معركة المصير: رؤية السيد القائد لمواجهة مخططات الهيمنة وإنقاذ الأمة
معركة المصير: رؤية السيد القائد عبدالملك الحوثي لمواجهة مخططات الهيمنة وإنقاذ الأمة
الحقيقة/ كتب / صادق البهكلي
في زمنٍ تُكتَب فيه معادلات الشرق الأوسط الجديد بدماء الشعوب، وفي ظل مشهد دولي يتداعى على حساب المظلومين، أطل السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي الخميس الماضي ضمن كلمته الأسبوعية المعتادة في سياق معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس المساندة للشعب الفلسطيني، لكنها كانت كلمة مفصلية قدم فيها رؤية صادقة وواضحة لإنقاذ ما تبقى من وجود لهذه الأمة، كشفٌ جريء لحقائق لم يعد ممكناً تجاهلها، في وقت تتكالب فيه قوى الهيمنة العالمية لإعادة تشكيل المنطقة وفق مصالحها الخاصة، دون أدنى اعتبار لكرامة الشعوب أو لحقوق الإنسان التي يُتَغنى بها في المحافل الدولية.
كانت كلمته أشبه بصرخة وعي وسط صمت مُطبِق، صرخة تذكِّر الأمة بمسؤولياتها التاريخية والدينية، وتفضح ازدواجية المعايير التي تهيمن على السياسة العالمية، ففي حين يقتل العدو الإسرائيلي الأطفال ويدمر البيوت، يصفق له النظام الدولي ويمنحه غطاء الشرعية، وحيث يعاني شعبٌ بأكمله تحت الحصار والجوع في غزة، تُمارس الأنظمة العربية صمتها المعتاد، وكأنما أصبحت المأساة الفلسطينية صفحة من الماضي المنسي.
إن الكلمات التي أطلقها السيد القائد لم تكن مجرد خطابٍ سياسي، بل كانت مرآةً تعكس أوجاع أمة بأكملها، ففي كل جملة، كان التاريخ يقف شاهداً على تواطؤ الأنظمة، وعجز الشعوب، وتخاذل النخب. وبينما تتوالى الأحداث من فلسطين إلى سوريا، حيث يتنقل العدوان الإسرائيلي دون رادع، يؤكد السيد القائد أن المعركة لم تعد معركة جغرافيا محدودة أو شعوبٍ مستضعفة، بل هي معركة وجود للأمة كلها.
لقد كشف السيد القائد ببراعة تحركات العدو الإسرائيلي الذي لا يترك فرصةً إلا ويستغلها لتعزيز احتلاله وتوسيع نفوذه، ومع ذلك، فإن خطابه لم يكن مجرد استعراض للمآسي، بل كان دعوة للتأمل واليقظة، وتحذيراً من الاستسلام للواقع المرير الذي تسعى القوى الكبرى إلى ترسيخه.
إن أسلوب السيد القائد جمع بين وضوح الرؤية وصدق المشاعر، بين الإيمان الراسخ بالحق والوعي العميق بطبيعة الصراع، لقد كانت كلماته رسالة إلى كل مسلم وعربي، تقول لهم: “لا تزال هناك فرصة للوقوف في وجه الطغيان، لا تزال هناك إمكانية لتغيير موازين القوى، إذا ما أُحسن فهم المعركة، واستُنهِضت الإرادة”.
وسط صخب الأحداث وضجيج الإعلام المضلل، جاءت هذه الكلمة لتعيد ترتيب الأولويات، وتحديد بوصلة التحرك الصحيح، إنها ليست مجرد كلمة، بل وثيقة موقف تاريخي، سجل فيها السيد القائد شهادته على هذا الزمن المضطرب، وترك للأجيال القادمة خارطة طريق تسترشد بها في مواجهة المخاطر.
إن أهمية هذه الكلمة تتجاوز كونها تعليقاً على أحداث جارية، فهي تلخص فلسفة المقاومة الحقيقية، وتجسد روح النضال الممتد عبر الأجيال، إنها دعوة للوعي، وتحذير من التخاذل، وإعلان صريح بأن الأمة لا تزال قادرة على استعادة دورها ومكانتها إذا ما تخلت عن أوهام الاستسلام.
بهذا الخطاب، يؤكد السيد القائد أن الصراع ليس فقط بين غزة والعدو الإسرائيلي، ولا بين سوريا وقوى الهيمنة، بل هو صراع بين مشروعين: مشروع الهيمنة والاستعباد الذي تقوده إسرائيل وأميركا، ومشروع التحرر والاستقلال الذي تدافع عنه الشعوب المستضعفة، وبين هذين المشروعين، تختار الأمة مصيرها، إما أن تكون في صفوف المقاومين أو في قائمة المتخاذلين.
