ملزمة ” يوم القدس العالمي ” للشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي رضوان الله عليه
رقم (1)
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ: 28/9/1422هـ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين َالرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيم َصِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} (الفاتحة1-7).
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك الذي اصطفيته لرسالتك, ولإحياء ملّتك, ولإنقاذ عبادك، محمد بن عبد الله صلواتك وسلامك عليه وعلى أهل بيته الذين ساروا بسيرته.
أيها الأخوة الأعزاء في هذا الشهر الكريم, شهر القرآن {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}(البقرة: من الآية185) هو شهر كما حكى الله عنه شهر القرآن يرجع فيه الناس إلى الله، يرجع فيه الناس إلى هذا القرآن العظيم؛ ليعرفوا كيف يهتدون بهدي الله في كل ما يواجهونه في حياتهم.
في هذا الشهر الكريم اقترح الإمام الخميني (رحمة الله عليه) ذلك الرجل العظيم من سلالة بيت النبوة, ومعدن الرسالة أن تكون آخر جمعة من شهر رمضان هي يومٌ يسمى: [يوم القدس العالمي]، دعا الإمام الخميني كل المسلمين في مختلف أقطار الدنيا إلى إحياء هذا اليوم, وتخصيصه لخلق الوعي في صفوفهم, وتهيئة أنفسهم ليكونوا بمستوى المواجهة لأعدائهم.
ففي عشرين من شهر رمضان [عام 1399 هـ الموافق 15/8/1979 م] أعلن الإمام الخميني هذا المقترح في دعوةٍ, وفي بيانٍ عام وجهه للمسلمين جميعاً قال فيه: ((إنني أدعو كافة المسلمين في جميع أرجاء العالم والدول الإسلامية إلى أن يتحدوا من أجل قطع يد هذا الغاصب ومساعديه – يعني إسرائيل – وأدعو جميع المسلمين في العالم أن يعلنوا آخر يوم جمعة من شهر رمضان المبارك الذي يعتبر من أيام ليالي القدر، ويمكنه أن يلعب دوراً مهماً في مصير الشعب الفلسطيني [يوم القدس العالمي], وأن يعلنوا ضمن مراسم هذا اليوم اتحاد المسلمين بجميع طوائفهم في الدفاع عن الحقوق القانونية للشعب الفلسطيني المسلم)). روح الله الموسوي الخميني. (رحمة الله عليه).
الإمام الخميني هو الشخص الذي عُرِف بجدّيته في مواجهة أعداء الإسلام كافةً، في مواجهة أمريكا وعدّها [الشيطان الأكبر]، واعتبرها وراء كل ما يلحق بالمسلمين من ذلٍ وإهانةٍ، وغير ذلك من الشرور.
الإمام الخميني كان رجلاً يفهم المشكلة التي يعاني منها المسلمون، ويعرف الحل والمخرج لهذه الأمة مما تعاني منه، وبعد أن قال هو أنه قد يأس من أن تعمل حكومات المسلمين شيئاً اتجه إلى الشعوب أنفسها، طلب من الشعوب جميعاً أن تجعل هذا اليوم, آخر جمعة من شهر رمضان يوماً يسمى: [يوم القدس العالمي]؛ لتعرف الشعوب نفسها أنها تستطيع من خلال إحياء هذه القضية في مشاعرها، من خلال البحث عن الرؤى الصحيحة التي تحل هذه المشكلة, وترفع عن كاهلها هذه الطامة التي تعاني منها؛ لأن الشعوب هي نفسها المتضررة، أما الحكومات, أما الزعماء فهم غير متضررين، هم غير مكترثين, لا يهمهم ما يرونه بأم أعينهم من المعاناة في مختلف بقاع الدنيا لجميع المسلمين.
الشعوب هي التي تتضرر، الشعوب هي التي تلحقها الذلة والإهانة، الشعوب هي الضحية، وما لم تتجه الشعوب نفسها إلى أن تهتم بقضيتها، وتتعرف على أعدائها، وتعرف الحل والمخرج من مشكلتها ومصيبتها فلا تتوقع أي شيء آخر من زعمائها أو من غيرهم.
لأهمية هذا اليوم من وجهة نظر الإمام الخميني (رحمة الله عليه) وهو يتحدث في بيانه عن [يوم القدس العالمي] قال (رحمة الله عليه): ((إن يوم القدس يوم يقظة جميع الشعوب الإسلامية، إن عليهم أن يحيوا ذكرى هذا اليوم. فإذا انطلق المسلمون جميعاً، وانطلقت جميع الشعوب الإسلامية في آخر جمعة من رمضان المبارك في يوم القدس بالمظاهرات والمسيرات فسيكون هذا مقدمة لمنع المفسدين إن شاء الله وإخراجهم من البلاد الإسلامية)).
ويقول: ((وإنني أرجو جميع المسلمين أن يعظموا يوم القدس, وأن يقوموا في جميع الأقطار الإسلامية في آخر جمعة من الشهر المبارك بالمظاهرات، وإقامة المجالس والمحافل والتجمع في المساجد, ورفع الشعارات فيها. إن يوم القدس يوم إسلامي، ويوم لتعبئة عامة للمسلمين)).
هذا هو حديث الإمام الخميني (رحمة الله عليه) عن يوم القدس العالمي، وعندما اقترحه هو؛ لأنه رجل يملك رؤية صحيحة، يملك فكراً و رؤية يستطيع أن يقرأ بها كثيراً من الأحداث المستقبلية من خلال تأملات الحاضر, ودراسة الماضي.
كان الإمام الخميني (رحمة الله عليه) يصرخ, ويصيح في جميع المسلمين, يستثير جميع المسلمين أن يهبوا من يقظتهم, أن ينتبهوا, أن يستشعروا الخطر المحدق بهم. وعرض هو أن باستطاعتهم, وباستطاعة الشعب الإيراني بما يملكه من قوة عسكرية واقتصادية هائلة أن يقف مع جميع المسلمين, وخاصة الدول العربية, وأن باستطاعتهم إذا وقفوا جميعاً أن يضربوا إسرائيل، وأن ينهوا وجود هذا الكيان الغاصب من داخل البلاد الإسلامية.
الإمام الخميني (رحمة الله عليه) هو الذي أطلق على إسرائيل اسم [الغدة السرطانية] وهو لا زال في حركته الجهادية داخل إيران قبل انتصار الثورة الإسلامية، وكانت قضية إسرائيل هي من أولى اهتماماته أثناء جهاده في إيران قبل انتصار الثورة الإسلامية.
عندما أطلق هذا الاسم على إسرائيل [غدةً سرطانية] معلوم أن السرطان إذا ما ترعرع في أي جسم من أجسام البشر لا بد إما أن يتمكن الإنسان من القضاء عليه واستئصاله وإلا فإنه لا بد أن يُنهي ذلك الجسم، لا بد أن يخلخل ذلك الهيكل الذي نما وترعرع فيه.
ليؤكد أن إسرائيل ليس من الممكن المصالحة معها, ولا السلام معها, ولا وفاق معها, ولا أي مواثيق أو عهود تبرم معها. إنها دولة يهودية، إنها دولة يهودية طامعة، ليس فقط في فلسطين, وليس فقط في أن تهيمن على رقعةٍ معينةٍ تتمركز فيها، بل إنها تطمح إلى الهيمنة الكاملة على البلاد الإسلامية في مختلف المجالات، وتطمح إلى أن تقيم لها دولة حقيقية من النيل إلى الفرات، من النيل في مصر إلى الفرات في العراق؛ لأن هذه الرقعة هي التي يعتقد اليهود أنها الأرض التي كتبها الله لهم، وهي أرض الميعاد التي لا بد أن تكون تحت سيطرتهم وبحوزتهم، وأن يقيموا عليها دولتهم.
من أين جاءت هذه الرؤية الصحيحة للإمام الخميني (رحمة الله عليه)؟ من أين جاءت؟ من القرآن الكريم، من القرآن الكريم الذي تحدث عن اليهود كثيراً, ومما قاله عن اليهود, ومما وصفهم به: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ}(البقرة: من الآية100) كلما عاهدوا عهداً، إذا ما عاهد [حزب العمل] عهداً نقضه [حزب اللَّيكود] عندما يتسلم السلطة، إذا ما دخل [اللٍَّيكود] في معاهدات ومواثيق مع الفلسطينيين ومع العرب نقضه [حزب العمل] عندما يتسلم السلطة.
كم من المعاهدات، كم من المعاهدات قامت في ما بين إسرائيل وبين العرب، بين دول عربية وبين إسرائيل وبين الفلسطينيين، معاهدات [أُوسْلُو] ومعاهدات كثيرة كثيرة، وفي لحظة من اللحظات تتنكر إسرائيل لكل تلك المعاهدات، وما زال العرب وما زال الفلسطينيون أنفسهم يعلنون أمام كل نكث عهد من قبل إسرائيل أنهم متمسكون وملتزمون بمعاهدات السلام، أنهم محافظون على السلام!.
بل بعبارات تثير الاستغراب، أثناء هذه الأحداث التي ضرب فيها الإسرائيليون الدولة الفلسطينية الوهمية، وتغلغلوا إلى داخل المدن الفلسطينية, وضربوا طائرات الرئيس الفلسطيني, وعملوا كل تلك الأعمال، يأتي من يعلن أحياناً وزير الإعلام الفلسطيني, وأحياناً أمين سر حركة التحرير الفلسطينية، وأحياناً مسئول منهم أي مسئول كان يعلن [أنه يتهم إسرائيل أنها تريد أن تقوض عملية السلام]!.
بهذه العبارات الباردة: [وأن على أمريكا أن تبادر لتنقذ عملية السلام، وأن إسرائيل – هكذا – مُتّهمة أنها تريد أن تقوض عملية السلام، وأنها مُتهمة أنها تريد أن تقضي على الدولة الفلسطينية]!.
الإمام الخميني وقف موقفاً ثابتاً، موقفاً ثابتاً, ورؤيةً صحيحةً ثابتةً حدّية: أن فلسطين, أن البلاد العربية أن البلاد الإسلامية كلها لن تسلم من شر اليهود إلا باستئصالهم, والقضاء على كيانهم، أي شيء غير ذلك إنما هو ضياع للوقت، وإتاحة للفرصة أمام إسرائيل أن تتمكن أكثر وأكثر، حتى أنه قال – وفعلاً عندما يقول الإمام الخميني فالشواهد أثبتت أن رؤيته فعلاً واقعية في كثير من الأشياء – قال: ((إن إسرائيل تطمح إلى الاستيلاء على الحرمين الشريفين، وليس فقط على القدس، إسرائيل تطمح للاستيلاء على مكة المكرمة, على الكعبة المشرفة وعلى المدينة المنورة)).
وفعلاً إسرائيل استطاعت أن تصل إلى درجة لا يوقفها أمام ما تريد أحد.. فالغرب وراءها, والعرب مستسلمون، العرب مهزومون، لا يستطيعون أن يحركوا ساكناً – دولهم بالطبع – دولهم. وإنما المسألة هي مسألة وقت، واليهود يستمرون في خططهم، ويعملون على تهيئة الأجواء المناسبة لأن يقوموا بعمل ما في الوقت المناسب.
الفلسطينيون أنفسهم عندما تحول جهادهم من جهادٍ لتحرير الأرض من إسرائيل للقضاء على إسرائيل، عندما تحولوا إلى المطالبة من أجل إقامة وطن خاص بهم داخل فلسطين، من أجل إقامة دولة يكون حكمها حكماً ذاتياً فقط وليست دولة بمعنى الكلمة كانوا هم أول من شهد على أنفسهم بالهزيمة، وفعلاً حصل الاعتراف من الفلسطينيين، وأقصد بهذا [منظمة التحرير الفلسطينية] وعرفات.
الدولة الفلسطينية – كما يقال عنها – حصل منهم الاعتراف بإسرائيل مقابل أن تكون هناك دولة للفلسطينيين، وأن يكون حكمها حكماً ذاتياً، أي أن يحكم الفلسطينيون أنفسهم بأنفسهم، وتكون دولة لا يجوز أن تقيم لها جيشاً, ولا علاقات خارجية كأي دولة من الدول، حكم ذاتي فقط، ضمن الدولة الإسرائيلية العامة.
هم وهم يواجهون إسرائيل منذُ فترة طويلة لم يأخذوا دروساً، لم يأخذوا عبراً، لم يرجعوا إلى القرآن الكريم ليستوحوا منه كيف يواجهون هذا العدو اللدود.. لو رجعوا إلى آية واحدة لأعطتهم درساً، إن كل ما يؤملونه في ظل الدولة الإسرائيلية غير ممكن أن يتحقق، الله قال عن اليهود: {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً}(النساء:53) والنقير ما هو؟ الحبة البيضاء الصغيرة في ظهر نواة التمر [العَجَمة].
عندما يكون لليهود سلطة لا يمكن أن يعطوا الآخرين منها ما يعادل نقيراً، فكيف يطمح الفلسطينيون إلى أن بإمكانهم أن يتهيأ لهم إقامة دولة داخل إسرائيل في فلسطين نفسها يقيمون دولة؟! كيف يمكن أن تسمح لهم إسرائيل بذلك؟ وفعلاً لم يحصل هذا، لم تستقر هذه الدولة، لم تستقر إطلاقاً، ورأينا في هذا الشهر كيف ضربتها إسرائيل، ومن الذي استنكر؟ من الذي هب لإنقاذهم؟ من الذي صرخ في وجه إسرائيل؟ لا أحد.
بل هم الفلسطينيون أنفسهم يتجهون إلى أمريكا يستغيثون بها، يستنجدون بها، وهي هي [الشيطان الأكبر] هي التي وراء إسرائيل. هذه هي المشكلة التي لم يفهمها المسلمون، لم يفهمها الفلسطينيون، حتى عندما يريدون أن نتعاطف معهم، الفلسطينيون الذين قد اعترفوا بإسرائيل, وهم يريدون أن يقيموا حكماً ذاتياً لهم داخل فلسطين، يعترفون بإسرائيل, وتعترف بهم إسرائيل كدولة فلسطينية، يريدون أن نقف معهم ليتحقق لهم هذا المطلب، لم يبق لهم طموح إلى أن ينهوا إسرائيل من الوجود، إلى تحرير الأرض المقدسة من أدناس أقدام الإسرائيليين. هل هذا شيء معقول بالنسبة للمسلمين أن يقفوا مع الفلسطينيين من أجل إقامة حكومة لهم؟.
لو وقفنا مع دولة عرفات من أجل تحقيق هذا المطلب لكنا قد اعترفنا بإسرائيل ضمناً أن لها حق الوجود في فلسطين، وأنها تعتبر دولة؛ لذلك يجب أن يكون التأييد مع أي حركة تعمل من أجل تحرير الأرض من إسرائيل، من أجل القضاء على إسرائيل، هذه هي التي يجب أن يقف معها المسلمون، ويجب أن تتجه نحوها مساعداتهم, ويتجه نحوها تأييدهم، أما أن نقف موقفاً يعتبر في الحقيقة اعترافاً ضمنياً بإسرائيل فهذا ليس من حق الفلسطينيين أنفسهم، الفلسطينيون أنفسهم ليس من حقهم أن يعترفوا بإسرائيل ثم يريدون منا أن نقف موقفهم.
قضية إسرائيل ليست قضية تخص الفلسطينيين, إنها قضية المسلمين جميعاً، حتى لو اعترف الفلسطينيون أنفسهم بإسرائيل، حتى لو رضوا بأن يكونوا عبارة عن مواطنين داخل دولة إسرائيل فإنه لا يجوز للمسلمين أن يقروهم على ذلك، ولا يجوز للمسلمين أن يتخلوا عن جهادهم في سبيل إزالة هذه [الغدة السرطانية] كما أطلق عليها الإمام الخميني (رحمة الله عليه).
الإمام الخميني في رؤيته فهم عمق المشكلة, وواقعها, وفي نفس الوقت قدم الرؤية العملية في الحل لهذه المشكلة.
وهذا الشيء الذي نفقده الآن.. ألسنا نرى في مختلف وسائل الإعلام الحديث عن ما يقوم به الإسرائيليون في داخل فلسطين من قتل وتخريب للمساكن، ومن استئصال لأشجار الزيتون في المزارع التي تخص الفلسطينيين؟ نسمع ونرى من تلفزيون اليمن, ومن تلفزيون السعودية, وهكذا من كل وسائل الإعلام العربية.. لكن هل تسمع أو ترى رؤية عملية, أو وضعاً لحل صحيح في إنقاذ الفلسطينيين, وفي إنقاذ الأمة من إسرائيل؟ لا.
ليس هناك أي شيء، وإنما هم يعملون كما تعمل إسرائيل، لا أقل ولا أكثر، حتى وإن تكلموا عن إسرائيل فكلام بأدب، كلام لا يثير مشاعر إسرائيل، كلام لا يجرح مشاعر إسرائيل، فيقولون: [قوات الاحتلال الإسرائيلي] بعبارات لا تساوي ما تعمله إسرائيل بأولئك المساكين، ومع ذلك لا نسمع أحداً يفكر في الحل، أو يهدي إلى حل، أو يرشد إلى المخرج من هذه المشكلة التي تعاني منها الأمة، وفي مقدمتها الفلسطينيون.
