مسيّرة يافا اليمنية.. عملية نوعيّة قلبت كثيراً من معايير الحرب

مسيّرة يافا اليمنية.. عملية نوعيّة قلبت كثيراً من معايير الحرب

ستبقى هذه المفردات نبراساً مُدوّياً للفداء بما تنحني أمامه القامة إجلالاً وتقديراً… فقائد المقاومة عندما يشحذ هِمَمَ المُجاهدين، الشعب كُلّه يُلبّي، اليمن كُلّه حاضر وطائع للولّي بالفداء.

اليمن الواقع تحت النّار والاضطهاد والحِصار الكارثيّ منذ ثمانية أعوام والعالم كلّه أعجز من أن يوقف همجية القرار الأمريكي بمعاونة السعودية والإمارات باستمرار الحرب القائمة، وعلى الرغم من كل ذلك فإن اليمن ينتفض بكل العنفوان نصرةً لـ “غزة” وهو “ينزف” وتحت التهديد – والسكين في نحره – لكنه أبى أن يتخذ من آلامه جَملاً، واختار السّلّةَ على الذلّة، إباءً على الضّيم.

اليمن الذي شكّلّ درعاً في البحر ضدّ جميع الناقلات البحريّة الأجنبية، – أعجز أمريكا وبريطانيا وكل أوروبا -، وصل بقُدُراته إلى “يافا”، بمُسيراتٍ من فخر بأس الصناعة اليمنية، وصلت إلى عاصمة الكيان السياسية والاقتصادية “تل أبيب”، مُسبّبةً خضّةً أمنية في قلب “إسرائيل” ولرئيس وزرائها “نتنياهو” قبل زيارته لأمريكا. فأيّ خطر وجودي بات اليمن يُشكّله على الكيان الإسرائيلي وأي استنزافٍ أمني يُلحقه بأمريكا، وما هي تفاصيلُ وصول “يافا” اليمنية إلى “تل أبيب”؟.

اليمن أيقونة المقاومة والصمود

في الاستهلال، رسالة من شاعر فلسطيني، كتب فيها، “حياكم الله، وسلمت أياديكم.. صحونا على نصرة اليمن لنا، أبكيتموني أيها اليمانيون، جعل الله كل أيامكم خيراً. صحوت لصلاة الفجر وفي العادة أفتح التلفزيون لأرى العناوين وأرجع للنوم، فوجدت الخبر وبكيت من الفرح، هل رأيت كم عدونا هش، وكم الانتصار عليه متيسر وسهل؟“.

اليمن الذي يمتلك العديد من المقوّمات التي جعلت منه لاعباً مهماً واستثنائياً ومؤثّراً في الصراع العالمي، يبقى مجوهراً ومُتألّقاً بمقوّمه الداخلي، ألاّ وهو الأهم من بين الأُخر، والمتمثّل بالتأييد الشعبي الهائل والواسع للقيادة اليمنية الحكيمة وقراراتها، ولعلّ الساحات اليمنية تفرّدت عن بقية الساحات في العالمَيْن العربي والإسلامي بمحافظتها على الزخم الشعبي الذي ملأ الميادين تأييداً لغزة ولقرارات القيادة اليمنية المناصرة لقضية فلسطين.

فقد حقّق التموضع الجيوسياسي لليمن زيادةً على ذلك، انسجاماً مع المكانة التاريخية والانتماء العروبي والنهج التحرّري الذي يمثّله أن يكون واحداً من مكوّنات محور المقاومة بكلّ ما يمثّله من مقاومة للاستكبار العالمي والهيمنة الأمريكية والغربية والإسرائيلية في المنطقة، وحقّق اليمن مع محور المقاومة انتصارات واسعة على الصعيد الإقليمي في وجه الولايات المتحدة وحلفائها، ونقلوا الصراع إلى مستويات مختلفة وفرضوا معادلات وقواعد اشتباك جديدة على امتداد جغرافيا الإقليم، بل وأبعد من الإقليم، وثبّتوا معادلة وحدة الساحات في إطار مواجهة الحلف الصهيو/أمريكي..

