مسؤولية أمريكا عن المجاعة في اليمن
هذا الأسبوع، وفي مكتب جمعية “أصوات لـ “اللاعنف الخلاق” في شيكاغو”، يتوجب على زميلتي Sabia Rigby أن تقوم بتحضير مداخلتها في إحدى المدارس الثانوية المحلية. عليها أن تذهب مع صديق هو لاجئ عراقي إلى تلك المدرسة للحديث عن أزمة اللاجئين بفعل الحرب.
وقد رجعت Sabia مؤخراً من أفغانستان حيث شاركت في جمع الأخبار حول جهود الشبان الأفغان المتطوعين للعمل من أجل السلام والذين يعملون على تزويد الأسر التي هربت من الحرب الأفغانية، والتي تعيش اليوم في مخيمات البؤس… على تزويدها بالدفء والغذاء والتعليم.
وكانت Sabia قد قامت العام الماضي بزيارة إلى اللاجئين في “مخيم كاليه” [في شمال فرنسا]. وكان هؤلاء اللاجئون قد فروا من الشرق الأوسط والعديد من البلدان الإفريقية وحاولوا الوصول إلى بريطانيا. وبعد أن منعوا من عبور بحر المانش، أجبر قسم منهم على التجمع في “مخيم كاليه” المذكور. ثم قامت السلطات الفرنسية بإخلائهم منه وعمدت إلى إحراقه تماماً، رغم حملات التضامن معهم.
كما كانت Sabia قد هيأت وثيقة لعرضها في محاضرتها في المدرسة الثانوية. وهذه الوثيقة تظهر أين يتم استقبال اللاجئين بشكل أفضل في العالم. وبالمناسبة تعجبت أمام أحد التفاصيل الصغيرة:
في العام 2016، استقبلت الولايات المتحدة 84995 لاجئاً. لكن اليمن، وهو أفقر بلد في العالم العربي، استقبل في العام نفسه، 117 ألف لاجئ جديد، إضافة إلى كونه يستقبل بشكل دائم 255 ألف لاجئ صومالي. هذا، وقد دخل اليمن في حالة معاناة من أسوأ كارثة إنسانية في العالم. وفوق ذلك كله، يتعرض اليمن بشكل منتظم لهجمات جوية سعودية وأميركية.
ولدى قيامنا، في الوقت نفسه، بتنظيم أسبوع للصيام والعمل، على صلة بالمأساة التي تضرب اليمن، دهشنا كثيراً عندما علمنا أن اليمن هي أيضاً البلد الذي يقصده اللاجئون الصوماليون الذين يفرون من القرن الإفريقي ليجدوا أنفسهم عالقين في بلد تدور فيه رحى حرب قاتلة تتسبب أيضاً بمجاعة مرعبة.
هناك حرب أهليه تجتاح اليمن منذ العام 2014، وذلك بعد سنوات من الدعم الأميركي لحكم علي عبد الله صالح. جارة اليمن، المملكة السعودية هي إحدى الدكتاتوريات الأشد قسوة في المنطقة. كما أنها حليف ثابت للولايات المتحدة. وبدعم من تسعة بلدان حليفة، ثارت ثائرة السعوديين في العام 2015، وبدأوا بشن غارات جوية تأديبية دائمة على اليمن، كما فرضوا عليها حصاراً أفضى لوقف وصول الإمدادات الغذائية عبر أحد الموانئ الهامة. وقد أمكن كل ذلك بفضل وصول مكثف للأسلحة من الولايات المتحدة، التي تقوم هي أيضاً بشن غارات جوية مستقلة تقتل العشرات من المدنيين وبينهم أعداد من النساء والأطفال.
كيف يمكن لهذا البلد الصغير المرمي في أحضان الفقر والملاحق بهجمات جوية وبرية لا تتوقف، والذي بات قريباً من الانهيار الاقتصادي ومن المجاعة… أن يستقبل آلاف النازحين اليائسين؟
اليمن يستورد 90 بالمئة من احتياجاته الغذائية. وبفعل الحصار، فإن أسعار المواد الغذائية والمحروقات تتصاعد، وتصل ندرة هذه المواد والسلع إلى مستوى الأزمة.
وتشير تقديرات اليونيسيف إلى أن أكثر من 460 ألف طفل يمني يعانون سوء التغذية الخطير، وأن 3،3 مليون طفل وامرأة حامل أو مرضع يعانون سوء التغذية الحاد. وقد قتل أكثر من عشرة آلاف شخص منهم 1564 طفلاً. وهناك أيضاً ملايين الأشخاص الذين تم تهجيرهم من منازلهم. والأسوأ من كل ذلك، تلوح في الأفق القريب أشباح مجاعة يمكنها أن تجرف كل شيء في طريقها. ومؤخراً، نشر موقع “أخبار وتحليلات إنسانية عن إفريقيا وآسيا ولشرق الأوسط ” (IRIN) مقالة لـ Iona Craig جاء فيها :
“مجموعة مكونة من 120 عائلة ينضم إليها قادمون جدد تقبع تحت الأشجار المتيبسة في هذه البقعة الواسعة من الأرض المغطاة بالأعشاب الرمادية في الجنوب الغربي من مدينة تعز. أفراد هذه الأسر ساروا مشياً على الأقدام لمدة يومين هرباً من الصراع المحتدم على الشاطئ اليمني للبحر الأحمر.