لماذا؟ هل لأن هذه الدول ليست جادة في مواجهة إسرائيل؟ وليست مكترثة مما تعاني منه هذه الأمة بسبب وجود إسرائيل في داخل كيانها؟ أم أنهم لا يفهمون ما هو الحل؟ أم أنهم لا يعرفون ما العمل الذي يعتبر مُجدياً للمخرج من هذه المشكلة الكبيرة؟.
سواء كانوا غير جادين, أو كانوا غير فاهمين هذا لا يعد مبرراً إطلاقاً, لا يعد مبرراً، ولا أعتقد أنهم يجهلون كيف يمكن أن يكون الحل العملي لإنقاذ الأمة من هذا الكيان الغاصب [إسرائيل], وإنما ليسوا جادين كما قال الإمام الخميني (رحمة الله عليه): أن مشكلة الشعوب في حكوماتهم، حكوماتهم لم تقف بجدية ضد إسرائيل.
ثم ما هو الحل بالنسبة للشعوب؟ إن ظلت الشعوب تنتظر من دولها أن تقوم بشيء ما في مواجهة إسرائيل فإن هذا لن يتحقق، لن يحصل إطلاقاً؛ لهذا أتجه هو إلى اقتراح [يوم القدس العالمي]، وأن يحيه المسلمون جميعاً في مختلف أقطار الدنيا، وخاصة البلاد العربية.
لاحظوا بعد أن دعا الإمام الخميني إلى إحياء هذا اليوم هل اهتمت الدول العربية أن تستجيب لرجل عظيم مخلص، رجل هَزّ الغرب فعلاً، رجل أرعب أمريكا، وأرعب دول الاستكبار كلها، وأرعب إسرائيل بحكمته, بشجاعته, برؤيته الصحيحة, في جعل الأمة بمستوى المواجهة الحضارية لأعدائها، في جعل الأمة قادرة على أن تقف على أقدامها مستقلة لا يهيمن عليها أحد من أعدائها، لا أمريكا, ولا بريطانيا, ولا إسرائيل, ولا غيرها.
هم رأوا بأم أعينهم ما عمله الإمام الخميني من إرباك, وما خلقه من رعب في صدور الأمريكيين والإسرائيليين، وعرفوا هم ورأوا بأم أعينهم مدى اكتراث أمريكا ومختلف دول الغرب من الإمام الخميني (رحمة الله عليه) ومن الثورة الإسلامية.. فلماذا لم يستلهموا من هذا الرجل رؤيته العملية الصحيحة في إنقاذهم هم من إسرائيل؟.
لم يستجيبوا إطلاقاً، لم يستجب العرب للإمام الخميني! حتى هذا اليوم لم يستجيبوا له أن يحيوه وأن يجعلوه يوماً يُحيى كما دعا إليه الإمام الخميني (رحمة الله عليه) وهم في نفس الوقت يحيون أياماً اقترحها اليهود والنصارى [عيد الأم] [عيد العمال] مناسبات كثيرة [عيد رأس السنة الميلادية] اقترحها اليهود والنصارى يحيونها ويعتبرونها عطلاً رسمية في مختلف البلاد العربية! لكن اليوم الذي هو يوم من أجل أن تبقى قضية فلسطين حيّة في نفوس المسلمين، من أجل أن تبقى مشاعر الجهاد، مشاعر الرفض لإسرائيل حية في نفوس المسلمين، هذا اليوم لم يلتفتوا إليه ولم يكترثوا ولم يهتموا، ولم يستجيبوا للإمام الخميني (رحمة الله عليه) في إحياء هذا اليوم. لماذا؟ لأنهم خذلوا فعلاً، لأنهم قد خذلوا.
وعندما نعود – أيها الإخوة – هذه فقط مقدمة لنعرف ما يتعلق بيوم القدس العالمي، والسبب الذي دعا الإمام الخميني (رحمة الله عليه)إلى أن يعتبر يوماً عالمياً في مختلف المناطق الإسلامية؛ ولذلك فنحن نعتبر أن إحياء هذا اليوم استجابة للإمام الخميني (رحمة الله عليه)؛ ولما نعرفه من أثر مهم في خلق وعي في أوساط المسلمين، ورؤية صحيحة للمخرج مما تعانيه الأمة، أن إحياء هذا اليوم يعتبر فعلاً عبادة، وأن إحياءه يعتبر أيضاً ممارسة جهادية في سبيل الله، إن شاء الله تعالى.
ولنعد إلى القضية نفسها, قضية اليهود.. وقد سمعنا من الإخوة الأعزاء الذين سبقوني بالحديث حول اليهود الكثير.
عندما نعود – أيها الإخوة – إلى القرآن الكريم, إلى كتاب الله الذي نزله من يعلم السر في السماوات والأرض نرى فيه أنه عرض كثيراً من أخبار اليهود، عرض كثيراً مما يكشف واقعهم، مما يكشف واقعهم، [سورة البقرة] [سورة آل عمران] [سورة المائدة] [سورة الإسراء] و[الحشر] وغيرها من السور، وخاصة [سورة البقرة] و[آل عمران] [والمائدة] مليئة بالحديث عن اليهود، مليئة بالحديث عن اليهود، واليهود لا شك, بنو إسرائيل في تاريخهم عبر ودروس كثيرة جداً فيما ذكره القرآن عنهم, دروس وعبر مهمة جداً جداً، ولكن الشيء الذي يؤسف له أننا نأخذ مما عرضه القرآن عن بني إسرائيل جانباً واحداً فقط هو فهمنا أن هذه الآيات عبارة عن آيات تهاجم هذه الطائفة، وتبرزها كطائفة مجرمة، ولا أقل ولا أكثر من ذلك.
فعلاً القرآن تحدث عن بني إسرائيل حديثاً متنوعاً، يذكر فيه أنه فضلهم على العالمين، يطلب منهم أن يذكروا نعمه التي أنعم بها عليهم، ومنها: {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ}(البقرة: من الآية47) هذه واحدة.
ثم وهو يتحدث, ويعرض النعم التي أنعم بها عليهم, والرعاية التي منحهم إياها في أيام فرعون ومن بعد فرعون, وفي مختلف الأزمنة, رعاية عجيبة, رعاية عجيبة.. يلعن الكافرين منهم، يلعن المتمردين منهم، يلعن الذين لم يستجيبوا، لم يلتزموا بكتبه السماوية التي أنزلها إلى الأنبياء منهم، ويدعوهم في نفس الوقت إلى الإيمان برسول الله (صلوات الله وسلامه عليه)، بل يعتبر أنه يجب أن يكونوا هم أول من يؤمن بمحمد (صلوات الله عليه)، وأن يكونوا هم أول من يؤمن بالقرآن الذي هو مصدق لما معهم من الكتب السماوية.
دمج بين الحديث عن مساوئهم وبين الحديث عما منحهم من الرعاية الكبيرة، وبين الحديث عما برز في تاريخهم من صفحات مشرقة, دمجه بضرورة أن يستجيبوا لهذا النبي الذي أرسله إلى العالمين جميعاً محمد (صلوات الله وسلامه عليه)، وقال عنهم: {وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ}(البقرة: من الآية41) لا ينبغي لمثلكم أن يكون أول كافر به.
نحن قد نسيء فهم المسألة فعندما نقرأ القرآن, ونراه يتحدث بأنه فضل هؤلاء على العالمين، وأنه منحهم من الرعاية الكثير الكثير: في صحراء سيناء, يوم تاهوا, أظلهم بالغمام، وأنزل عليهم المنّ والسلوى، عندما تمردوا نَتَقَ الجبل، رفع جبل الطور فوقهم، ثم عاد إلى مكانه ولم ينزل عليهم، لم يحصل أن استؤصلوا بعذاب كما تُستأصل الأمم الأخرى.
عندما نأتي إلى قضية اليهود في القرآن الكريم ونأخذ منها فقط سوء اليهود, سوء اليهود فقط سنسيء فهم القضية، ثم نفقد كثيراً من الدروس في ما عرضه الله من حديث عن بني إسرائيل. أول سؤال: أنت تريد أن تقدم لنا هؤلاء على أنهم هم شر البرية، وأنهم رجس، وأنهم أصل سيئ دنيء, وأنت في نفس الوقت قلت أنك فضلتهم على العالمين، وأنك منحتهم من الرعاية طول تاريخهم ما منحته، فكيف تُفضل وتَمنح من هم رجس, من هم خبثاء في أصلهم؟.
هل يمكن هذا بالنسبة لله تعالى؟ هل يمكن هذا بالنسبة لله؟ إن الله فعلاً فضل بني إسرائيل، اصطفى آل إبراهيم جميعاً على العالمين {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ}(آل عمران: من الآية34)، وفي نفس التفضيل دروس: أن هؤلاء الذين فضلهم على الرغم من أنه فضلهم إذا لم يلتزموا، إذا لم يتمسكوا، إذا لم يستجيبوا سيلعنهم، سيلعنهم، وسيمسخ منهم قردة وخنازير، وسيلعنهم على ألسن أنبيائه. وفعلاً هذا ما حصل بالنسبة لمن كفر منهم، لمن تمرد، لمن عاند.. إلى آخر ما قال عنهم.
هذا الجانب شيء ملحوظ في القرآن الكريم فيما يتعلق بالتفضيل مع جانب ما حصل منهم فاستحقوا به اللعنة واستحقوا به أن يحكم عليهم بالكفر.
الشيء الآخر فيما يتعلق بعدم استجابتهم للنبي(صلوات الله عليه وعلى آله) كان من منطلق الحسد، أنه لماذا لم يأت الرسول الموعود به في آخر الزمان من بني إسرائيل، وهم كانوا قد هاجروا إلى قرب المدينة المنورة في تجمعات يهودية كبيرة: بني قريظة, وبني قينقاع, وبني النظير, ويهود خيبر, وفدك.. وغيرها من المناطق، كانت فيها تجمعات يهودية كبيرة، هاجروا إلى قرب المدينة المنورة لما يعرفونه في كتبهم من أن نبي آخر الزمان سيكون هذا مُهَاجَره، وكانوا من قبل يستفتحون به على الذين كفروا كما حكى الله عنهم، كانوا منتظرين لهذا النبي ليقفوا معه وينصروه، فلما جاء رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) من غير بني إسرائيل، وجاء من بني إسماعيل حسدوه بعد أن عرفوه كما يعرفون أبناءهم.. كما حكى الله عنهم.
حينئذٍ استحقوا اللعنة أيضاً من جديد، استحقوا اللعنة أن يكفروا بمحمد (صلوات الله عليه وعلى آله) وبالقرآن الذي أنزله الله إليه وهو كتاب مصدق لما بين أيديهم، ورسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) يعرفون أخباره في كتبهم المقدسة في التوراة والإنجيل، يعرفون صفته، يعرفون مهاجره، يعرفون مولده، ثم يكفرون به.. استحقوا أيضاً أن يلعنهم, واستحقوا أيضاً أن يغضب عليهم.
ثم فيما عرضه القرآن الكريم عن بني إسرائيل ما يدل فعلاً على عِظمهم إذا صلحوا، وعلى خطورتهم البالغة إذا ما اتجهوا إلى جانب الشر، خطورتهم في ذكائهم, في مكرهم, في تصميمهم, في دهائهم، أنهم بالغوا الخطورة، بالغوا الخطورة جداً، وفعلا هذا هو ما حصل, وشهدت به الأحداث، وشهد به التاريخ الطويل, في التاريخ الإسلامي ناهيك عن التاريخ الماضي لبني إسرائيل.. بل هم استفادوا من التاريخ عبراً ودروساً فكانوا في هذا الزمن على أرقى ما يمكن أن تكون عليه طائفة من البشر.
اليهود خطيرون جداً إذا ما اتجهوا إلى جانب الشر، وهذا هو الصفة الغالبة عليهم.. أخيراً وخاصة بعد الإسلام أصبح هو الصفة الغالبة عليهم الآن في كل بقاع الدنيا, الاتجاه إلى الشر إلى المكر, إلى الخداع, إلى التضليل, إلى لبس الحق بالباطل، قدرة رهيبة جداً في هذا الموضوع.
عندما يتحدث الله في كتابه العزيز عن أنهم كانوا قديرين جداً في مجال لبس الحق بالباطل، قديرين جداً في التحريف، قديرين جداً في التأثير, إلى درجة أنه عرض أن الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) لولا فضل الله عليه ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوه {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ}(النساء: من الآية113)، وقال في آية أخرى: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ}(الاسراء: من الآية73).
ورسول الله (صلوات الله وسلامه عليه) هو الكامل في عقله, هو الكامل في دهائه، في فطنته، في ذكائه لكنه هنا يعرض درساً للمسلمين من بعد أنه إذا كان اليهود إلى هذه الدرجة العالية من القدرة، إلى درجة أنه لولا فضل الله على رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) لهموا أن يضلوه ولكادوا أن يفتنوه عن الذي أوحى الله به إليه، فكيف سيكون شأنكم أنتم يا أبناء هذه الأمة أمام هذه الطائفة إذا ما اتجهت لمحاربتكم, كيف سيكون شأنكم؟!.
فعلاً الآن تجلت الأشياء بشكل عجيب، برز العرب أمام اليهود مستسلمين عاجزين، استطاع اليهود أنه ليس فقط أن يقهرونا عسكرياً بل أن يقهرونا اقتصادياً وثقافياً وإعلامياً, وفي كل مختلف المجالات، قهروا هذه الأمة وهم مجموعة بسيطة، مجموعة بسيطة، استطاعوا أن يقهروا هذه الأمة، استطاعوا حتى أن يصنعوا ثقافتنا، أن يصنعوا حتى الرأي العام داخل هذه البلدان العربية. استطاعوا أن يجعلونا نسكت عن كلمات هي مؤثرة عليهم، فتسكت عنها كل وسائلنا الإعلامية، استطاعوا بأساليب رهيبة جداً.
واليهود يفهمون جداً أنهم قد قضوا على هذه الأمة, وحطموا هيكل هذه الأمة، تراهم يضربون كما يشاءون في أي موقع في البلاد العربية، يضربون داخل فلسطين كما يريدون، وحتى وإن كان زعماء العرب مجتمعين في أي عاصمة من عواصمهم، وعلى مرأى ومسمع من جامعة الدول العربية، وعلى مرأى من مجلس الأمن, وعلى مرأى ومسمع من منظمة الأمم المتحدة، خلِّي عنك أولئك, على مرأى ومسمع من زعماء العرب وشعوبها.
لا يخافون العرب حتى أثناء اجتماع زعماء العرب، لا يخافون المسلمين جميعاً حتى أثناء اجتماع زعماء المسلمين، لا يخافون يضربون ويشتغلون، لا تسمع بأن إسرائيل أعلنت حالة الطوارئ أو أنهم رفعوا الرشاشات المضادة للطائرات فوق أسطح المنازل أو.. أو.. تحسباً لأي شيء من قبل العرب عند اجتماع زعمائهم في الدوحة أو في أي منطقة أخرى.. لماذا؟ لأنهم قد عرفوا وفهموا أن هذه الأمة قد قضوا عليها، وفعلاً قضوا عليها، لكن بواسطة من؟ بواسطة من؟ بواسطة زعمائها دولها الغبية.
وأقول وأؤكد إنها غبية فعلا وعاجزة فعلاً عن أن تواجه اليهود حتى في المجال الإعلامي وحده، كم يملك العرب من محطات التلفزيون والقنوات الفضائية؟ هل استطاعوا أن يخلقوا رأياً عالمياً مضاداً لإسرائيل؟ لا.
معروف عن اليهود والنصارى أنهم متباغضون فيما بينهم، وأن النصارى يتهمون اليهود بقتل المسيح، وأن النصارى حملوا العداء لليهود – كما نعاديهم نحن – فترة طويلة من الزمن، هل استطاع مثقفوا هذه الأمة العربية، هل استطاع الإعلام العربي أن يغذي العداء داخل النصارى لليهود؟ أو أن يصنع رأياً عالمياً مضاداً لإسرائيل؟ أو أن يصنع رأياً عالمياً متعاطفاً مع فلسطين؟ أو حتى أن يصنع رأياً عالمياً عربياً يحمل عقدة العداء لإسرائيل؟ لم يحصل كل ذلك!.
وهم في نفس الوقت يقولون أن اليهود هم الذين يصنعون الرأي العالمي داخل بلدان أوروبا وأمريكا وآسيا وغيرها، هم الذين يصنعون الرأي العام العالمي داخل تلك البلدان. أين جاءت أموال العرب؟ أين جاءت محطاتهم التلفزيونية؟ أين جاءت قنواتهم الفضائية؟ أين صحفهم؟ أين الصحفيون؟ المئات من الصحفيين منهم؟ أين مراكزهم الإسلامية؟ أين وأين؟. كلهم عجزوا أمام اليهود.
