مناورات.. تطبيع وعدوان..البـحـر الأحمـر في مـرمـى الأطماع الـصـهـيـونـيـة
لم يعد يخفى على أحد حجم المؤامرة الصهيونية الأمريكية التي تحاك على البحر الأحمر الذي أصبح اليوم أقرب إلى سيطرة سلطات الاحتلال الصهيوني من خلال تحالف الغزو والاحتلال السعودي الإماراتي باستثناء مدينة الحديدة التي استهدفها تحالف العدوان على اليمن بشكل رئيسي لتمكين الكيان الصهيوني من احتلال البحر الأحمر والهيمنة على باب المندب خدمة لأجندته وأهدافه الاستعمارية في البلدان العربية والبحار الإقليمية وبما يحقق له المصالح الاقتصادية والنفوذ السياسي والعسكري، وهي أطماع بدأت عام 1949م بعد تأسيس الوجود الإسرائيلي في خليج العقبة وبهدف الاتصال مع العالم الخارجي عن طريقه، بالإضافة إلى موقع اليمن وشواطئه على البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي التي ظلت منذ القرن السادس عشر موقعاً للأطماع والصراع السياسي والعسكري والاقتصادي من قبل الدول الاستعمارية.
البحر الأحمر
تبلغ مساحة البحر الأحمر حوالي 438 ألف كيلومتر مربع، ويمتد على طول يزيد عن ألفي كيلومتر وعرض ثلاثمِائة كيلومتر، ويحتل موقعاً جغرافياً مميزاً يربط قارات العالم القديم آسيا وأفريقيا وأُورُوبا والبحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي والخليج العربي، وبالتالي يشكل أحد أهم الممرات المائية الرئيسية للملاحة والتجارة الدولية، حَيثُ تمر به ما يزيد عن 16 ألف سفينة تجارية وسياحية وعسكرية سنوياً، ويتم الاعتماد عليه في استيراد النفط (30 % من إنتاج النفط العالمي)، وكذلك المواد الخام لأُورُوبا والولايات المتحدة والغرب عُمُـومًا، ويتم عبره تصدير المنتجات الصناعية إلى آسيا وأفريقيا وأستراليا، لذلك أصبح البحر الأحمر القطب الذي تتلاقى فيه مصالح وأهدافُ مجموعة كبيرة من الدول الإقليمية والعالمية ذات القدرات العسكرية والسياسية المتنوعة، ولهذا يشكل البحر الأحمر أهميّة اقتصادية حيوية من خلال إسهامه في حركة التجارة العالمية وخَاصَّة النفط والغاز، وكذا يعد من الناحية الاستراتيجية ممراً مهماً لأية تحَرّكات عسكرية قادمة من أُورُوبا أَو الولايات المتحدة في اتّجاه منطقة الخليج العربي.
وتتأثر منطقة البحر الأحمر بالمتغيرات المحلية والإقليمية والدولية نسبة لترابطها واتصالها ولأهميتها الاستراتيجية، مثلاً الشواهد والأحداث تدل على أن ما يحدث في الشرق الأوسط ينعكس على البحر الأحمر لذلك يعتبر كثيرون أن البحر الأحمر إقليم فرعي للشرق الأوسط، ولهذا أصبح البحر الأحمر عاملاً هاماً يسهمُ في التطورات العسكرية والسياسية في المنطقة كلها والصراعات الإقليمية تتطور إلى استقطاب دولي.
وهنا لا تزالُ منطقةُ البحر الأحمر تمر بظروف وفترات غاية في الخطورة والحساسية؛ بسَببِ التوترات الإقليمية والأوضاع غير المستقرة بشكل عام، وذلك سيوجد حالة من التعقيد والتوتر المُستمرّ وعدم الاستقرار بحيث لا يمكن لدولة أن تبقى بمنأًى عن التأثر بتلك الأوضاع أَو التفاعل معها أَو التعامل مع تداعياتها.
