستلم مقاليد الحكم في السعودية بعد أن تجري الترتيبات اللازمة لذلك، كما حدث في ليبيا والعراق ولبنان ولما يُخطط له في سورية وغيرها. والحكمة الحقيقية في كلّ ما يجري هي أن «الزبد يذهب جُفاء»، وأنّ التهويل الإعلامي لأي أمر لا يمكن أن يكون بديلاً من الحقيقة. لقد وقّعت الولايات المتحدة اتفاقاً مع إيران لإدراكها أن إيران تجاوزت عتبة مهمة في المعرفة لا يمكن إعادتها إلى الوراء، وأنّه من الأفضل التعاون معها بدلاً من مواجهتها. كما تتعاون الولايات المتحدة مع روسيا اليوم في الملف السوري لأن روسيا أثبتت وجودها في المنطقة وعلى الساحة الدولية بشكل لا يمكن للولايات المتحدة تجاهله. ووفق هذا المقياس ما نقاط القوّة السعودية التي لا يمكن للولايات المتحدة الاستغناء عنها أو تجاهلها؟ وما موقع السعودية في موازين الربح والخسارة للولايات المتحدة؟ لا شيء ألبتّة، حتى المليارات التي راكمتها طوال عقود يقوم بنو سعود بإهدارها في حروب ضدّ العرب على حين تواجه الولايات المتحدة تحدّي صعود قوة الصين وتحاول إعادة ترتيب أوراقها في العالم وفق المعطيات الجديدة، حيث تضمن استمرارها كقوة اقتصادية وعسكرية تشكّل على الأقل قطباً رئيسياً في عالم متعدّد الأقطاب. إذا كان الحديث مع أوباما يحتاج إلى من يكتب كلمات على الشاشة كي يتمكن الملك من قراءتها، فمن ذا الذي يكتب مستقبل بلد يستخدم المال والسلاح لتدمير دول شقيقة هي رصيد قوته ظنّاً منه أنه يصنع مكانة إقليمية وعناصر قوة من خلال إضعاف الحميّة العربية وشقّ صفوف الأمة الإسلامية بإشعال الحروب وتدمير الحضارات ودعم الإرهاب وزهق أرواح الأبرياء؟.
إن تدمير حكام السعودية للتضامن العربي ومحاربتهم للدول المقاومة أضعفها استراتيجياً وتركها وحيدة من دون حلفاء أقوياء من الأشقاء، غير مدركين أنهم باستهداف إخوانهم وأشقّائهم فإنما هم يحضّرون قبر مملكتهم بأيديهم.