مسرحيةُ المكلا.. عنوانٌ للتغطية والرعاية الأمريكية للإرْهَـاب
الحقيقة / تقرير/ نايف حيدان
مما لا شَكَّ فيه أن الدورَ الكبيرَ الذي يقومُ به أبطالُ الجيش واللجان الشعبية في مواجَهة آفة الإرْهَـاب لا يستطيعُ إنكارَهُ لا مرتزقٌ ولا وطني، فعلى سبيل المثال كانت مناطقُ واسعةٌ بمحافظة البيضاء تحتَ سيطرة هذه العناصر الإرْهَـابية، وببسالة وشجاعة وإخلاص أبطال الجيش واللجان الشعبية وبتعاون الشرفاء في هذه المحافظة استطاعوا تنظيفَها وإنقاذَ المحافظة من شر وأذى هذه الجماعات الدموية، ومثال آخر في شمال صنعاء منطقة أرحب والتي كانت تمثلُ الوكر الآمن للعناصر الإرْهَـابية تم تحريرُها وتأمينُها من العناصر الإرْهَـابية بعد مواجهاتٍ شرسة انتهت بقتل وأسر الكثير من هذه العناصر وفرار مَن تبقى إلى مناطق أخرى كمحافظتي مأرب والجوف.
واليوم سمعنا عن المسرحية الهزلية والتي أدوشتنا بها قناتا الجزيرة وَالحدث واستعراضهما المبطن بالترويج والإشادة لهذا التنظيم الإرْهَـابي، المسرحية الهزيلة هذه تتمثلُ في تحرير المكلا من العناصر الإرْهَـابية، ولو رجعنا إلى الخلف قليلاً ودرسنا وَتأملنا في الأحداث التي سبقت خروجَ الجيش واللجان الشعبية من المناطق الجنوبية لاكتشفنا ماذا يعني تحريرُ المكلا في هذا الوقت، فقد سبق هذا التحرير المزعوم انتشارٌ كبيرٌ للمعسكرات التدريبية للعناصر الإرْهَـابية وانتشارٌ وتوسعٌ لهذا التنظيم الإرْهَـابي في العديد من المحافظات الجنوبية، وكان آخرها السيطرة على مسقَط رأس الفار هادي (الوضيع) بمحافظة أبين من قبل تنظيم القاعدة، ومع هذا لم نرَ أو نسمعْ عن اسْتهدَاف الطيران السعودي أو الأمريكي لهذه التجمعات والمعسكرات، بل سمعنا عن دعمِهم وإمدادهم بالأسلحة المتنوعة، بل وشن الغارات الجوية على من يقومون بمحاربتهم الحربَ الجديةَ والصادقة.
فلو كانت أمريكا أو مملكةُ آل سعود، كما يدّعون، يحاربون الإرْهَـاب عن جد وحقيقة لتوقفت غاراتُهم التي تستهدفُ مواقعَ الجيش واللجان الشعبية، ولأوقفوا دعمَهم العسكري لهذه العناصر ولتركوا الجيش الـيَـمَـني واللجان الشعبية وهم أعرف وأدرى كيف يتعاملون مع هذا التنظيم، إلا أن الواقعَ يحكي عكس كُلّ هذا، ونشاهد ونسمع عن فبركات وحركات “نص كُم” تتمثل في تحرير المكلا وقصف يدمّر مقرات حكومية كانت في غنىً عن هذا الاسْتهدَاف، وما يثير الضحك أكثر هو ما أتحفتنا به قناةُ العربية (الحدث) في تناولاتها لهذا التحرير المزعوم ونشرها أخباراً عن مقتلِ أكثر من 800 إرْهَـابي في هذه العملية الناجحة، بينما سكانُ المكلا لم يشاهدوا حتى جثةً واحدة، بل شاهدوا تدميراً ممنهجاً لمقرات ومؤسسات الدولة؛ نتيجةً لقصف همجي عُـدْوَان لطائرات آل سعود ومن خلفهم أمريكا، ولنا أن نتساءلَ اليومَ إن كانت أمريكا جادةً في التخلص من الأداة التي استخدمتها في سياساتها التوسعية، بدءاً من أفغانستان ومروراً بالعراق وسوريا وليبيا حتى الـيَـمَـن، فإن كانت فعلاً تريد التخلص من هذه الأداة فعليها الضغط على مملكة آل سعود لإيقاف الدعم المادي والعسكري لهذه الجماعات المنتشرة في المناطق التي تقعُ تحت سيطرة ما تسمى المقاومة وسيقومُ الجيش واللجان الشعبية بالتعامل معها وبالطريقة المناسبة، أما أن تتخذ من هذا التواجد المتحكَّم به للانتشار والتوسع كما هو حاصل اليوم في قاعدة العند بمحافظة لحج بذريعةِ محاربة الإرْهَـاب، فما هي إلا وسيلة مكشوفة ومفضوحة.
