معلومات عن «ديب سيك».. تطبيق صيني للذكاء الاصطناعي يهدد هيمنة أميركا
في مفاجأة مدوية هزت عرش وادي السيلكون، أطلقت شركة «ديب سيك» الصينية تطبيق ذكاء اصطناعي مشابه لـ«تشات جي بي تي» وبتكلفة منخفضة، ما يهدد هيمنة الشركات الأميركية ويغير قواعد اللعبة بشأن هذه التكنولوجيا الرائدة، فيما اعتبره الرئيس الأميركي دونالد ترمب بمثابة «جرس إنذار» للولايات المتحدة.
روبوت دردشة
«ديب سيك» وهو روبوت الدردشة الصيني المعتمد على الذكاء الاصطناعي، حقق انتشارًا كبيرًا نهاية الأسبوع الماضي ليصبح التطبيق المجاني الأكثر تحميلاً في سوق التطبيقات التابع لشركة «آبل» في الولايات المتحدة، ليحل مكان «تشات جي بي تي» الذي طورته شركة «أوبن أيه آي».
وأكدت الشركة الصينية المطورة لـ«ديب سيك» أن هذا الابتكار يهدد بإحداث تغييرات جذرية في قطاع التكنولوجيا العالمي، إذ نجح في جذب انتباه المتخصصين في الذكاء الاصطناعي خلال وقت قياسي.
نسخة «آر1»
كانت المفاجأة الأكبر هي إعلان «ديب سيك» تطوير نسختها الأخيرة من التطبيق «آر1» بجزء صغير من الكلفة التي تتكبدها الشركات الكبرى في تطوير الذكاء الاصطناعي، خصوصا على شرائح «إنفيديا» الإلكترونية وبرامجها.
الرئيس التنفيذي لـ«أوبن أي آي» سام ألتمان وصف «آر1» بأنه «نموذج مثير للإعجاب، خصوصا في ما يتعلق بما تمكنوا من إنجازه مقابل ثمن زهيد».
كما اعتبر مارك أندريسن، المستثمر في مجال التكنولوجيا والمتحالف مع ترمب، أن نسخة «آر1» من تطبيق ديب سيك تعيش «لحظة سبوتنيك»، في إشارة إلى إطلاق الاتحاد السوفيتي أول قمر اصطناعي في الأرض عام 1957 في خطوة أثارت دهشة الغرب.
تكلفة أقل 50 مرة
في أواخر عام 2022 أي بعد إطلاق «تشات جي بي تي»، تسابقت شركات صينية لتطوير تطبيقات مشابهة، لكن المحاولات الأولى لم تحقق نجاحًا كبيراً، خاصة مع خيبة الأمل التي رافقت إطلاق تطبيق مشابه من شركة «بايدو» الصينية.
ومع ذلك، نجح تطبيق «ديب سيك» في تغيير هذا التصور، وأكدت الشركة أن النموذجين الرئيسيين للتطبيق، وهما «ديب سيك-في3» و«ديب سيك-آر1» يتمتعان بمستوى تقني مماثل أو أفضل من النماذج المتقدمة لشركتي «أوبن.إيه.آي» و«ميتا» وبكلفة تطوير أقل بـ20 إلى 50 مرة.
شركة ناشئة
وأشارت الشركة إلى أن تدريب النموذج «ديب سيك-في3» باستخدام شرائح إنفيديا «إتش-800» كلف أقل من ستة ملايين دولار.
وديب سيك هي شركة ناشئة مقرها مدينة هانغتشو الصينية، أسسها ليانغ وينفينغ، وهو شريك مؤسس لصندوق التحوط «هاي فلاير». وأعلن الصندوق في عام 2023 عن تخصيص موارد كبيرة لتطوير تقنيات الذكاء العام الاصطناعي، وهو ما أدى لاحقا إلى تأسيس الشركة.
