مفهوم التنمية الاقتصادية في المشروع القرآني”2″

إعداد/ أحمد يحيى الديلمي

    تعتمد الدول الرأسمالية على سياسةٍ اقتصاديةٍ تُجسد من خلالها سياسة تبعِّية الدول النامية للأسواق الدولية، لاسيَّما وأن الدول النامية تعتمد على مُعظم حاجاتها الغذائية من الخارج، ولا تُنتِج الغذاء الكافي لها، يقول الشهيد القائد: “تجد الناس ثرواتهم لم تعد تشكل شيئاً. ألم نصبح نحن عالة تقريباً في مأكلنا، في ملبسنا على الآخرين؟! حتى في الدول التي لديها ثروات هامة أصبحت عالة على الآخرين! مأكلنا، ملبسنا، أدويتنا، الوسائل الضرورية والكمالية كلها من عند الآخرين من الخارج.

     ودون أدنى شك، فإن معظم الدول العربية، والإســلامية، التي تدخل في تصنيف الدول النامية، لازالت مُجرَّد أسواقٍ استهلاكية لمُنتجَات شركات الدول الرأسمالية العملاقة، “مُتعدِّدة الجنسيات”، في ظلِّ توجهات منظمة التجارة العالمية التي تفتح المجال لهذه الشركات العملاقة، وتكسر الحواجز الجمركية أمامها.

      ونتيجةً لغياب أي برامج تنموية حقيقية، والاستفادة من الطاقات الوطنية؛ تحولت معظم الدول العربية، والإســلامية، إلى مجتمعاتٍ استهلاكيةٍ محضة، وأسواقٍ استهلاكية لمُنتجَات الشركات مُتعدِّدة الجنسيات، يقول الشهيد القائد:”هم يعملون أشياء أخرى ولكن لن تجد نفسك أكثر من متجول في سوق كبيرة تستهلك منتجاتهم، ولن تجد نفسك تتجول داخل مصانع يمنيه، المصانع تتحرك، والأيدي العاملة تتحرك وتحركها، كلها تعمل معهم ليس هناك تنمية؟”.     

      وتعمل دول الغرب الرأسمالية جاهدةً على إغراق أسواق الدول النامية بُمنتجَات شركاتها، “مُتعدِّدة الجنسيات”، وتقوم بمحاولاتٍ لتدمير الزراعة، من خلال إغراق الأسواق بالمُنتجَات الزراعية، بأقل من أسعارها، في مسعى لمحاربة الصناعة الوطنية المُنتِجة، وهذا ما يشير إليه الشهيد القائد بالقول: “أليسوا في فلسطين يدمرون الزراعات، يدمرون المزارع، وتدمير للزراعة من جهة أخرى إذا هناك شعب ينتج كاليمن ينتج [بُنْ] يحاولون أن يدمروا هذه الزراعة التي تعتبر مصدر هام لكثير من الناس بطريقة، يحاولون أن يصدروا [بُنْ] مدعوم.. مدعوم، أعني يبيعونه ولو بأقل من سعر الشراء حتى يضربوا الناتج المحلي، هذه عملوها حتى في قضية الدجاج، مزارع الدجاج، أعني ترى البلاد العربية، ترى هنا في اليمن، لم يعد يصلح أن يتربى فيه دجاج!، لازم تأكل دجاج مستورد من البرازيل، أو دجاج فرنسي!..”.

       لقد حالت دول الغرب الرأسمالية بقيادة “أمريكا” دون إحداث تنمية اقتصادية للدول النامية، ومنها الدول العربية، والإســلامية، كي تبقى مُجرَّد مُجتمعات استهلاكية غير منُتِجه، وأسواقٍ لمنُتجَاتها، واتجهت عبر المنظمات المالية الدولية إلى إغراق كاهل الدول العربية، والإســلامية، بالقروض الربوية، وفوائدها، تحت مبررات مشاريع التنمية، لاسيَّما وأن تلك المنظمات تقوم بإعدادِ برامج مُفصلة، وما على الحكومة المعنِّية إلاَّ أن تتبناها كشرطٍ للحصول على القروض من تلك المنظمات، حيث يتجه استخدام تلك القروض الربوية بالدرجة الأولى، نحو تنفيذ مشاريع سطحية، قد تكون أهميَّتها بالنسبة للدولة المُقترضة في الدرجة الثالثة، أو الرابعة، وليس نحو مشاريع مُنتِجة في مجال الزراعة، والصناعة، فلا تُستخدم تلك القروض الربوية في مشاريع استصلاح الأراضي الزراعة، بالرغم من أن الدول العربية، والإســلامية، في حاجةٍ إلى استصلاح الأراضي، وزراعتها.

