مسيرة السيدين عبدالملك وحسين..
عين الحقيقة/ كتب / هاشم أحمد شرف الدين *
باستهلال سريع ومقتضب بدأ السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي حفظه الله كلمته بمناسبة الذكرى السنوية ﻻستشهاد الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي رضوان الله عليه موضحا خلفيات ودوافع انطلاق المشروع القرآني الذي أسسه الشهيد القائد والقضية التي حملها، وكﻻهما يرتكزان على قاعدة التحرك الواعي والمسئول لمواجهة الخطر، وفقا للمنهج الوحيد الذي يمكن بواسطته النجاح في تصحيح وضعية الأمة ألا وهو المنهج القرآني..
يحثنا هذا الاستهلال على تذكر واقع الأمم – خلال النصف الأخير من القرن الماضي – وكيف أنها كانت تسعى بكل جهد لمواجهة الأخطار المحدقة بها، وتخوض سباقا عالميا شديد التنافس للنهوض بواقعها، باستثناء أمة الإسلام التي كانت تغرق في سبات عميق رغم تعاظم الأخطار المحدقة بها، حتى ساور المسلمين الكثير من الشكوك حول جدوائية رسالة الإسلام في إحداث أثر إيجابي في واقعهم كأفراد وكمجتمعات ودول، بل أخذ المسلمون يلهثون وراء نظريات وضعية رأسمالية أو اشتراكية أو غيرها ويقدمونها على أنها الحل، ويطبقونها في بلدانهم، والتي أخرجت المسلمين من حالة السبات ولكن إلى حالة أشد خطورة فبدت الأمة في غيبوبة كاملة، ﻻ تحرك ساكنا لدفع الأخطار عنها، بل وتتخلى عن قضاياها الأساسية والمركزية كالقضية الفلسطينية، وتنهار أوضاعها الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والعلمية وعلى كافة الأصعدة..
وبلغ الأمر بالغالبية العظمى من الحكام العرب والمسلمين حد تقديم هذه الغيبوبة على أنها السياسة الحكيمة في هذا العصر، حيث ﻻ طاقة لﻷمة – من منظورهم – سوى الاستسلام أمام الأعداء والانخراط في مشاريعهم والامتثال لأوامرهم، بل وتوفير الغطاء لهم للاعتداء على دول عربية وإسلامية، ومساعدتهم أيضا بالمال والسلاح والمقاتلين كما حدث في أفغانستان والعراق مطلع الألفية الثالثة، ويحدث من قبل في الأراضي العربية التي يحتلها الكيان الصهيوني..
ولهذا فقد أخذ السيد القائد يؤكد على أن القضية والمشروع اللذين حملهما الشهيد القائد لم يأتيا من فراغ، أو كانتا عبثا، أو فضولا، وإنما استجابة للهوية والقيم والمبادئ الإسلامية، والتزاما بواجب الدفاع عنها أمام الأخطار التي تواجهها، ولهذا فقد بدى السيد القائد امتدادا أصيلا لأخيه الشهيد القائد حسين، يجد فيه أنصارالله خير سلف لقائدهم الشهيد المؤسس..
فإن شاء المتابع توصيفا مجملا لطبيعة مضامين كلمات السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي عامة ولكلمته هذه خاصة فيمكنه أن يقول بكل تأكيد إنها توعوية بامتياز، كدأب محاضرات الشهيد القائد حسين الذي قال في احداها: “إننا في معركة مع العدو، أينا يسبق إلى وعي أبناء الأمة”، فيما أكد السيد القائد في كلمته هذه أن الوعي هو أكبر ما يمكن أن يحصن الأمة، وأنه أهم احتياج لها، مع التشديد على أن يكون سائدا لدى عامة أبنائها، فما لم يتسلح كل فرد في هذه الأمة بالوعي فسوف يكون حتمًا ضحيةً للتضليل والاستقطاب..
لطالما أكد الشهيد القائد في محاضراته على وجوب تحرك الشعوب للاضطلاع بمسئولية الدفاع عن الأمة لتقاعس الأنظمة العميلة، لكن صوته لم يصل لتلك الشعوب بفعل استهدافه وقتله وبفعل التضييق الإعلامي على أطروحاته، واليوم يتولى السيد القائد المهمة بكل اقتدار، ومتجاوزا كل العوائق..
حيث بدى السيد القائد عبدالملك بدرالدين في خطابه هذا خير معبر عن كل عربي ومسلم ضاق ذرعا بالواقع المأساوي الذي باتت عليه الأمة، إذ كانت كلمته بيانا تاريخيا للأجيال التي تم تغييبها جراء تضليلها من قبل الأعداء والأنظمة العربية والإسلامية العميلة، فقد بين السيد القائد الاتجاهات الثلاثة التي سار عليها العرب والمسلمون منقسمين في مواجهة ذلك الواقع المتردي، فكان أولا المستسلمون العملاء وتتشكل غالبيتهم من الأنظمة وبعض الاتجاهات الشعبية، ثم الصامتون الجامدون المستسلمون وغالبيتهم تشكلها الشعوب وبعض الأنظمة، وأخيرا الأحرار الاستقلاليون المسئولون المدافعون عن الأمة في مواجهة الأخطار..