هكذا، حملت الكلمة معاني أكبر من اللحظة الزمنية التي قيلت فيها، لتصبح شهادة على واقع الأمة، ودعوة إلى النهوض قبل فوات الأوان.
أولاً: الأوضاع في فلسطين
في حديثه عن فلسطين، كان صوت السيد القائد صرخةَ وجدانٍ إسلامي، حيث نقل بواقعية موجعة تفاصيل الجرائم الإسرائيلية في غزة، أشار إلى أن العدو ارتكب خلال أسبوع واحد 26 مجزرة إبادة جماعية، استهدفت الأطفال والنساء بالدرجة الأولى.
من أبرز تلك الجرائم الهجوم على مستشفى كمال عدوان، حيث استُخدمت الطائرات المسيَّرة والمدفعية الثقيلة، واستُهدف الطاقم الطبي بشكل مباشر، وصولاً إلى محطة الأوكسجين التي كانت حياة الأطفال حديثي الولادة تعتمد عليها.
هناك أيضاً معاناة الجرحى الفلسطينيين، حيث تجاوز عددهم خمسة عشر ألف مصاب ممن هم بحاجة للعلاج في الخارج، لم يفتح العدو المجال لخروجهم، هناك معاناة مع برد الشتاء القارس من كثيرٍ من الأمراض، ولاسيَّما على الطاعنين في السن، وعلى الأطفال، وعلى الجميع؛ باعتبار الكل يعاني من سوء التغذية.
التجويع والتهجير القسري
أوضح السيد القائد أن الاحتلال الإسرائيلي يستخدم الحصار والجوع كسلاح إبادة جماعية، حيث يقتات النازحون على أعلاف الحيوانات. وهو مشهد يعكس قبح العدو وتجرده من الإنسانية، بينما يقف العالم مكتوف الأيدي أمام هذه الكارثة.
ولفت إلى مشروع تهجير السكان قسرياً في شمال قطاع غزة، في خطوة تهدف إلى تفريغ المنطقة من أهلها، مع استمرار عمليات الهدم والتجريف في الضفة الغربية، في سياق توسيع المستوطنات على حساب الشعب الفلسطيني.
ولم يقتصر الموضوع على قطاع غزة بل يستمر أيضاً في الضفة الغربية بتدمير البيوت، وتجريف الأراضي، والمصادرة أيضاً لكثيرٍ من الأراضي للمغتصبين الصهاينة؛ لبناء مغتصبات جديدة فوقها، و يوصل جرائم القتل والاختطاف، وينتقد السيد القائد ما اقترفته عناصر السلطة الفلسطينية الأمنية من جرائم القتل؛ لخدمة العدو الإسرائيلي، وما تكرر منهم من جرائم القتل خلال كل هذه المرحلة، وما يقدمه البعض منهم من خدمة العدو الإسرائيلي، بالتعاون المعلوماتي معه؛ لاستهداف أبناء الشعب الفلسطيني تحت عنوان (التنسيق الأمني).
و لفت السيد القائد أن الجرائم التي يمارسها العدو الإسرائيلي، يقابلها معظم المسلمين ومعظم العرب بالتخاذل التام والتفرج، إلى درجة أن تصبح الكثير من المشاهد المأساوية، المؤلمة جداً، التي تشهد على المظلومية الكبرى للشعب الفلسطيني، مشاهد اعتيادية، مع طول الوقت واستمرار العدوان الإسرائيلي، لا تستفزهم، ولا تحرك وجدانهم، ولا تحيي فيهم ضمائرهم التي أصبحت ميّتةً، وهكذا ينسون واجبهم الإنساني، واجبهم الديني، واجبهم الأخلاقي، وينسون كل العناوين التي عادةً ما يتحرك الكثير تحتها: عنوان العروبة، عنوان العقيدة والجهاد… كل العناوين نُسِيت وتُنسى، ويتم العمل على شطبها من القائمة عندما يتعلق الأمر بفلسطين.
ثانيًا: العدوان الإسرائيلي على سوريا
لم تكن سوريا بعيدة عن حديث السيد القائد، إذ سلط الضوء على العدوان الإسرائيلي المتصاعد في الجنوب السوري، حيث لم تكتفِ إسرائيل باحتلال الجولان، بل توسعت نحو مناطق جديدة وصولاً إلى تخوم دمشق،
العدو الإسرائيلي نفَّذ عدواناً كبيراً على سوريا في اتجاهين:
الاتجاه الاول: التوغل البري
أكد السيد القائد أن اجتياح القوات الإسرائيلية مناطق واسعة جنوب سوريا يمثل انتهاكاً صارخاً للسيادة السورية، وهو يعكس الطموح الإسرائيلي في تحقيق مكاسب استراتيجية جديدة، في ظل صمت عربي ودولي مريب.