     وفي سياقِ ذلك، يرمي الشهيد القائد إلى القول بأن القروض الربوية، والمساعدات المالية، التي تمنحها الدول الرأسمالية عبر صندوق النقد والبنك الدوليين، تحت يافطة مشاريع التنمية، يتم استخدامها لتنفيذ مشاريع هامشية، وغير إنتاجية، أو صناعية، بما يُعزِّز من حالة التبعِّية، يقول: “القروض التي يعطوننا قروضا منهكة، مثقلة”، ويُشيرُ إلى: “إن كانت هناك تنمية فهي مقابل أحمال ثقيلة تجعلنا عبيداً للآخرين، ومستعمرين أشد من الاستعمار الذي كانت تعاني منه الشعوب قبل عقود من الزمن”.

      ويُؤكِّدُ ذلك بالقول: “يقولون لنا: بأن التنمية هي كل شيء، ويريدون التنمية، ولتكن التنمية بأي وسيلة وبأي ثمن!”، ويُضيف بالقول: “انظر كم سيطلبون من القروض من دول أخرى؟ هذه القروض انظر كم سيترتب عليها من فوائد ربوية، ثم انظر في الأخير ماذا سيحصل؟ لا شيء، لا شيء”. 

    وأصبح من المؤكد أن الدول الرأسمالية لن تسمح لأي حكومة من حكومات الدول النامية، ومنها الدول العربية، والإســلامية، بالتفوق في أي مجال، حيث تجد أن القروض الربوية التي تُمنح لها توجَّه إلى مشاريع كمالية، لا قيمة لها في حياة شعوب تعيش على القروض، لتوفير قوتها الضروري.

      وفي هذا الصدد، يتساءل الشهيد القائد حول طبيعة تلك القروض الربوية: “تلك القروض الكثيرة التي نتحملها نحن لماذا لا توجه أو يوجه القسط الأكبر منها إلى الاهتمام بالزراعة؟ هل نتحمل القروض ثم لا نجد قوتنا مؤمَّناً أمامنا؟ هل هذه تنمية؟، نتحمل الملايين بعد الملايين من الدولارات، ونتحمل أيضا فوائدها الربوية في ما بعد ولا نجد مقابل ذلك أمناً فيما يتعلق بالغذاء؟!”.

       وفي خضمِّ ذلك، يؤكد الشهيد القائد أن من أهم شروط منح القروض الربوية، عدم استخدامها في مشاريع تنمية اقتصادية حقيقية، من خلال استصلاح الأراضي الزراعية، يقول:”القروض الكثيرة جداً تتوارد على البلاد أيضاً لا تصرف على المجال الزراعي”.

    ويقول في درسٍ آخر:”كما نراهم لا يصرفون دولاراً واحداً في دعم الزراعة، الزراعة في بلادنا لا يصرفون ولا دولاراً واحداً لدعمها”.

      وترجمةً لذلك، يقوم صندوق النقد الدولي، بتقديم قروضٍ ربويةٍ طويلة الآجل، وتكون هذه القروض مشروطةً بالطبع، وأحد أكثر الشروط صرامة هو عدم استخدامها في مشاريع لاستصلاح الأراضي الزراعية لتلك الدول، لكي توفر الغذاء لشعوبها، يقول الشهيد القائد:”حتى الصندوق الاجتماعي ممكن يبني مراكز صحية، ممكن يبني مدارس، ممكن يبني حواجز مائية، لكن جانب الخدمة في الزراعة. لا، خزانات يشرب منها الناس، لكن يسقُّون منها. لا، لا يريدون أن نزرع…”.

 لتكون نتيجة ذلك، كما يُبيِّنها الشهيد القائد:”لهذا تجد الزراعة في اليمن مهملة، الزراعة مدمرة، وهكذا تجد في بقية الشعوب الأخرى في السودان في مصر، كل الدول هذه الزراعة لا يهتمون بها، هيا تعّلموا لكن لا تزرعوا!”.

الهوامش

§ السيد حسين بدر الدين الحوثي، دروس من هدي القرآن الكريم، سلسلة دروس شهر رمضان المبارك، سورة البقرة، الدرس التاسع، 2003م.

§ السيد حسين بدر الدين الحوثي، دروس من هدي القرآن الكريم، اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً.

§ السيد حسين بدر الدين الحوثي، دروس من هدي القرآن الكريم، في ظلال دعاء مكارم الأخلاق، الدرس الثاني ،2002م.

§ السيد حسين بدر الدين الحوثي، دروس من هدي القرآن الكريم، لَتَحْذُنّ حَذْوَ بني إسرائيل، 2002م.

§ السيد حسين بدر الدين الحوثي، دروس من هدي القرآن الكريم، خطورة المرحلة، 2002م.

§ السيد حسين بدر الدين الحوثي، دروس من هدي القرآن الكريم، مَنْ نحنً ومَنْ هُمْ ،1422هـ.

*#مركز_الشهيد_الصماد_للدراسات_والبحوث

قد يعجبك ايضا