مسارات الحرب الاقتصادية في اليمن.. بين خيارات صنعاء و ضغط التحالف
سعت الحملة العسكرية لدول التحالف منذ الوهلة الأولى في حربها على اليمن في 26 مارس 2015، لاستهداف الاقتصاد اليمني كأحد الأسلحة الرئيسية المستخدمة في تجويع الشعب اليمني ظناً منها أنها سوف تخضع اليمنيين لسياساتها الاستعمارية، وبما يضمن لها نهب الثروات السيادية دون أن تجد صوتاً يُرفع.
الحرب الاقتصادية على اليمن اتخذت مسارين متوازيين أحدهما بالاستهداف العسكري المباشر والمتمثل في تدمير البنى التحتية ذات الطابع الخدمي والاقتصادي مثل المصانع والمزارع وأماكن تربية المواشي والدواجن ومحطات توليد الكهربائي والطرقات والجسور، والمسار الأخر تمثل في أضعاف العملة المحلية وفتح أبواب نهب موازنات الدولة من قبل مسؤولي “الحكومات” التابعة لدول التحالف.
العبث بالعملة
أولى خطوات الحرب الاقتصادية تمثلت في نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن في 6 سبتمبر 2016، وإيقاف التعاملات البنكية الخارجية مع البنك في صنعاء، الأمر الذي أعاق كثيراً الحركة التجارية نتيجة عدم فتح الاعتمادات البنكية في الخارج من أجل تمكين التجار من تغطية السوق الداخلية بالاحتياجات الضرورية من سلع ومستلزمات أساسية.
كما شهدت حرب التحالف الاقتصادية اختلاق مشكلة انعدام السيولة، وسحبها بصورة تدريجية من السوق ليترتب على ذلك توقف صرف المرتبات للموظفين وارتفاع مستوى البطالة وتدهور سعر العملة الوطنية حتى وجد التحالف مبرراً لطباعة فائض كبير من العملة المحلية، ما أدى إلى حدوث حالة تضخم كبير للريال اليمني، مما ساهم كثيراً في تدهور الاقتصاد اليمني بشكل كبير خلال الخمس السنوات الأخيرة.
المستجير من الرمضاء بالنار
وأمام فشل الإجراءات التي اتّخذها مركزي عدن، منتصف العام الماضي، في وقف انهيار سعر صرف العملة المحلّية، والتي كان أخرها القيام بإغلاق أكثر من 80 شركة صرّافة واستخدام آلية بيع الدولار عبر المزادات، اعترفت حكومة التحالف، على لسان رئيسها معين عبد الملك، مطلع سبتمبر 2021، بعجزها الكامل عن مواجهة الأزمة، وطالبت الدول المانحة والمنظمات الدولية بمساعدات مالية عاجلة لإنقاذ الوضع الاقتصادي والإنساني.
لكنّ “الحكومة” ومجلسها الرئاسي الذي تم تشكيله من قبل التحالف في ابريل الماضي، استثنت كلّاً من الرياض وأبو ظبي من مطالبها بانقاذ الوضع الاقتصادي، على رغم من تلقّيها وعوداً سعودية بدعم اقتصادي سخيّ لتحسين وضع الخدمات العامة المتهالكة، ووقف تدهور سعر صرف الريال اليمني أمام العملات الأجنبية.
غير أن المملكة سرعان ما تنصّلت عن وعودها، مُتّهمة حكومة “معين عبدالملك” بنهب الوديعة السعودية المُقدَّمة مطلع العام 2018، كدعمٍ للعملة اليمنية، بعد أن أكدت تقارير لجنة الخبراء التابعين للأمم المتحدة ضلوع بنك عدن في جرائم غسيل أموال.
استراتيجية الفشل
وفي السياق ذاته، فشلت كل محاولات “حكومة التحالف” العقيمة مًنذ نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن في وقف دوامة الانهيار الاقتصادي المتسارع والتدهور الكبير للعملة المحلية ما أدى بطبيعة الحال إلى ارتفاع نسبة الفقر والجوع وغلاء الأسعار في المناطق الواقعة تحت سيطرت التحالف، وامام كل انهيار تسارع تلك الحكومة في تخدير الرأي العام المحلي والدولي بالإعلان عن حزمة إصلاحات فاشلة سرعان ما تتسبب بأزمات اقتصادية جديدة.
وتصر حكومة التحالف في تنفيذ استراتيجية الفشل، العالقة بين الحلول الترقيعية ونهج التمزيق، بين فساد وخيانة ونهب الثروات وبين جمود وانغلاق، بين محاولات عقيمة وفساد مُنظم، بين فقر مدقع للمواطن وصرفيات مهولة للمسؤول بين مصالح شخصية وتجارة رسمية في بيع اليمن بثمن بخس.
