ملاكمة الظل مع واشنطن تخرج إلى الضوء.. القرار اليمني لا يحكمه سقف سياسي أو عسكري “تحول نوعي في مستوى المواجهة وجعبة اليمن مليئة بالكثير”
القوة اليمنية في البحر الأحمر تتصاعد تدريجياً. بدأت بتهديد السفن الإسرائيلية، واتسعت نحو تهديد السفن التي لها صلة بـ”إسرائيل”، وصولاً إلى استهداف السفن التي جاءت لحماية مصالح الاحتلال في هذا الممر المائي.
خلافاً لكل العمليات السابقة التي تبنتها صنعاء، وتركزت بدرجةٍ أساسية على استهداف السفن الإسرائيلية أو المرتبطة بها، خرجت ملاكمة الظل مع الولايات المتحدة إلى الضوء، واستهدفت سفينة عسكرية أميركية، مهمتها تأمين الحماية لـ”إسرائيل” والسفن التابعة في البحر الأحمر.
ووفق ما أعلن المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع، نفذت القوات البحرية والقوة الصاروخية وسلاح الجو المسيّر، عمليةً عسكريةً مشتركةً، بعدد كبير من الصواريخ الباليستية والبحرية والطائرات المسيّرة ضدّ السفينة الأميركية.
“صنعاء جاهزة للمواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية، واليمن مستعد لمواجهة شاملة مع واشنطن”، بهذا التصريح علّق عضو المجلس السياسي الأعلى محمد صالح النعيمي على العملية.
وقال في تصريحه للميادين نت، إنّ احتمالية الحرب الإقليمية واردة، “بل مؤكدة، إذا ما تجاهلت واشنطن تحذيرات صنعاء”، خاصةً أنّ اليمن يتواصل مع كل قيادات محور المقاومة “بما في ذلك مع إخواننا في غزة ومن يمثل غزة”.
لكن المفاجئ، كان قول النعيمي إنّ “القرار اليمني لا يحكمه أي سقف سياسي أو عسكري”، وهو ما يشير إلى جهوزية صنعاء للتصعيد، مقابل أي تصعيد قد تتخذه الولايات المتحدة الأميركية في الأيام والأسابيع المقبلة.
ثقل المواجهة.. جعبة اليمن مليئة بالكثير
حتى الآن، لم تستخدم صنعاء، وفق الإعلام الأميركي، سوى جزء بسيط من الطائرات المسلحة من دون طيار، والصواريخ التي يمتلكونها حالياً.
كما لم تستخدم طائراتها من دون طيار التي تتخذ بعداً استراتيجياً مع الصواريخ بعيدة المدى. وفوق ذلك، ما تزال في جعبتهم أيضاً أعداد كبيرة من الألغام البحرية، “بما في ذلك ألغام يصعب اكتشافها”.
كل ما جرى حتى اليوم، حقّق أهدافاً كبيرة، فرضت تكاليف على “إسرائيل” وحلفائها. كما أظهر، في الوقت نفسه، قدرات صنعاء الإقليمية، وفوق ذلك تعزّز دعم “أنصار الله” محلياً، وخارجياً، إذ بات العديد من الدول والشعوب الإسلامية، تنظر إلى صنعاء على أنها “الجماعة العربية الوحيدة التي تقف ضد العدوان الإسرائيلي”.
الولايات المتحدة وحلفاؤها، ليسوا أمام “خيارات جيدة”، وفق الإعلام الغربي، عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع صنعاء، خاصةً أنه ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، ركزت واشنطن وحلفاؤها على التدابير الدفاعية التي تهدف إلى اعتراض الصواريخ والطائرات المسيرة.
لكن هذه التكاليف والتدابير تتزايد باطراد، إذ لا يمكن للولايات المتحدة وحلفائها، الاستمرار بسهولة، في إنفاق أعداد كبيرة من الصواريخ النادرة التي تبلغ قيمتها ملايين الدولارات، لتدمير طائرات من دون طيار يمكن أن تكلف أقل من ألف دولار.
