مملكة السّعودية بين الغضب والإحباط.. لسنا على قدر المسؤوليّة!
اليمن المتألم منذ 7 سنوات، والذي يعيش مجاعة هي الأكبر في التاريخ الحديث، والمحاصر تحت مرأى العالم ومسمعه، لن يخسر شيئاً إذا اشتغل على نقطة ضعف الدول الاستكبارية، وهي إمدادات الطاقة.
نشرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية “واس” يوم الإثنين 21 مارس/آذار الجاري تصريحاً لمسؤول في وزارة الخارجية قال فيه إنَّ “المملكة العربية السعودية تعلن أنَّها لن تتحمَّل مسؤوليّة أيّ نقص في إمدادات البترول للأسواق العالمية، في ظلّ الهجمات التي تتعرَّض لها منشآتها النفطية من الميليشيات الحوثية الإرهابية المدعومة من إيران”.
يضيف الخبر: “تؤكّد المملكة أهمية أن يعي المجتمع الدوليّ خطورة استمرار إيران بتزويد الميليشيات الحوثية الإرهابية بتقنيات الصواريخ البالستية والطائرات المتطورة من دون طيار، والتي تستهدف بها مواقع إنتاج البترول والغاز ومشتقاتهما في المملكة، لما يترتّب على ذلك من آثارٍ وخيمة على قطاعات الإنتاج والمعالجة والتكرير، وسوف يُفضي ذلك إلى التأثير في قدرة المملكة الإنتاجية وقدرتها على الوفاء بالتزاماتها، الأمر الّذي يهدّد بلا شكّ أمن إمدادات الطاقة إلى الأسواق العالمية واستقرارها”.
ويختم خبر الوكالة السعودية بالقول: “بيّن المصدر أهمية اضطلاع المجتمع الدولي بمسؤوليته في المحافظة على إمدادات الطاقة ووقوفه بحزم ضد الميليشيات الحوثية الإرهابية المدعومة من إيران، وردعها عن هجماتها التخريبية التي تشكل تهديداً مباشراً لأمن الإمدادات البترولية في هذه الظروف البالغة الحساسية التي تشهدها أسواق الطاقة العالمية”.
حرصتُ على نقل الخبر كاملاً، لأنه يستحق التشريح والمعالجة وربط بعض الأحداث المتقاربة مع صدوره، سواء على مستوى الزمان أو على مستوى التطورات الخليجية والعالمية، وسأقسمه إلى 3 أقسام:
الأول: إعلان عدم المسؤولية عن أيّ نقص في إمدادات الطاقة
يأتي إعلان المملكة العربية السعودية عدم مسؤوليتها عن أيّ نقص قد يحدث في إمدادات الطاقة بسبب الضربات الصاروخية اليمنية، في سياق الرد على دعوة الرياض الأطرافَ اليمنية للحوار في العاصمة السعودية. هذه الضّربات الصّاروخيّة أصابت عدداً من المنشآت التابعة لعملاق النفط “أرامكو” في مدينة جدة، في إطار “عملية كسر الحصار الثالثة”.
وفي هذا الإطار، نجد أنّ اليمني يجيد التفاوض بلغة الصاروخ. وبدلاً من أن يجلس إلى طاولة، ويقول للمعتدي: “ارفع حصارك، وأوقف قصفنا، واسحب جنودك”، فإنّه يرفض تلك الطاولة، ويردّ على دعوة الحوار – وهي في الحقيقة دعوى وليست دعوة – بالصواريخ على أهداف بعينها.
إنَّ إجادة اليمني للتفاوض تأتي ضمن مستجدين:
1- أزمة عالمية جداً في إمدادات الطاقة قابلة للانفجار بسبب الحرب الدائرة في أوكرانيا. وبمجرّد أن تمنع أوروبا استيراد النفط والغاز من روسيا أو تمنع الأخيرة تصديرهما، فسنتخطى حدّ الأزمة، وندخل دائرة الكارثة. ويتوقّع خبراء أن يزداد سعر برميل النفط من 300 إلى 500 دولار للبرميل الواحد، ما يعني غلاء أسعار السلع الأساسية والنقل والتصنيع. هذا من جهة.
2- من جهة أخرى، إنَّ الردّ اليمني يتزامن مع ضغوطات أميركية وأوروبية على الخليج، وتحديداً السعودية، لرفع إنتاج النفط، سعياً لخفض سعره في الأسواق العالمية، إذ إنَّه أثر تأثيراً بالغاً في دافع الضرائب الأميركي، الذي يضطر إلى شرائه بـ5 دولارات للتر الواحد، كما أنّه خيّم على الأسعار في أوروبا؛ فالأسعار الحالية، والتي يمكن أن تحتويها الحكومات وتوقف أي اضطرابات بسببها، قابلة للتفاقم في ما لو تصاعدت الأزمة الأوكرانية.
الثاني: اللوم السعودي على الجانب الإيراني.. ما الحل؟
في القسم الثاني من الخبر، يلقي المصدر المسؤول في الخارجية السعودية كل اللوم على الجانب الإيراني الذي يزود الحوثي – وفق ما عبرت الوكالة السعودية – “بتقنيات الصواريخ البالستية والطائرات المتطورة من دون طيار”.
