ملف ساخن | هل أتاك حديث جيل النصر في فلسطين؟
بعد أن دخل الحلفاء عام 1918 إلى مدينة القدس المحتلة، بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، بدت المنطقة وكأنها تتحضر إلى حدث سيترك آثاره على مجمل تطورات الصراع التاريخي في فلسطين والقدس، وما زلنا حتى اللحظة، نعاني من تبعات تلك المرحلة.
دخل الشرق الأوسط في دوامة من الإستعمار الحديث، حمل إسم الانتداب، وكانت فلسطين من حصة بريطانيا، بموجب اتفاقيات تقسيم التركة العثمانية. عملت بريطانيا بجهد لتمكين اليهود لحكم فلسطين، ولم تكد تنتهي هذه المرحلة، حتى استفاقت الأمة على نكبة، تمثلت بضياع فلسطين لصالح الصهاينة، عام 1948، واستتبعت النكبة بنكسة، بإحتلال كامل القدس عام 1967.
ولم تكن الآلة العسكرية والإجرامية الوحيدة التي مورست على شعب فلسطين وشباب الأمة الإسلامية، لترك قضيتهم الأساس واسترجاع الحق بالمقدسات، بل عملت الإمبراطوريات الإعلامية في أكبر عملية غسل دماغ مجتمعي، بالهاء الشعوب تارة بمشاكلها الداخلية مختلفة الأبعاد، وبالنهي عن المقاومة لتحرير الارض، تارة عبر المفاوضات التي لم تنتج إلا الإستسلام، وتارة عبر دعاية ضخمة تقول بعدم جدوى المقاومة، مع طمس حقيقة أن الصهاينة لم يأخدوا فسطين إلا بالسلاح.
ركزت الدعاية الغربية على جيل الشباب، وفق خطة مدروسة، تقوم على توجيه عقول الناشئة، إلى الإنغماس والتفكير بالقضايا الثانوية، وثنيهم عن أساس العيش وهو الحرية بعناوينها المختلفة. كما وجهت تلك الدعاية الحرية وفق ما تراه مناسباً، فبدلاً عن التفكير بحرية الشعب وعدم الرضوخ للإحتلال، عملت الدول الغربية إلى الترويج لأنواع أخرى من الحرية، تخدم قضاياها بفرض ثقافتها على الشعوب الإسلامية. ولم يكن شعب فلسطين بغائب عن تلك الإستراتيجية، بل كان في قلبها وجوهرها.
فانهك شعب فلسطين بسطوة الآلة العسكرية الصهيونية، كما عمدت حكومة الإحتلال إلى اختلاق مشاكل معيشية له، بعد أن خربت نظامه الإقتصادي (الزراعي والصناعي والتجاري)، وبات محكوما بسياسات الإحتلال، خصوصاً وأن العديد من الدراسات تحدثت عن الأبعاد الإقتصادية لإحتلال فلسطين، بالإضافة إلى وجود العشرات من وسائل إعلام العدو الناطقة باللغة العربية، والتي تبث سمومها بإتجاه شعب فلسطين بالترغيب والترهيب.
مؤسسات الإحتلال والغرب الداعم له، ليست الوحيدة التي مارست تلك الخطة، بل عاونها بذلك أحزاب وجمعيات مختلفة التوجهات والأسماء، ترعاها حكومات خائنة، عملت سراً مع الإحتلال في تنفيذ مخططه، وباتت تلعب هذا الدور علناً، هدفت إلى طمس التاريخ والحق الفلسطيني بأرضه، بشتى الوسائل المتاحة (أعمال فنية، مؤتمرات ثقافية، وعلى منصات التواصل..)، بالتزامن مع أقلام صحافية وكتب ودراسات، تصب في الهدف الأساس، وهو تثبيت حكم الصهاينة في فلسطين، ومنع أجيال الأمة من حمل السلاح لإسترجاع الحق، وإقناعها بجدوى ما سمي “العمل السلمي والسياسي”.