نستذكر بعد دخول الرئيس الأمريكي “جو بايدن” إلى البيت الأبيض قوله في الثاني من شباط/فبراير 2021 “إن هناك كارثة استراتيجية، وأعطيتُ توجيهات بإنهاء دور أمريكا في العمليات الهجومية في اليمن، إضافة إلى صفقات الأسلحة المرتبطة بذلك. إن الحرب في اليمن يجب أن تتوقّف، ووجّهت بفرض هدنة”. وقدّ شكّل خطاب بايدن صدمة كبرى حينها، يمكن وصفها بالزلزال السياسي الذي أصاب عواصم الدول التي شاركت في العدوان على اليمن، وعلى رأسها السعودية. وبالتأكيد فإن القرار الأمريكي لم يكن عبثياً، فقد كان واضحاً من التعبير الذي استخدمه بايدن عند وصفه للحرب على اليمن بالكارثة الاستراتيجية، بأن هذا التعبير يخفي خلفه خطراً داهماً يتهدّد الهيمنة الأمريكية على العالم، وأن الفخّ اليمني يمثّل على الأقل جزءاً لا يتجزأ من هذا الخطر. وبالفعل قد صدقَ التنبؤ! القرار الأمريكي بغزو اليمن، حوّل هذا البلد إلى لاعب مهمّ ومؤثّر في الصراع العالمي من غير مبالغة، كيف لا وهو يمتلك هذا الموقع الجيوسياسي الذي يؤهّله للتحكّم بأهمّ المضائق البحرية في العالم التي تمرّ عبرها سلاسل التوريد ما بين الشرق والغرب، ويمتلك المقوّمات العسكرية والتحالفية التي تحول دون إلحاق الهزيمة به.

هجوم “يافا” على “تل أبيب”

في توقيت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي “نتنياهو” إلى الولايات المتحدة الأمريكية؛ لحشد المزيد من الدّعم وانخراطٍ أمريكي أكثر في الحرب الدائرة في المنطقة، والدفع باتجاه حرب مقبلة مع لبنان، – حيث يكمن مصدر الخطر الوجودي على كيان الاحتلال الإسرائيلي وفق التقديرات السياسية والعسكرية والاستخباراتية -، والضغط على الأمريكيين أكثر لكسر الحصار الذي يفرضه اليمن على كيان الاحتلال الإسرائيلي، إذ يسجل الاقتصاد الإسرائيلي يوماً بعد يوم خسائر كبيرة وتراجعاً غير مسبوق، فضلاً عن توقف ميناء إيلات الذي يعد أهم الموانئ الإسرائيلية عن العمل، وقد نشر موقع “وورلد كارغو” المعني بأخبار الشحن العالمي خبراً عن إعلان ميناء إيلات إفلاسه نتيجة الهجمات التي تشنها صنعاء على سفن الاحتلال والسفن المرتبطة به في البحر الأحمر، ضربت اليمن “تل أبيب” بهجومٍ نوعيّ بمُسيّرة “يافا”.

قام اليمن بعملية نوعيّة قلبت كثيراً من معايير الحرب الدائرة، على الرغم من كونها عملية واحدة بطائرة مسيّرة لم تسفر سوى عن قتيل واحد وعدد من الجرحى، وإحداث حريق، لكن هذه العملية أكبر وأضخم وأهم من هذه النتائج بكثير، لأن المنطقة المستهدفة هي قلب الكيان وروحه “تل أبيب” ، وتجمّع شركاته ومؤسساته السياحية، ومقرّ إقامة المصارف والشركات العالمية والاستثمارات الأجنبية وشركات البورصة، والنجاح باستهدافها يقول إنه لا مكان خارج الاستهداف في الكيان، ولا مكان حصين وعصيّ على المقاومة، وإن التجمعات السكانية الكبرى التي تحتشد في تل أبيب لم يعد باستطاعتها الوثوق بأنها تحت حماية نظام أمني يتباهى بأنه خيرة ما أنتج الغرب وأفضل ما تملك جيوشه.

ختاماً

، ثمة دلالة بالغة الأهمية لهجوم الطائرة اليمنية المسيرة يافــا هي تلك التي تتعلق بالولايات المتحدة ودورها في الدعم الكامل للحرب العدوانية الإسرائيلية على غزة، ودورها في العدوان على اليمن واستهداف موقفه المنحاز إلى غزة ونصرته لها، الطائرة اليمنيّة الآتية من مسافة أكثر من ألفي كلم، والتي قطعت هذه المسافة بساعات، كانت خلالها تحت مجسّات المتابعة المفترضة الأمريكية والإسرائيلية، ونجاح اليمن ببلوغ الهدف المقرر، يعني فشلاً ذريعاً لكل هذه المنظومات المفترضة، وفي طليعتها المنظومات الأمريكية التي تباهت ببيان قالت إنها أسقطت أربع طائرات يمنية، لكنها لم تقل إن الطائرة المقرّر أن تصل إلى الهدف قد وصلت ولم تستطع أمريكا منعها، إذ أن سقوط الطائرة المسيّرة أحدث أضراراً في مكاتب تابعة للقنصلية الأمريكية، وهذا يعني أن المصالح الأمريكية باتت غير محصنة ومهددة، وبالتالي على الإدارة الأمريكية أن توقف عدوانها المتمادي على اليمن. فماذا لو أرسل اليمن سرباً من عشرات الطائرات؟ ماذا بعد زيارة “نتنياهو” إلى “أمريكا”، هل يُقرر إنهاء حرب “غزة” أم سيمضون في الحرب وتؤول المنطقة إلى ما لا تُحمد عُقباه على العدو؟!!.

كتب/ زينب عدنان زراقط

قد يعجبك ايضا