مشهد التشييع المهيب للسيد حسن نصر الله… التداعيات الإقليمية والعالمية
يترقب لبنان مشهداً تاريخياً مهيباً في وداع طودين من أطواد المقاومة الإسلامية، وعلمين من أعلام العزة والكرامة، ورمزين من رموز النضال والفداء: السيد حسن نصر الله، الأمين العام الراحل لحزب الله اللبناني، ورفيق دربه السيد هاشم صفي الدين، رئيس المجلس التنفيذي للحزب.
وقد تقرر أن تشهد الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل المقاومة النابض، هذا المشهد الجلل يوم الأحد المقبل، حيث ستنطلق مراسم التشييع المهيب مع إشراقة الشمس في التاسعة صباحاً، لتستمر حتى الغروب في الخامسة والنصف مساءً، وفق ما أعلنه الشيخ أخضر، رئيس اللجنة الإعلامية العليا للمراسم.
وقد شهدت الأسابيع المنصرمة استعدادات استثنائية تليق بعظمة الحدث وجلال المقام، فيما تتوالى إعلانات المشاركة من شتى أرجاء لبنان والمنطقة، في مشهدٍ يجسّد عمق الولاء وصدق الانتماء لنهج المقاومة الأصيل.
وتتوارد الأنباء عن مسيرات بشرية تتدفق كالسيل الجارف من مختلف المدن والقرى اللبنانية نحو بيروت وجنوب لبنان، في موكب مهيب يليق بمقام الراحلين العظيمين. کما تقوم اللجان الشعبية والمؤسسات التابعة لحزب الله، بتزيين الشوارع والميادين بالرايات والشعارات التي تخلّد ذكرى هاتين القامتين الشامختين، لتضفي على المشهد المهيب مزيداً من الجلال والبهاء.
وكشفت المصادر الإعلامية المقربة من حزب الله، عن مشاركة وفود من تسع وسبعين دولة حول العالم، تتنوع بين وفود شعبية ورسمية، في هذا المشهد التاريخي المهيب، مما يعكس عمق التأثير الذي تركته هاتان القامتان الشامختان، ليس في لبنان والمنطقة فحسب، بل في أرجاء العالم كافة.
وقد تناقلت وسائل الإعلام في الأيام الماضية، مشاهد من أعمال تهيئة المرقد الطاهر الذي سيضمّ رفات السيد الشهيد، ليغدو مزاراً يؤمّه المحبون والمريدون، يستلهمون من معين أخلاقه السامية وشجاعته الفذة، ويستضيئون بنور سيرته العطرة.
رسائل العزاء والتضامن
تتوالی برقيات العزاء والمواساة من شتى أرجاء العالم، تحمل في طياتها مشاعر الألم والحزن على رحيل القامتين الشامختين، فقد تقاطرت رسائل التعزية من أعلام الفكر والسياسة والدين في لبنان والعالم الإسلامي، مستذكرةً بإجلال وإكبار مناقب الفقيدين الجليلين. وقد أجمعت هذه الرسائل، في نسيج متناغم من الثناء والتقدير، على الدور التاريخي الفذّ الذي نهض به السيد حسن نصر الله والسيد هاشم صفي الدين في مسيرة المقاومة المظفرة ضد الکيان الصهيوني، وذودهما المستميت عن حياض لبنان وكرامة شعبه.
وفي مشهد يجسّد تلاحم قوى المقاومة وتآزرها، سارعت فصائل المقاومة في المنطقة، وفي طليعتها الحركات الفلسطينية المجاهدة، إلى إعلان عزمها على إيفاد خيرة رجالاتها للمشاركة في موكب التشييع المهيب، تجسيداً لعمق الروابط الأخوية ووحدة المصير والمسار.
وفي لفتةٍ تنضح بالمعاني السامية وتفيض بدلالات الوفاء، أطلّ محمد مهدي، نجل السيد الشهيد حسن نصر الله، في خطاب مصور، مستحضراً تضحيات كوكبة الشهداء الأبرار من أبناء جبهة المقاومة الباسلة، داعياً جماهير المقاومة إلى المشاركة الحاشدة في مراسم توديع قادة حزب الله الميامين. وقد وصف المشاركين في موكب التشييع بأنهم صفوة الصفوة من الأوفياء لنهج المقاومة وخط الممانعة، وأنهم حملة مشعل الجهاد وحماة درب الشهادة والفداء.
الترتيبات الأمنية والتدابير الاحترازية
نظراً للحضور الجماهيري الحاشد والمشاركة المرتقبة للشخصيات المرموقة على الصعيدين الإقليمي والدولي، تتصدر الترتيبات الأمنية المحكمة أولويات تنظيم المراسم المهيبة. وفي هذا السياق، تتضافر جهود القوى الأمنية اللبنانية وكوادر حزب الله في نسيج متناغم، لوضع خطة أمنية متكاملة تكفل سلامة المشاركين وانسيابية الحركة.