الاتجاه الثاني: تدمير القدرات العسكرية
أشار السيد القائد إلى العدوان الجوي غير المسبوق الذي استهدف البنية العسكرية السورية، حيث دُمرت 80% من القدرات الجوية والبحرية والدفاع الجوي في يوم واحد، كما استهدفت إسرائيل مراكز الأبحاث العلمية، في محاولة للقضاء على أي تطور علمي سوري.
(هذا العدوان يأتي في السياق واضح، وهو: تثبيت معادلة الاستباحة؛ لأنها المعادلة التي يُصِرّ ويسعى الإسرائيلي، بدعمٍ وشراكةٍ أمريكية، على فرضها على شعوب أمتنا وبلدان أمتنا، أن تكون هذه البلدان في أي وضعٍ كانت، سواءً كانت بلداناً تحت عنوان توجه مواجه للعدو الاسرائيلي، فالمعركة معها قائمة؛ أو بلداناً قررت أن يكون لها توجه معاكس، ألَّا تعادي الإسرائيلي، وأن تعلن أنَّها لا تعاديه، ولا تتخذه عدواً، وأنها مستعدةٌ للتعاون معه، كل هذا ليس مجدياً أمام هذه المعادلة التي يريد الاسرائيلي والأمريكي فرضها، وهي: أن تكون شعوب أمتنا وبلدانها مستباحةً للعدو الإسرائيلي بشكلٍ كامل، أن تكون الشعوب فيها مهدرة الدم، فللإسرائيلي أن يقتل متى تحركت فيه شهية القتل والإجرام، أن يقتل من أراد وكم أراد، أن يقتل إمَّا على الجملة، أو أن يقتل بالإفراد، إفراداً، أو جماعات، أو إبادةً جماعية، أن يكون هذا المجال مفتوحاً أمامه، ودون ردة فعل، أن يجتاح من الأراضي ويصادر من الأراضي ما يشاء ويريد، وكذلك دون اعتراض، دون ردة فعل، ولو بأبسط ردة فعل، وكذلك نهب الثروات ومصادرتها.)
وعبر السيد عن حجم الأسى نتيجة تدمير الكيان الصهيوني مقدرات سوريا العسكرية: ” هالنا كثيراً، وأحزننا جداً، أن يفعل – العدو الإسرائيلي- كل ما فعله في سوريا، من توغُّل، واجتياح، واحتلال، وتدمير للقدرات العسكرية، دون أي ردة فعل، هناك مسؤولية على الشعب السوري، وعلى تلك الجماعات التي سيطرت على سوريا، هي أول من يتحمل المسؤولية في التصدي للعدو الإسرائيلي، ومواجهة عدوانه، ومن حولها الأمة، من حول سوريا بقية الأمة، عليها مسؤولية أن يكون لها موقف مع سوريا وشعب سوريا ضد ذلك العدوان الإسرائيلي، فأين هو الموقف الفعلي لهذه الأمة؟
ليس هناك موقف كما ينبغي، كالعادة، بعض البيانات والتعليقات الخجولة، تصدر من ذلك النظام العربي، أو ذلك النظام الإسلامي؛ أمَّا في داخل سوريا، وبالذات من تلك الجماعات التي سيطرت على سوريا، وعليها مسؤولية، وهي أمام اختبار مهم، اختبار حقيقي، يكشف ما هو حقيقة توجهها، فلم يصدر حتى الآن أي موقف، ولا أي ردة فعل تجاه كل ما حدث، والمخاطر مستمرة على سوريا وشعبها؛ ولــذلك هناك مسؤولية كبيرة، وهناك اختبار حقيقي، أولاً تجاه ما هو حاصل ويحصل على سوريا، وتجاه القضية الفلسطينية، وسنتحدث بمزيد عن هذه النقطة المهمة جداً.”
و انتقد السيد القائد أصحاب الشعارات القومية والطائفية تجاه ما حدث من اجتياح إسرائيلي لسوريا وبين موقفها تجاه إيران :
(لم يحضر عنوان (الضمير الإنساني)، رأينا هذا العنوان يحضر عندما تكون المسألة مسألة فتنة بين أبناء الأمة، فتح جبهات داخلية على أبناء هذه الأمة، لم يحضر عنوان (الوقوف في وجه الظلم) ولم يحضر عنوان (المسؤولية الدينية، والجهاد في سبيل الله)، ولم يحضر عنوان (العروبة، والأمن القومي العربي، والحضن العربي)، كل العناوين لا تحضر، الذي نراه في الواقع هو: السكوت، والصمت، والجمود، واللاموقف، ليس هناك موقف فعلي تجاه ما يحدث هناك.