لنعد إلى القرآن الكريم عندما نراه يتحدث كثيراً عن اليهود، وعن خطورتهم البالغة، والله سبحانه وتعالى هو الذي أراد لهذه الأمة أن تكون عزيزة، وأن تكون قوية هل يمكن؟ وهذا هو السؤال الذي يمكن أن نتساءل عنه عندما نرى ذلك العرض الكثير عن خطورة اليهود داخل تلك الآيات، هل يمكن أن الله سبحانه وتعالى يحدثنا عن خطورة اليهود البالغة ثم لا يكون في كتابه العزيز قد هدى هذه الأمة إلى ما يمكن أن يؤهلها لأن تكون بمستوى مواجهة اليهود والقضاء على مخططاتهم وإحباط مؤامراتهم؟ لا بد، لا بُد في عدل الله ورحمته وحكمته أن يكون قـد هـدى إلى ذلك، وقد هدى فعلاً، لقد هدى فعلاً، وفي هـذا القرآن الكريم الذي قـال فيه: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}(الأنعام: من الآية38) وهو يتحدث عن اليهود داخل الآيات التي يتحدث فيها عن اليهود هدى الأمة إلى ما يمكن أن يجعلها بمستوى المواجهة لليهود، بل وإحباط كل مخططاتهم, وكيدهم الرهيب الرهيب.. لكن هذه الأمة هي التي تخلت عن هذا القرآن الكريم، تخلت عن هذا الكتاب العظيم.
نحن نقول أحياناً وبعض الكتاب يقولون: [الصراع الإسلامي الإسرائيلي] وهذه عبارة مغلوطة عبارة مغلوطة، لا يمكن أن يُسمى الصراع مع إسرائيل [صراعاً إسلامياً إسرائيلياً]، لو كان الإسلام هو الذي يصارع إسرائيل، لو كان الإسلام هو الذي يصارع اليهود، لو كان الإسلام هو الذي يصارع الغرب لما وقف الغرب ولا إسرائيل ولا اليهود لحظة واحدة أمام الإسلام، لكن الذي يصارع إسرائيل، ويصارع اليهود من هم؟ مسلمون بغير إسلام، عرب بغير إسلام، صرعوا الإسلام أولاً هم ثم اتجهوا لمصارعة إسرائيل بعد أن صرعوا الإسلام هم من داخل نفوسهم, من داخل أفكارهم, من جميع شئون حياتهم، ثم اتجهوا لصراع اليهود، تلك الطائفة الرهيبة، فأصبحوا أمامها عاجزين أذلاء مستكينين مستسلمين مبهوتين؛ لأنهم لم يهتدوا بهذا الكتاب العظيم؛ لم يرجعوا إلى هذا الكتاب الكريم، فأصبحوا كما نرى.
فالصراع هو صراع عرب مع يهود، صراع مسلمين بدون إسلام مع يهود، وليس صراعاً إسلامياً. نحن عندما نرجع إلى صدر الإسلام أيام النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) نرى أنه استطاع أن يقضي على اليهود – وهم هم اليهود في خبثهم ومكرهم – استطاع أن يقضي عليهم على هامش جهاده مع الكافرين، وليس اتجاهاً محدداً ورأسياً ضد اليهود، بل على هامش حركته العامة، استطاع أن يقضي عليهم، واستطاع أن يحبط كل مخططاتهم, ومؤامراتهم على هامش حركته العامة.
فلماذا, لماذا لم يرجع المسلمون إلى هذا القرآن؟ ولماذا يصيحون دائماً من إسرائيل ثم لا يفكرون في حل؟ تابعوا أنتم وسائل الإعلام: الإذاعات والتلفزيونات هل هناك أحد يضع رؤية صحيحة لمواجهة إسرائيل؟ هل هناك أحدٌ يضع رؤية عملية في مواجهة اليهود والنهوض بهذه الأمة؟ لا،لم نسمع شيئاً، اللهم إلا ما يحصل من قناة حزب الله الفضائية، ومما يحصل من إذاعة طهران، وإذاعة طهران قد خففت منطقها كثيراً عن أسلوب ومنطق الإمام الخميني (رحمة الله عليه).
لنعد إلى ما قاله الله سبحانه وتعالى عن اليهود في كتابه الكريم؛ لنفهم ما قلناه في هذه العجالة: تحدث عن قدرتهم الرهيبة على لبس الحق بالباطل، وهذه قضية ليست سهله قضية ليست سهلة {وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} (البقرة:24) {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (آل عمران:71) {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}(البقرة: من الآية75).
هذه واحدة من خصالهم الخطيرة والسيئة: قدرتهم الرهيبة على لبس الحق بالباطل.. وهذا ما تعاني منه الأمة. هذه واحدة نقطة من الأشياء التي يشتغل بها اليهود داخل هذه الأمة: لبس الحق بالباطل، التزييف للثقافة، التزييف للفكر، التزييف للأعلام، التزييف للحياة بكلها.
نسير بسيرة اليهود ووفق ما يريد اليهود, ونحسب أننا مهتدون, وأننا أحرار, وأننا وطنيون وأننا متحضرون وأننا متقدمون، هذه القدرة الرهيبة التي يعملها اليهود: لبس الحق بالباطل؛ الله حكاها عنهم كصفة سيئة، وعندما يحكيها كما قلت: أنه يجب أن نتساءل هل عندما يصف الله اليهود بأنهم قديرون على لبس الحق بالباطل سيترك المسألة بدون حل أم أنه سيهدي؟ سيهدي الأمة إلى ما يمكن أن يجعلها قديرة، وبمنأى عن تلبيس بني إسرائيل لا بد أن يكون قد وضع، وقد وضع فعلاً.
ذكر عنهم حرصهم الشديد مع قدرتهم على تلبيس الحق بالباطل أنهم أيضاً ينطلقون بوُدٍ ورغبة ودافع قوي إلى مسخ المسلمين {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً}(البقرة: من الآية109).
اليهود يعرفون، يعرفون أثر الإيمان عندما يكون هناك في الأمة إيمان، وهم يعرفون أنهم إذا استطاعوا أن يمسخونا كفاراً هم لا يريدون أن نكون يهوداً.. وقالوا هم في وثائقهم المسماة [بروتوكولات حكماء صهيون] أنهم لا يريدون أن يكون المسلمون أو النصارى يهوداً, أنهم لا يستحقون أن يكونوا يهوداً ولكن يكونوا كفاراً يكونوا ضالين، يكونوا كذا إلى آخره ليفقدوا النصر الإلهي والتأييد الإلهي وما يمكن أن يعطيه الإيمان.
يودوا أن نكون كُفَّاراً ولم يقل:[يودوا أن نكون يهوداً]، هم ليسو مشغولين بأن يدعونا إلى أن نكون يهوداً، لماذا لا يودون أن نكون يهوداً ويودون أن نكون كفاراً؟ هم هَمّهم الرئيسي أن لا نحمل إيماناً نُمنح به تأييد الله ورعايته فيصعب عليهم مواجهتنا, ويصعب عليهم ضربنا.. فليفسدونا فليحولونا إلى كفار، هذا هو الذي يريدون.
ثم يقول أيضاً في آية أخرى, يقول عنهم: {وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيّاً وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيراً}(النساء:44 – 45) وبعدها يقول: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ}(النساء: من الآية46).. إلى آخر الآيات.
كراهتهم أن يروا المسلمين في خير, في تقدم, في رخاء.. فذلك شيء يعملون بجدٍ على أن يحولوا بين الأمة وبين الوصول إليه {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ}(البقرة: من الآية105) وفعلاً نحن هنا في اليمن كمثال ناهيك عن بقية الدول العربية والمسألة هي واحدة طعامنا، لباسنا، أدْوِيَتُنا، مختلف الكماليات التي نستخدمها، الصابون، الشامبو مختلف المشروبات، مختلف العطور، الأشياء الكثيرة جداً جداً التي نستهلكها معظمها شركات أجنبية بأيدي اليهود.
هم لا يريدون أن يصل الناس إلى مستوى أن يصنعوا لأنفسهم، أن يكتفوا بأنفسهم في مجال الزراعة, في مختلف شئون الحياة لا يودون لنا أي خير يريدون منا أن نظل سوقاً استهلاكية نستهلك منتجاتهم, وليضعوا مصنعاً هنا في هذا البلد العربي, أو في ذلك البلد العربي المصنع لنفس الشركة اسم المنتج يحمل نفس اسم الشركة صابون [آريال] صابون [كرستال] صابون كذا كلها نفس الأسماء بسكوت أبو ولد وغيره هي نفس الأسماء لنفس الشركات والمنتج لها الرئيسي، والشركة يكون مقرها في بريطانيا أو في أي مكان في دول الغرب أو في أمريكا وهنا مصنع يوفر عليهم كثير من الأموال عندما يكون مصنع هنا.. وليخدعونا نحن بأن هذا هو منتج وطني، واقرأ على كثير من المنتجات [بترخيص من شركة كذا] التي مقرها في نيويورك أو مقرها في لندن أو في أي دولة من الدول الأخرى، فكل ما نستهلك معظمه يصب إلى جيوب اليهود.
هذا بالنسبة للخير في هذا الجانب الاقتصادي في جانب ما نستهلكه في مجال الغذاء. الدواء كذلك معظم الأدوية من شركات أجنبية، واليهود معلوم بأنهم هم أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة المسيطرة على قطاعات واسعة من الاقتصاد في أمريكا وفي دول الغرب في أوربا وغيرها. يحملون عداوةً شديدةً لكم فهم لا يودون لكم أي خير، وهم دائماً دائماً مستشعرون لهذه العداوة لأنه أناس لا تعرفهم ولا بينك وبينهم، أنت لا تودهم, ولا تبغضهم, لا تعاديهم, ولا تواليهم.
أليس هذا قد يحصل؟. لكن اليهود بالنسبة لنا مشاعر داخلية توجه داخلي حالة نفسية لديهم أنهم لا يريدون لنا أي خير ويعملون على أن لا نصل إلى أي خير لماذا؟ لأنهم أعداء ويريد الله أن يقول لنا إنهم أعداء, إنهم أعداء، ويجب أن تتعاملوا معهم كأعداء وأن تحملوا لهم عقدة العداء.
{وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ}(آل عمران: من الآية69) نفس الشيء الإضلال هو ما يحصل في الجانب الثقافي, في الجانب السياسي, في مختلف الأشياء اليهود وراء إضلال المسلمين.
قضية أن يبقى الإسلام هو المسيطر على مشاعر المسلمين, وأمجاده وعظمائه, وأحداثه هي الأشياء التي يستوحي منها المسلمون ما يتعلق بحاضرهم.. حاولوا أن يصرفونا عن تاريخنا الإسلامي, وأن يعيدوا كل بلدٍ عربي إلى تاريخه الجاهلي.
في اليمن يشدون اليمنيين إلى التاريخ السبأي والحميري, ويجعلونهم يقدسون, ويعظمون بقايا أعمدة في مأرب من آثار دولة معين, أو آثار دولة سبأ في مأرب, وفي الجوف, أو في غيرها, وأن هذا هو تاريخنا وأنا كنا أصحاب حضارة, وكنا.. وكنا.. والتاريخ الإسلامي لا أثر له!.
من أين يحصل هذا؟ شد العرب إلى تاريخهم الجاهلي؟ هل عن طريق أفراد عاديين؟ أم عن طريق وزارات الثقافة في بلدانهم؟ وزارة الثقافة التي هي جزءٌ من الدولة في كل وطن عربي هي التي تهتم بأن تشد أبناء ذلك الوطن إلى تاريخهم الجاهلي.
في مصر نفس الشيء يشدون المصريين إلى تاريخهم الفرعوني, ويضعون لفرعون رمسيس [تمثالاً] كبيراً في ميدان يسمونه[ميدان رمسيس] وتسمع: [شارع رمسيس] [مطعم رمسيس] [صالون رمسيس] وترى النقوش الفرعونية من جديد.. وأحياناً اللهجة العبرانية التي يعتقدون بأنها هي كانت هي اللهجة الفرعونية [شالوم عليخوم] يستخدمها الآن المصريون في منطقهم في شوارع القاهرة – كما بلغنا [السلام عليكم] [شالوم عليخوم] اللهجة العبرانية التي يعتقدون بأنها هي من تراثهم القديم, ومن الشيء الذي يجب أن يفتخروا به. في العراق في سوريا نفس الشيء التاريخ الآشوري التاريخ البابلي وهكذا في كل منطقة أضلوا.
ويضعوا عقائدياً بطريقةٍ أو بأخرى, يجعلون تعظيم أولياء الله, الحفاظ على معالم معينة على ولي, على إمام, على مولد للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) على أي أثر إسلامي.. الاهتمام به, تعظيمه يعتبر بدعةً وشركاً! فليُقضى على أي مَعْلم إسلامي، ولنَحُل بين المسلمين وبين أن يعظموا أي ولي من أوليائهم, أو معلم من معالمهم, أو علم من أعلام دينهم, من الأئمة والعلماء وغيرهم. من أين جاءت هذه الأشياء؟ أليست لإضلال الأمة, لتجريدها عن هويتها الدينية, عن هويتها الإسلامية: {وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ}(آل عمران: من الآية69).
ولشدة حرصهم كانوا يطمعون أن يضلوا حتى النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) الذي يعرفون أنه نبيٌ من الله يعرفونه كما يعرفون أبناءهم, ثم مع ذلك يطمعون إلى أن يضلوه! فكيف لا يطمعون أن يضلوا هذه الأمة؟ أليس هذا هو ما يمكن أن نفهم؟ أنهم إذا كانوا من شدة حرصهم يحاولون أن يضلوا حتى النبي الذي يعرفون أنه نبي من عند الله فكيف لا يعملون في مجال إضلالنا.
لقد أضلونا من قمة رأسنا إلى أخمص أقدامنا فعلاً ثقافياً، اعتقادياً، سياسياً، اقتصادياً!.
الرّبا جعلوه يصل كل بيت من بيوتنا، البنوك في البلدان العربية تتعامل بالربا، البنوك المركزية التي تنطلق منها عملات أي دولة عربية تتعامل بالربا، وكل عملة في جيبك مصبوغةٌ بالربا، وكل لقمة تأكلها الآن, وكل حاجةٍ تستخدمها من إنتاج شركة معينة, أو تمويل تاجر معين مصبوغة بالربا, مصبوغٌة بالربا.
والمعروف عن اليهود أنهم في تاريخهم التجاري والاقتصادي معروفون بالربا وبالتعامل بالربا. لقد استطاعوا أن يوصلوا الربا إلى كل بيت ناهيك عن كل قطرٍ من الأقطار العربية.
{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (آل عمران:99) أيضاً يصدون عن سبيل الله.. الصد عن سبيل الله بعد أن عرفوا أن هذا الإسلام هو من دين الله فعلاً، وأن النبي محمداً (صلوات الله عليه وعلى آله) هو نبيٌ مرسلٌُ من الله فهم يعرفون بأن هذا الدين هو دين الله, وهو سبيله فلا بد أن يصدوا عنه! وفعلاً عملوا على أن يصدوا عنه وبمختلف الوسائل والأساليب اتجهوا للصد عنه.
لكنه هنا قال: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} ليس بغافل عن عملهم لا بد أن يكون قد وضع ما يمكن أن يحول بين المسلمين وبين ما يجعلهم متأثرين بالصَّد عن سبيل الله الذي يصل من جانب اليهود لكنا نغفل عن مثل هذه الأشياء.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}(آل عمران:100) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} أليس يخاطب المؤمنين أنفسهم؟ {إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} ماذا يعني هذا؟ أنهم يعملون بجد على أن يجعلونا كافرين على أن يجعلونا كافرين بالله كافرين بدينه، سواء كافرين قولاً وجحوداً أو واقعاً.
هم كانوا وراء الشيوعية كما عرف ذلك، وتقريباً كل من تحدث عن الشيوعية, وكل من كتب عن الشيوعية, كلهم يؤكدون بأن الشيوعية كان ورائها اليهود.
ألم يعملوا من خلال الشيوعية على أن يجعلوا البشر كافرين ملحدين بالله سبحانه وتعالى؟ وانتشر هذا الكفر داخل البلاد الإسلامية، فكانت الأحزاب الشيوعية في كل بلد حتى في اليمن كان الجنوب في اليمن يحكمه حزب شيوعي اشتراكي مُلحد ملحد فعلاً، امتداداً للشيوعية في روسيا, ووصلت الشيوعية إلى مناطق وبلدان كثيرة {يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}.
هذا فيما يتعلق بتوجههم نحو الإضلال, نحو الفساد, نحو تلبيس الحق بالباطل كما قال عنهم: {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً}(المائدة: من الآية64) نحو عملهم الجاد على أن يحولوا المسلمين إلى كافرين.. هذا شيء مما حكاه الله سبحانه وتعالى عنهم.
ذكر أيضاً فيما يتعلق بواقعهم هم أن الله قد ضرب عليهم الذلة والمسكنة: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ}(البقرة: من الآية61)، {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ}(آل عمران: من الآية112) وهذا من الأشياء العجيبة أن هذه الطائفة التي قد ضربت عليها الذلة, وضربت عليها المسكنة, وباءت بالغضب من الله أصبحت إلى هذا المستوى الذي هي عليه اليوم, وفي هذا التاريخ الحديث، وعلى مدى قرنين من الزمن على أقل تقدير أصبحت إلى هذا المستوى الذي هي عليه من أن تحكم العالم، تحكم العالم, اليهود هم الذين يحكمون العالم فعلاً.
