من البوارج إلى القاذفات.. واشنطن في سباق يائس نحو نصر غائب

بعد أن أتمت الولايات المتحدة نشر عدد من قاذفات B-2 الشبحية في قاعدة دييغو غارسيا في المحيط الهندي، كانت الرسالة التي أرادت واشنطن إرسالها إلى الحوثيين هي أن يتراجعوا عن موقفهم في اسناد غزة . لكن وراء هذا التهديد، وبينما يعتقد البعض أن القاذفات ستُحدث تحولاً حاسماً في الحرب على الحوثيين، قد تكون الحقيقة أكثر تعقيداً من مجرد تهديد جوي بعيد المدى.

وفيما تسابق وسائل الإعلام الغربية والعربية الموالية لأمريكا في إعلان وصول أسطول من القاذفات الأمريكية إلى دييغو غارسيا، يبدو أن هذه التحركات تتبنى منهجاً عسكرياً تقليدياً، أحد أوجهه استخدام الأسلحة الثقيلة والطائرات القاذفة لضرب الأهداف الاستراتيجية. لكننا لا يجب أن ننسى أن الحوثيين ليسوا أعداءً تقليديين. فهم ليسوا في وضع من يسهل استهدافه أو تدميره بمجرد تكثيف القصف الجوي.

الواقع أن الحوثيين قد تمكنوا من إحداث تغييرات ملموسة في طبيعة الحرب في اليمن، ولا سيما في معركة البحر الأحمر، حيث استطاعوا تعطيل وتحجيم تحركات أكبر أساطيل العالم.

قد يقول البعض إن ذلك مجرد تكتيك يتضمن ضربات محدودة، لكن الحقيقة أن الحوثيين قد أبدعوا في معركة التضييق على القواعد البحرية والجوية الأمريكية، وهو ما قد يجعل أي تهديد من هذا النوع (مثل نشر القاذفات) أقل فاعلية.

من الناحية العسكرية، تعتمد العقيدة الحوثية على إرباك الأعداء وتكييف استراتيجياتهم بشكل مستمر، وهو ما أثبتوه طوال الحرب في اليمن…فقد أظهروا براعة في استخدام الطائرات المسيرة، وتوجيه الصواريخ الدقيقة، وتنفيذ هجمات غير تقليدية على أهداف متفرقة… مثل هذه التكتيكات تجعلهم قادرين على الرد على التحركات العسكرية التقليدية بمرونة، والقيام بهجمات سريعة على المواقع الضعيفة أو غير المتوقعة.

الاعتماد على تكتيكات غير تقليدية مكن الجيش اليمني من هزيمة حاملات الطائرات الأمريكية، التي تعد أحد الأذرع الرئيسية للقوة البحرية الأمريكية. بل إن الحروب غير التقليدية التي استخدمها الحوثيون فرضت على القوات الأمريكية اتخاذ إجراءات تحوطية مغايرة.

وهذا ما يجعل فرضية أن القاذفات B-2 ستكون قادرة على إحداث تحولات هائلة في موازين القوى في اليمن غير دقيقة.

إن الطائرات الأمريكية من طراز B-2 تمثل جزءاً من استراتيجية طويلة الأمد للردع والضغط على الخصوم، ولكن، في حالة الحوثيين، قد تكون تلك القاذفات غير ملائمة للواقع العسكري على الأرض

فاستراتيجيات الحوثيين تعتمد على إخفاء مواقعهم، واستخدام الضبابية والسرية كوسيلة للدفاع عن أنفسهم، مما يجعل القصف الجوي العميق غير مجدٍ. وعليه، ربما تكون هذه الطائرات مبالغا في استخدامها في مواجهة عدو يعتمد على تكتيكات العصابات.

منذ بداية الحرب في اليمن، أظهر الحوثيون قدرة غير متوقعة على الصمود أمام حرب استمرت لسنوات. وفي البحر الأحمر، تطور الحوثيون إلى قوة بحرية مؤثرة قادرة على تدمير سفن كبيرة، بل وتحويل البحر إلى ساحة حرب غير متكافئة جعلتهم يعرفون كيف يواجهون الهجمات الجوية، ويطورون في الوقت نفسه تكتيكات هجومية جديدة باستخدام الطائرات المسيرة والصواريخ الموجهة.

وبالعودة إلى الحرب في البحر الأحمر، يمكن القول إن الحوثيين أصبحوا في موقف عسكري يحسنون استغلاله. فمحاولة تصعيد الضغط العسكري عليهم باستخدام القاذفات B-2 لن تحقق النتائج المرجوة، خاصة أنهم أثبتوا مراراً أنهم قادرون على تحويل أي تهديد إلى فرصة لابتكار أساليب مواجهة جديدة.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في تصريحاته حول القاذفات B-2، بدا وكأنه لا يفهم جيدًا كيف يعمل الحوثيون. يبدو وكأنه يتجاهل حقيقة أن الحوثيين ليسوا في موقف من يستسلم للتهديدات السريعة أو الهجمات الجوية الضخمة.