بعد عام من السيطرة تظهر المهزلة
بعد ساعاتٍ على هجوم مزيَّفٍ وقصفٍ للطيران استهدف مقرات حكومية، اختفت عناصرُ “القاعدة” من مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت، بعد عامٍ على سيطرتها على المدينة.
ظلالٌ من الشكوك أحاطت باتفاق وقف إطلاق النار في الـيَـمَـن، “القاعدة” أكبرُ الكاسبين من الحرب في الـيَـمَـن، هدنة هشة في الـيَـمَـن.. وسلامٌ بعيدُ المنال “خريطة طريق” أممية للسلام في الـيَـمَـن، في سيناريو مشابه لما حدث في أماكنَ أخرى، تمكّنت عناصر “القاعدة” من الاحتفاظ بقوتها وغادرت مدينة المكلا، واتجهت نحو محافظتي شبوة ومأرب، وخلال ساعات قليلة من هذه المسرحية تختفي القاعدة من المكلا؛ لتُنهي بذلك عاماً كاملاً من سيطرة “القاعدة” عليها.
لكن ذلك أثار الكثيرَ من الأسئلة حول مستقبل التنظيم، الذي بات أكبرَ قوةٍ إرْهَـابية في المنطقة.
وعلى عكس المخاوف التي انتابت كثيرين من المعركة مع عناصر “القاعدة”، الذين حصلوا على كميّات كبيرة من الأسلحة عندما اقتحموا المعسكرات والتي وصلتهم أيضاً من تحالف العُـدْوَان بما فيها عربات عسكرية حديثة، أتت المعركةُ خاطفةً وسريعة، ولم يسقط خلالها إلا عدد قليلٍ من القتلى لا يتجاوز عشرين، خلافاً لما صدر عن التحالف الذي تقودُه السعودية، والذي تحدث عن 800 قتيل في صفوف “القاعدة”.
ومع حلولِ مساء الأحد (24-4-2016) كانت عشرات السيارات تحمل مقاتلي “القاعدة” باتجاه منطقة بروم الساحلية المؤدية إلى محافظة شبوة التي تأسّس التنظيم فيها في نهاية التسعينيات.
واستيقظ سكان المكلا على انتشارِ مدرعات التحالف في شوارع مدينتهم، وخاصةً أن هذا الدخول السهل جاء بعد أيام من الغارات العنيفة، التي شنتها مقاتلاتُ تحالف العدوان على المواقع الرئيسية لعناصر التنظيم في المدينة.
نشطاءُ في المدينة تحدثوا عن وساطة ناجحة قادها وجهاء محليون وعلماء دين بين قوات التحالف من جهة، وعناصر “القاعدة” من جهة أخرى، والزنداني كان في مقدمة المتوسطين، قد أفضت إلى إيجاد ممر آمن لهذه العناصر كي تغادرَ وتتجنبَ المدينةُ القتال، وهي الطريقة نفسها التي استُخدمت عند بداية دخول هذه العناصر المدينة في أبريل من العام الماضي بعد أسابيع على بداية العُـدْوَان السعودي الأمريكي على الـيَـمَـن.
وأورد هؤلاءِ قائمةً بأسماء الشخصيات التي تولّت دورَ الوساطة، وبرّروا ذلك بتجنيب السكان مآسي القتال والمدينة مآلات الخراب، وهي التبريراتُ التي سبقت انْسحَـاب قوات الجيش من المدينة وتسليم المعسكرات لـ”القاعدة”.
ورعى هؤلاء اتفاقاً للتعايش تم بموجبه تغييرُ مسمى جماعة “القاعدة” من “أنصار الشريعة” إلى أبناء حضرموت.
وأعقب ذلك تشكيلُ إدارة مشتركة للمدينة احتفظت بموجبها عناصر “القاعدة” بالسيطرة الأمنية والمالية، وتُرِكَ للوجهاء إدارة جانب الخدمات.
وخلال هذه الإدارة، حصل التنظيمُ طوال فترة حكمه على أموال كثيرة جراء سيطرته على ميناء المدينة وحركة التجارة واستيلائه على خزائن البنوك المحلية وتجارة المشتقات النفطية وتهريبها.
ولهذا، فإن مغادرةَ التنظيم الإرْهَـابي المكلا لا تعني هزيمتَه النهائية، بل انْتقَاله إلى مواقع أخرى، وهو مزوّدٌ بكميات كبيرة من الأسلحة وحصيلةٍ ضخمةٍ من الأموال لتغطية نفقات العمليات الإرْهَـابية لأتباعه!.