لنتذكَّر قبل عملية “كسر الحصار الثالثة” بأيام، كان من المزمع عقد لقاء بين مسؤولين إيرانيين وآخرين سعوديين في العاصمة العراقية بغداد، لتقريب وجهات النظر وحلّ الأمور العالقة بين البلدين. وبعد 4 جولات من الحوار التي باءت بالفشل، جاءت الجولة الخامسة التي كان من المفترض أن تعقد يوم الأربعاء 16 مارس/آذار، إلا أنَّ الجانب الإيراني أعلن أنَّه لن يشارك فيها، احتجاجاً على إعدام الرياض 41 مواطناً من شيعة القطيف لأسباب سياسية بحته يوم السبت 12 مارس/آذار، من بين 81 مواطناً، بتهم مختلفة وقضايا متباعدة لا علاقة لها ببعضها البعض. وقد دأبت السعودية على خلط الإرهابيين مع مواطنين أبرياء من أجل التعمية على فعلتها.
هنا، ينبغي أن نطرح عدة أسئلة: هل التصعيد مع طهران يتناسب مع نية الرياض عقد جولة محادثات تفاهم معها؟ وهل امتناع إيران عن المشاركة في الجولة الخامسة أثار غضب السعودية؟ وما علاقة هذا الحراك المشوش للمملكة بتخوفاتها من اقتراب توقيع الاتفاق النووي، كما جاء في تسريبات “وول ستريت جورنال” قبل أسابيع؟
الثالث: إلقاء اللوم على العالم بسبب اليمن!
في الفقرة الأخيرة من الخبر، يحاول المصدر المسؤول في وزارة الخارجية للسعودية أن يحمّل العالم المسؤولية، ويلقي عليه اللوم في الوقت نفسه. وقد بيَّن المصدر – بحسب “واس” – “أهمية اضطلاع المجتمع الدولي بمسؤوليته في المحافظة على إمدادات الطاقة، ووقوفه بحزم ضد الميليشيات الحوثية الإرهابية المدعومة من إيران وردعها عن هجماتها التخريبية”، بحسب قوله.
هذا الأمر يتّفق مع الخبر الذي سربته “وول ستريت جورنال” عن طلبات سعودية وإماراتية لواشنطن ولندن بالتصدي لحركة “أنصار الله” بشكل أكبر من قبل. وهنا، يتبيَّن العجز الذي يحكيه السعودي عن نفسه، والذي يظهره يوماً عن يوم بشكل لا لبس فيه، ما ينبئ بفيضان في الغضب والهزيمة، لكن من دون شجاعة الاعتراف الصريح بالفشل أو شجاعة الانسحاب.
الأزمة في أوكرانيا والرصيد الإضافي لليمن
اليمن المتألم منذ 7 سنوات، والذي يعيش مجاعة هي الأكبر في التاريخ الحديث، والمحاصر تحت مرأى العالم ومسمعه، لن يخسر شيئاً إذا اشتغل على نقطة ضعف الدول الاستكبارية، وهي إمدادات الطاقة.
ما يخشاه الغربيون في هذا المجال، هو أن أي اضطراب في الأسعار أو خروج عن الحد المعقول، والذي يمكن احتواؤه، يدفع المواطنين الأوروبيين والأميركيين إلى أعمال الشغب أو الإضرابات العمالية، وهذا ما بدأت بوادره في القارة العجوز، حين اعترض سائقو الشاحنات في بريطانيا على ارتفاع أسعار الوقود، ما دفع 50 برلمانياً إلى كتابة رسالة إلى رئيس الوزراء بوريس جونسون بخفض الضريبة المرتفعة على الوقود.
وقد استجاب جونسون لرسالة البرلمانيين، ووجّه وزير المالية ريشي سوناك باتخاذ الإجراءات لذلك، وفق ما جاء في صحيفة “التلغراف” يوم الإثنين 21 مارس/آذار. وصرّح سوناك لوسائل الإعلام البريطانية بأنَّ الحكومة ستدعم الوقود، وسترفع ضريبة التأمين الوطني عن ذوي الدخل المحدود.
كلّ هذا بسبب التضخّم المزعج الذي أثقل كاهل الناس، وضجّت الأسعار من فورانه. وقد نظّم سائقو الشاحنات في ألمانيا أيضاً مسيرة بشاحناتهم التي بلغت 250 شاحنة، احتجاجاً على ارتفاع الأسعار. لذلك، يتنبّه الأوروبيون إلى المخاطر المحدقة بقارتهم ما لم يتداركوا الأمر ويوقفوا عجلة الانحدار المهرولة إلى الركود الاقتصادي.
السعودية في مثلث الحيرة.. النهاية مجهولة!
مما تقدّم، يتبيّن أنَّ المملكة العربيّة السعوديّة بين 3 أضلاع، وهي محتارة في وسطها، وتنافح لإيجاد المخارج. أحد أهمّ تلك الأضلاع هو الحرب على اليمن، إذ يمتلك اليمنيون زمام المبادرة، ويضربون على وتر الطاقة أكثر من ذي قبل.
والضلع الثاني هو الجار اللدود والمنافس العنيد إيران، إذ تجد المملكة نفسها مشوَّشة في كيفية التعامل مع طهران، فالشدّة غير ممكنة معها، والغرب يمدّ جسور التفاهم مع الجمهورية الإسلامية بشأن الاتفاق النوويّ، فضلاً عن إعراض بعض الغربيين عن مطالب الرياض (التي تتفق مع مطالب “تل أبيب”) بالضّغط على إيران أكثر.
أما الضلع الثالث الذي يزيد المملكة حيرةً وتشوشاً، فهو الضغط الغربي المستمر في إمداد أسواق الطاقة بطاقة إنتاجية أكبر لخفض الأسعار، في حين تسعى الرياض لاستغلال هذه الورقة، لكنها لم تفلح حتى الآن. ويبقى اللاعب اليمني هو الذي يسدد الأهداف تلو الأخرى في مباراة يزداد فيها الفارق وتكبر فيها الهوة.