من “إيزنهاور” إلى “إس ترومان”: الخسائر تتعاظم والهروب هو التكتيك الأمريكي الأنجع

عندما حطم اليمن وكسر قيود الجغرافيا، بمساهمته الفاعلة في نصرة الشعب الفلسطيني ودعم مقاتليه الأشداء وإسنادهم في قطاع غزة ضمن محور الجهاد والمقاومة بمسيرات وصواريخ متنوعة؛ منها الفرط صوتي الذي يقطع -بفضل الله- مسافة ألفي كيلو متر في أقل من ربع ساعة، خدمته الظروف، ومنحت الجغرافيا قواته المسلحة الأفضلية في مواجهة العدو الإسرائيلي وتحالفاته الأمريكية والأوروبية في البحر، ليبقى اليمن الرقم الصعب والصحيح في حرب الاستنزاف والإسناد للجم الأعداء وتحسين شروط فصائل المقاومة وتقويتها على طاولة المفاوضات.

اليمن صعب المراس، وخوض معركة ضده محفوف بالمخاطر

التعامل مع اليمن أمر صعب وغاية في التعقيد، لبعد الجغرافيا أولا، ولندرة المعلومات الاستخبارية عن أماكن تصنيع المسيرات والصواريخ وقواعد إطلاقها، وهذا ما تعيده وتقر به الأوساط الصهيونية والأمريكية على حد سواء.

مع كل اعتداء يطال المنشآت الحيوية والاقتصادية اليمنية يأبى الله إلا أن تحصد القوى المعتدية الذل والهوان في البحر كما في مسار قصف العمق الفلسطيني المحتل بالفشل المتراكم في رصد واعتراض القدرات اليمنية والحد من زخمها المتصاعد.

معركة البحار تشهد على خيبات أمريكا وانتكاسات بحريتها

في معركة البحار أضاف اليمن خيبة ونكسة ثالثة للبحرية الأمريكية وأسطولها الخامس، بهجوم استباقي بثمانية صواريخ وسرب من المسيرات على الحاملة “يو إس إس هاري إس ترومان”، والتي اضطرت للتراجع والانسحاب من ميدان المواجهة باتجاه شمال البحر الأحمر تمهيدا للخروج النهائي من منطقة عمليات البحرية اليمنية كما فعلت ذلك سابقا الحاملتان “آيزنهاور” و”أبراهام لينكولن”.

لم يمض وقت طويل على الإعلان الأمريكي عن دخول “ترومان” إلى البحر الأحمر برفقة مدمرتين مع طرادٍ للصواريخ الموجهة، حتى وقعت في المصيدة اليمنية وارتد السحر  على الساحر الأمريكي بفشل المهمة في اليمن وخسارة طائرة حديثة من طراز إف ثمانية عشر في ظروف غامضة زادت من إحباط البحرية الأمريكية وشككت في قدرتها على ردع اليمن واستعادة هيبتها ونفوذها المفقود.

نتائج كبيرة للهجوم اليمني الاستباقي على “ترومان”

الهجوم اليمني الاستباقي الجديد على الحاملة “ترومان” له الكثير من النتائج المباشرة والدلالات الأمنية والعسكرية التي تعزز -في بعدها الاستراتيجي- مكانة اليمن الإقليمية والدولية، وتؤكد فاعلية عملياته المساندة لغزة؛ ومن ذلك:

مع انطلاق العدوان الأمريكي على اليمن ليلة السبت أبدت القوات المسلحة استجابة سريعة في مواجهة التهديد الأمريكي ومنع تحقيق أهدافه الميدانية بضرب الحاملة التي أقلعت منها الطائرات المعادية، ما اضطر هذه الطائرات لإنهاء المهمة قبل استكمالها، وفي طريق العودة السريعة -قبل أن تصاب الحاملة أو تهرب بعيدا- كان من نتائج القلق والخوف إسقاط طائرة بنيران قالوا “إنها صديقة”.