وقد اقتضت الخطة الأمنية المحكمة، إقامة حواجز مؤقتة في قلب العاصمة بيروت وجنوب لبنان، لضمان انسياب مواكب التشييع في أجواءٍ تسودها السكينة والنظام، وتليق بجلال المناسبة وهيبتها.
التغطية الإعلامية
يكتسي البعد الإعلامي لهذه المناسبة المهيبة أهميةً بالغةً، إذ سيتابع الملايين في شتى أرجاء المعمورة، ممن تعذر عليهم الحضور إلى لبنان، وقائع التشييع المهيب عبر شاشات التلفاز وأثير الإذاعات.
وفي مضمار هذا الحدث الجلل، تتسابق القنوات التلفزيونية ووسائل الإعلام، محليةً ودوليةً، في وضع خطط محكمة لتغطية المراسم بثاً مباشراً يليق بمقام الراحلين العظيمين. وقد هيأت القنوات المواكبة لمسيرة المقاومة، وفي طليعتها المنار والميادين، برامج تليق بهذا اليوم المشهود.
وفي مبادرة نوعية، نظّمت لجنة المراسم والإعلام في حزب الله جولةً استثنائيةً للإعلاميين العرب والأجانب عشية التشييع، شملت زيارة مسقط رأس الشهيد صفي الدين في قرية دير قانون النهر، وقرية حولا الحدودية التي شهدت ملاحم بطولية بين مجاهدي المقاومة الإسلامية وجنود الكيان الصهيوني.
کما تفيض ساحات التواصل الاجتماعي بمشاعر الوفاء والإجلال للقامتين الشامختين، إذ يتقاطر المغردون من مشارق الأرض ومغاربها، ينثرون عبير الوفاء وآيات الإكبار لهذين النجمين من كوكبة المقاومة الباسلة.
وفي هذا المشهد المهيب، يتألق وسم #أنا_على_العهد، الذي اختير ليكون عنوان الوداع المهيب لقادة النصر والفداء، فغدا منارةً تشعّ في فضاء الشبكات، تجمع كنوزاً من الصور النادرة والمشاهد الخالدة واللقاءات الحصرية مع أعلام الفكر والسياسة، توثّق لحظات الوداع المهيب للشهيدين السيد حسن نصر الله والسيد هاشم صفي الدين.
إن مراسم تشييع السيد حسن نصر الله والسيد هاشم صفي الدين لا تمثّل حدثاً جللاً للبنان وحسب، بل هي ملحمة تاريخية تتجلى فيها عظمة الأمة الإسلامية جمعاء، وتتجسد من خلالها روح المقاومة النابضة في قلب المنطقة. فهذه المراسم المهيبة تجسّد في أبهى صورها تلاحم الشعب اللبناني وتآزره في دعم المقاومة الباسلة، والذود عن مبادئها السامية.
وإن حجم الاستعدادات الاستثنائية لهذا الحدث التاريخي، يشهد بما لا يدع مجالاً للشك على المكانة الرفيعة التي يتبوأها هذان القائدان الفذان في وجدان الشعب اللبناني، وضمير المنطقة بأسرها.
ومن جانب آخر، فإن الحشود الغفيرة المتدفقة في مراسم تشييع السيدين الجليلين، من شأنها أن تترك أثراً عميقاً وبصمةً خالدةً في تعزيز مكانة المقاومة وحزب الله في لبنان، وأن تشكّل ضربةً قاصمةً لمخططات الولايات المتحدة والكيان الصهيوني الرامية إلى النيل من هذا الحزب المقاوم.
تعزيز مكانة المقاومة وحزب الله في نفوس اللبنانيين
تجلت في هذه المراسم المهيبة صورة باهرة من صور التلاحم الشعبي، حيث تقاطرت الجموع الغفيرة من شتى أرجاء لبنان، مجسِّدةً في مشهد مهيب عمق الولاء الشعبي لحزب الله ورسوخ مكانته في وجدان الأمة. وقد برهن هذا التدفق الجماهيري الزاخر، أن حزب الله ليس مجرد كيان عسكري أو تنظيم سياسي يقتصر على فئة بعينها من النسيج اللبناني، بل هو جوهر متأصل في هوية لبنان، وركن ركين من أركان ثقافة المقاومة الباسلة.
