من الضربة الأولى إلى نهم مروراً بضحيان.. أطفال اليمن على مذابح الأمم المتحدة
لم يفرّق تحالف العدوان بين طفل وشاب ورجل وامرأة، ولم تستثن صواريخه شيئا إلا استهدفته، وكان الجُرم بحق الأطفال أدمى ، جرت العادة في الحروب أن للأطفال حرمة لا تُمس، لكن تحالف العدوان على اليمن تجاوز كل حد ، منذ أكثر من ستة أعوام يقتل الأطفال مباشرة كما يقتلهم بتأثير الحصار ومجالات الحرب الأخرى بتواطؤ منظمة الأمم المتحدة.
في سلام كنا نركض، ضحكاتنا تملأ الوادي كشمس صيفية ساطعة، سنين من العمر وردية رائعة.. كنا جميعاً نصف رفاقنا في القبور، آخرين بدلت أقدامهم بالعصي أو فقدوا العائلة، عندما جاء طائر الموت بالفاجعة.. كنا هنا في الشوارع في الحدائق في باحة المدرسة، فجأة قُصفت براعم أعمارنا عندما جاء طائر الموت بالفاجعة..
الحلقة الأضعف بين ضحايا العدوان
عرَّض العدوان أطفال اليمن لجملة واسعة من المخاطر المباشرة وغير المباشرة من الانتهاكات وصولاً إلى المجازر التي ترقى لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، منذ بداية العدوان وأطفال اليمن يتعرضون للانتهاكات الأمريكية السعودية الإماراتية، منها الموت والتيتم والإصابة بالجروح والاحتجاز في سجون العدوان، والنزوح والافتراق عن الأسرة والتوقف عن الدراسة والإصابة بالأمراض والأوبئة، وكذلك الاكتئاب والتأثيرات النفسية المختلفة، التي تصنف طبيا بتأثير ما بعد الصدمة.
استباحة الدم والمواثيق الدولية
اتسم العدوان على اليمن بالطابع الإجرامي ، متجاوزاً كل القوانين والأعراف الدولية، بما فيها القانون الدولي الإنساني الذي تشكل من أجل مراعاته في الحروب، جاءت هذه القوانين لتهذب من ممارسة الحرب في الحد الأدنى وكانت مكسباً إنسانياً ورغبة بعدم تكرار فظائع الحرب العالمية الأولى والثانية.
تنص اتفاقيات جنيف لعام 1949م وبروتوكولاها الإضافيان لعام 1977م، على سلسلة من القواعد التي تولي للأطفال حماية خاصة، وتتضمن اتفاقيات جنيف وبروتوكولاها الإضافيان ما لا يقل عن 25 مادة تشير إلى الأطفال تحديداً.
كان في مقدمة القوانين التي انتهكها تحالف العدوان في بلادنا، تلك المواد المتعلقة بحماية الأطفال في الحروب، فخلال ست سنوات من العدوان استشهد 3816 طفلاً وجرح 4183 آخرون، ويُعتبر القتل والإصابة أعلى درجات انتهاك حقوق الأطفال في الحروب.
تكشف الأرقام التي صدرت عن وزارة حقوق الإنسان اليمنية في مناسبة اليوم الوطني للصمود من العام 2021م، بأن استهداف الأطفال كان عملاً ممنهجاً قام به تحالف العدوان وليست أخطاء عرضية.
الأمم المتحدة غطاء للإجرام
شكلت الأمم المتحدة غطاءً سياسياً وحقوقياً لإجرام تحالف العدوان الأمريكي السعودي، وقد تجلت التدخلات السعودية وصمت الأمم المتحدة في ملف أطفال اليمن بشكل بارز، حيث تمارس المملكة السعودية التأثير المالي على الأمم المتحدة لتغض الطرف عن جرائم العدوان بحق الأطفال اليمنيين، وهو ما يجعل أطفال اليمن يتبرعون للأمم المتحدة بمصروفهم المدرسي كرسالة احتجاج ورفض لهذا النهج غير الإنساني.