الهجوم الاستباقي الثالث من نوعه في البحر لا يعكس الجرأة اليمنية في مواجهة قوى الاستكبار العالمي بما تملكه هذه القوى من إمكانات وحسب، بل ويُظهر تفوقا يمنيا في رصد التحركات وتتبع السفن المعادية، والقدرة على توظيف الإمكانات المتوفرة لتنفيذ عملية معقدة وواسعة على بعد مئات الأميال.

في مقابل ما يظهره اليمن من تكامل للأدوار العسكرية والأمنية لتثبيت معادلة حصار غزة بحصار الموانئ الفلسطينية المحتلة، ومع ما يولده ذلك من دعم يمني داخلي وتأييد عربي وإسلامي، تعيش القوات الأمريكية في حالة من القلق وعدم الاستقرار في ميدان البحر، والامر ينسحب على الشركاء الغربيين.

حادثة سقوط طائرة مقاتلة أمريكية فوق البحر الأحمر وسردية “النيران الصديقة” التي لم تقنع الكثير من الخبراء والمتابعين سلطت الضوء لدى الرأي العالمي وشركات الملاحة الدولية على حقيقة الفشل في إخماد النيران اليمنية رغم التحالفات الغربية مع تنامي التهديدات والمخاطر التي تواجهها البحرية الأمريكية على مدى عام.

إنكار الفشل الأمريكي في اليمن والاختباء خلف ضرورة تصعيد الاعتداءات وحشد المزيد من الطاقات ينذر بالأسوأ بالنسبة لكيان العدو الإسرائيلي، كما أنه يضع القوات الأمريكية تحت الضغط السياسي وحرب استنزاف لا طائل منها، وشيئا فشيئا ستفقد الولايات المتحدة هيبتها ونفوذها ليس في البحرين الأحمر والعربي وحسب، بل يمكن أن يصل ذلك إلى ما سواهما من بحار ومضائق.

الهجوم النوعي يعيد ويؤكد أن أمريكا تواجه اليمن خدمة للصهيونية بلا خطة  أو مقاييس واضحة لنجاح قواتها، وبلا جدول للانتهاء منها، وهذا ما يزيد من الضغوط السياسية الداخلية على إدارة بايدن.

الخيارات الأمريكية تضيق في اليمن، والخسائر تكبر

لا توجد أرقام دقيقة عن المبالغ التي تنفقها واشنطن لتوفير الأمن لكيان العدو وحماية إمداداته التجارية من العمليات اليمنية، لكن من المعتقد -وفق الإعلام الامريكي- أنه يصل إلى مليارات الدولارات بناء على تعقيدات الحرب والتكاليف الباهظة للأسلحة والصورايخ والدعم اللوجيستي وأعمال صيانة السفن وما شابه ذلك، ناهيك عن المخاطر المتزايدة التي تحيط بالأصول الامريكية وجنود البحرية، فالبقاء على حاملة الطائرات والرهان عليها وعلى مجموعتها التي توصف بالضاربة في ظل الحديث عن نقص الصواريخ الاعتراضية لها يبدو مغامرة غير محسوبة النتائج والعواقب، والفرار صفعة مدوية بوجه الهيمنة الأمريكية.

أما التفكير بتسيير الطائرات المعادية لقصف اليمن من القواعد الأمريكية داخل الأراضي السعودية أو أي من دول الخليج فهذا ما شأنه أن يعسكر المنطقة، ويعرض أمن الطاقة العالمي للخطر كما هو الحال مع خطوط الملاحة التجارية.

يبقى التفكير في ذرائع ومبررات لتحريك الأدوات المحلية لإشغال اليمن بمعارك داخلية تزامنا مع زيادة الضغوط الاقتصادية وتشديد الحصار على ميناء الحديدة، وهذا السيناريو لا يبدو للإسرائيلي العصا السحرية لفصل الجبهة اليمنية عن غزة، ولن يكون كافيا لإنهاء حالة العداء المتجذرة ضد كيان العدو من قبل الشعب اليمني بمختلف فئاته وطوائفه.

المصدر ـ موقع أنصار الله

قد يعجبك ايضا