كما تُمثّل مراسم توديع هامتين من هامات المقاومة، شاهداً حياً على الدور التاريخي المجيد للمقاومة في صون كرامة لبنان، والذود عن حياضه في مواجهة العدوان الصهيوني الغاشم. وها هو العالم يشهد، بأم عينيه، تجليات هذه المكانة السامية للمقاومة في نفوس اللبنانيين، وأبناء المنطقة قاطبةً.
وتتجلى هذه المراسم المهيبة أيضاً رمزاً ساطعاً للوحدة الوطنية في أرجاء لبنان، فحزب الله لم يعد محصوراً في دائرة طائفية ضيقة، بل امتد نفوذه وتأثيره ليشمل أطيافاً متنوعةً من النسيج اللبناني المتعدد. وما من شك في أن هذا التلاحم الوطني الفريد، سيزيد من رسوخ مكانة حزب الله في المشهد السياسي اللبناني، ويعزّز دوره الريادي في صناعة مستقبل الوطن.
إخفاق المخططات الأمريكية والصهيونية في إضعاف حزب الله
لقد دأبت أمريكا والكيان الصهيوني ومن لفّ لفّهم من القوى الأجنبية على محاولات حثيثة لتقويض صرح المقاومة، عبر بثّ سموم الفتنة في النسيج اللبناني، وممارسة شتى صنوف الضغوط الاقتصادية والسياسية والإعلامية.
وفي أعقاب الملحمة البطولية الأخيرة التي ارتقى فيها ثلة من صفوة قادة المقاومة إلى علياء المجد، وبالرغم من إقرار الکيان الصهيوني بهزيمته النكراء في تراجعه المخزي، إلا أن المرونة السياسية التي أبداها حزب الله في مسألة تشكيل الحكومة، قد أوحت لبعض المتربصين في الداخل والخارج بتصور واهٍ مفاده وهن المقاومة في الساحة اللبنانية.
غير أن هذه المراسم المهيبة بحشودها الغفيرة قد جاءت لتنسف تلك التقديرات الواهية من جذورها، ولتؤكد من جديد عمق التفاف الجماهير حول المقاومة وقدرتها الفذة على استنهاض الهمم، ناهيك عن تعاظم قوتها السياسية والعسكرية.
إن هذا التجلي الجماهيري المهيب يغرس في نفوس أبناء لبنان روح العزة والإباء، مبرهناً أن الصمود في وجه الضغوط الخارجية ليس مجرد خيار متاح، بل هو سبيل ظافر إلى انتصارات باهرة. وستظل ملحمة السيد حسن ورفاقه الشهداء منهلاً يفيض بالعزة والكرامة في عروق المقاومة، مُلهماً للأجيال الصاعدة كي تقتفي خطى هؤلاء العظماء، وتمضي قدماً في تحقيق آمالهم السامية. وبذلك تتهاوى مخططات أمريكا والكيان الصهيوني الرامية إلى زرع بذور اليأس والقنوط في نفوس اللبنانيين.
الانعكاسات الإقليمية والدولية
إن إقامة مراسم تشييع قادة حزب الله بهذا الجلال والمهابة، فضلاً عن أبعادها المؤثرة في الساحة الداخلية، تكتسي أهميةً بالغةً على الصعيدين الإقليمي والدولي.
هذا المشهد السامي يشعّ نوراً وضاءً في دروب حركات المقاومة بشتى أرجاء المنطقة، من فلسطين إلى اليمن والعراق، ناطقاً بلسان الحال كيف استوطنت روح المقاومة في صميم وجدان الشعوب، متحديةً صلف المحتل وجبروت الظالمين. وها هي وحدة محور المقاومة تتجلى في أبهى صورها، مبشِّرةً بفجر جديد يشرق على نضالات التحرر، ومرسِّخةً معادلات جديدة في خارطة المنطقة.
ويكتسي هذا الحدث الجلل أهميةً قصوى للشعب الفلسطيني، إذ يقف سداً منيعاً أمام المؤامرات الخبيثة الرامية إلى اقتلاعه من أرض الآباء والأجداد، وتشتيته في منافي البلدان العربية، في محاولة يائسة لطمس حلم الدولة المستقلة الممتدة من البحر إلى النهر. وها هم أبناء فلسطين يشهدون بأم أعينهم كيف تحظى مقاومتهم الباسلة بإكبار الشعوب ومؤازرتها.
وتأتي هذه المراسم المهيبة لتتوِّج مكانة حزب الله كمنارة شامخة من منارات المقاومة في المنطقة، مؤكدةً أن هذا الصرح الشامخ لم يزدد إلا رسوخاً وصلابةً في الساحة اللبنانية، بل تسامى ليغدو محوراً أساسياً في رسم معالم المشهد السياسي والأمني في المنطقة بأسرها.