لماذا تغيب عندما تكون المسألة متعلقة بما يفعله العدو الإسرائيلي، الذي يمثِّل خطراً حقيقياً على هذه الأمة بكل أطيافها، بكل مذاهبها واتجاهاتها، هي مستهدفة؟! وما حدث من العدو الإسرائيلي ما بعد سيطرة تلك المجموعات على سوريا، هو شاهدٌ دامغٌ وواضحٌ على أن المسألة ليست كما يردد الإسرائيلي دائماً: [من أجل ملاحقة إيران، استهداف الموالين لإيران، التحرك ضد من لهم علاقة بإيران]؛ لأن موقف تلك الجماعات المسلحة معروف، في عدائها الشديد لإيران، وتحركها تحت عناوين طائفية في الماضي، فهذه مسألة معروفة جداً.)”
و أضاف: (كم نتمنى أن تحضر التكبيرات، والبنادق، والرايات، وأن تحضر حتى السكاكين، في مواجهة الجنود الإسرائيليين، وأن تكون تلك الجماعات المسلحة التي سيطرت على سوريا، تلقت ذلك الاجتياح الإسرائيلي ببنادقها ودباباتها، وتلك القدرات التي هي ملكٌ للشعب السوري، وبالسكاكين، والصرخات، والهتافات، والتكبيرات، وبتلك الشراسة وذلك الاستبسال، هذا كان سيرفع من قدرها وشأنها، ويعزز من دورها وحضورها، وهذا ما هو ضروري، هذا ما هو مسؤولية، وما يمثل اختباراً حقيقياً، لهم ولغيرهم، ولداعمهم، لكل أبناء هذه الأمة، وهذه مسألةٌ مهمةٌ جداً، الحقائق تشهد أن الأمريكي والإسرائيلي هم أعداء هذه الأمة بكلها، مهما كانت تجاهها السياسي، مهما كانت مذاهبها، مهما كانت مواقفها.)
ثالثًا: التخاذل العربي والإسلامي
في نبرة تجمع بين الحزن واللوم، تناول السيد القائد حالة التخاذل والصمت العربي أمام العدوان الإسرائيلي.
حيث أوضح السيد القائد أن الجرائم اليومية التي تُرتكب في غزة لم تعد تُحرك الضمائر العربية والإسلامية، وكأن المأساة الفلسطينية أصبحت مشهداً مألوفاً لا يستدعي الغضب أو التحرك.
كما أبرز السيد القائد أن بعض الأنظمة العربية لم تكتفِ بالصمت، بل اتجهت إلى التطبيع العلني مع الكيان الإسرائيلي، في خطوة تتنافى مع القيم الإنسانية والدينية.
رابعًا: مشروع تغيير ملامح الشرق الأوسط
كشف السيد القائد عن مخطط أميركي-إسرائيلي يهدف إلى إعادة تشكيل المنطقة بما يخدم مصالح الاحتلال.
وأوضح أن الهدف الرئيسي للمخطط هو تفتيت الدول العربية إلى كيانات صغيرة، واستباحة مواردها وشعوبها، وتحويل المنطقة إلى ساحة مفتوحة للهيمنة الإسرائيلية.
كما أكد القائد أن المخطط يعتمد على تحريك أنظمة عربية لتنفيذه، في مشهد محزن يعكس مدى خضوع بعض الحكومات للمصالح الأميركية والإسرائيلية.
خامسًا: الدعوة للموقف القرآني
في مواجهة هذه التحديات، دعا السيد القائد إلى تبني موقف قرآني يرتكز على العزة والكرامة في مواجهة أعداء الأمة.
حيث حث السيد القائد على ضرورة توحيد الصفوف، والتصدي لمشروع الهيمنة الإسرائيلية، مشيراً إلى أن الالتزام بالمعايير الإلهية هو السبيل الوحيد لاستعادة كرامة الأمة.
واختتم السيد القائد خطابه بإشادة واضحة بصمود المقاومة الفلسطينية، مؤكداً أن الشعب اليمني يقف بصدق إلى جانب القضية الفلسطينية، سواء بالدعم العسكري أو بالمواقف الشعبية.
وأشار إلى العمليات المشتركة بين القوات اليمنية والمقاومة الفلسطينية والعراقية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وإلى النشاط الشعبي في اليمن الذي سجل أرقاماً قياسية في المظاهرات المؤيدة لفلسطين.
مؤكدا أن التحرك في سبيل الله هو الطريق الوحيد للنصر، وأن مواجهة الطغيان الإسرائيلي ليست خياراً، بل واجباً دينياً وإنسانياً. كانت الكلمة بمثابة خارطة طريق للأمة الإسلامية، تعيد التذكير بمسؤولياتها وتحثها على النهوض قبل فوات الأوان.