ارتكب تحالف العدوان مجازر مريعة بحق أطفال اليمن، أكبر من قدرة السعودي على إخفائها، تحت هذا الضغط الحقوقي أُدرجت دول العدوان في قائمة منتهكي حقوق الأطفال عام 2016م، ولم تمر سوى فترة وجيزة ليقوم الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون باستبعاد دول التحالف العدوانية من هذه القائمة، حينها اعترف بان كي مون بأن المملكة العربية السعودية مارست عليهم ضغوطات مالية وهددت بقطع تمويلها عن هذه المنظمة الأممية.
تكرر الأمر في العامين 2018م و2020م، حيث مارست المملكة السعودية التأثير المالي لعدم وضعها في قائمة قتلة الأطفال، وفي هذا العام 2021م بلغ التأثير المالي السعودي والضغط الأمريكي على الأمم المتحدة حد أن تضع القوى الوطنية في قائمة منتهكي حقوق الطفولة، ليتحول الضحية إلى جلاد.
وهي مفارقة كان قد خلّدها الشاعر الفلسطيني محمود درويش، إبان الاجتياح الصهيوني لبيروت عام 1982م في قصيدته “مديح الظل العالي”.
” اختلطتْ شخوصْ المسرح الدمويّ:
لا قاضٍ سوى القتلى
وكفُّ القاتل امتزجَتْ بأقوال الشهودِ,
وأُدخل القتلى إلى ملكوت قاتلهم
وتمَّتْ رشوةُ القاضي فأعطى وجهه للقاتل الباكي على شيء
يُحَيِّرُنا…
سَرَقْتَ دموعنا يا ذئب
تقتلني وتدخل جُثَّتي وتبيعها !
أُخرجْ قليلاً من دمي حتى يراك الليلُ أَكثر حُلْكَةً !
واخرجْ لكي نمشي لمائدة التفاوض , واضحينْ’
كما الحقيقةُ :
قاتلاً يُدلي بسكَّينٍ.
وقتلى
يدلون بالأسماء: صبرا,
كفر قاسم ’
دير ياسين ,
شاتيلا ”
حصاد الجماجم!
ست سنوات من القتل اليومي، حصيلتها استشهاد 3816 طفلاً وجرح 4183 آخرين، في مجازر متفرقة على طول وعرض الخارطة اليمنية، منذ الغارة الأولى للعدوان على بلادنا سُفكت دماء المدنيين وارتكبت المجازر المروعة بالأطفال، وهي مجازر ما كانت لتستمر طوال ستة أعوام لو أن المنظمات الدولية مخلصة لقضية الإنسان والطفل كما تدعي، وفي مقدمتها الأمم المتحدة التي رفعت اسم السعودية لأكثر من مرة من قائمة العار بحق منتهكي الطفولة.
طفل ووالده المسجى
في 22 أبريل من عام 2018م، شن طيران العدوان غارة جوية على حفل زفاف المواطن يحيى جعفر في مديرية بني قيس الطور التابعة لمحافظة حجة، أسفرت الغارة عن استشهاد أكثر من 30 مدنياً معظمهم من النساء والأطفال ، تسبّبت الضربة الأولى بتفجير حفل الزفاف ثم واصلت الطائرات الأمريكية التحليق فوق المنطقة فمنعت الأهالي والطواقم الطبية من إسعاف الضحايا، تخلدت من هذه المجزرة صورة الطفل الذي تشبث بجسد والده الشهيد ونام بجواره طوال المساء.
لا أريد النهوض لوحدي ، أريد أبي أن يقوم ونسير معاً، كعاداتنا كل يوم في الطريق إلى السوق والبيت والمدرسة.. يقول صغيرٌ قتل الطيران والده: لا أريد الرحيل لوحدي ، يتشبث بالجسد المسجى، يغسله بالدموع البريئة ، لا يصدق أنه لن يرى غدا والده وأن بيتهم ركام.. لا أريد الرحيل، نام الصبي على صدر والده حتى الصباح، كان ليلا طويلا، ومسيرا مريرا إلى المقبرة.
