مناورة “ليسوءوا وجوهكم”.. رسائل عسكرية واستراتيجية وتثبيت معادلات جديدة
حملت مناورة “ليسوءوا وجوهكم” دلالات عسكرية مهمة، سواء من حيث توقيتها أو طبيعتها،
خاصة أنها تزامنت مع مساعٍ أميركية لتحريك أدواتها في الداخل للتحضير لفتح جبهة الساحل الغربي وغيرها من الجبهات لمواجهة القوات المسلحة اليمنية،وتزامنت أيضًا مع ضغوط إقليمية ودولية متزايدة، والتي تهدف جميعها في المجمل إلى عرقلة دور اليمن في دعم وإسناد أهلنا في غزة ومقاومتها.
المناورة، التي بث الإعلام الحربي اليمني، اليوم، مشاهد منها، ركزت على التصدي لأربع موجات هجومية واسعة، محاكية لسيناريوهات تتضمن عمليات بحرية وبرية مكثفة من قبل قوات معادية افتراضية.
وخلال المناورة، تم استعراض كيفية التصدي لاقتحامات عبر الساحل الغربي، ومواجهة عمليات إبرار بحري من سفن وقطع حربية، إلى جانب محاكاة معارك على تضاريس متنوعة تشمل المدن، الصحراء، والجبال، وهذا التكامل بين القوات البرية والبحرية يشير إلى المستوى العالي من التناغم والتنسيق والاستعداد لمواجهة أي تحركات معادية.
ومن اللافت في هذه المناورة أيضًا، هو إشراك قوات التعبئة العامة في عمليات الدفاع عن المناطق الحيوية والتصدي لمحاولات إنزال جوي افتراضية، في مؤشر على الجاهزية العالية لقواتنا المسلحة، وتعزيزها لتكتيكات دفاعية جديدة تركز على حماية المناطق الساحلية، والتي تشكل نقاط تماس استراتيجية في أي مواجهة محتملة قادمة.
تتزامن هذه المناورة العسكرية مع تكثيف واشنطن مساعيها -في الآونة الأخيرة- لتحريك المرتزقة في الداخل، وخاصة أولئك الرخاص في الساحل الغربي، سعيًا لفتح هذه الجبهة الحساسة ضد قواتنا المسلحة بعد عجزها عن ردعنا عسكريًا بشكل مباشر بالضربات الجوية، وتهدف من خلال ذلك إلى منع أي تأثير مباشر لليمن على المعركة الجارية في قطاع غزة وجنوب لبنان، حيث تشكل العمليات اليمنية دعمًا عسكريًا وسياسيًا ومعنويًا للمقاومتين الفلسطينية واللبنانية، من خلال الضغط الاقتصادي على الكيان بالحصار البحري فضلًا عن العمليات العسكرية المباشرة بالصواريخ والمسيّرات.
هذه التحركات المعادية أيضًا تزامنت مع تزايد الحديث عن تحولات جيوسياسية في المنطقة، ومن ضمنها اليمن، إذ تسعى الولايات المتحدة وأدواتها إلى إعادة رسم معادلات السيطرة في المناطق الاستراتيجية في اليمن، بما يخدم مصالح “إسرائيل” عبر محاولة السيطرة على الساحل الغربي.
وبالعودة إلى المناورة، فإن من أهم الرسائل التي حملتها، هو استعداد قواتنا المسلحة لخوض معركة طويلة الأمد، كما أظهرت المشاهد المصورة قدراتها على خلق بيئات جغرافية وتضاريس جديدة في المنطقة بما يخدمها ميدانيًا وتكييفها على نحو يعزز من القدرات الدفاعية ضد أي هجمات محتملة، وهو ما يضع القوات المعادية أمام وضع ميداني جديد صعب تخلّق بسواعد الرجال خلال السنتين الماضيتين.
ووفقًا لمصادر مطلعة، فإن ما تم بثه ليس إلا جزءًا يسيرًا مما تم تحضيره فعليًا على الأرض، في مؤشر حرص القوات المسلحة على إظهار جزء من قدراتها لإرسال رسائل ردع واضحة للعدو، دون الكشف عن كامل إمكاناتها التي تبقيها كعنصر مفاجأة للعدو في الميدان.
كما أن المناورة تأتي في إطار التأكيد على تثبيت المعادلة الجديدة التي فرضتها قواتنا المسلحة خلال الأشهر الماضية في بحارنا ببسط سيطرتها وسيادتها عليها، فالساحل الغربي لليمن يمثل نقطة استراتيجية ليس في المعادلة اليمنية وحسب، بل وفي أمن المنطقة ككل، نتيجة قربه من الممرات البحرية الدولية.
ولهذا، فإن أي تصعيد في هذه المنطقة سيكون له عواقبه الرخيمة، وسيكون له تأثيراته المباشرة على حسابات القوى الدولية، وخصوصًا الولايات المتحدة التي تراقب عن كثب هذه المتغيرات والتحضيرات في هذه البقعة الحيوية والحساسة، وتعمل على فرملتها وإعادة الوضع إلى ما كان عليه سابقًا تحت سيطرتها، كونها تمثل نقطة مواجهة مباشرة لمصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة وعلى رأسهم “إسرائيل”، ولكن “سبق السيف العذل” كما يقول المثل.
26 سبتمبر نت: عبدالحميد شروان