مناورات مشبوهة
الولايات المتحدة الأمريكية ومنذ العام 2015 تقوم بمناوراتٍ عسكرية أَو ما يسمى التمرين الدولي «آي إم إكس» في البحر بمشاركة حلفائها في المنطقة، ولكنها هذا العام بدأت بتوسيع عدد المناورات وقاعدة المشاركين فيها حتى وصلت إلى أكثر من 18 مناورة عسكرية منذ بداية العام الجاري، وشارك فيها الحلفاء في دول الخليج منها دول العدوان على اليمن والتطبيع مع الكيان الصهيوني الذي كان شريكا في العديد منها وكان التمرين الأكبر هو الذي استمر لمدة 18 يوماً، بمشاركة تسعة آلاف فرد و50 سفينة من أكثر من 60 دولة ومنظمة مشاركة وكان أكبر تمرين من حَيثُ الأنظمة البحرية العسكرية للأجهزة المسيَّرة عن بعد مع أكثر من 80 نظاماً لطائرات من دون طيار.
الأخطار والتحديات
وفيما يخص الدولَ المطلة على البحر الأحمر من هذه المناورات والمخاطر والتحديات الناتجة عنها، ووفقاً للمحللين السياسيين فَـإنَّ تلك الدول هي الأكثر ضعفاً ولن تقدم للمناورة أيّ جديد سوى أن تصبح متفرجة على طريقة الأداء الأمريكي الإسرائيلي بحيث تصبح مُجَـرّد أدوات استخباراتية لجمع المعلومات والدعم اللوجستي للقوات الأمريكية الإسرائيلية التي تنفذ المناورة التي تستفز الشعب اليمني وهو المعني بالتعامل مع أية اختراقات للسيادة اليمنية عبر قواته المسلحة البحرية اليقظة، مؤكّـدين أن ذلك التواجد العسكري في مياه البحر الأحمر يشكل التهديد الحقيقي للدول المطلة عليه والتي ارتضت أن تفتح مياهها وأراضيها لتواجد القواعد الأجنبية، والمناورة التي تنفذ قبالة المياه الإقليمية اليمنية واليمن هي الدولة الوحيدة المطلة على البحر الأحمر وتقف ضد المشروع الصهيوني الأمريكي وتقف ضد التطبيع الذي تنضوي فيه دول المناورة بمشاركتها إلى جانب الكيان الصهيوني.
الوضع قابل للانفجار
وكون المخاطر والتحديات الناتجة عن المناورات المشتركة في البحر الأحمر، تهدف إلى السيطرة الأمريكية والإسرائيلية عليه وعلى الموانئ المطلة عليه والتحكم في حرية الملاحة البحرية المهدّد الأكبر في ظل التدافع المحموم وفرض النفوذ الذي يشهده البحر الأحمر منذ سبع سنوات، يؤكّـد الخبراء العسكريون أن هذه المناورات الدولية تشكل مخاطرَ كبيرةً في البحر الأحمر، منها محاصرة الدول المطلة عليه، وتحويله إلى بوابة رئيسية بين القارات تغلق في الوقت المراد لها ومتى تريد أمريكا المتحكمة فيه، وبناء قاعدة إسرائيلية للدعم المباشر لأدوات العدوان في المنطقة، وكذلك عسكرة البحر الأحمر من خلال التواجد العسكري المشترك والذي يكون قابلاً للانفجار في أي وقت من الأوقات، وسيجعل البحر الأحمر مسرحاً للعمليات وذلك سوف تكون نتائجه كارثية مع الأيّام القادمة.
وخلال الفترة القادمة من المستبعَد أن تستمر الأوضاع الأمنية هادئة في البحر الأحمر؛ وذلك بسَببِ المناورات العسكرية المشتركة، التي أصبحت مدخلاً وباباً من أبواب الهيمنة ومبرّراً للتواجد العسكري الأمريكي والإسرائيلي المتعلق بأجندة عسكرية وسياسية واستراتيجية واقتصادية.
