مشهدان مُبكيان! بقلم/مصباح الهمداني
مشهدان مُبكيان!
بقلم/مصباح الهمداني
يتوقف الكلام، وترتعد الحروف، وتذبل الجُمَل، لموقفين اثنين، في الأول تبكي بإعجاب، وفي الثاني تبكي بحرقة، واسمحوا لي أن أُبكيكم معي.
المشهد الأول من محور نجران؛ طابور طويل من الأسرى في عملية نصرٌ من الله؛ كانوا قبل ساعات يوجهون بنادقهم ورشاشاتهم، ومدافعهم إلى صدور المجاهدين، ومنازل المواطنين، وحينما وقعوا في الأسر، يستقبلهم الأبطال استقبال الأب لابنه، واستقبال الأخ لأخيه، ويأتي الأسرى مذعورين خائفين؛ فلا يسمعون إلاَّ “أهلاً وسهلاً أنتم بين إخوتكم” يتفاجأ الأسرى باستقبالهم دون لطم ولا ضرب، ولا سحل ولا قتل، بل يرون الرسالة المحمدية والأخلاق القرآنية تتجسد في المستقبلين، ينحني أحد الأسرى ليقبل قدمي مجاهد، فيرفع رأسه ويقول له “ارفع رأسك ولا تنحني فأنتَ يمني” يصيح أسير آخر أريد أن أشرب، يتلفت المجاهد يمينًا ويسارًا وهو يبحث له عن قنينة ماء أو علبة عصير، وهو يردد “سأسقيك لو أعطيتك من دمي”
يا الله!
قُلتها في قلبي وبلساني وعلى مجرى الدموع التي سالت، وكلُّ جوارحي تسألْ:
“من ربَّى هؤلاء؟” “من علَّم الأشبال” “من أنزل هذا الحجم من الرحمة على أشد المقاتلين قوةً وبأسا ؟”
مشاهِدْ تجعلك تؤمن إيمانًا قطعيًا بأنَّ رسالة الإسلام تولد من جديد!
والمشهد الثاني من قرية المتينة بمديرية التحيتا في محافظة الحديدة، يجلس الأب في بيته، وبجواره ابنته وأمامه زوجته؛ يتأملون البقية الباقية من الطعام، ويتحدثون عن الأشجار التي تصلُحُ أوراقها للأكل، وفجأةً تقتحمُ باب منزلهم المتواضع كتيبةٌ عسكرية من المرتزقة مما يسمى شرطة اللواء السادس حراس الجمهورية، فتشوا المنزل فلم يجدوا حفنةً من قمح أو نصف كيلو أرز، عبثوا بالثياب وبعض الأغراض البالية ولم يجدوا فيها ما يُشبعُ تصرفهم العدواني، التفوا حول الأب والأم، يسألونه عن ابنته؟ عن الفريسة الحقيقية التي يبحثون عنها؟ كانت البنت قد تعلقت بأبيها، وتوارت خلف أمها، تخبئ وجهها الجميل، بعدَ أن سمعَتْ عن قصصٍ يشيب لها الولدان.
يتساءل الأب:
ماذا تريدون من ابنتي؟
يجيبونه بكل وقاحة:
“نقضي حاجتنا فيها ونخرج مثلما دخلنا ويا دار ما دخلك شر”
يجيب الأبُ وقد تسللت دموعه، وامتدت يده إلى عصا غليظة:
“الموتُ دون عرضي أشرف” وهاجمهُم لكنَّ رصاصهم كانتْ أسرع، وسقطَ مضرجًا في دمائه، وارتمتِ الشابةُ فوق أمها التي تصيح بكل حرقة:
“اقتلوني ..ولا تفعلوا بابنتي الفاحشة…”
يجتمع ثلاثة من كلاب المرتزقة يفصلون الشابة عن أمها لكنها تزداد التصاقًا، وكأنها قد التحمت بعظام أمها، وهي تصرُخ:
“لا تتركيني يا أمي..لا تتركيني يا أمي”
يُشيرُ ضابطهم إلى قتل الأم، فتنطلقُ رصاصة غادرة، وتسقط الأمُّ مضرجة في دمائها، ويختلطُ دمها بدمِ زوجها، فيما تسقط الشابة في غيبوبة، فيأخذها “حراس الجُمهورية” فيتجمع الأهالي ليخلصوها من بين أيادي الوحوش، فينجحون في إنقاذها، لكنَّ طارق عفاش يرسل كتيبة أخرى، لتأديب الأهالي وجر البنت إلى معسكرهِمْ، حيثُ لا أبٌ تناديه، ولا أمٌ تتشبث بها…
هناكَ لا أحد سوى طارق عفاش، وتربيته وسلوكه ونشأته وسيرته المعروفة للقاصي والداني والتي زادها بدورة حقارة وسفالة في الإمارات…
هناكَ شابة تتضاربُ الأنباء بشأنها، بين قائلٍ أنها هربتْ بعد التي واللتيا، وبين قائلٍ أنها ما زالت بين أيدي الذئاب، ويعلمُ الله بحالها وبكائها ونحيبها!
لكَ أن تتخيلها أختك أو ابنتك، وحولها أرذل البشر من مرتزقة وجنجويد وكل واحدٍ منهم ينتظر دوره في إشباع سفالته.
فما رأيك؟
#مصباح_الهمداني
12/10/2019