البشرية في سيرورة تاريخية لا تتوقف، والأجيال تحمل ممن سبقها
بالعودة إلى عام 1967، حيث شكلت النكسة صدمة لدى الشارع الإسلامي والعربي، فانبرت العديد من الشخصيات الإسلامية إلى تشكيل أطر تنظيمية للعمل الجهادي، وانبرى في تلك الفترة قادة انطلقوا من الماضي ومن تاريخ الأمة، ليصنعوا مستقبل فلسطين والأمة، ومن ابرز هذه الشخصيات، الشهيد فتحي الشقاقي، والراحل رمضان عبدالله شلح، والشيخ أحمد ياسين، وعبد العزيز الرنتيسي، وابراهيم المقادمة، وغيرهم العديد من قادة العمل الجهادي الإسلامي، الذين انطلقوا من جهاد الشهيدين عزالدين القسام وعبد القادر الحسيني وغيرهما.
وتعود بداية الصحوة الجهادية التنظيمية في المنطقة إلى العام 1970. وإنطلاقا من دراسة الأجيال، فقد اتفق معظم الباحثين على تقسيم الأجيال إلى ثلاث (X,Y,Z)، وكل جيل يمتد إلى 25 عاماً كحد تقريبي.
جبل الصبر
(1970-1995) – في هذه المرحلة، شهدت فلسطين العديد من الأحداث البارزة، ابرزها حرب تشرين / اوكتوبر، وتأسيس الحركات الإسلامية الجهادية (حركة الجهاد الإسلامي، وحركة حماس..)، واندلاع إنتفاضة الحجارة.
جيل الثبات والاعداد
(1996 – 2020) – واصل الفلسطينيون معركتهم، وشهدت هذه الفترة أحداثاً جسام، اثرت على ما عداها، وشكلت منطلقاً للمرحلة الأخرى. تحرير جنوب لبنان عام 2000، واندلاع انتفاضة الأقصى. انسحاب الصهيانة من غزة عام 2005، وتداعيات حرب تموز عام 2006.
وفي هذه المرحلة، ورغم الحروب على غزة، غير أن المقاومة لم تخل عن اعداد العدة، والتجهيز لمعركة التحرير الفاصلة. في حين أن المقاومة المسلحة لم تتوقف في مناطق الضفة الغربي.
جيل النصر
(2021 – 2045) – بدأت هذه المرحلة بمعركة “سيف القدس”، والتي تركت أثرها الإستراتيجي، خصوصاً وأن المقاومة هي التي بدأت المعركة، مع ما تعنيه هذه المعركة من ربط للساحات بين غزة والضفة. واتبعتها المقاومة بمعركة “وحدة الساحات” عام 2022، تأكيداً على الوحدة العسكرية والجهادية.
وبمقابل اليقين لدى الأمة والشعب الفلسطيني بالنصر على الصهاينة، ينتاب قادة الإحتلال وساسته ومنظروه، اليقين بالزوال، خصوصاً مع دخولهم العقد الثامن، بما بات يعرف بعقدة الثمانين عاماً، ويعرف اصطلاحاً بـ “خراب الهيكل الثالث”، خصوصاً في ظل الإنقسام الحاصل، والذي سيترك آثاره في المرحلة اللاحقة، على منظومة الحكم والسيطرة الصهيونية، وهذا ما نراه بوضوح في الجيش الإسرائيلي.
ومنشأ هذه العقدة، أتت من أن غالبية الإسرائيليين يؤمنون بأن الممالك التي أسسوها في التاريخ لم تدم أكثر من 80 عاماً، إلا في فترتين، فترة الملك داود وفترة الحشمونائيم، وكلتا الفترتين كانتا بداية تفكّكها في العقد الثامن. واليوم فإن هذه الدولة والتي تحيي في أيار المقبل الذكرى الـ 75 على قيامها، هي في قلب هذا العقد، وبالتالي فهم يدركون بأنهم في قلب بداية تفكك كيانهم الحديث، وسط حديث متزايد عن قرب الإنهيار، في الصحف ووسائل الإعلام والندوات والدراسات الأمنية والعسكرية.
ويؤكد شعب فلسطين يومياً، فشل الإستراتيجيات الغربية، في اختراق جيل الأمة الإسلامية، بتاريخه المجيد، وبمستقبله المشرق. فجيل اليوم، هو الذي نشاهده يومياً في ميدان الصراع في فلسطين، وفي معسكرات تدريب المقاومة الفلسطينية، وكذلك نراه في لبنان وسوريا واليمن والعراق وايران، وفي أقطار المسلمين، يتحضرون ليوم الفتح، كل بحسب ظروفه والإمكانات المتوافرة لديه، يصنعون النصر وفي وجدانهم شهداء الأمة على مدى التاريخ.
موقع العهد:أحمد فرحات