ولهذا فَـإنَّ تلك المناورات وغيرها توفر أسباباً عديدة لحدوث أزمات حادة مستقبلاً في البحر الأحمر أَو تأثره بأزمات في مناطق قريبة أَو مرتبطة به أَيْـضاً قائمة مفتوحة سواءً بفعل قوى إقليمية أَو دولية ونتيجة لتعارض الأهداف والمصالح ولا شك أن ذلك سينعكس على الأمن البحري في البحر الأحمر والذي يتمثل في تهديد تدفق التجارة البحرية والتأثير على البيئة البحرية والأمن الغذائي والأمن الإقليمي للدول المطلة عليه.
الحديدة بالذات
ولعل المتتبع للإحداث يرى أن المحاولات المستميتة لقوى تحالف العدوان على اليمن لاحتلال الحديدة وإحكام السيطرة عليها من خلال العمليات المتتالية التي حشدت لها أضعاف ما حشدته في بقية الجبهات سنوات العدوان ما هي إلا من أجل تمكين الكيان الصهيوني من السيطرة على البحر الأحمر بالكامل بعد أن نجح هذا الكيان المحتل من الهيمنة على البحر الأحمر وطريق الملاحة الاستراتيجي الذي يمر عبر مضيق باب المندب الذي بات تحت سلطة قوى الغزو والاحتلال والتي تعمل لحساب الكيان الصهيوني، ولذلك فإن العدوان على الحديدة والساحل الغربي إسرائيلي بامتياز، وأن المعركة معركتهم وما السعودي والإماراتي إلا أداة بأيديهم، والحديدة كما هو معلوم تتميز بساحل طويل يمتد على الضفة الشرقية للبحر الأحمر بطول 300كم، يبدأ من مديرية اللحيَّة شمالًا حتى مديرية الخوخة جنوبًا، وفي سواحل المحافظة أكثر من 40 جزيرة وقد ارتبط تاريخ مدينة الحديدة، وسواحل تهامة عمومًا، والجُزر التابعة لها، بموجات الغزو الأجنبي الطامع في اليمن، أو بتلك الجيوش التي جاءت لنجدته. وهو ارتباط يكاد يكون ملازمًا لكثير من مدن الساحل اليمني؛ ذلك أن اليمن لم يشهد في تاريخه غزوًا عبر حدوده البرية، مثلما حدث مع حدوده البحرية. وكان من بين موجات الغزو التي تعرضت لها الحديدة، الحملات الاستعمارية البرتغالية والإنجليزية. أما العثمانيون فقد اتخذوا منها عام 1848 قاعدة عسكرية للانطلاق نحو مدن الهضبة في شمال البلاد.
التطبيع
وتؤكّـد مصادر سياسية أن تلك المناورات تهدف إلى جر أكبر قدر من الدول للتطبيع مع إسرائيل والقبول بالإسرائيلي خلال التدريب المشترك وفي غرف عمليات المناورات والاستفادة من خبراتها وخبرات الولايات المتحدة الأمريكية وجرجرة دول عربية وإسلامية إلى تحالفات تخدم الكيان الصهيوني وتجعله فاعلاً بالمنطقة برمتها، وُصُـولاً إلى الخليج، موضحة أن إعلانَ واشنطن خبرَ المناورات البحرية العسكرية في البحر الأحمر، وإرسال المدمّـرة حاملة الصواريخ الموجهة للبحرية الأمريكية “يو إس إس كول” للتعاون مع بحرية العدوان الإماراتي حدثان تزامنا بعد عمليات إعصار اليمن التي عصفت بالأهداف الاستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية في أبو ظبي ودبي.