من المعروف أن الحوثيين قد طوروا قدراتهم على استهداف السفن الحربية والتحركات البحرية في البحر الأحمر، الأمر الذي جعل المنطقة مسرحًا لمواجهات غير متكافئة مع أكبر الأساطيل البحرية في العالم.

و في هذا السياق، من غير المستبعد أن يطور الحوثيون استراتيجيات جديدة تستهدف القواعد الأمريكية في الخليج باستخدام طائرات مسيرة وصواريخ موجهة.

عندما تزداد الضغوط العسكرية من جهة الولايات المتحدة، يصبح من الطبيعي أن يتجهوا إلى الرد بأساليب تصعيدية. فاستهداف القواعد الأمريكية في الخليج سيؤدي إلى إحداث تأثير نفسي واستراتيجي كبير على القوات الأمريكية والدول الداعمة لها في المنطقة والحوثيون أن يعتمدوا على تكتيك المفاجأة، وهو ما يجيدونه بشكل جيد، لتنفيذ ضربات تستهدف المنشآت الأمريكية الحيوية.

إحدى النقاط المهمة في العقيدة العسكرية الحوثية هي قدرتهم على استخدام الصواريخ والطائرات المسيرة في تنفيذ ضربات غير تقليدية على أهداف استراتيجية. وتكمن قوة الحوثيين في قدرتهم على التحرك بسرعة وبتكتيك غريب، مما يجعل ضرباتهم مفاجئة وصعبة الرصد.

تستطيع الطائرات المسيرة اليمنية التي أثبتت قدرتها على الوصول إلى أهداف استراتيجية، مثل المنشآت النفطية السعودية أو السفن الحربية الأمريكية، أن تطال القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في الخليج. فعلى سبيل المثال، إذا قرر الحوثيون توجيه ضربات إلى قاعدة “الظفرة” الإماراتية أو قاعدة “العديد” في قطر، أو قاعدة الخرج في الرياض، فإن ذلك سيشكل تحولاً في قواعد الاشتباك، ويزيد من تعقيد المشهد العسكري خصوصا ان لديهم أسلحة صاروخية دقيقة للغاية

يعتبر التصعيد نحو القواعد الأمريكية في الخليج بمثابة خطوة استراتيجية محسوبة لدى قوات انصار الله فالولايات المتحدة، بما تمثله من قوة عسكرية ضخمة في المنطقة، هي العدو المباشر لهم، وأي استهداف لهذه القواعد سيشكل رسالة قوية بأنها لن تستطيع فرض هيمنتها العسكرية بسهولة في المنطقة.

على ما يبدو أن قوات صنعاء لن تتوان عن اللجوء إلى التصعيد ضد القواعد الأمريكية في الخليج في حال استمر الضغط العسكري عليهم.. والحوثيون دوما يتطلعون إلى إثبات قدرتهم على التأثير في توازن القوى في المنطقة…على الرغم من التفوق العسكري الأمريكي الهائل، إلا أنهم قد يستخدمون هذه التصعيدات كوسيلة لتوجيه ضربة معنوية واستراتيجية قوية.

استهداف هذه القواعد ليس مجرد فكرة نظرية، بل خطوة استراتيجية قد تكون في صلب تفكير الحوثيين. هذه القواعد تمثل العمود الفقري للوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، وأي ضربة ناجحة عليها ستكون بمثابة رسالة قوية تفيد بأن واشنطن ليست في مأمن حتى في معاقلها الأكثر تحصيناً…

في الختام، يمكن القول إن قاذفات B-2، ليست الحل السحري الذي تعتقد الولايات المتحدة أنه سيحسم المعركة مع الحوثيين… فهؤلاء الخصوم، الذين أتقنوا فن الحرب غير التقليدية، يمتلكون المرونة والجرأة للرد على التهديدات بأساليب قد تغير قواعد اللعبة…التصعيد نحو القواعد الأمريكية في الخليج قد يكون الخيار الاستراتيجي الذي يلجؤون  اليه إذا اشتد الضغط عليهم، وهو ما سيضع واشنطن أمام تحدٍ جديد ..كيف تواجه عدواً لا يخضع لقوانين الحرب التقليدية، ويملك القدرة على تحويل الدفاع إلى هجوم في أكثر المناطق حساسية؟ إنها معركة لن تنتهي بسهولة، وربما تكون بداية فصل جديد في الصراع الإقليمي الذي يتجاوز حدود اليمن إلى قلب الخليج.

المصدر : منصة رادار360| كامل المعمري

قد يعجبك ايضا