من أين جاء هذا؟ من أين جاء هذا على الرغم مما هم عليه في واقعهم؟ ولماذا أصبح المسلمون – وبين أظهرهم كتاب الله سبحانه وتعالى – أصبحوا أذلاء لمن قد ضربت عليهم الذلة؟ ومستكينين لمن قد ضربت عليهم المسكنة, وتحت رحمة من قد باءوا بغضب من الله! كيف وصل الأمر إلى هذه الدرجة؟ هذا شيء غريبٌ جداً, هذا شيء يجب أن يهتم كل مسلم بالفعل بفهمه, وبمحاولة أن يتعرف أنه لماذا وصل الحال إلى هذه الدرجة؟.
يقول عنهم سبحانه وتعالى فيما يتعلق بالعداوة التي نفهمها أيضاً من نفس الآيات السابقة بأنهم ما يودون لنا أي خير، بأنهم يودون أن نكون كفاراً، بأنهم يودون أن نكون ضالين. أليس هذا يعني عداء؟ هي نفس الصفة الشيطانية التي حكاها الله عن الشيطان، الشيطان هو معادي، ألم يذكر الله في كتابه الكريم عن الشيطان أنه عدوٌ مبين لبني آدم؟ وفي ماذا تجلت عداوته؟ أليست في الإضلال؟ فهم عندما يتجهون لإضلالنا إنما لأنهم أعداء الِِدَّاء شديدي العداء لنا.
يُصرح أيضاً في آية بهذه العداوة فيقول سبحانه وتعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}(المائدة: من الآية82) وهنا يقول أن اليهود هم أشد الناس عداوةً للمؤمنين، والمؤمنون هنا في هذا التعبير هو بمعناه اللغوي، المؤمنون المنتمون إلى هذا الدين, والمحسوبون لهذا الدين, والذين يدينون بالإسلام, ويقرون بالله وبرسوله وبالقرآن، الإيمان بالمعنى اللغوي وهو كثير ورد استعماله في القرآن الكريم. ناهيك عن عداوتهم الشديدة للمؤمنين الحقيقيين.
ثم يقول سبحانه وتعالى فيما يتعلق بواقعهم في ميدان المواجهة أنهم ضعاف {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ} (آل عمران:111) {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (آل عمران: من الآية120).
هذا أيضاً مما يثير الاستغراب طائفة ضعيفة في ميدان المواجهة، طائفة ضربت عليها الذلة والمسكنة, وباءت بغضب من الله استطاعت أن تقهر هذه الأمة, أن تقهر العرب أولئك الذين لم يكونوا يسمحون لأنفسهم أن يقهروا أمام بعضهم بعض وهم ما زالوا قبائل أعراباً في نفوسهم الإباء, نفوس كبيرة فيها الإباء, فيها النجدة, فيها الشجاعة, يموت من أجل كلمة واحدة، يُقتل ولا يبالي، أقوياء في ميدان القتال.
العرب معروفون بقوتهم في ميدان القتال يبرز فيهم أبطال كثيرون جداً ولكنهم قُهروا أمام من حكى الله عنهم أنهم ضعاف, أنهم لو اتجهوا لقتالنا لما صمدوا لضعفوا, لتفرقوا.
{لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ}(الحشر:14) هذه عن اليهود تحكي أيضاً في [سورة الحشر] فلماذا وصل الأمر إلى هذا الحال؟ ثم لماذا تبقى هذه الحالة قائمة منذ خمسين سنة؟ منذ خمسين سنة ونحن إلى الآن لا نرى توجهاً عملياً إلى إخراج الأمة من هذه الحالة السيئة: أن يصبحوا أذلاء أمام الذين قد ضربت عليهم الذلة, وأن يصبحوا جبناء مستسلمين أمام من هم جبناء في ميدان القتال، فبماذا وصل اليهود إلى هذا الشيء؟ وكيف عملوا حتى أوصلونا إلى هذه الحالة؟ وعن طريق من؟.
كما قلنا سابقاً – أيها الإخوة – أنه بعد أن يذكر الله سبحانه وتعالى عن اليهود هذه الأشياء, ويذكر منها قضيتين – ويجب أن تكون محط اهتمامنا – أنه قال بالنسبة لنبيه (صلوات الله عليه وعلى آله): {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ}(الإسراء: من الآية73)، {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ}(النساء: من الآية113) فهل يمكن – وقد كررت هذا السؤال أكثر من مرة – أن يذكر الله كل هذا عن بني إسرائيل عن اليهود ثم لا يكون قد وضع في كتابه الكريم, لا يكون قد هدانا في كتابه الكريم إلى ما يجعل الأمة بمستوى المواجهة لهذه الطائفة, وإحباط كل كيدها ومؤامراتها؟ وإلى ما يجعلها صاغرة ذليلةً تحت وطأة وأقدام هذه الأمة؟! لا بد, لا بد.
ولو رجع المسلمون إلى القرآن الكريم لعرفوا أن لله سبحانه وتعالى قد هداهم إلى هذا الشيء ولكنهم أعرضوا عنه فأصبحت هذه الحالة سائدة, وأصبحوا يعانون من هزيمةٍ نفسية ثابتة مستقرة لا يرون منها مفراً ولا مخرجاً.
فما هي المشكلة؟ نحن الآن أمام هزيمة، تحدثنا أن العرب والمسلمين أمام هزيمة حقيقية بالنسبة لليهود مَن حكى الله عنهم هذه الأشياء.. فما هي مشكلة العرب والمسلمين؟ مشكلة العرب، مشكلة المسلمين أنهم لم يثقوا بالله، لم يثقوا بالله؛ ولهذا لم يرجعوا إلى كتابه, لم نثق بالله فلم نرجع إلى كتابه, ولم نثق برسوله (صلوات الله وسلامه عليه)، لم يثقوا بالله, ولم يثقوا برسوله, ولم يعرفوا الله المعرفة الكافية, المعرفة المطلوبة, ولم يعرفوا رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) المعرفة الكافية, المعرفة المطلوبة.. فظلوا دائماً يدورون في حلقةٍ مفرغة، وظلوا دائماً يتلقون الضربة تلو الضربة, مستسلمين, مستذلين, مستكينين.
ماذا يعني أنهم لم يثقوا بالله؟ المفسرون السابقون, وقضية إسرائيل, وقضية ما وصلت إليه الأمة ليست نتاج هذا العصر فقط, نتاج زلات وأخطاء قديمة جداً جداً جاءت من بعد الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) بدؤها من يوم السقيفة، بدؤها من يوم السقيفة، لم يثقوا بالله لم يثقوا برسوله, لم يعرفوا كتاب الله المعرفة المطلوبة حتى عندما يأتي القرآن الكريم ليقول: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}(الأنعام: من الآية38) يقول المفسرون: أي من الأشياء التي تناولها؛ لأنهم يستبعدون أن يكون هذا القرآن قد هدى الأمة إلى كل شيء في هذه الحياة، وهداها إلى كيف تكون بمستوى المواجهة لأي خصم من خصومها.
جعلوا هذا القرآن عبارة عن كتاب يُتلى ويُردد، يتناول القضايا العبادية الأخلاقية في صورة محدودة، ويحكي قصص الماضين لمجرد العبرة التي يفهمونها بفهمٍ قاصر, أو يُعرضون عنها.
الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) جردوه من شخصيته, لم يعطوه المكانة اللائقة به حتى في أيام حياته (صلوات الله عليه وعلى آله), وعرض لنا القرآن الكريم صورة من تلك الصور التي تدل على أن كثيراً ممن كانوا في حياة النبي (صلوات الله عليه وعلى آله), لم يعرفوا ذلك الرجل العظيم من هو؟ من هو؟ فيجلّوه ويقدسوه ويعزروه ويوقروه – كما قال الله سبحانه وتعالى – وينصروه.
عندما كان يخطب ألم يخرجوا من عنده؟! {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً}(الجمعة: من الآية11) حكى الله عنهم هذه في المدينة, في آخر أيام النبوة في المدينة! هل حدثت في مكة؟ لا. حدثت في المدينة {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِما} لم يعرفوا الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) وهناك حديث ولا أستبعد صحة معناه يقول الرسول: (صلوات الله عليه وعلى آله): ((يا علي لا يعرف الله إلا أنا وأنت، ولا يعرفني إلا الله وأنت، ولا يعرفك إلا الله وأنا)) لم يعرف المسلمون الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) من ذلك اليوم إلى الآن المعرفة والفهم الصحيح الذي ينبغي أن يكونوا عليه.
لم يفهموه حتى كقائد عسكري محنك وقدير وحكيم، لم يفهموه بهذا الشكل, جردوه من شخصيته وحولوه إلى مجموعة كتب ملئت بالكذب عليه: [فرسول الله يعني: سنته، سنته تعني: المجاميع الحديثية المعينة التي جمعها فلان، وفلان، وفلان، وفلان هذا هو النبي!] تعال إلى النبي تراه هنا يقول النبي: [حدثوا عن اليهود ولا حرج!].
أليس هذا مما يجعل الأمة في وضعية مختلفة عن ما يريد الله لها في هذا القرآن الكريم أن تكون عليه في مواجهة اليهود؟ [حدثوا عن اليهود ولا حرج!] فكانوا يحدثون عن اليهود فملئوا كتب التفسير [بالإسرائيليات] بالقصص الغربية، ملئوا كتب الحديث بالأحاديث الدخيلة التي صنعها يهود تمظهروا بالإسلام, واندسوا في أوساط المسلمين، ثم أصبحت هي من معتقدات المسلمين، ثم أصبحت هي تصنع رؤية المسلمين وتوجههم؛ لأنهم لم يرتبطوا بالرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) شخصياً، ولم يدرسوا حياته، ويتفهموا حياته كإنسانٍ حكيم وقدير وإنسانٍ كامل.
لو يرجع المسلمون في مواجهتهم للغرب ولليهود إلى [غزوة تبوك] وحدها في السيرة, وإلى [سورة التوبة] التي توجهت نحو هذه الغزوة لكانت وحدها كافية لأن يأخذ المسلمون منها دروساً كافية في معرفة مواجهة اليهود, ودول الغرب بكلها.
لكنهم متى ما تحدثوا عن غزوة تبوك منشغلين بأن عثمان أعطى مبلغاً كبيراً لتمويل هذه الغزوة! هذا هو المهم عندما يعرضوه في المناهج الدراسية، وعندما يتحدث أحد من الكتاب في السيرة أهم شيء أن يتحدث عن ما أعطاه عثمان من تمويل لهذه الغزوة الذي هو معرضٌ للشك وعدم الواقعية في أنه أعطى فعلاً.
لم يستوحوا من موقف الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في هذه الغزوة المهمة، التي أعطتها سورة التوبة أهمية كبرى، مع أنها في علم الله لن تحصل مواجهة، يستنفر كل المسلمين في هذه الغزوة حتى المنافقين حتى المنافقين يُستنفروا للخروج في هذه الغزوة مع علم الله بأنها لن تكون مواجهات.. فيها دروس مهمة جداً، ولكن كل من يتعرض لسيرة الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) من أهل السنة – وهم القطاع الأكبر في هذه الأمة – يكون همه ما عمله عثمان من تمويل لهذه الغزوة! وما عمله الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) أو دراسة حقيقية لهذه لا يهتمون بها.
حتى في هجرة الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) من مكة إلى المدينة يتحدثون في كتب السيرة عن [صلحه مع اليهود] يتحدثون عن صلح وقع منه مع اليهود!. وعندما ترجع أنت لتقرأ الوثيقة التي صاغها الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) بعد أن وصل المدينة المنورة بسرعةٍ صاغها, وذكر فيها كل بطون سكان المدينة, كل بيوتات القبائل الساكنة في المدينة وحولها, وثيقة ليست بصدد الصلح مع اليهود, ولا حول الصلح مع اليهود.
اليهود كانوا حول المدينة حلفاء لبيوت أو أشخاص من الأوس والخزرج داخل المدينة, حلفاء لهم مرتبطين بمعاهدات معهم كأتباع لهم. الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) عندما اتجه من مكة إلى المدينة مهاجراً، اتجه ليبني قاعدةً ينطلق منها للجهاد, وإعلان دولته، وإعلان دعوته؛ لينطلق منها للجهاد ضد كل المعارضين لدعوته التي بعث بها, فعمل على أن يجعل المدينة قاعدةً مستقرة.
اقرءوا هذه الوثيقة لن تجدوا فيها مصالحة مع اليهود، إنما باعتبارهم حلفاء لمن داخل المدينة من أوس أو خزرج أو أشخاص من كبارهم يسري على اليهود ما يسري على حلفائهم. وهذا شيء طبيعي في المواثيق وفي المعاهدات العربية أنه يسري على الأولياء – الذين يسمونهم وَلِي آل فلان أو حليف آل فلان – يسري عليهم ما يسري على من هو في حلفه, أو في ولائه, أو في معاهدةٍ معه.
فيأتي كتاب السيرة ويعنونونه بـ[الصلح مع اليهود] ثم عندما اتجه [السادات] إلى القدس ليستسلم أمام إسرائيل ينطلق علماء مصر ليقولوا بأن الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) قد صالح اليهود أول ما وصل المدينة صالح اليهود، فنحن إنما نصالحهم كما صالحهم رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) مع الفارق الكبير من كل الوجوه فيما بين ما وقع عندما وصل الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) إلى المدينة وبين ما وقع من السادات عندما اتجه إلى القدس.
لم يثقوا بالقرآن الكريم فيما يهدي إليه بصورة عامة؛ ولذا عندما تأتي أنت لتقرأ بعض كتب التفسير من مفسري أهل السنة كالطبري وغيره في قول الله تعالى عن موسى: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}(المائدة: من الآية21) هؤلاء المفسرون يعطون اليهود وثيقة بأيديهم، الأرض المقدسة التي كتب الله لهم قالوا: هي أرض الشام! هي أرض الشام!. هذه العقلية سواءً لمفسر أو محدث بعيدة عما هدى إليه القرآن.
القرآن الكريم يؤكد، ويشير، ويدلل على أن الخصومة والمواجهة الحقيقية فيما بين المسلمين على امتداد التاريخ ستكون مع أهل الكتاب, ستكون مع أهل الكتاب، وفعلاً في التاريخ كان العداء فيما بين هذه الأمة وأعداء آخرين كان مع أهل الكتاب. المشركون الكافرون لم تقم لهم قائمة، أو ظهر كفرٌ من صنع أهل الكتاب, ظهر كفر من صنع أهل الكتاب.
فالقرآن الكريم في [سورة آل عمران] وفي [سورة المائدة] وفي [سورة البقرة] يشير إلى أن المواجهة الحقيقية مع هذه الأمة ستكون مع اليهود, ومع أهل الكتاب جميعاً من اليهود والنصارى.
وعندما أشار هذه الإشارة نرى الحكمة العجيبة، نرى الحكمة العجيبة من قِبَل القرآن, ومن قِبَل الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) كيف أنه قد تكفل بهداية الأمة إلى ما يجعلها – كما كررت أكثر من مرة – في مستوى المواجهة مع أهل الكتاب، الذين سيكونون هم الخصوم الحقيقيون والأعداء الألداء لهذه الأمة على طول تاريخها.
ومع من الآن نصارع؟ ومن الذي قهرنا؟ من؟ أليسوا أهل الكتاب من اليهود والنصارى؟ أليست هي أمريكا وإسرائيل وبريطانيا وفرنسا وغيرها؟ هؤلاء منهم؟ يهود ونصارى، هم أعداؤنا الحقيقيون، وهم الذين أصبح واقعهم يشهد بأن هذا القرآن, بأن هذا القرآن حكيم من عند الله سبحانه وتعالى أنزله من قال عنه: {قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}(الفرقان: من الآية6) نزله الذي يعلم السر في السموات والأرض.
ما أعظم هذه الآية ما أعظم هذه الآية لو أن هناك ثقة بالله، كيف من يعلم السر في السموات والأرض، يعلم الغيب في السموات والأرض لا يعلم مستقبل هذه الأمة؟! لا يعلم ما سيحصل لهذه الأمة, لا يعلم كيف يهدي هذه الأمة؟!.
لقد فعل كل شيء لكن هذه الأمة – كما قلنا سابقاً – هي التي ابتعدت عن القرآن, ابتعدت عن قرناء القرآن, ابتعدت عن الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)، ثم انطلقت في الميدان مجردةً من سلاحها الحقيقي، من هديها، من هداتها، من قادتها.. ثم انطلقت لتصارع فهُزمت وأُذلت، وأصبحت أمةً تحت أقدام اليهود والنصارى.
الإخوة الذين تحدثوا سابقاً، أشار أحدهم – لا أذكر بالتحديد – إلى خيبر، خيبر كانت منطقة فيها يهود من أقوى اليهود وأثراهم، حاصرها الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) فترة, وأثناء هذا الحصار أعطى المسلمين درساً؛ لأن مهمة القرآن باعتباره كتاب للمسلمين إلى آخر أيام الدنيا يهديهم في كل مواقفهم, كذلك رسول الله هو خاتم النبيين ورسول لكل البشر يعطي هذه الأمة دروساً في مجال الهداية تستفيد منها إلى آخر أيام الدنيا.
أعطى درساً في وقعة خيبر عندما كانوا محاصرين لحصن من أمنع حصون يهود خيبر كان الإمام علي (صلوات الله عليه) أرمداً لا يبصر موضع قدميه، هناك أعطى الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) الراية أبا بكر ثم قال يمضي، ذهب أبو بكر بالجيش فهزمه اليهود فعاد.
