إلى جانب أولى أهداف ثورة ١٤ من أكتوبر المجيدة والتي على رأسها تحرير جنوب اليمن من الاحتلال البريطاني وتوحيد اليمن جنوباً وشمالاً ، هناك هدف آخر كان حاضراً في وجدان الثوار و وأدبيات الثورة لم يأخذ حقه بشكل كامل في التعاطي الإعلامي والتوثيق التاريخي للثورة وهو دعم القضية الفلسطينية .
لقد كان ثوار ١٤ أكتوبر يحملون همّ القضية الفلسطينية ويؤكدون وقوفهم ضد الاحتلال الإسرائيلي والإمبريالية الأمريكية ،وكانت تصريحاتهم ومؤتمراتهم السياسية لا تغفل عن هذ الهدف الهام .
استمرت الثورة في دعم القضية الفلسطينية وكان هناك دور كبير وميداني لثوار ١٤ أكتوبر ونوفمبر في الدعم بالسلاح والرجال والمشاركة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي سواء في فلسطين المحتلة أو في جنوب لبنان وهناك أسماء من مختلف المناطق اليمنية “شمالا وجنوبا” سطرت تاريخاً عظيما في جهادها هناك .
وأتذكر عند لقائي بالشهيد سمير القنطار تحدث لي عن عدة أسماء يمنية قاتل معها في جنوب لبنان وكان بعضهم قادة سرايا واصفا شجاعتهم بأنها استثنائية وأن المقاتلين الفلسطينيين واللبنانيين كانوا يتعلمون منهم الروح المعنوية العالية ووصفهم بأنهم ماهرون في استخدام السلاح ولديهم شجاعة عالية وكانوا ينكلون بالإسرائيليين خلال المواجهات .
القضية الفلسطينية كانت مبدأ وهدفاً ثابتاً لدى ثورة ١٤ أكتوبر ، ومن أهميتها عند قيادات الثورة أنهم اعتبروا بأن ثورتهم في جنوب اليمن تأتي في طريق تحرير الأراضي العربية من الاستعمار والاحتلال وعلى رأسها الأراضي الفلسطينية .
وهناك شواهد كثيرة على تبني ثورة ١٤ أكتوبر القضية الفلسطينية كأحد أهداف الثورة ومنها على سبيل المثال لا الحصر: ما ورد في بيان إعلان استقلال الجنوب في ٣٠ من نوفمبر ١٩٦٧م الذي ألقاه قحطان الشعبي كأول رئيس لجنوب اليمن ما نصه “وتعلن( جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية) أنها قررت الانضمام الفوري لجامعة الدول العربية والالتزام بميثاقها.
وتؤكد أنها ستعمل سواء في نطاق جامعة الدول العربية أو بالعلاقات الثنائية على محاولة إيجاد صيغ عملية لتوطيد الروابط بينها وبين الدول العربية الشقيقة بالعمل من أجل تحرر فلسطين وسائر أجواء الوطن العربي التي مازالت تحت الحكم الأجنبي. ” .
كما أكد الحزب الاشتراكي في مؤتمره التأسيسي الأول عام 1978م استمرار (جمهورية اليمن الديمقراطية ) في دعم القضية الفلسطينية حتى تحرير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي حيث جاء فيه :
” وينطلق حزبنا في برنامجه على الصعيد العربي من اعتبار الوحدة العربية على أسس ديمقراطية وتقدمية من أنبل وأبرز أهداف حزبنا وجماهيرنا وسيناضل الحزب مع القوى الثورية العربية من أجل وحدة عربية ذات مضمون تقدمي كما ينطلق الحزب على هذا الصعيد من اعتبار القضية الفلسطينية قضية مركزية من قضايا حركة التحرر الوطني العربية ومن هنا فإن جمهورية اليمن الديمقراطية قد عملت وستواصل عملها لدعم نضالات الشعب الفلسطيني بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية من أجل استعادة حقوقه الوطنية الشرعية الثابتة وإقامة دولته الحرة على أرضه “
وحينها كان حزباً حاكماً وسياساته انعكست كسياسة للدولة وبالفعل ترجمت تلك السياسات في الواقع بالدعم الواضح للقضية الفلسطينية وللمقاومين الفلسطينيين ..
تطرقت لهذه النقطة الهامة لأن ذكرى ثورة ١٤ أكتوبر جاءت هذا العام بالتزامن مع معركة طوفان الأقصى حتى يعلم أبناء الشعب اليمني وخصوصا أبناء المحافظات الجنوبية ، أن ما تقوم به بعض القيادات السياسية والعسكرية التابعة للاحتلال الجديد (السعودي والإماراتي) في هرولتهم نحو التطبيع وإعلانهم ذلك بكل وضوح ، إنما هو خيانة لثورة ١٤ أكتوبر وخيانة لدماء كل الثوار التي سقطت في مواجهة الاستعمار البريطاني .
كذلك لأن الاحتلال الجديد يحاول طمس هذا التاريخ المشّرف من وعي أبناء المحافظات الجنوبية حتى يكونوا مهيئين للقبول بالتطبيع مع كيان العدو الصهيوني, لكن أبناء الشعب اليمني بما فيهم أبناء الجنوب لن يتخلوا عن تاريخهم المشرف ولن يخونوا ثورة ١٤ من أكتوبر و٣٠ من نوفمبر وسيبقون أوفياء لأهدافها ومبادئها وثوارها الأحرار ، وما تقوم به بعض القيادات لا يمثل أبناء الشعب ولا ثورة ١٤ أكتوبر بل يمثلون أنفسهم وسيلعنهم التاريخ كما لعن من قبلهم مرتزقة الاحتلال البريطاني ..