خاصةً أنّ صنعاء لديها مصانع تقع في مناطق حضرية كثيفة يصعب استهدافها، ويمكنها أن تصنع عشرات إلى مئات الطائرات من دون طيار أسبوعياً، وفق ما ذكر موقع “responsiblestatecraft”.
تؤتي الهجمات اليمنية ثماراً سياسية وحتى استراتيجية ضخمة لصنعاء، التي تكسب بالنقاط داخل اليمن وخارجه، بعد القرار الشجاع لقائد حركة أنصار الله السيد عبد الملك الحوثي دعم غزة، ونصرتها مهما بلغت الأثمان.
وهو ما أعاد التذكير به النعيمي، مختتماً تصريحه بالقول إنّ “الميدان أبلغ لغة وتوصيف”.
تحول نوعي في مستوى المواجهة
مع انطلاق معركة “طوفان الأقصى”، أعلن اليمن انضمامه إليها، كجبهة من الجبهات المناصرة لفلسطين المحتلة، وأهالي قطاع غزة، في وجه العدوان الإسرائيلي المستمر منذ 96 يوماً.
وبرز ثقل اليمن في “طوفان الأقصى” – تشرين الأول/أكتوبر، عبر موقعه الاستراتيجي، الذي مكّنه من تهديد واجهة الاحتلال البحرية، وتعطيل اقتصاده، باستهداف السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر.
وبعد إعلان السيد الحوثي قراره الدخول إلى ميدان الحرب، شهدت الأيام الأولى من شهر تشرين الثاني/نوفمبر، سريعاً، إطلاق صنعاء وابلاً من الصواريخ والطائرات المسيرة التي استهدفت مدينة “إيلات” الساحلية، التي شهد ميناؤها، بعد استهدافها، انخفاضاً في إيراداته بنسبة 80%.
ومع تزايد وتيرة الهجمات على غزة، تصاعدت حدة التهديدات اليمنية لـ”إسرائيل”، وأصبح التهديد يشمل سفنها، وتلك التي على صلة بها أيضاً.
وبعدها بأسبوعين تقريباً، وسّعت صنعاء، نطاق التهديدات لتشمل “أي سفينة في البحر الأحمر ترفع العلم الإسرائيلي أو تقوم بتشغيلها أو تعود ملكيتها لشركات إسرائيلية”.
وفي غضون ساعات، قامت صنعاء بالسيطرة على سفينة “غالاكسي ليدر” – سفينة شحن تديرها اليابان، ولها صلات بالملياردير الإسرائيلي أبراهام أونغر.
مرةً أخرى، وفي 9 كانون الأول/ديسمبر، أعلنت صنعاء عن توسيع نطاق هجماتها، معلنةً أنها ستبدأ “باستهداف ومهاجمة جميع السفن المتجهة إلى إسرائيل”، بغض النظر لمن تؤول ملكيتها.
وأكد المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع، في بيان، أنّ القوات البحرية نفذت عملية ضد سفينة “أستيرندا” التابعة للنرويج وتم استهدافها بصاروخ مباشر.
تتالت العمليات اليمنية ضد السفن الإسرائيلية وما في فلكها، حتى أُجبرت بعض الشركات الملاحية العالمية، على إلغاء نشاط سفنها في البحر الأحمر، أو تغيير الطريق الذي تسلكه خوفاً من استهداف الصواريخ اليمنية لها.
وفق سريع، جاءت عملية اليوم “كردٍّ أوّلي على الاعتداء الغادر الذي تعرّضت له القوات البحرية اليمنية، من جانب العدو الأميركي”، في الـ31 من كانون الأول/ديسمبر الماضي، يوم اعتدى على قواربها، ما أسفر عن استشهاد 10 أفراد من البحرية اليمنية، والتي تزامنت مع محاولات واشنطن تأمين غطاء حماية للسفن الإسرائيلية، والمرتبطة بـ”إسرائيل”.
هذا الاستهداف الأخير، ضدّ سفينة أميركية، يحمل رسالةً مفادها أنّ أي دعم دولي سيقدم إلى “إسرائيل”، ويخدم عدوانها على غزة، سيكون، من دون تردد، أمام أعين القوات المسلحة اليمينة وفي مرمى صواريخها.