ثم أعطى الراية في اليوم الثاني عمر اتجه إلى اليهود فهزموه فعاد، ولأن نفسه كبيره رجع يُجبن أصحابه ويجبنونه.
الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) لديه من الفرسان الأقوياء والقادة آخرين غير أبي بكر وعمر, لم يكونوا معروفين بالفروسية، لم يكونوا معروفين بالقوة في ميدان القتال. فلماذا أعطى الراية هذا, ثم أعطى الراية هذا، ثم في اليوم الثالث يقول: (لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، كرارٌ غير فرار، يفتح الله على يديه). أعطى الإمام عليا (عليه السلام) بعد أن دعاه وهو أرمد.
لاحظ هذه كلها إشارات هناك فرسان عيونهم سليمة ومفتحة, هناك قادة آخرين.. لا, دعا علياً, دعا علياً وهو أرمد لا يبصر موضع قدميه فتفل في عينيه، ثم أعطاه الراية بعد أن قال على مرأى ومسمع منهم جميعاً، وظل كلٌ منهم يتطاول إلى هذا المقام أن يعطى هو الراية؛ لأنه هنا قُلد من سيُعطى الراية وساماً مهماً ((رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرارٌ غير فرار يفتح الله على يديه)). أعطى الإمام علياً (عليه السلام) اتجه إلى خيبر وفتح الحصن الذي أرسل أبا بكر إليه أول يوم وعمر في اليوم الثاني ورجعوا منهزمين فتحه الإمام علي قبل أن يتكامل جيشه!.
ماذا يعني هذا؟ الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في مواجهته مع اليهود, ومع أقوى اليهود, وأمام حصن من أمنع حصون اليهود.. يشير إلى أن صراع الأمة في المستقبل سيكون مع اليهود سواءً اليهود بأنفسهم, أو بمن يلفونه حولهم، هم أصبحوا المتغلبين على النصارى فيما بعد, فيما هو حاصل الآن, ويجندون النصارى لصالحهم.. أبو بكر لم يفتحه، عمر لم يفتحه, سيفتحه رجلٌ يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله هو علي.
يشير بهذا إلى أن من يمكن أن يكون قادراً على مواجهة اليهود، إلى أن أي فئة هي مؤهلة لمواجهة اليهود لا بد أن تكون على هذا النحو: تحب الله ورسوله, ويحبها الله ورسوله.
يشير إلى أن الأمة لن تواجه اليهود, ولن تهزم اليهود, ولن تحبط كيد اليهود إلا تحت قيادة أهل البيت الذين يتجهون على اتجاه علي, ويوالون علياً(صلوات الله عليه)، وإلا فهناك من أهل البيت كملك المغرب, وملك الأردن سلموا القياد لإسرائيل، لكنهم من أولياء الطرف الآخر.
أما أولياء الإمام علي (صلوات الله عليه) فنحن رأينا في هذا الزمن ما يشهد لما عمله الرسول في خيبر, ولما يشهد للآيات التي سنقرؤها فيما بعد في من هي الطائفة, وما مواصفات من يمكن أن يقهر اليهود. فرأينا الإمام الخميني كيف هزم الغرب, كيف أرعبهم, كيف أربكهم. رأينا حزباً [حزب الله], رأينا قائداً من أبناء رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) حسن نصر الله كيف أربك إسرائيل, وكيف قناة واحدة أربكت إعلام إسرائيل, وشَوََّشْت حتى على اليهود داخل إسرائيل.. قناة واحدة من حزب في بحر هذه الدول, وهذه القنوات العربية المتعددة.
فعلاً لن يُهزم اليهود إلا تحت قيادة أهل بيت رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، تحت قيادة من ينهجون نهج علي، تحت قيادة من يوالون عليا(صلوات الله عليه).
ومن العجيب ومن حكمة القرآن العجيبة أنه جاء الحديث عن ولاية الإمام علي (عليه السلام)، ثم الأمر للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) بإعلان ولاية الإمام علي في خضم الآيات التي تتحدث عن أهل الكتاب، داخل الآيات التي تتحدث عن أهل الكتاب, بعد أن حذر من موالاة اليهود والنصارى, بعد أن حذر من موالاة اليهود والنصارى, وأن هذه هي القاصمة، أن هذه هي التي ستذل المسلمين إذا ما اتجهوا لموالاة اليهود والنصارى كما هو حاصل الآن.
أليست كل الدول العربية الآن تعتبر أمريكا صديقة! وأمريكا هي إسرائيل، تعتبر بريطانيا صديقة يوالون اليهود, يوالون النصارى فكيف يمكن أن ينصروا, كيف يمكن أن يحظوا بنصر الله. إن الله لا يعطي نصره إلا أولياءه، إن الله لا يعطي نصره إلا من يسيرون على هديه، لقد سلب أصحاب محمدٍ (صلوات الله عليه وعلى آله) وهم في ميدان المعركة وبحضور الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) عندما تنازعوا وفشلوا وعصوا الرسول سلبهم النصر, وضربوا في ميدان المعركة على أيدي الكافرين والرسول موجود فكيف يمكن أن يمنح نصره لدولٍ أو لشعوب تتولى دولاً هي صديقةً لليهود والنصارى, وتوالي اليهود والنصارى، وتوقّع بالحرف الواحد على زعامة أمريكا لتولي التحالف ضد الإرهاب كما يقولون.. كيف يمكن أن يحظوا بنصر الله؟!.
فلهذا لما كانت الأمة ستظل دائماً في صراع مع أهل الكتاب من بداية النبوة وربما إلى نهاية التاريخ ذكر الله الكثير عن أهل الكتاب, ثم ذكر الحل داخل الحديث عن أهل الكتاب فجاء بالحديث التحذير عن تولي اليهود والنصارى. هذا قضية لا بد أن تتحقق وإلا فلن يحصل نصر للمسلمين أبداً ماداموا أولياء لليهود والنصارى.
ثم ذكر بعد أنه يجب أن ينقطعوا إلى الله, إلى رسوله, أن يتولوا الله ورسوله ويتولوا الذين آمنوا, ويأتي بالصفة التي تدل على أن المقصود بـ{الَّذِينَ آمَنُوا} هو شخص الإمام علي (عليه السلام) وكما ذكر ذلك المفسرون.فقال سبحانه وتعالى وإن أطلنا في قراءة هذه الآيات.
الموضوع – كما قلنا سابقاً – يجب أن يكون حول رؤية صحيحة للحل، الشيء الذي هو مفقود في الساحة الإسلامية, وفي الإعلام العربي. ليس هناك توجيه للحل يجب نحن – وتنفيذاً لمطلب الإمام الخميني (رحمة الله عليه) من إحياء هذا اليوم يوم القدس – أن نتجه إلى التوجيه العملي الصحيح للمخرج لهذه الأمة من هيمنة أمريكا وإسرائيل مهما كان الأمر, مهما كان الأمر.
قال الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} {لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} متى ما توليتم اليهود والنصارى ستصبحون منهم, ومتى ما أصبحتم متولين لهم ومنهم فستفقدون هداية الله, فقد صرتم ظالمين وستفقدون هداية الله {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}(المائدة: من الآية51).
{فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ}(المائدة: من الآية52) وما أكثرهم {يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ}(المائدة: من الآية52) يسارعون في تولي اليهود والنصارى كما هو حاصل نقيم علاقات مع أمريكا، إذا لم نقم معها علاقة فقد يضربونا تحت مظلة محاربة الإرهاب, وتحت عناوين كثيرة يطلقونها.
ثم قال تعالى: {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ}(المائدة:52 – 53) هذه الآيات تشير إلى أن الواقع سيتغير, وسيرى كل أولئك الذين يسارعون إلى تولي اليهود والنصارى تحت عنوان: [نخشى أن تصيبنا دائرة ونحافظ على شعوبنا ونحافظ على كذا..] أنه سيأتي اليوم الذي يندمون على موالاتهم لليهود والنصارى تحت هذا الغطاء، وستتكشف الأمور حتى يرى الناس أولئك الذين كانوا يظهرون أحياناً بكلامٍ براقٍ ويحضون بألقاب [كفارس العرب] أو [حارس البوابة الشرقية للأمة العربية] ونحوها، {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ}(المائدة: من الآية53) تتكشف الأمور فترى أولئك إنما هم أولياء خالصوا الولاء، وعملاء مخلصون في عمالتهم لإسرائيل ولليهود وللنصارى {فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ}(المائدة: من الآية53).
ألم يتحدث هنا عن التولي لليهود والنصارى وخطورته؟ ثم قال تعالى بعدها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ}(المائدة: من الآية54) اعتبر موالاة اليهود والنصارى ارتداداً، وفعلاً هو ارتداد حطم الأمة، حطم الدين, حطم الثقافة، حطم الرأي، حطم كل شيء يتعلق بالأمة. {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} (المائدة: من الآية54) أليس نفس الشيء الذي قاله الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في يوم خيبر؟ ((لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله)) لن يقف أمام اليهود إلا رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، قيادة في هذا المستوى، قيادة يحبها الله ورسوله، وتحب الله ورسوله، وأمة تحب الله ورسوله ويحبها الله ورسوله.
{فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} يحبهم ويحبونه {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}(المائدة: من الآية54) كان الإمام علي (صلوات الله عليه) معروف بتواضعه للمؤمنين, معروف بتواضعه، وكان عمر معروف بغلظته، وكانت الدّرة لا تكاد تفارق يده، بغلظته وقسوته والدرة يضرب هذا وهذا، ولكنه كان في ميدان الجهاد إذا ما برز الفرسان قال: [حِيْدِي حياد]. أما علي فكان ذليلاً أمام المؤمنين, رحيماً بالمؤمنين، ومتى ما برز إلى ميدان القتال، متى ما برز يبرز أسداً، يبرز أسداً هصوراً (صلوات الله عليه).
نجد هنا التوافق العجيب بين ما حصل في خيبر – وهي قصة مؤكدة وصحيحة يرويها المحدثون وبهذا اللفظ: ((رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله)) – وهنا لا يمكن أن يُقْهَر اليهود إلا بأناس يحملون هذه الصفة {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(المائدة: من الآية54).
ثم يقول بعدها: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}(المائدة:55 – 56) لأن الآيات تتحدث عن صراع، تتحدث عن الخلل الكبير وهو تولي اليهود والنصارى، وتتحدث عن من هم مؤهلون لضرب هذه الطائفة، ثم عن قيادة هذه الطائفة التي هي مؤهلة لضرب اليهود وقهرهم أنها تتولى الله ورسوله والذين آمنوا, الإمام علي (عليه السلام) وأهل بيت رسول الله (صلوات الله عليهم)؛ ولأن المقام مقام حديث عن صراع، قال بعدها: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} سيغلبون لا شك.
لم يقل هنا: {فإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} كما قال في [سورة المجادلة]: {أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(المجادلة: من الآية22) لأن المقام مقام صراع.. ليرشد الأمة حتى تكون بمستوى قهر اليهود وتتغلب عليهم يجب أن تتولى الله، وتتولى رسوله.
تتولى الله ليس فقط أن تدعوه, أن تعرفه، أن تثق به، يعرفون الله حق معرفته، يثقون به حق الثقة، فإذا عرفوا الله، إذا وثقوا به، إذا عرفوا رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله)، تولوا الله، وتولوا رسوله، وتولوا الإمام عليا، وتولوا عترة رسول الله أهل بيته حينئذٍ سيكونون حزب الله، حينئذٍ سيحبهم الله ورسوله، وسيكونون فعلاً حزب الله، ولا بد أن يغلبوا، أولئك حزب الله {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}.
ولأن القضية كما قلنا هي هذه يتحدث من جديد عن اليهود والنصارى فيأتي بالحديث عن فرض ولاية الإمام علي (عليه السلام) داخل الحديث عن اليهود والنصارى، وتحذير الأمة من توليهم، ثم تتجه الآية فيقول من جديد: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}(المائدة:57).
ألم يحذّر عن تولي اليهود في بداية الآيات؟ ثم بعد أن تحدث عن الحل والمخرج، ثم من جديد يحذر عن تولي اليهود والنصارى.. وهي المشكلة التي نواجهها الآن تولي زعامات المسلمين لليهود والنصارى.
ثم قال بأن هؤلاء الذين تتولونهم هم أناس ليسوا جديرين بتوليكم:{هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ}(آل عمران: من الآية119) هم لا يحبونكم، هم أعداء لكم، هم يسخرون حتى منكم {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً}(المائدة: من الآية58) فلماذا تتولونهم؟!. ألم يقل هنا بعدها: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ}(المائدة:58) فكيف تتولون من هم لا يحبونكم؟ من هم لا يودون لكم أي خير؟ من يودون أن يضلوكم؟ من يودون أن تكونوا كفاراً؟ من يعملون كل جهدهم على إذلالكم من حتى يسخرون منكم؟ ثم أنتم تتولونهم وتحبونهم.
ثم تحدث عن أهل الكتاب: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا}(المائدة: من الآية59) وهكذا تمشي الآيات إلى أن يقول سبحانه وتعالى من جديد ليأمر الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) بإعلان ولاية الإمام علي (عليه السلام)، فتأتي الآيات بعد أن تحدث عن اليهود أنهم {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ}(المائدة:65) ثم قال: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}(المائدة:65- 67).
ثم يعود من جديد إلى الحديث عن أهل الكتاب: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ}(المائدة: من الآية68) وهكذا يمشي في آخر الآيات يتحدث بالحديث عن بني إسرائيل, يأمر رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) بأن يعلن ولاية علي: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}(المائدة: من الآية67) ماذا يعني هذا؟ أليست هذه هداية تهدي الأمة إلى أنهم لا بد أن يعودوا إلى الله؟ لا بد أن يعودوا إلى كتابه ليهتدوا به؟ لا بد أن يعودوا إلى رسوله ليستوحوا من حركة جهاده ودعوته كيف يواجهون أعداءهم التاريخيين, في التاريخ الماضي والحاضر والمستقبل، الذين سيكونون هم أهل الكتاب؟.
ثم يتحدث بأنه يجب أن يتولوا عليا بعد أن أمر رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) أن يعلن على رؤوسهم أنه وليهم وخليفته عليهم من بعده.
أليس هذا هو الهدى؟ وهذا هو ما يجب أن نقطع به؛ لأنه لا يجوز – كما قلت سابقاً – أن يتحدث الله عن خطورة اليهود البالغة في كل المجالات، عن عملهم الدؤوب في إضلال الأمة، في تكفير الأمة، في أن لا تحصل الأمة على أي خير، في أن يعملوا كل ما يمكن عمله ضد هذه الأمة، وهو قال عن هذا الكتاب أنه {هُدىً لِلْعَالَمِينَ}(آل عمران: من الآية96)، أنه {يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}(الإسراء: من الآية9)، لا بد أن يهدي وقد هدى فعلاً. لكن في هذه الأيام هل تسمعون من يدعو الأمة إلى أن تعود من جديد إلى القرآن؟.
لتعد إلى القرآن وليس إلى المفسرين، تعود إلى القرآن وليس إلى المفسرين من أهل السنة، لتتعرف على القرآن عن طريق قرناء القرآن، وورثة القرآن، وليس عن طريق [الطبري] و [ابن كثير] وغيرهما من المفسرين الذين يعطون وثائق لليهود بأن الأرض التي كتب الله لكم هي أرض الشام وليس فقط فلسطين، أرض الشام تشمل سوريا ولبنان وفلسطين.
ليعود الناس إلى القرآن الكريم من خلال تدبر آياته، ومن طريق قرناء القرآن الذين أرشد إليهم الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في حديث الثقلين: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي)) وعن طريق القرآن الذي يؤكد في سورة الفاتحة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}(الفاتحة:6-7) ليبحث الناس عن من هم الذين أنعم عليهم بأن جعلهم أعلاماً لدينه، وهداة لعباده, وقادة لخلقه.
يجب أن يبحثوا وهم يقرؤون دائماً: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (الفاتحة:6) لكن لا. أقصى ما يمكن أن يعملوه أن يقنتوا في الصلوات [اللهم أهلك أمريكا، اللهم أهلك إسرائيل] ثم يدعون في القنوت لولي الأمر ولسلاطين المسلمين، يدعون لهم, وهم من يتولون اليهود والنصارى. ليعود الناس إلى القرآن، وليس إلى المفسرين الذين لعبوا بالقرآن, وشوهوا القرآن, وحرفوا القرآن.
هذا فيما يتعلق بهذه الآيات، ذكر شيئاً من الأشياء التي تعتبر خطيرة جداً، ثم أرشد إلى القيادة التي يجب أن يلتجئ المسلمون إليها.