ووفقا للبيانات الصينية، يمتلك «هاي فلاير» حصة كبيرة في الشركة، كما يملك براءات اختراع تتعلق بالرقائق المستخدمة في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي.
إطلاق يوم تنصيب ترمب
وفي يوم تنصيب ترمب لولاية ثانية، أي في 20 يناير/ كانون الثاني تم إطلاق النموذج «ديب سيك-آر1».
وفي اليوم ذاته، شارك ليانغ في ندوة مغلقة مع رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ، في إشارة ضمنية على أهمية التطبيق في تحقيق أهداف الحكومة الصينية، خاصة فيما يتعلق بمواجهة القيود الأميركية على تصدير التكنولوجيا.
وتسعى بكين من خلال دعم هذه المشاريع إلى تعزيز الاكتفاء الذاتي في القطاعات الاستراتيجية، بما فيها الذكاء الاصطناعي.
يسدد التقدم الذي حققته «ديب سيك» ضربة لواشنطن وأوليتها المتمثلة بالمحافظة على تفوق الولايات المتحدة تكنولوجيا.
شرائح «إنفيديا»
ووسط تلك التطورات السريعة، كان من اللافت أن «ديب سيك»، على اعتبارها شركة صينية، تمكنت من إطلاق تطبيقها الثوري على الرغم من أنه لا يمكنها الوصول بسهولة إلى شرائح «إنفيديا» الإلكترونية المتطورة بموجب القيود التي تفرضها الولايات المتحدة على تصديرها.
ويشتبه إيلون ماسك الذي استثمر بشكل كبير في شرائح «إنفيديا» الإلكترونية من أجل شركته «إكس أيه آي» بأن تكون «ديب سيك» تمكنت من الوصول سرًا إلى شرائح «إتش100 H100» المحظورة، وهو اتهام صدر أيضا عن الرئيس التنفيذي لشركة «سكيل أيه آي» الناشئة في وداي السيليكون والمدعومة من شركتي «أمازون» و«ميتا».
لكن المستثمر جين جو سكوت المقيم في هونغ كونغ اعتبر بأن هذا النوع من الاتهامات «يذكر برد فعل فريق الأطفال الأثرياء الذي خسر أمام فريق الأطفال الفقراء».
من جانبها، أكدت «إنفيديا» في بيان بأن تكنولوجيا «ديب سيك» ممتثلة بالكامل لضوابط التصدير.
استثمارات بالمليارات
هذا التفوق الصيني المفاجئ أثار موجة من التساؤلات حول استثمارات الشركات الأميركية التي خصصت مليارات الدولارات لتطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي، كما أدى إلى تراجع كبير في أسهم شركات التكنولوجيا العالمية.
ويهدد نموذج الذكاء الاصطناعي الجديد بقلب الرهانات واسعة النطاق التي رفعت في الماضي أسهم التكنولوجيا الأميركية، وخاصة سهم شركة صناعة الرقائق إنفيديا، مما أدى إلى عمليات بيع واسعة في الأسهم لتجنب المخاطر.
انخفاض الأسهم
النجاح السريع لتطبيق «ديب سيك» طال سوق الأسهم، حيث شهدت شركات تكنولوجيا كبرى، بما فيها إنفيديا، إحدى شركات العالم الأعلى قيمة، انخفاضًا في أسهمها. ويعد هذا مؤشرًا على القلق المتزايد من قدرة الشركات الصينية على التنافس بفاعلية في قطاع الذكاء الاصطناعي.
وانخفض سعر سهم إنفيديا نحو 17% أمس، وهبطت قيمة الشركة الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، أمس، إلى 593 مليار دولار لتسجل أكبر خسارة يومية لأي شركة في بورصة وول ستريت.
وما زالت صدمة عالم التقنية الأميركي تطرح مزيدا من الأسئلة حول جدوى استمرار العمل بكلفة أكبر بينما نجحت شركة صينية إنتاج نموذج مواز بكلفة أقل بكثير كما حدث في نموذج ديب سيك.