كلام كهذا ﻻ شك يقض مضاجع عملاء أمريكا واسرائيل، لذا تحاول وسائل إعلامهم أن تتجاهله وأن تشغل الرأي العام العربي والمسلم كالعادة بأمور أخرى، لكنها تبدو عاجزة تماما عن اعتراض وصوله إلى أسماع العرب والمسلمين الذين أصبحوا شديدي الحرص على متابعة جميع كلمات السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي وخطاباته..
فمع كلمة وراء كلمة، وخطاب وراء خطاب، تزداد نسبة المتابعين له، ويزداد عدد القنوات التلفزيونية العربية والإسلامية التي تنقل كلماته مباشرة على الهواء، فقد وجد فيه الكثير من أبناء الأمة خير من يتحدث عنها، ويوصف أوضاعها، ويشخص مشاكلها، ويقدم الحلول لإنقاذها.
فلطالما تضمنت كلماته استمالات إقناعية بوسعها أن تنفذ إلى ضمائر الشعوب العربية والإسلامية واختراق كل العوائق أمامها، حتى تحير أرباب الإعلام وفصحاء الكلام، وعجز خبراء لغة الجسد عن ضبط حركة واحدة له قد تشير إلى أنه ﻻ يقول الحقيقة، أو أنه يضلل الناس..
وبات ﻻ يمكن ﻷي منصف عربي ومسلم سوى أن يقر بصدقية ما يطرحه هذا السيد القائد ومطابقته للواقع..
ولكونه كذلك لم يتمكن أي إعلام مضلل من النجاح في تحوير كلامه، أو اقتناص زلة لسان له، أو هفوة ما، رغم طول الكلمات وعددها الكبير منذ بدأ يلقيها عبر الشاشات منذ حوالي خمس سنوات أو تزيد..
فها هو بلفة عربية فصيحة مدعمة بالمنطق يقنع العقلاء والنخب والمثقفين على مستوى الأمة والعالم، وباللغة ذاتها التي هي “السهل الممتنع” يقنع العامة باستمالات عاطفية تكسب تعاطف كل ذي قلب سليم، وباستمالات تخويفية توضح وحشية الأعداء يثير غيرتهم وحميتهم، ويحفزهم على التحرك الجاد والمسئول..
لكنه ﻻ يغفل أن يصارح الجميع بأن خيار الحرية والاستقلال والدفاع عن الأمة لا طريق له مفروشة بالورود، فيقول إن هذا الخيار له ثمن، ولا بد فيه من التضحيات على كل المستويات، لكنه الأقل كلفة، والمجدي الذي له نتيجة وعاقبة حسنة..
اليوم.. في ذكرى الاستشهاد كان السيد عبدالملك التجسيد الرائع للشهيد القائد، حتى شعر جميع المتابعين للكلمة أنه بينهم لم يستشهد بعد، يستنهض همم اليمنيين وجميع العرب والمسلمين بلسان أخيه..
وإذا كانت الحرب الأولى قد غيبت جسد الشهيد القائد لكنها وما تلاها من حروب عجزت عن تغييب فكره وثقافته القرآنية، ﻻ سيما وقد تعهد حمل رايتها قائد شاب رعاها باهتمام، فتمكن بتوفيق الله من إيصالها ليس فقط لأهل اليمن بل ولكافة العرب والمسلمين، وهل غير السيد عبدالملك يمكنه فعل ذلك اليوم !؟..
وإذا كان الشهيد القائد قد حذر قبل ستة عشر عاما من خطورة دخول أمريكا إلى اليمن، فإن السيد القائد عبدالملك يقود اليوم معركة الدين واليمن والأمة ضد العدوان الأمريكي السعودي الاسرائيلي على أرض الواقع..
وكما انزعج الأمريكيون حينذاك من قول الشهيد القائد فها هم ينزعجون اليوم من فعل السيد القائد، ومن قيادته الحكيمة لمسيرة كتب الله لها الاستمرار، وهيأ لها سبل الانتصار، رغم العدوان والحصار، مسيرة القضية العادلة التي تتضمن مشروعا قرآنيا نهضويا إستقلاليا متحررا جادا ومسئولا يواجه الأخطار وبقناعة تامة أنه لا مناص للشعوب في مواجهة هذه الأخطار الأمريكية الإسرائيلية من تحمل المسؤولية..
السلام على السيد قائدا وشهيدا..
نائب وزير الإعلام