هناك أشياء أخرى ذكر فيما يتعلق بوضع حلٍ للأمة إذا ما تبنته لا بد أن تقهر أعداءها تحت ولاية الله ورسوله, وقيادة عترة رسوله (صلوات الله وسلامه عليه وعليهم)، دعا إلى الجهاد, دعا إلى الإنفاق في سبيل الله. تجد من الأشياء العجيبة في كتاب الله الحكيم يتحدث عن الإنفاق في سبيله، يتحدث عن الجهاد في سبيله في إطار الحديث عن بني إسرائيل, وما يعرضه من أخبار بني إسرائيل؛ ليقول لنا: أنتم بحاجة إلى أن تربوا أنفسكم, وتربوا الأجيال من بعدكم، إلى أن يحملوا روح الجهاد، روح العطاء، روح الإنفاق في سبيل الله، لا بد لكم أيها المسلمون أن تنفقوا في سبيل الله، أن تكونوا مجاهدين في سبيل الله, وإلا فلن تستطيعوا أن تقهروا هذه الطائفة.
من العجيب أيضاً أن تأتي الآيات التي تأمر الناس بالتوحد والاعتصام بحبل الله أيضاً في إطار الحديث عن بني إسرائيل، في [سورة آل عمران] الآية التي يقول الله سبحانه وتعالى فيها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}(آل عمران:102) جاءت بعد الحديث عن أهل الكتاب، وهذا من السر في أن ورد الحديث كثيراً عن أهل الكتاب في القرآن الكريم أنهم سيكونون هم الأعداء الحقيقيون, والمؤثرون, والخطرون على الأمة، قال عن أهل الكتاب: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تعْمَلُونَ}(آل عمران:99).
ماذا تعني هذه الآية أيها المسلمون؟ ماذا تعني هذه الآية؟ أن اليهود يصدون عن سبيل الله وهم يعرفون ما هو سبيل الله يعرفون أن الإسلام هو دين الله حقيقة، يعرفون حقيقة، إنما حسداً وكراهية كما عمل الشيطان، أليس الشيطان يعرف الله؟ أليس الشيطان يعرف الجنة ويعرف النار؟ أليس يعرف أن أمر الله له بالسجود لآدم حق؟ ويعرف أن عمل الملائكة في سجودهم لآدم طاعة لله؟ لكنه استكبر فتمرد رغم علمه، وهكذا يحصل من اليهود, ويحصل من الشيطان، ويحصل من كثير من البشر أن يصد عن الحق وهو يعرف الحق.
ثم عندما يتحدث عن اليهود أنهم يعملون، لا يتحدث عن أي طائفة يمكن أن لا يكون لها أي تأثير وإن اجتهدت؛ يتحدث عن اليهود أنهم خطيرون جداً، ولن يقدر على مواجهتهم إلا أهل بيت رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، لن يعرف فضح مخططاتهم وإحباط كيدهم، لن يعرف أن يقهرهم إلا أهل بيت رسول الله, وتحت قيادة أهل بيت رسول الله، والتاريخ يشهد على ذلك، والحاضر يشهد على ذلك.
قناة واحدة فضائية لحزب الله استطاعت أن تجعل إسرائيل تعترف بأن أخطر شيء عليها في هذه الدنيا هو القناة الفضائية لحزب الله، لحزب واحد يقودها واحد من أهل بيت رسول الله، من أولياء علي، وليس من أولياء الآخرين الذين انهزموا أمام يهود خيبر, ليس من أوليائهم, من أولياء علي.
وفعلا يصرخون وما قضية نيويورك, ولا قضية أسامة والأشياء هذه إلا محاولة من أعمال اليهود – الذين حكى الله عنهم أنهم يلبسون الحق بالباطل – أن يصنعوا للأمة, هذه الأمة التي قد لعبوا بعقولها لعبوا بأفكارها، لعبوا بتوجهاتها – يصنعون لها قدوات مزيفة، يوهمون المسلمين أن هؤلاء هم الخطيرون جداً علينا.
أسامة يشكل خطراً على أمريكا! أسامة وطالبان تصيح منهم أمريكا وهي تعرف، أمريكا تعرف أن أسامة لا يشكل أي خطر على أمريكا، اليهود يعرفون – ونحن نقطع – أن أمريكا واليهود يعرفون بأن أسامة وطالبان لا يشكلون أي خطورة حقيقية على أمريكا؛ لأنهم لا يحملون أي رؤية لهذه الأمة لتكون بمستوى المواجهة لأمريكا إطلاقاً؛ ولهذا عملوا على ترميزهم، عملوا على ترميز أسامة ليحل أسامة في ذهنية الأمة كخميني مزيف؛ لأنه برز خميني حقيقي، خميني حقيقي.
الإمام الخميني – رحمة الله عليه – أربكهم أذلهم قهرهم جعلهم يتيهون، حتى قال عنه الرئيس الأمريكي: [هذا رجل إلهي] قال عن الخميني رئيس أمريكا في أيامه: [هذا رجل إلهي]. عجزت أمريكا أن تعمل شيئاً معه، حتى عندما عملوا على اختطافه من منـزله تضاربت الطائرات التي أرسلوها لاختطافه في صحراء يسمونها صحراء طَبَس أو قبس في إيران.
فاتجه اليهود من جديد وهم يعرفون بأن أفكارنا تحت أيديهم وتحت تأثير إعلامهم وكتّابهم وتحت تأثير دعاتهم إلى أن يصنعوا للأمة – لا يتركونها تستقر يوم من الأيام – قدوات مزيفة، أعلام مزيفة، تصيح منهم أمريكا وهي تعرف أنهم لا يشكلون خطورة عليها؛ لتتجه أذهاننا نحوهم.
ماذا عملوا بطالبان؟ ماذا عملوا بأسامة في هذه الحرب؟ لقد عرف الغربيون وقال رئيس وزراء [اندنوسيا] وقال وزير إيراني – لا أعرفه بالتحديد – [أنه قد ظهر أنه ليست طالبان ولا أسامة هي المستهدف]. كانت حرب أضحوكة، كانت حرب عجيبة، طالبان يتوقع لها, يتوقع لطالبان أن تعود من جديد.
وأسامة بن لادن كان مرمّزاً من أيام [كارتر] من قبل، وكان الأمريكيون دائماً يرمزونه، وفي هذه الأيام في شهر شعبان رأيت في التلفزيون السعودي يقول: بأن مسئول سوداني, أو وزير سوداني قال: أن الرئيس كارتر رفض عرضاً بتسليم أسامة بن لادن، عرضوا عليه أن يسلموا أسامة فرفض. لا نريده, نريد أن يبقى نصنعه رمزاً لكم أيها الأغبياء المسلمون تتجهون نحو أسامة، وتنصرفون عن الحقيقيين الذين يحملون رؤية حقيقية، من يحملون رؤية صائبة ضد أمريكا وإسرائيل، من يحملون قوة نفسية، من يحملون رؤية قرآنية.
يتجهون بهم إلى رموز وهميين وخطر وهمي.. كما شدوا العرب في يوم من الأيام إلى صدام، فالتفوا نحوه وقالوا:[حارس البوابة الشرقية]، [وبطل الأمة العربية]، [وبطل القومية العربية]، وشدوهم سابقاً إلى جمال، وهكذا يلعبون بأفكار المسلمين، أحياناً ينصبون لنا علماً في مجال القومية للقوميين، وأحياناً متى ما رأوا توجهاً دينياً ينصبون لنا علماً وهمياً – بدقنته, بعمامته – باسم أنه يشكل خطورة على أمريكا، وأنه إنسان قوي، وأنه.. وأنه.. إلى آخره.
أسامة ماذا أصابه؟ إذا لم تكن المسألة استغناء عن طالبان وعن أسامة فأتوقع أن تعود طالبان من جديد وأن يعود أسامة من جديد، ولن يفرطوا في أسامة.
الأمريكيون عرفوا كيف يقتلون أحمد شاه مسعود، ويعرفون كيف يقتلون أعداءهم في أي بقعة، على مدى هذه السنوات الطويلة لم يعرفوا كيف يقتلون أسامة!. ماذا أصاب أسامة في هذه الحرب؟. لم يصبه شيء. من يدري ربما أن يكون أسامة في أي بلد من البلدان التي هي صديقة لأمريكا، من يدري قد يكون أسامة في فندق من الفنادق بتمويل أمريكي، من يدري!. أنا لا أستبعد كل هذا.
هذه من الأشياء الخطيرة جداً على المسلمين، أن اتجهوا إلى أن يصنعوا قدوات، قدوات. عندما وجدوا [حسن نصر الله] برز في هذه الفترة الأخيرة، وأصبحت قناة حزب الله تبث إلى بلدان أوروبا، وبرز كقائد قوي، وبرزت إسرائيل عاجزة أمام حزب الله وأمام صيحات حسن نصر الله، وبدأ صيته ينتشر في البلاد العربية بدأ الناس حتى في صنعاء يأخذوا الأقمار التي تستقبل قناة حزب الله الفضائية، وتأثروا بنصر الله. اليهود يعرفون من هم الذين يشكلون خطورة عليهم.
ليس في دقنته، ليس في تركعه، في رؤيته بالنهوض بهذه الأمة، كيف يمكن أن تتوقع ممن لا يرى الإسلام إلا دقنة وثوباً قصيراً و مسواكاً أن يجعل الأمة بمستوى المواجهة ضد اليهود وضد الغرب!!.
ممن يرى أن الله قد أنعم علينا أن جعل الغربيين والكفار يصنِّعون لنا ونحن نعبده ونسير في عبادته، وهم يصنعون لنا كل شيء! هل هذا يمكن أن يواجه الغرب؟.
الإمام الخميني عندما نهض برؤية صحيحة، وعرف بأن هذه الأمة أصبحت في صراعها مع اليهود في صراع حضاري، صراع حضارات, لم يعد صراعاً عسكرياً أصبح صراع أمة, صراع حضارة، قال: لا بد لهذه الأمة أن تتجه نحو الاكتفاء الذاتي، لتعتمد على نفسها في مجال غذائها فتهتم بالزراعة تهتم بالتصنيع، في كل المجالات، تهتم بالتصنيع العسكري، تهتم بالتصنيع في مختلف الأشياء التي يحتاجها الناس لتكون بمستوى المواجهة، تهتم أن تنشئ جيلاً يعرف كيف ينظر إلى الغرب، يصيح بالعداء لأمريكا، بالعداء لإسرائيل يهتفون.
وهكذا كان الإيرانيون يهتفون بـ[الموت لأمريكا وبالموت لإسرائيل]، عرف كيف يجب أن تربى الأمة على نهج هذا الكتاب حتى تكون بمستوى المواجهة، فتحمل العداء، وتبني نفسها لتكون بمستوى المواجهة.
الآن اليمنيون أنفسهم – وهم واحد من الشعوب العربية وحالتهم مستوية – هل يمكن أن يصمدوا أسبوعاً واحداً في حرب مع إسرائيل؟. لا. أنا أقطع أنه ولا أسبوعاً واحداً يمكن أن يصمد اليمنيون؛ لأن كل موادنا الغذائية، كل أكلنا، كل لباسنا، كل معداتنا، كل شيء من الضروري والكمالي لنا كله يخضع لهيمنة أمريكا، وبقرار من أمريكا تستطيع أن تقطع كل شيء فيستسلم اليمنيون.
فلماذا يصيح أولئك الزعماء أحياناً ويظهرون أنفسهم كفرسان، وأنهم أعداء ألداء لإسرائيل، وهم يعرفون أنهم هم الذين أوصلوا هذه الأمة إلى درجة أنها لا تستطيع أن تقف أمام اليهود؟! لا يستطيع العرب الآن إطلاقاً أن يقفوا أمام اليهود إلا بأن يستأنفوا حياتهم من جديد، يستأنفوا حياتهم من جديد، ولن تستأنف حياتهم من جديد تحت الزعامات التي تحكمهم الآن؛ لأنهم هم الذين أهملوا كل الأراضي الزراعية.
تجد وزارة الزراعة في أي بلد عربي هي أحط الوزارات، وأقل الوزارات نشاطاً.. في اليمن نفسه كم من الأراضي في اليمن تصلح للزراعة, ونحن نستورد حتى العدس وحتى الفاصوليا والقمح والذرة من استراليا ومن الصين وغيرها؟ واليمن يكفي – لو زُرع – لليمن ولغير اليمن. لماذا يستورد اليمنيون كل شيء مما هو خاضع لهيمنة أمريكا وإسرائيل؟.
هل يمكن للعرب, هل يمكن للعرب أن يقاتلوا وقد أذلهم زعماؤهم، وأوصلوهم إلى هذه الحالة؟. كانت المواجهة عسكرية قبل خمسين سنه، أما الآن فقد أصبحت المواجهة حضارية، أصبحت المواجه حضارية.
لا بد أن تبرز قيادة تستطيع أن تبني الأمة من جديد كما استطاع الإمام الخميني، ولقد كان الإمام الخميني (رحمة الله عليه) رحمة من الله, وحجة على هذه الأمة العربية لو عرفت قدره، قائد عظيم، ورؤية صحيحة، وشعب قوي في ثرواته, في أعداده, وفي قوته، الإيرانيون معروفون بقوتهم في القتال، وشعب يمتلك ثروات هائلة، وقيادة حكيمة قوية، وتوجَّه نحو العداء لإسرائيل وأمريكا، وصرخ في العرب أنه مستعد.
لقد كان الإمام الخميني نعمة على العرب لو كانوا يريدون تحرراً من إسرائيل، ولكنهم بدلاً من أن يلتفوا حول الخميني, وحول إيران ليضربوا إسرائيل, ويحرروا أنفسهم من أمريكا ماذا عملوا؟ اتجهوا هم لأن يقفوا ضد إيران وضد الخميني ليشغلوه عن أن يضرب إسرائيل، لم يتركوه وشأنه حتى ليتجه ضد إسرائيل، ثم هاهم الآن يصرخون من إسرائيل، وهم الذين حموا إسرائيل من الخميني، هم الذين حموا أمريكا من الخميني، هم الذين حموا إسرائيل من إيران، هم الذين يصرخون الآن، هم الذين وقفوا لصالح إسرائيل يوم حربها ضد إيران، حرب لا مبرر لها وتحركوا بإشارة من أمريكا ليقف الجميع في خدمة أمريكا وإسرائيل لإيقاف الثورة الإسلامية، ولإيقاف الخميني حتى تبقى إسرائيل آمنة. وهاهي إسرائيل ترد عليهم بالجميل، ردت عليهم بالجميل تضربهم وتسخر منهم {هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ} (آل عمران: من الآية119) تحبونهم ولا يحبونكم {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً}(المائدة: من الآية58) يقول عن اليهود أنه مهما عملتهم لهم لن يحبوكم، لن يعزوكم، لن يجلوكم، لن يقدّروا لكم أي شيء، حتى أنتم أيها العملاء الذين تتولونهم.
نحن عرفنا ما حصل لعميل إسرائيل في جنوب لبنان [أنطوان لحد] ألم يَشْكِ هو, ألم يشك من إسرائيل؟ أنها تخلت عنه، أنها أهانته، الله قال للعرب في القرآن من قبل أن يتولوا اليهود والنصارى، لن يروا جميلاً لتوليكم لهم، إنهم يسخرون منكم. وفعلاً إن اليهود في إعلامهم وتثقيفهم في الغرب يزرعون في نفس الغربيين السخرية للعرب أنهم أمة بهيمية، أمة متخلفة، أمة حيوانية، أمة لا تفهم شيئاً، يسخرون منا، يسخرون منا ولا يحبونا.
{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}(البقرة: من الآية120) أنت يا محمد الذي هم يعرفون أنك نبي كما يعرفون أبناءهم، فكيف يرضون عن أمتك، وهم لم يرضوا عنك {لن تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} حتى تدين بدينهم، وتصبح يهودياً مثلهم. وهم قالوا: بأنهم غير مستعدين أن يدعوا أحداً أن يكون يهودياً. ليس هناك من يصلح من العرب أن يحظى بمكانة أن يصبح يهودياً، لكن يريدون أن يضلوا الناس.
فلماذا, لماذا خسر العرب تلك الفرصة العظيمة؟ لماذا ضيع العرب حتى الفلسطينيون أنفسهم؟. كانت إيران دولة موالية لإسرائيل قبل قيام الإمام الخميني والثورة الإسلامية، كان هناك سفارة لإسرائيل في طهران حولها الإمام الخميني إلى سفارة لفلسطين قبل أن تنشأ دولة فلسطينية، وقبل أن ينشأ في أي بلد عربي آخر سفارة لفلسطين، كانت هناك فقط مكاتب لمنظمة التحرير الفلسطينية في مختلف العواصم.
أما الخميني فإنه حول سفارة إسرائيل إلى سفارة لفلسطين، وأعلن ووعد عرفات, وأكد لعرفات أنه سيقف مع الفلسطينيين، ومع ذلك كان يتجه عرفات إلى مبارك وإلى آخرين, ولم يهتم بما قاله الإمام الخميني، وهو يعرف أن إيران أقوى من مصر، الإيرانيون أقدر من المصريين وأثبت من المصريين وأكثر ولاء لقيادتهم، وفي ميادين القتال أقدر من المصريين، وإيران أغنى من مصر، وقيادة إيران أصدق من قيادة مصر، ومع ذلك كان يخرج من عند الخميني ويتجه إلى زعيم مصر إلى حسني مبارك.
العرب هم الذين أوصلوا أنفسهم إلى هذه الحالة، إلى هذه الذلة، إلى هذا الخزي؛ لأنهم ضيعوا أشياء كثيرة، ضيعوا فرصاً عظيمة.
