من جرف سلمان إلى جبهة كهبوب قصة شهيد كسر حاجز الخوف وقدم شهادة على أن الحياة والموت بيد الله
قبل الحرب الأولى وفي الوقت الذي كان عمره لا يتجاوز الرابعة عشرة ومع بدء السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه بالتحرك في إطار المشروع القرآني التحق الشهيد ضيف الله يحيى مكزوز “أبو حسين” بالمجاهدين فكان له بذلك فضل السبق وما إن اندلعت شرارة الحرب الأولى حتى كان في مقدمة الصفوف فارسا من فرسان الشهيد القائد المواجهين لجحافل ألوية ومرتزقة النظام السابق الذين طوقوا في ذلك الوقت جبل مران من كل الاتجاهات فقاتل الشهيد قتال الأبطال وفي قرية “الجنيه” المطلة على جرف سلمان أصيب بطلق ناري في عينه خرج من مؤخرة رأسه وهنا سأتوقف لأنقل لكم ولو قليلا مما حكاه لي الشهيد ذات ليلة في غرفة مظلمة لا ثالث لنا إلا الله سبحانه وتعالى من قصة مثيرة ومعاناة قاسية لاقاها هو وبقية المجاهدين في الحرب الأولى وكيف كانت عناية الله ورعايته تحف بمن لم يكتب له الشهادة في تلك الحرب التي تشبه تماما في أهوالها فاجعة كربلاء
ومما أتذكر من كلامه إن لم يكن بالنص فبالمعنى أن النظام السابق كان يستخف بالمجاهدين ويعتقد بأنه سيحسم المعركة في غضون ثلاثة أيام بالكثير لكن المقاومة الشديدة والغير متوقعة أجبرته على ان يرتمي بكل ثقله في الحرب أخبرني الشهيد بأن المجاهدين كانوا يتعجبون من تصرفات قادة الحرب وكيف أنهم كانوا يزجون بالمئات والآلاف من الجيش والمرتزقة بشكل عشوائي إلى أرض المعركة كمن يريد أن يتخلص منهم وما إن ينتهوا حتى يأتوا بغيرهم وهكذا .
إن نسيت فلن أنسى حلاوة حديثه وهو يسرد تفاصيل البطولات التي سطرها المجاهدون في تلك الملحة التاريخية والتي لا يتسع لها هذا المقام ولكن سنكتفي بسرد ما يتعلق منها بالشهيد وفي نفس الوقت لن أنسى الألم الذي كان يعتصر قلبي وهو يحدثني عن المآسي وحجم المظلومية التي تعرض لها المجاهدون كنت أعلم بأن للشهيد قصة عجيبة حدثني بها رفيق دربه الجهادي “أبوبدر الهطفي” الذي كان حاضرا والشاهد على قصة الشهيد حيث كانا وحيدين يواجهان زحفا مكثفا من ثلاثة اتجاهات وبعد أن اصيب الشهيد في مقدمة رأسه ظن أبو بدر بأنه استشهد فوضعه في إحدى الحفر ولم يمهله الزحف ليكيل عليه التراب فعاد إلى القتال من جديد وبعد انكسار الزحف كان أبو بدر قد أصيب هو الآخر واضطر للانسحاب إلى أسفل القرية باتجاه شعب سلمان..
على كل أحببت أن أسمع من الشهيد القصة نفسها فأخبرني بنفس القصة التي عرفتها من رفيقه الذي أعتبره بالأساس أبا لي وأخا وصديقا وفوق هذا مشرفي الأول الذي تعلمت منه في بداية انطلاقتي مع المسيرة القرآنية الشيء الكثير من معاني الدين والرجولة والكرم والتضحية والتفاني في العمل في سبيل الله ومما قاله الشهيد إنه بمجرد ما اصيب دخل في غيبوبة كاملة ولم يفق منها إلا قبل صلاة المغرب بنصف ساعة تقريبا التفت يمينا وشمالا فلم ير أحدا بجانبه وكان يحس بدوار شديد وغثيان لكنه تحامل على نفسه وانسحب وبينما أبو بدر جالس تحت ضلال أشجار القات إذا بالشهيد مقبلا عليه ودمه الطاهر قد لطخ ثيابه أسدل الليل ظلامه عليهم وكلاهما في حالة شديدة من الأعياء والتعب والجوع والعطش وفجأة جاءهم رزقهم من حيث لم يحتسبوا ومنتصف الليل وصل الاسعاف من قرية سلمان وأذكر أنني سألت الشهيد عن ماهية وسيلة الإسعاف فتبسم وقال عربية ويقصد بها العربية التي تنقل الأتربة والاحجار بإطار واحد وقال أركبني المسعف وكلما تحرك بها اصدرت صفيرا ومع صوت الصفير كان الجنود ينهالون بالضرب من فوقنا على مصدر الصوت فيضطر المسعف لتركي فوق العربية حتى يخف الضرب وكهذا حتى وصلنا القرية .