فشل العدوان
ولأن المناورات العسكرية المشتركة بقيادة أمريكا وبحضور فعلي للكيان الإسرائيلي في البحر الأحمر يثيرُ جُملةً من الدلالات، توضح مصادرُ سياسيةٌ أن الحضور المباشر للكيان في هذه المناورات تزامن مع فشل دول العدوان ومنظوماتها الدفاعية في حماية منشآتها الاقتصادية والعسكرية، وتأكّـد أن تلك الدول أصبحت عاجزة بعد أكثر من سبع سنوات من العدوان عن حماية إسرائيل، خُصُوصاً بعد أن أيقن العدوّ الأمريكي والإسرائيلي بالقدرات العسكرية اليمنية المتقدمة التي غيرت موازين المعادلة، ولهذا تريد أمريكا إقامة قوة مشتركة بقيادة إسرائيل بعد تغيير خطة القيادة الموحدة لنقل إسرائيل من منطقة عمليات القيادة الأُورُوبية للقوات الأمريكية إلى منطقة عمليات القيادة المركزية في البحر الأحمر، لتسهيل التعاون الأمني الثنائي والإقليمي وتقاسم الأعباء.
حماية إسرائيل
ويؤكّـد المراقبون أن تلك التحَرّكات المشتركة تهدفُ إلى حماية إسرائيل خَاصَّة بعد عمليات إعصار اليمن التي ضربت العمق في دويلة العدوان الإماراتي، وكذلك للحفاظ على مصالح الدول الكبرى الموجودة في المنطقة وخطوط الملاحة في البحر الأحمر، وبالتـالي تعمـل واشنطن من خلف المناورات عـلى تأسيـس قواعـدَ لحماية هذا الكيان من خلال حضور الكيان الصهيوني على رأس الأسطول الأمريكي الخامس المسؤول عن حماية دولة الاحتلال ومصالحهما في البحر الأحمر الذي يعتبر بوابة حيوية للواردات الإسرائيلية من آسيا، إضافة إلى حماية منصات الغاز الطبيعي الإسرائيلية في البحر الأبيض المتوسط، والتي توفر الآن حوالي 75 بالمِئة من كهرباء الكيان.
ولأن البحر الأحمر يتمتعُ بأهميّة استراتيجية عميقة من خلال استضافة طرق الشحن العالمية الرئيسية، بما في ذلك قناة السويس ومضيق باب المندب، وتدخل جميع واردات إسرائيل تقريبًا عن طريقه فَـإنَّ هناك مجموعةً من التهديدات تقلق الكيان الصهيوني من بينها القوات اليمنية التي تمتلك ترسانة من الصواريخ البالستية والطائرات المسيَّرة، فضلاً عن التحديات التي يمثلها النشاط العسكري اليمني في جميع أنحاء المنطقة.
أطماع تاريخية
إضافة إلى ذلك كان من أهم خطوات الرؤية الاستراتيجية لإسرائيل السيطرة على البحر الأحمر، الذي يفتح البابَ بكامله أمام التطبيع معها وإقامة شراكة عربية إسرائيلية تنعكس على التنسيق بين دول المنطقة ومن خلفهم الولايات المتحدة في مشروع الشرق الأوسط الجديد، ومن ضمن المشاريع التي يسعى الكيان الصهيوني إلى تأسيسها إنشاء قناة البحر الأحمر مع البحر الميت مقرونة بتطوير التجارة الحرة والسياحة على امتدادها ما يسمى مشروع ناقل البحرين أَو مشروع البحر الميت، طريق الهند الجديد، وكذلك تطوير الطاقة الكهرومائية وتحلية المياه وتطوير صناعات مرتبطة بالبحر الميت والبحر الأحمر.
بالإضافة إلى إقامة طرق مواصلات وسكك حديدية إقليمية وإقامة مناطق صناعة مشتركة بحيث تكون إسرائيل محورها، وعمل طرق تجارية تربط البحر الأبيض المتوسط غرباً إلى الخليج العربي شرقاً، بحيث تصبح إسرائيل جسراً برياً بين أُورُوبا ودول الخليج، وهذا المشروع سيعمل على انتعاش التجارة بين دول الخليج العربي وموانئ البحر المتوسط وذلك؛ باعتبَاره يشكل رافعة لتحقيق السلام الاقتصادي في الشرق الأوسط.
صحيفة الثورة/ احمد السعيدي