{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً}(آل عمران: من الآية99) وعندما يعوج سبيل الله في حياة الناس أليست تعوج الحياة؟ أليست حياتنا الآن عوجاء؟ حياتنا الآن أصبحت تحت رحمة اليهود والنصارى؟ هل هناك عوج أسوأ من هذا؟ ليس عوجاً واحداً اعوجاج متعدد.
ثم يقول: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}(آل عمران: من الآية99) ماذا عملت يا الله عندما قلت بأنك لست بغافل عنهم؟ ماذا عملت لنا؟ هل يمكن أن نقرأ قوله: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} ثم لا نجده قد هدى إلى كيف نواجه اليهود والنصارى؟. لقد هدى فقال في نفس هذه الآيات بعدها ثم قال: {يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}(آل عمران:100- 101)
مما ضرب القرآن المفسرون الذين يجعلون كلمة: {هُدىَ} و{هَدَى} تنصرف إلى مجال العبادات البحتة، يعني إلى صيام, إلى صلاة. إن القرآن كتاب حياة، كتاب حياة شاملة، يهدي الناس في كل مجالات الحياة، يهدي الناس في كل شئون الحياة، وليس فقط إلى الجانب الإيماني العبادي الروحي، فجاء المفسرون ليقولوا عن (يهدي) يعني يهديك إلى طريق الجنة، أي إلى ما تعمل به لتصل إلى الجنة، كيف تسبح وكيف تصلى وانتهى الموضوع.
هنا يقول في مجال الحديث عن أهل الكتاب الأعداء في هذه الدنيا، أم أن أهل الكتاب سيكونون أعداء لنا في الآخرة، الآخرة ليست ميدان عداء من هنا وهنا.. سيكون الناس كلهم يقفون بين يدي الله ليحاسب الجميع، ليس هناك طوائف متعادية يقول هنا: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (آل عمران: من الآية101) الاعتصام بالله، الثقة بالله، والثقة بكتابه.. من الثقة بكتابه أن تعرف أن كتابه كتاب هداية، أن تعرف أن كتابه كتاب للحياة كلها، وليس فقط للجوانب الإيمانية التعبدية الروحية، الذي يقول يهديك إلى ما تحصل به على ثواب لتدخل الجنة.
{وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}في حياته في مواجهته لأعدائه، هذه الأمة إذا اعتصمت بالله، إذا اعتصمت قيادتها بالله ستُهْدَى إلى الصراط المستقيم في مواجهتها مع عدوها.
ثم يرشد إلى أن هذه الأمة لخطورة من تواجه… ومن العجيب، ومن العجيب أنه قال عن اليهود والنصارى أنه قد ضرب بينهم العداوة والبغضاء، أي أن الله سبحانه وتعالى قد خفف كثيراً كثيراً كثيراً فاليهود والنصارى الذين نصارعهم الآن هم من بعد التخفيف, بعد التخفيظ، ومع هذا يغلبوننا!.
كيف لو كان اليهود لا يزالون غير مضروب عليهم ذلة ولا مسكنة؟ كيف لو كانوا لا يزالون غير محكوم عليهم بغضب الله؟. كيف لو كانوا لا يزالون لم يزرع بينهم العداوة والبغضاء.
الآن من العجيب أن يهزم المسلمون أمام اليهود بعد التخفيظ، بعد التخفيف, أي أنت الآن لا تواجه اليهودي الحقيقي المركّز.. بعد التخفيف، تخفيف.. تخفيف.. ضَربَ بذلة ثم مسكنة وباءوا بغضب، ثم ضرب بينهم عداوة وبغضاء، ثم.. ثم. ومع هذا يقهروننا، مع هذا يتغلبون علينا، هذا شيء يثير العجب، يثير الاستغراب، وهم على الرغم مما هم عليه من تفرق, وعداوة وبغضاء يقول للأمة لا بد أن تعتصم بالله، لا بد أن تتحِد كلمتها بالاعتصام بالله.
فيقول بعد هذه الآيات عن اليهود: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} (آل عمران: من الآية102) أليس في سياق الحديث عن اليهود {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران:102) هذا من معاني الاعتصام بحبله والرجوع إليه وتحقيق العبودية له {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} اعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا لتكونوا بمستوى مواجهة هذه الطائفة التي تصد عن سبيل الله, وتبغي العوج لدين الله، هذه الطائفة التي تريد أن تكونوا كفاراً ضالين، هذه الطائفة التي لا تود لكم أي خير.
وكأنه قال لنا وأنا من جانبي قد خفظتهم كثيراً كثيراً كثيراً، فضربت عليهم الذلة والمسكنة، وحكمت عليهم بغضبي، وفرقت شملهم.. فعندما تجبنوا أمامهم, وعندما تصبحوا أذلاء هذا يشهد أن العرب, أن المسلمين في واقعهم مع دين الله أصبحوا أسوأ مما وصل إليه بنو إسرائيل.
من العجيب أننا نقرأ الآيات التي تتحدث عن اليهود، ثم نقول هؤلاء مجرمون، هم مجرمون حقيقة، لكن ونصب غضبنا عليهم وننسى أننا نحن العرب وقد أخبرنا رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) – سابقاً – فقال: ((لتحذّن حذو بني إسرائيل)) إلى درجة أن قال: ((حتى لو دخلوا جحر ضَبٍّ لدخلتموه)) وفي بعض ألفاظ الحديث ((لتحذن حذو من قبلكم)) قالوا: اليهود والنصارى؟. قال: ((فمن؟)).
نحن نقرأ عن اليهود أليس تاريخا أسود؟ أليسوا سيئين؟ أليست حالة غريبة جداً هم عليها؟ يقتلون النبيين، يكذبون بآيات الله، يتكلمون على الله بالسوء {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ}(المائدة: من الآية64) لكنا لا ننظر إلى واقعنا نحن، أننا وصلنا نحن العرب أسوء من بني إسرائيل، في تعاملهم مع كتابهم، وفي تعاملهم مع أنبياءهم، وفي تعاملهم مع البشر ومع بعضهم بعض.
ولهذا كنا إلى درجة أن نُذَل بمن قد أُذِلّوا، ونُضرب ونستكين لمن قد ضُربت عليهم المسكنة، ونتفرق على أيدي من قد ضرب الله بينهم العداوة والبغضاء. أليس ذلك يدل على أننا أصبحنا في واقعنا أسوء منهم؟.
فعلاً الأمة من بعد رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) تفرقت عن نهج نبيها، كما قال عن بني إسرائيل.. كانوا من بعد نبي من أنبيائهم يختلفون, هؤلاء اختلفوا من بعد ورسول الله كان لا يزال مريضاً, إختلفوا وهو لا يزال مريضا على الفراش ((هلموا أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده)) قال عمر ومجموعة: ((دعوا الرجل فقد غلبه الوجع، إنه يهجر، حسبنا كتاب الله))!. اختلفوا والرسول كان لا يزال حياً.
اختلفوا بعد ما مات، قتلوا من كانوا كأنبياء بني إسرائيل. في شهر رمضان قتلوا وصي رسول الله علي, وقتلوا الحسن, وقتلوا الحسين, وقتلوا فاطمة الزهراء, كمداً، وقتلوا أئمة أهل بيته واحداً بعد واحد، وهم في هذه الأمة بمنـزلة أنبياء بني إسرائيل في بني إسرائيل.
وكذبوا بالقرآن، ونبذوا القرآن وراء ظهورهم، وحولوا القرآن إلى كتاب يخلق عقائد ليس فقط تنسب البخل إلى الله، بل تجعل الله مصدر كل قبيح، وتجعله يقضي ويقدر كل قبيح.
وأنتم شاهدتم في التلفزيون الذي يعرض مسلسل [ابن ماجة] ما حصل لتلك المرأة من أولئك اللصوص [قضاء وقدر!]!. هكذا يعلمون الناس أن الله سبحانه وتعالى الذي نزه نفسه، الذي نزه نفسه عن كل قبيح، وعن كل فاحشة، عن أن يريد ظلماً، أن يريد قبحاً, أن يأمر بظلم، أن يقدر ظلماً, أن يقدر قبيحاً، أو أي شيء من المعاصي والقبائح.. يقولون عنه بأنه هو الذي قضى بالقبائح وقدرها، وأنه هو الذي يخلق الشر والنفاق والكفر في قلب الكافر والمنافق، وهو الذي يقدر على العاصي أن يعصي.
ألم يتفوّقوا على بني إسرائيل في هذا؟. بنوا إسرائيل قالوا: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا}(المائدة: من الآية64) أي الله بخيل. من هو الأسوأ؟ من ينسب إلى الله البخل, أو من ينسب إلى الله كل فاحشة وما البخل إلا واحدة منها؟. ألم يتفوق العرب على بني إسرائيل في تعاملهم مع كتاب الله؟ في تعاملهم مع أهل بيت رسول الله؟ في تعاملهم مع رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)؟.
وأنتم عندما تستعرضون – وهذا الذي يجب أن نفهم، وهو من الحكمة في أن يعرض الكثير عن بني إسرائيل في هذا القرآن, وكيف بلغ بهم الحال – ثم عندما نرى أنفسنا مقهورين بهم لننتبه؛ لأنه لن نُقهر على أيدي هؤلاء إلا لأننا قد أصبحنا أسوء منهم في تعاملنا مع دين الله، حرفوا سنة رسول الله، كذبوا على رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) كذبوا عليه أحاديث تعطل كتاب الله، أحاديث تتنافى مع حكمة الله، تتنافى مع حكمة رسوله.
فعلاً عندما أصبحنا أسوء من بني إسرائيل ضربنا على أيدي بني إسرائيل، وإلا فلماذا هذه الأمة العربية, الذين كانوا يتقاتلون على أبسط الأشياء. كانوا أمة واحدة يستطيعون أن يقهروا؟ اليهود ظلوا بين أيديهم أجيالاً متعددة في بلدانهم وهم تحت رحمتهم وحلفاء لهم. ألم يكن يهود خيبر وفدك وبنو النظير وبنو قينقاع وبنو قريظة وغيرهم كانوا على كثرتهم وغنائهم ما زالوا حلفاء تحت رحمة أشخاص وقبائل عربية.
فلماذا إسرائيل داخل البلاد العربية، داخل هذه الأمة – وهم عدد قليل، لا يزيدون على خمسة ملايين – هؤلاء أصبحت الأمة تحت رحمتهم، أصبحت الأمة خائفة منهم، أصبحت مقهورة أمامهم.. حتى اقتصادياً، الآن العرب يخافون من أن إسرائيل ستكتسح العالم العربي اقتصادياً، وأنها تسعى للسيطرة اقتصادياً وسياسياً, أن تقود دول الشرق الأوسط. هكذا يقولون عن إسرائيل.
يعني هم يعرفون أنفسهم مهزومين أمام إسرائيل، يخافون أن تقهرهم, وستقهرهم فعلاً.
ليسوا مؤهلين لأن يقهروا إسرائيل كما كان أولئك الأعراب القليلون استطاعوا أن يجعلوا اليهود تحت رحمتهم في تلك المناطق التي كانوا ساكنين فيها، وهم كانوا تجمعات قبلية قريبة من العدد الذي كان عليه العرب في المدينة وغيرها.
فقال بعد ذلك.. وجّه الأمة إلى التوحد، وجه الأمة إلى التقوى، إلى الصفح، إلى الاعتصام بحبله الاعتصام بدينه، الاعتصام بكتابه، ثم نهاهم عن التفرق، نهاهم عن الاختلاف. ماذا عمل فقهاء هذه الأمة؟ جعلوا الاختلاف مشروعاً، وجعلوا الاختلاف داخل هذه الأمة رحمة. ألم يقولوا: [اختلاف أمتي رحمة!]، جاءوا يدعون كل إنسان إلى أن يجتهد ويستنبط, طلع لك أحكام، طلع لك مذهب، طلع لك أي شيء تريد، [وما أدى إليه نظرك فهو صحيح].
دعوا إلى ذلك ووسعوه من بعد ما مات الرسول (صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله)، فتفرقوا واختلفوا، فرقوا الأمة وفرقوا الدين؛ لأنهم لم يهتدوا بكتاب الله سبحانه وتعالى.
ولذا قلنا: إنما وصلت إليه الأمة ليس نتيجة هذا التاريخ الحاضر, أو العصر الحاضر, وإنما له أسبابه فيما يتعلق بالأمة, أسبابه المتلاحقة منذ أن مات رسول الله (صلوات الله وسلامه عليه) إلى الآن.
ولاحظ مما يؤكد أن الله سبحانه وتعالى يهدي الأمة إلى ما فيه المخرج أنه يأتي بالحديث عن التوحد، يأتي بالحديث عن القيادة، يأتي بالحديث عن الجهاد، يأتي بالحديث عن عداوة بني إسرائيل للأمة، يأتي بالحديث عن الإنفاق في سبيله في أثناء الحديث عن بني إسرائيل.. حتى بعد هذه الآية التي أمر فيها بالتوحد والتقوى والاعتصام الجماعي, وأن لا يختلفوا سبقها بحديث عن بني إسرائيل، ثم تحدث فيما بعد عن بني إسرائيل، فقال بعد أن استمر في هذه الآيات: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ}(آل عمران:110) ثم قال: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ}(آل عمران: من الآية112) ما الحبل الذي أعطيناهم نحن؟ هو الولاء، البترول المعادن المصانع التي داخل بلداننا لشركاتهم هو الحبل الذي منحناهم نحن المسلمون، وحبل من دول الغرب منحوه أيضاً لإسرائيل فأصبحوا على ما هم عليه.
ألم يعد للحديث عن بني إسرائيل من جديد كما تحدث عنهم من قبل؟ فعندما أمر بالتوحد هو في كل هذا يشير إلى أن الأمة الخطر المحدق عليها هو من قبل اليهود, وأهل الكتاب بصورة عامة، المواجهة ستكون قائمة، وأن الأمة لا يمكن أن تهتدي من جهة نفسها إلى أن تعرف كيف تواجه أعداءها، لا يمكن إلا بالعودة إلى الله، بالعودة إلى كتاب الله, وبالاهتداء بهديه، وحينئذٍ سيستطيعون أن يقهروا إسرائيل.
فمن هنا نعرف سر هزيمة العرب، سر هزيمة المسلمين، وأن الإسلام ليس هو الذي يصارع إسرائيل، الإسلام, القرآن ليس هو الذي يصارع اليهود، إنما – كما قلت سابقاً – عرب بدون قرآن، ومسلمون بدون إسلام، وبدون قرآن.
من العجيب أن العرب يفهمون أن أمريكا أحوج إليهم من حاجتها لإسرائيل.. أليس ذلك معروف؟. هل البترول الذي تحتاج إليه أمريكا وبريطانيا وفرنسا وغيرها من دول الغرب من إسرائيل أو من البلدان العربية الأخرى؟. أمريكا وبريطانيا وفرنسا وغيرها بحاجة إلى العرب أحوج منها إلى إسرائيل.
أمريكا حاجتها إلى إسرائيل لا تساوي شيئاً بالنسبة لحاجتها إلى العرب، والعرب يفهمون أن أمريكا هي وراء إسرائيل، وبريطانيا هي التي تساند إسرائيل, أمريكا هي التي تساند إسرائيل, وفرنسا ودول الغرب جميعاً هي التي تساند إسرائيل.
فلماذا لا يفهمون بأن عليهم – إذا كانت أمريكا أحوج إلينا ودول الغرب أحوج إلينا كسوق استهلاكية, ويحتاجون إلى ثرواتنا البترولية وغيرها – لا يستطيعون أن يستخدموا هذا كوسيلة ضغط على أمريكا وبريطانيا وغيرها لأن تجعل إسرائيل تكف عما تقوم به على أقل تقدير؟!. لا. إسرائيل تضرب الآن السلطة الفلسطينية، تضرب الفلسطينيين والعرب يعلنون وقوفهم مع أمريكا في قيادتها للتحالف ضد الإرهاب – كما يسمونه – .
أليس هذا من الأشياء الغريبة؟ أليس هذا مما يدل على أن مشكلة العرب ومشكلة المسلمين هي مشكلة داخلية؟. أنهم هم قد وصلوا إلى حالة سيئة، حالة سيئة لا يمكن للإنسان أن يتصور فظاعة هذه الحالة، لا يستطيعون أن يستخدموا حتى حاجة أمريكا لهم، والبترول بملايين البراميل أمريكا بحاجة إليه, وغيرها من دول الغرب.
ما حاجة أمريكا إلى إسرائيل؟ ما هو الذي تستفيده أمريكا من إسرائيل من الناحية الاقتصادية؟ لا شيء, لا شيء.
ثم لماذا لا يعملون على مقاطعة الشركات الأجنبية؟ أحيانا إذا حصل هكذا من منطلق فردي، أو مجموعات تعمل على أن تقاطع منتج معين لشركات يهودية.. لكن لماذا لا تتخذ الدول العربية قراراً بقطع التعامل الاقتصادي مع أي شركة إسرائيلية, أو تدعم إسرائيل. أليس باستطاعتهم هذا؟.