وعند وصولهم، لم يجد عشرات النساء والأطفال شيئاً في المكان. لم يحصلوا على أية مساعدة من منظمات المساعدة الإنسانية. لا أغذية، ولا ماء ولا ملجأ. المتقدمون في السن قالوا أنهم كانوا يقتاتون الأعشاب وأوراق الأشجار كي لا يموتوا جوعًا، أما الصغار فقد توجهوا إلى المزارعين المحليين طلباً لشيء من الماء. إحدى الأمهات تهز بين ذراعيها طفلاً من الواضح أنه يعاني سوء التغذية.
والآن، نسمع كلاماً عن مقتل 42 صومالياً في 16 آذار/ مارس بفعل الضربات الجوية المتواصلة، وذلك أثناء محاولتهم الصعود في أحد القوارب بهدف الفرار من اليمن.
يقول إبراهيم علي زياد، وهو صومالي نجا من القصف: “تمددت في قعر القارب، ورأيت كيف كان الناس يسقطون عن يميني وشمالي. كان الجميع يصرخ ويقول: “نحن صوماليون! نحن صوماليون!”. لكن القصف تواصل برأيي لمدة نصف ساعة على الأقل”.
تقول مصادر الأمم المتحدة أن الضربات التي تتعرض لها اليمن تمنع كلاً من اليمنيين واللاجئين الصوماليين من تلافي الوقوع في أحضان واحدة من المآسي الأربع التي تتفاقم حالياً لتفضي إلى أسوأ أزمة إنسانية عرفها تاريخ الأمم المتحدة. ومنذ نشر هذه المقالة، لم يعلن أحد عن تبنيه عملية القصف تلك. لكن الناجين يقولون بأن القصف تم من قبل طائرة مروحية حربية. 140 شخصاً كانوا على ظهر القارب، وكانوا يتوجهون نحو الشمال بمحاذاة الشواطئ اليمنية.
وفي هذه الأثناء، إن صانعي الأسلحة الأميركيين ومنهم شركات جنرال ديناميكس، ورايتيون، ولوكهيد مارتن، يحققون أرباحاً ضخمة من مبيعات السلاح إلى المملكة السعودية. ففي كانون الأول/ديسمبر 2016، كتب ميديا بنجامين: “رغم الطبيعة القمعية للنظام السعودي، فإن الحكومات الأميركية لا تكتفي بدعم السعوديين في المجال الديبلوماسي، بل تزيد على ذلك دعمها لهم على الصعيد العسكري. وقد وصلت مبيعات الأسلحة الأميركية إلى السعودية في ظل إدارة أوباما إلى 115 مليار دورلار”.
الوضع حرج، وعلى جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أن تطالب بوقف الحصار والضربات الجوية وضجيج السلاح والتوصل إلى حل تفاوضي للحرب في اليمن.
على البلدين الأكثر إجراماً، أي الولايات المتحدة والسعودية أن يتوقفا عما يقومان به من مناورات وقحة ضد خصوم كإيران في وقت يدفع فيه ثمن كبير وغير معقول بالأرواح البشرية في اليمن.
على المواطنين الأميركيين أن يطالبوا بالتراجع عن السياسة الأميركية المسؤولة عن المأساة القاتلة التي تعيشها الشعوب في اليمن.
على المواطنين الأميركيين الذين يتمسكون بشدة بطريق المعارضة للسياسات الأميركية في اليمن، أن يطالبوا حكامهم بوقف جميع الهجمات الأميركية بطائرات بدون طيار وجميع عمليات القوات الخاصة الأميركية في اليمن. وعليهم أن يطالبوا بوقف مبيعات الأسلحة الأميركية والمساعدات العسكرية الأميركية للمملكة السعودية. كما عليهم أن يطالبوا بدفع تعويضات لكل من لحقت به أضرار جراء العمليات العسكرية الأميركية في اليمن.
الناشطون العاملون في مجموعتنا تحركوا طويلاً تحت اسم “صوت في البرية” وقاموا بتنظيم حملات ضد الحرب الاقتصادية على العراق، وهي الحرب التي فرضت فيها عقوبات اقتصادية أدت إلى موت 500 ألف طفل.
وبسبب ضياعنا في ثقافة لاواقعية معادية وصمت لا يحتمل بخصوص الحرب الاقتصادية، حاولنا بسذاجة أن نوقظ الضمائر على مصير اللاجئين الذين يسعون إلى مواصلة العيش. لم ننجح في الدفع نحو إلغاء العقوبات الاقتصادية على العراق، وكان علينا أن نواجه الواقع الصعب المتمثل بقلة إحساس أصحاب القرار الأميركيين.
علينا أن ننظر إلى الواقع وجهاً لوجه وأن نؤكد تضامننا مع القسم الأكبر من شعوب هذا العالم. وفي هذا الزمن الذي يهرب فيه إخواننا البشر اليائسون في كل مكان من العالم، داخل حدود بلدانهم وخارج هذه الحدود، علينا أن نهتم خصوصاً بالاستعلام المتواصل عن نتائج الأعمال التي ترتكبها أمتنا الأميركية بحق فقراء العالم. علينا أن نكون كثيرين بما يكفي كي ترتفع أصواتنا وتكون مسموعة في الدفاع عن الشعب اليمني.