مجزرة طلاب ضحيان
أطفال يُنشدون في حافلة مدرسية، تلاميذ يمرحون في رحلة صيفية ، يتخيلون المكان وما سيحكونه لإخوتهم في المساء.. أطفال صعدة تناسوا الحرب في رحلة لم تنته، في غرفة الحرب جنرال يشتم دمهم من بعيد، في الجو طائرة حربية تلبي رغبة قاتلة ، في الأرض تلامذة يلعبون ، أطبق المساء ، البيوت مطفأة في ضحيان، لم تعد منهم بسمة واحدة.
في التاسع من أغسطس عام 2018، قصف طيران العدوان حافلة مدرسية في سوق مزدحمة في ضحيان التابعة لمحافظة صعدة، مجزرة مروعة راح ضحيتها أكثر من 50 شهيداً من الأطفال، و70 جريحاً، ولم يشفع للأطفال حملهم حقائب عليها شعار منظمة حماية الطفولة اليونيسف، والتي اكتفت بالتعبير عن القلق وتقديم المواعظ عن حرمة دماء الأطفال.
بثينة عين الإنسانية
لا أحب الظلام.. صرخت طفلة تمسك يدي الطبيب الذي يضمد عينها النازفة.. لا أحب الظلام.. مزقت الطفلة شاشة تطوق جبهتها النائفة، عينها مثقلة بالدم والدمع والذكريات، طفلة خائفة، تقاوم وحشة الليل، تمد أصابعها لتفتح للنور جفنا لتفتح نافذة للحياة.
في الخامس والعشرين من أغسطس 2017م، ارتكب تحالف العدوان مجزرة في حي فج عطان جنوب غرب العاصمة صنعاء. في هذه الغارة فقدت بثينة الريمي ذات الثمان سنوات والديها وعمها وشقيقاتها الأربع وشقيقها الوحيد وكلهم من الأطفال.
أثارت بثينة تعاطفاً واسعاً بعد ظهورها وهي تحاول فتح عينها اليمنى المجروحة، فيما التورم والدم يغلق عينها اليسرى بقسوة، لم تنته مأساة بثينة هنا ، ففي محاولة للتغطية على الجريمة عملت السعودية على اختطاف الطفلة بثينة ونقلها إلى السعودية، بعد أن قامت بخداع عم بثينة عبر مؤسسة تابعة للخونة، ادعت بأنها ستصور معهم فيلماً وثائقياً عن السلام.
عادت بثينة إلى العاصمة صنعاء هذا العام 2021م بعد رفع فريق التفاوض اليمني اسمها بين قائمة الأسرى، فتجنبت السعودية الحرج وأطلقت سراحها قبل يوم من إطلاق الأسرى، وفي لقائها وجّه الرئيس مهدي المشاط باعتماد سكن وراتب للطفلة بثينة وعمها.
إشراق وزملاؤها
في الثامنة صباحاً من يوم الثلاثاء 10 يناير 2017م، قام طيران العدوان بقصف مدرسة الفلاح الأساسية في مديرية نهم التابعة لمحافظة صنعاء، كان الطلاب والطالبات يدخلون إلى المدرسة لتأدية اختبارات نصف العام الدراسي، حتى جاءت الغارة القاتلة.. استشهد في الغارة 3 أطفال بينهم الطفلة إشراق التي افترشت التراب بزيها المدرسي وجوار حقيبتها المدرسية، وإلى جانبها استشهد ثلاثة رجال بينهم وكيل المدرسة، وجرح 4 أطفال آخرين.
في طريق مدرسة ابتدائية، دفاتر ممزقة، حبر ودم، حلم وموت، علبة ألوان وطائرة حربية، في طريق المدرسة، كانت إشراق تتوقف عند الزهور، ملابسها مرقعة جزمتها قديمة لكنها مسرورة، تقفز كضبي مرح في طريق المدرسة، قرب مدرسة ابتدائية اعترضت غارة طفلة، مزقت حلمها، نثرت أوراقها، قرب مدرسة للبنات، قتلت طفلة دون ذنب.
(الثورة – أنس القاضي)