مفهومُ الشهادة في الجانب التربوي والأكاديمي.. كيف يمكن تنميتُه في فكر الأجيال؟..بقلم/منصور البكالي
Share
إذا كان تعريفُ مفهوم الشهادة في سبيل الله هو التضحية بالنفس نُصرةً للحق وإزهاقاً للباطل، فمن الطبيعي أن حركة الباطل ستسعى بكل جهد لعزل الأُمَّــة عن هذا المبدأ العظيم كأولوية لحركتها وتمهيداً لتنفيذ مخطّطاتها ومؤامراتها الاستعمارية، مستخدمةً في سبيل ذلك كُـلّ أساليب ومحاولات التشوية لمفهوم الشهادة في سبيل الله وهذا أُسلُـوب خطير جِـدًّا أشار إليه قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي -يحفظه الله- خلال كلمة تدشين فعاليات الذكرى السنوية للشهيد 1444هـ.
ومن يتأمل في التأريخ الإسلامي ومراحل الصراعات التي خاضها أبناء الأُمَّــة مع أعدائهم من اليهود والنصارى والمنافقين سيجد أن أول ما تم استهدافه في وعي هذه الأُمَّــة هو مفهوم الشهادة والاستشهاد في سبيل الله وتضييع وحرف بوصلة العداء بالشكل الذي يجنب قوى البغي والظلال ثمن المواجهة، بل عمل الأعداء في عصرنا الحالي على تغييب هذا المفهوم من ذاكرة الأجيال عبر أدواتهم العميلة في الحكومات المرتهنة لهم، حين سلبت إرادَة الشعوب وبات عدوها من ينفرد برسم قرارها السياسي والفكري والثقافي.
وحين تمكّن الأعداء من إدارة وتوجيه الحكومات الزائفة وصل مستوى تغييب مفهوم الشهادة وحرفه عن منطلقاته إلى منابر الجوامع والمناهج المدرسية والمقرّرات الجامعية أَيْـضاً، وبات أجيال شعوبنا وجيوشها ينظرون إلى مفهوم الشهادة وفق حسابات وأيدولوجيات كثيرة حاولت تغير تلك المفاهيم وفقاً لتغير المصالح والانتماءات السياسية اللعينة التي تخدم بالمستوى الأول الأجندة الأمريكية والصهيونية.
ومن الشواهد الحية على انحراف الأُمَّــة عن مفهوم الشهادة وبوصلة العداء قتال منهم محسوبين على أُمَّـة الإسلام في الصف الأمريكي خلال حرب الاتّحاد السوفيتي، وحرب العراق مع إيران، وكذا الحروب الأخيرة التي دمّـرت سوريا وليبيا واليمن خدمةً للأجندة الأمريكية، في زمن الاحتلال الصهيوني للشعب الفلسطيني العربي المسلم.
وأمام هذه التعقيدات برز لواء المشروع القرآني متجاوزاً كُـلّ الحسابات الأيدولوجية والمذهبية والمناطقية، مقدماً المفهوم السليم للشهادة، ومحدّداً بوصلة العداء وفق منهجية قرآنية رسمها الله بوضوح في كتابه الكريم، وأثبت الواقع أثرها وثمارها في كشف وفضح المخطّطات التي تحاك ضد هذه الأُمَّــة، وتستهدف وحدتها وحاضرها ومستقبلها، مقدماً قوافل من الشهداء العظماء الذين سطروا أروعَ الملاحم البطولية وهزموا بوعيهم وثقافتهم أكبر تحالف عسكري عرفه التاريخ، وبأقل الإمْكَانيات العسكرية.
من هذا المنطلق يتوجب علينا إعادة التقييم لمدى الاهتمام الرسمي بمفهوم الشهادة وكيف نقدمه لأجيال الأُمَّــة عبر محتوى تاريخي يصدر ويدون حياة ومواقف العديد من شهداؤنا العظماء، ويدرس سيرهم الخالدة وكيف تربوا ونشؤوا على الثقافة القرآنية والهُــوِيَّة الإيمَـانية؛ باعتبارها مصادرَ هامة تنمي مستوى الوعي بمفهوم الشهادة، تقدم في المناهج والمقرّرات التعليمية بمراحلها المختلفة، وتصدر حولها أبحاث ودراسات معاصرة تعيد للأُمَّـة ترتيب أولوياتها بالشكل الذي يحمي دينها ومقدساتها وثروات وحرية وكرامة واستقلال شعوبها.