لماذا – إذا كان العرب يخافون من أي حصار اقتصادي على دولة ما – لماذا لا يعملون على إقامة سوق إسلامية مشتركة؟ الإمام الخميني تبنى هذه الفكرة, وإيران تبنت هذه الفكرة، ودعت إليها وألحت عليها: أن العرب, أن المسلمين لا بد لهم في أن يكونوا متمكنين، من أن يملكوا قرارهم السياسي، لا بد من أن يكون لهم سوق إسلامية مشتركة بحيث يحصل تبادل اقتصادي فيما بين البلدان الإسلامية، ومع بلدان أخرى.
أيضاً هناك بلدان أخرى ليست مستعدة أن ترتبط اقتصادياً بأمريكا في ما لو حصل من الجانب العربي مقاطعة لأمريكا, أو لأي بلد تساند إسرائيل.. هناك بلدان أخرى مستعدة للتعامل مع العرب، ستأخذ بترولهم، ستأخذ منتجاتهم، ستأخذ أشياء كثيرة وتتعامل معهم، كما عملت إيران عندما اتجهت إلى التعامل مع بلدان معينة، عندما ضايقها الحصار الاقتصادي.
لم يتجه العرب أو المسلمون بأن يكون لهم عملة إسلامية موحدة.. العرب, المسلمون هم الذين أضاعوا أنفسهم؛ ولهذا.. ولنعد من جديد إلى تأييد فكرة الإمام الخميني (رحمة الله عليه) في ضرورة إحياء [يوم القدس] وكما قلت سابقاً لماذا لم تحي الدول العربية كحكومات [يوم القدس]؟ ليسوا جادين في مقاومة إسرائيل، ليسوا جادين في محاربة اليهود والنصارى، هم أولياء لليهود والنصارى، هم أصدقاء لأمريكا، أصدقاء لبريطانيا، أصدقاء حتى بعضهم أصدقاء لإسرائيل لا شك في ذلك.
هم الذين عطلوا البلاد الإسلامية من أن تنتج الخيرات من داخلها، فيحصل أبناؤها على الاكتفاء الذاتي في أغذيتهم, وفي ملابسهم, وفي غيرها. هم الذين أوصلوا المسألة وطوروا القضية من صراع عسكري إلى صراع حضاري يحتاج إلى أن تنهض الأمة من جديد, وتبني نفسها من جديد، حتى تكون بمستوى المواجهة للغرب, والمواجهة لربيبة الغرب إسرائيل.
فيوم القدس هو يوم أن تتجه الشعوب نفسها حتى لا تبقى متأثرة بإعلام اليهود، ولا متأثرة بالإعلام الذي يبرر للدول التي تحكم المسلمين تبرر قعودهم، أو تحاول أن تعزز خلق الهزيمة النفسية داخل المسلمين؛ لأن ما يعرضونه من مظاهر عما يعمله الإسرائيليون دون أن يتحدثوا عما يثير المسلمين, ويحمل عقدة العداء, والحقد ضد إسرائيل.. إنما يعملون على ترسيخ الشعور بالهزيمة النفسية لدى المسلمين أمام اليهود.. ترى إسرائيل ثم لا ترى أي حل، ماذا يحصل لديك؟. تبرد أعصابك, ويموت ضميرك, وتتحول إلى يائس. فالقرآن عمل على أن ينهض بالأمة حتى لا تصل إلى هذه الحال.
حالة العداء لليهود عندما قال سبحانه وتعالى عن اليهود: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}(المائدة: من الآية82) يريد منا أن نربي أنفسنا, وأن نربي أولادنا على أن يحملوا عداوة لأعداء الله لليهود والنصارى, أن يحملوا عداوة. العداوة في الإسلام إيجابية ومهمة، العداوة إيجابية ومهمة، إذا كنت تحمل عداء لأمريكا وإسرائيل، إذا كان الزعماء يحملون عداء، والمسلمون يحملون عداء حقيقياً فإنهم سيعدون العدة ليكونوا بمستوى المواجهة، أما إذا لم يكن هناك عداء حقيقياً فإنهم لن يعدوا أي شيء، ولن يكون لديهم أي مانع من أن يتعاملوا مع اليهود والنصارى على أعلى مستوى، حتى إلى درجة الاتفاقيات للدفاع المشترك، الاتفاقيات الاقتصادية وغيرها؛ لأنه ليس هناك أي عداء.
أنت إذا لم تُكِنّ عداء لهذا أو لهذا لا تُعِد نفسك بمستوى المواجهة. فعندما قال الله سبحانه وتعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}(الأنفال: من الآية60) ألم يرسخ في نفوسنا أن أولئك أعداء، يريد منا أن نحمل هذه الكلمة، وأن نرسخ الشعور بالعداء؛ لأن ذلك هو الذي سيحملنا على إعداد القوة، وعندما تتجه الأمة لإعداد القوة ستعد نفسها للمواجهة في مختلف المجالات، في المجالات الاقتصادية, وفي مجال التجارة, في مجال التصنيع في مجال الزراعة, في مختلف المجالات.
كما عمل الإمام الخميني في إيران عندما رسخ عداوة أمريكا وإسرائيل، عمل على أن يجعل إيران أمة قادرة على أن تكون بمستوى المواجهة للغرب، بأن تحصل على الاكتفاء الذاتي في المجال الغذائي والعسكري وغيره من المجالات، وفي المجال الثقافي وغيره.
لكن هؤلاء لما عملوا على أن يمسحوا من الأمة, مشاعر العداء لليهود والنصارى.. أولئك لأنهم أعداء والعدو لا بد أن يعمل ضدك – كما أشار القرآن – لا بد أن يعمل بكل جد اتجهوا إلى أن يجعلوا حتى قوتنا تحت رحمتهم، أذلونا وقهرونا إلى هذه الدرجة.
ولهذا – كما قلت سابقاً – هم واثقون الآن بأنه ليس باستطاعتنا أن نعمل شيئاً.. أليست إسرائيل تتحدى داخل البلاد العربية تتحدى؟ تضرب والعرب محيطون بها، والدول العربية تجتمع أحياناً أو تندد؟ ولا يحرك فيهم شعرة.
ثم لماذا في الجانب الإعلامي أيضاً, في الجانب الإعلامي.. اليهود هم الآن أرفع وعياً من المسلمين، اليهود أكثر وعياً فيما يتعلق بالمواجهة في صراعنا الآن. ألسنا نقول أن الصراع [صراع عربي إسرائيلي]، والعرب يقولون هكذا: [صراع عربي إسرائيلي] العرب أو المسلمون بصورة عامة.. الإسرائيليون استطاعوا أن يخلقوا وعياً يهودياً داخل إسرائيل فيما يتعلق بالصراع مع العرب أفضل بكثير مما يعمله العرب، بل لا يعمل العرب شيئاً.
أين هي المناهج الدراسية التي تربي أبناءنا على أن يحملوا عداوة لأمريكا وإسرائيل؟ أن يحملوا عداوة لليهود والنصارى؟ أين هو العمل – من أي وزارة – الذي يجعل هذا الشعب بمستوى أن يصمد ولو شهراً واحداً فيما لو دخل في حرب مع إسرائيل؟ لا شيء.
بل إنهم بحكم تأثرهم واستجابتهم لمطالب إسرائيل, مطالب اليهود – واليهود دقيقون جداً جداً حتى في ما يتعلق بالمفردات، بالمفردات اللغوية – يحاولون أن ينسفوا أي مفردة يعرفون بأنها ترسخ مشاعر تكون خطيرة عليهم.
طلبوا من الإعلام العربي إزالة كلمة [العدو الإسرائيلي] التي كانت تستخدم، فأصبحت أجهزة الإعلام لا تتحدث – حتى الفلسطينية – لا تتحدث عن العدو الإسرائيلي، بل الفلسطينيون أنفسهم – وهذا من العجيب ومما يثير الاستغراب والأسى في وقت واحد – أن الفلسطينيين كلما سمعناهم يتحدثون عن هذا الظرف يقولون: [حكومة شارون، شارون, حكومة شارون, حكومة شارون]، لم يقولوا (إسرائيل)؛ لأنهم قد اعترفوا بإسرائيل، وإنما هذا كشخص يهودي هو [حكومة شارون] لو أنها حكومة شخص آخر ما يمكن أن تعمل هذا الشيء! المشكلة هو شارون باعتباره رئيس وزراء. أما إسرائيل ما كأنها مشكلة، ما كأن وجودها مشكلة، فأصبحوا يقولون: [حكومة شارون].
ألم تسمعوهم أنتم؟ كل من يتحدث عن شارون وحكومة شارون, شارون؟ ثم الأجهزة الإعلامية نفس الشيء في البلاد العربية تتحدث عن شارون؛ لأنهم لم يعودوا يتحدثون عن إسرائيل كعدو، لم يعودوا يتحدثون عن اليهود كعدو.
وهذه الكلمة مؤثرة جداً، استخدام كلمة: [عدو] ضد إسرائيل مما ترسخ مشاعر العداء، هذه فُقِدَت في إعلامنا، فُقِدَت في مناهجنا الدراسية، فقدت حتى في تداولنا في الحديث، فأصبحت كلمة [يهود ونصارى] اُستبدلت بكلمة [الغرب]. الإمام الخميني كان يستخدم – لما كانت هذه العبارة قد أشيعت بشكل كبير – [الغرب الكافر] الغرب الكافر, يتحدث بهذا المنطق.
الغرب, الغرب, أمريكا.. هم اليهود والنصارى الذين تحدث الله عنهم هنا وما يكنُّونه لنا, وما يعملوه ضدنا هم هم أنفسهم الذين يسموهم الآن [الغرب], هم الآن اليهود الذين نسفوا من قاموس التخاطب الإسلامي للبلدان وللدول الإسلامية ألغوا استخدام كلمة (جهاد) واستبدلت بـ[مناضلين وحركة مقاومة وانتفاضة] وأشياء من هذه، لم يعودوا يستخدمون كلمة: [جهاد] التي ركّز القرآن عليها وجعلها مصطلحاً إسلامياً قرآنياً له أثره في خلق مشاعر دينية، أنه جهاد في سبيل الله، فاستبدلت بكلمة [مقاومة، حركة المقاومة اللبنانية، المقاومة الفلسطينية، المناضلين العرب، المناضلين، انتفاضة] ليس هناك استخدام كلمة: [جهاد]؛ لنعرف أن اليهود قد وصل الأمر بهم في سيطرتهم علينا إلى أن أصبحت ألسنتنا تحت تصرفهم، أصبحت أجهزتنا الإعلامية تحت تصرفهم.
فإذا كان هناك محطة تلفزيونية تبدو فيها المرأة محتشمة، يجب أن تتجرد من لبسها كما حصل في اليمن! ألم تكن النساء قبل فترة يظهرن محتشمات وتلبس لبساً يمنياً؟ لا، يجب أن تبرز شعرها، وأن تبرز سافرة. هذا السفور من أين جاء؟ هذا التأثير من أين جاء؟ اليهود هم الذين يتحكمون في صنع ثقافتنا حتى في التحكم في تخاطبنا فيما بيننا، ومن أين جاء؟ لأن كل الأنظمة التي تحكم المسلمين هي التي تسهل هذا, وتمهد لهذا.
على كل حال – حتى لا نطول – أحد الإخوة الذين تقدموني في الحديث طرح سؤالاً هو: أن الإنسان قد يصل إلى درجة أن يقول ماذا نفعل نحن؟ ماذا نفعل نحن؟. أنا أرى وأعتقد أن الزيدية، أن الزيود – وإن كانوا قليلاً – إذا اتّحدت كلمتهم، إذا بنوا أنفسهم، إذا وعوا هم، وهم يجب أن يكونوا أوعى الأمة.
الزيود هؤلاء الذين بدأ التأثير عليهم وترويضهم ليكونوا كالسُّـنَّية الآخرين, السنيّة هم هؤلاء الذين يواجهون إسرائيل بالحجارة وهم يمتلكون الدبابات، ويمتلكون الطائرات، ويمتلكون كل شيء! يحاولون أن يروضونا أن نكون سنيّة من هذا النوع.
يجب على الزيود أن يكونوا واعين، يجب على الزيود أن يحملوا وعياً حقيقياً، أن يتمسكوا بمذهبهم، يتمسكوا بالثقلين، الذين وجه رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) الأمة للتمسك بهم، هذا من أوجب الواجبات علينا.
ألسنا الآن ننقد الأنظمة العربية، ننقد العرب الآخرين ومعظمهم سنة، طيب نحن الشيعة، الشيعة برزوا فعلاً أشد إنكاء لإسرائيل ولأمريكا، إيران, حزب الله برزت أقوى عدو لدود لأمريكا وإسرائيل، وأفضل أجهزة إعلامية لديها، تخلق وعياً لدى المسلمين.. نحن الشيعة الزيود يجب أن نكون واعين أكثر من وعي الإيرانيين، أكثر من وعي حزب الله.
وإذا ما وعى الزيود أنفسهم وكانوا بمستوى المسئولية التي حملهم الله سبحانه وتعالى، أن يكونوا بمستوى الدفاع عن دينه، الدفاع عن عباده فلا بد أن يصل الزيود – وإن كانوا بشكل طائفة بسيطة – إلى أن يكون لديهم قدرة يخلقوا وعياً في أوساط المسلمين، كما استطاع حزب الله، كما استطاعت إيران.
فنحن نحن طلاب العلم، ونحن هؤلاء الناس الذين نقول: لماذا العرب لا يعملون شيئاً!. نحن نستطيع أن نعمل شيئاً، إذا رجعنا إلى القرآن كما استطاع حزب الله، وحزب الله من الأمثلة الإلهية.
يجب أن نفهم أن هذه من الحجج علينا، احتج الله على العرب وعلى المسلمين بإيران وبالخميني، واحتج على الشعوب كشعوب، على الناس كطوائف بحزب الله، حزب الله استطاع أن يرعب إسرائيل، استطاع إعلامها أن يقهر إعلام إسرائيل، استطاع أن يؤثر جداً على إسرائيل.
أليس هذا شاهد الحال بأن الحركات الإسلامية إذا وعت تستطيع أن تكون مؤثرة ولو بمعزل عن دولها؟ أن الزيود وهم من يعتقدون أنهم هم الطائفة المحقة، يجب أن يرتقى وعيهم إلى أعلى مستوى، بحيث يكونون من أقدر الطوائف على مواجهة اليهود؛ لأن اليهود ليس فقط إسرائيل إسرائيل واليهود تصلون إلى كل بيت، التثقيف المغلوط يصل إلى كل بيت، عملاء إسرائيل يبثون الثقافة اليهودية إلى كل أسرة، إلى كل مسجد، إلى كل زاوية.
إسرائيل لم تعد تلك البقعة التي تهيمن عليها داخل فلسطين.. الثقافة، الرأي العام، الهيمنة الإعلامية، الهيمنة الثقافية أصبحت بأيدي اليهود، فنحن بحاجة إلى أن نواجه اليهود، وليس فقط إسرائيل، اليهود تأثيرهم يصل إلى كل مكان. والعقائد الباطلة هي تاريخياً من صنع اليهود، العقائد الباطلة التي اندست داخل المسلمين هي تاريخياً من صنع من اندسوا من داخل اليهود.
وماذا يعرض في تلفزيون صنعاء؟ قصة [ابن ماجة]، الحديث حول هذا الشخص شخص مهم وشخص عظيم.. وأنت تقراه أليس إمام يقولون عنه! إمام إماماً يجنِّد نفسه لأميرة جميلة يجند نفسه لها!!. هكذا يعرضه الفيلم هذا أن العلماء يجب أن يكونوا خداماً للسلاطين، يجب أن يكونوا خداماً للأمراء، ومهما عمل الأمير لا, لا يجوز أن تعمل شيئاً ضده، ثم كلما حصل منه فهو قضاء وقدر، قضاء وقدر.
مثل هذه الفيلم هو امتداد للتثقيف الخاطئ، الذي نشأ في هذه الأمة، والذي جر هذه الأمة إلى أن تكون مضروبة على أيدي أذل خلق الله، وهم اليهود والنصارى.
هذا شيء نحن بحاجة إليه، من يتعلمون, ومن يقرؤون, كل الناس يحب أن يحملوا وعياً.. وإلا فلماذا ننقد الآخرين؟ لماذا ننقد العرب الآخرين؟ وننقد زعماء وننقد شعوباً.. نحن الزيدية علينا مسئولية كبيرة، ونستطيع أن نعمل الكثير ضد إسرائيل، ضد اليهود، وضد عملاء اليهود، وثقافة اليهود وإعلام اليهود، يستطيع الناس أن يعملوا الكثير.. وهذا ما نختتم به هذا الكلام.
نسأل الله أن ينور بصائرنا، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا في هذا الشهر الكريم، وأن يجعلنا ممن يهتدي بكتابه، وأن يجعلنا من المتبرئين ممن يوالى اليهود والنصارى، نحن برءاء من اليهود والنصارى, وممن يتولى اليهود والنصارى. اللهم إنا نبرأ إليك من اليهود والنصارى وممن يتولى اليهود والنصارى، ونقطع ونجزم بأن ولاءهم هو من أسباب الذلة التي هذه الأمة فيها، ونقطع ونجزم ونعتقد بأن الولاء لك ولرسولك ولأوليائك ولأهل بيت نبيك ولكتابك الكريم هو المخرج لهذه الأمة، أسألك اللهم أن تهدينا وأن تعيننا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،