وكيف يرجو الشعب خيراً من “حكومة” تستخدم لقهر المواطن، وتطيل أمد الحرب والحصار عليه أنها سياسة حقبة فاشلة وفاسدة تتمادى بفعلها مع سياسات دول التحالف في تجويع الشعب اليمني الذي يظهر مخذولاً ومقهوراً خاصة في ظل تقلص دور “مجلس الرياض الرئاسي” الذي يظهر عاجزاً في اتخاذ أي قرارات لوقف الفساد والخيانة خدمة للأجندات التحالف المغرضة.
وبحسب مراقبون وخبراء اقتصاد، فقد تسببت “حزمة إصلاحات” حكومة التحالف الفاشلة في المزيد من الانهيار الاقتصادي وارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية والأساسية التي فاقت قدرات معظم المواطنين الشرائية، وأوصلت غالبية الأسر التي تعيش في المحافظات المحتلة إلى حافّة الجوع، وهو ما دفع بالآلاف في مدن تعز وعدن والمكلا وعدد من مناطق محافظتَي لحج وأبين، إلى الخروج في احتجاجات رفعت شعارات مناهضة لـ«التحالف»، وطالبت برحيله ورحيل حكومة التابعة له.
مطالب صنعاء
من جهة أخرى، حمّلت حكومة الإنقاذ الوطني في صنعاء، حكومة التحالف والسعودية والإمارات، كامل المسؤولية عن الانهيار الاقتصادي والمعيشي في المحافظات الواقعة تحت سيطرة التحالف بشكل خاص واليمن بشكل عام، مطالبة باستعادة إيرادات الدولة في تلك المحافظات وإعادتها إلى حسابات البنك المركزي في صنعاء أو في حساب خاص تحت إشراف أممي.
ووفقاً لمراقبين، فقد حظي مطلب صنعاء، بتأييد شعبي كبير في اليمن كون استعادة إيرادات النفط والغاز اليمني المنهوب، والتي تقدَّر سنوياً بمليارَي دولار والتي تورَّد إلى البنك الأهلي السعودي، كفيلة بحلّ أزمة الريال اليمني وإعادة قوّته الشرائية إلى الوضع الطبيعي، وكفيلة بصرف مرتبات الموظفين المنقطة مًنذ عام 2018.
وفي سياق أخر، تُواصل دول التحالف نهب الثروات السيادية، في ظل اصرار الرياض على مصادرة مبيعات النفط والغاز اليمني المنهوب في بنوكها، رافضة توريدها إلى حسابات خاصة بـ«مركزي صنعاء وعدن»، الأمر الذي دفع حكومة صنعاء اللجوء إلى استخدام القوة العسكرية لوقف نزيف نهب الثروات السيادية.
حرب أمريكية
ووفقاً للمراقبين، فإن تداعيات الحرب الروسية الغربية في روسيا التي نتج عنها أزمة خانقة في الطاقة، تدفع الولايات المتحدة على توفير كل قطرة نفط وغاز لحلفائها الأوربيين الأمر الذي دفعها برمي كامل ثقلها في السيطرة على نفط وغاز اليمن وهو ما يتجلى كثيراً في تواجدها العسكري مؤخرا في محافظة حضرموت النفطية شرق اليمن.
وعلى الرغم من أن حرب التجويع الأميركية على اليمن لن تجلب سوى مزيد من البؤس لشعب صنفته تقارير الأمم المتحدة كأكبر أزمة إنسانية في العالم خلال قرن، تتّجه إدارة بايدن، في الوقت الراهن، للتمسك بسياسة السيطرة على نفط وغاز اليمن، كاستراتيجية ثابتة تتخذها تجاه اليمن، وكذلك في مفاوضات الحلّ النهائي مستقبلاً وبما يضمن الاستمرار في السيطرة على ثروات اليمن السيادة التي باتت مسألة حياة أو موت لواشنطن وحلفاؤها.
وفي السياق، حذّر نائب وزير خارجية صنعاء، حسين العزي، في 11 يونيو الماضي، التحالف ممّا وصفها بـ«مغامرات جديدة في اليمن».
وقال العزي، في تغريدة على «تويتر»، إن «مغامرات التحالف في اليمن، ستفضي، هذه المرّة، إلى تداعيات خطيرة ومربكة على منطقة الخليج ككلّ، وهذا بالتأكيد لن يكون في مصلحة أحد»، في إشارة إلى امتلاك صنعاء أوراق قوّة تتمثّل في قدرتها على استهداف المصالح الاقتصادية الخليجية