في قرية سلمان استقر الشهيد مع أبي بدر والكثير من الجرحى ثلاثة أيام وفي اليوم الرابع كان الجيش والمرتزقة قد طوقوا القرية من كل اتجاه واصبحت مكشوفة لضرب الصواريخ والمدافع والدبابات والطائرات ومختلف أنواع الأسلحة الأخرى وهنا تم إنزالهم إلى جرف الجرحى في شعب سلمان حدثني الشهيد أنهم مكثوا فيه أكثر من اثني عشر يوما بدون أي شيء لا أكل ولا ماء ولا علاج وهناك تعفنت الجراح وانقطع عنهم التواصل ولا شيء يربطهم بما كان يدور حولهم إلا أصوات الرصاص والانفجارات أكد لي أنه كان يبحث داخل الجرف عن أي تراب بارد ليضعه تحت لسانه عسى ولعل يخفف عنه ولو قليلا من العطش بعد انتهاء الحرب واستشهاد الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه حاول الجنود اقتحام جرف الجرحى لكن الجرحى قاوموا باستبسال فجروه ولكنه كان محصنا فلم يصل أثر التفجير إليهم وكلما حاولوا الاقتراب منهم انهالت عليهم الرصاص من داخل الجرف وهكذا حتى اضطرت القيادة إلى إرسال وسيط من أسرى المجاهدين وتم الاتفاق على أن يتسلموا مقابل أن لا يمسهم سوء ومن الجرف اقتادوهم إلى سجن الأمن السياسي بصعدة وأيديهم مربوطة إلى حنايا الأطقم ومن الأمن السياسي حولوهم على السجن المركزي “قحزة” وما إن استقر المجاهدون داخل السجن حتى بدؤوا برفع الشعار والتنديد بجرائم الظالمين وهنا جن جنون السلطة وارسلت بلاطجتها لتخويفهم ولكن دون جدوى وفي أحد الأيام كانت السلطة قد أدخلت قوات مكافحة الشغب واعدت عدتها لاقتحام السجن وبينما المجاهدون في باحة السجن يرددون الشعار إذا بالرصاص الحي والقنابل الحارقة تنهال عليهم من كل اتجاه سقط شهداء وجرح الكثير وكان من بين الجرحى الشهيد أبو حسين الذي اصيب بطلق ناري وحروق بليغه في جسده الطاهر نقل على اثرها إلى المستشفى.
بعد الحرب الثالثة أفرج عن الشهيد وزملائه ليلتحق مباشرة بصفوف المجاهدين وما إن اندلعت الحرب الرابعة حتى كان الشهيد في مقدمة الصفوف مقاتلا باستبسال وفيها جرح للمرة الأولى وجرح للمرة الثانية وانتهت الحرب وهو طريح الفراش شارك في الحرب الخامس وبعد انتهاء الحرب عين مسؤولاً أمنياً لمنطقة فوط بخولان عامر وما إن عين حتى ساد الأمن والأمان وأمن الناس على حياتهم وممتلكاتهم بعد أن قضى على كل الظواهر السلبية داخل المجتمع فأحبه الناس لذلك واصبح مضرب المثل في الحسم والعدالة والذكاء والجرأة والرجولة والشهامة والكرم والعفة والتدين والإخلاص في العمل .
وما إن جاء العدوان الأمريكي الصهيوني السعودي الإماراتي وشاهد الشهيد بشاعة العدوان وحجم الجرائم التي يرتكبها بحق أبناء الشعب اليمني حتى فارت في عروقه دماء أجداده من أهل البيت عليهم السلام فترك عمله رغم أهميته وأهمية تحصين الجبهة الداخلية وامتطى صهوة جواده منطلقا كالسهم وسيفه بيده إلى الساحل الغربي وهناك تقلد وسام الشرف والبطولة المتمثل بقيادة جبهة كهبوب حيث وقف كالليث المفترس المتعطش لدماء فريسته فشب النار في وجه الغزاة ونكل بهم واحرق آلياتهم وحال بينهم وبين ما يشتهون ولكن ولأن رصيده الجهادي قد اكتمل وأبلى بلاء حسنا في الامتحان الإلهي ونجح فيه بدرجة امتياز كان لا بد أن يكرم ويستلم الجائزة وهل هناك أعظم وأشرف وأكرم من الشهادة في سبيل الله لقد نالها والله شهيدنا مقبلا غير مدبر في موطن لا يمكن أن ينالها فيه إلا رجل أحب الله ورسوله وأحبه الله ورسوله فسلام الله عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا .
عابد حمزة