مركز دراسات غرب آسيا :فشل التحالف في حربه على اليمن: الأسباب والنتائج
Share
إنّ من يسمع مصطلح “التحالف العربي بقيادة السعودية” قد يعتقد للوهلة الأولى أنّ الأمة العربية تحيي مجدها الحضاري وعزها التاريخي بالتعاون والاصطفاف في خندق واحد ضد العدو الواحد، العدو الإسرائيلي الذي افتتح احتلاله للأرض الفلسطينية عهد التفتيت والشرذمة والحروب والفتن والويلات في منطقة غرب آسيا.
بيد أن التحالف الناشئ من ائتلاف مكوّن من عدة دول عربية عام 2015 لم يهدف لنصرة القضية الفلسطينية على قدسيتها ورمزيتها الدينية والإنسانية، وإنما يعني استهداف بلد عربي يفترَض أنّه “شقيق” كما هي سائر الدول العربية.
لقد تعاون الإخوة العرب في حرب شعواء أكثر منها تدخل عسكري أو عملية عسكرية تحت مسمى عملية “عاصفة الحزم”، وتحالفوا على سفك دماء اليمن بالغارات والحصار والتجويع وقتل المدنيين من الأطفال والنساء. وضمّ الائتلاف كلّ من مصر والمغرب والأردن والسودان والإمارات والكويت والبحرين وقطر، وقد استبعدت الأخيرة في منتصف العام 2017، بينما فتحت الصومال مجالها الجوي والمياه الإقليمية والقواعد العسكرية للائتلاف، في حين وفّرت باكستان سفناً حربية لمساعدة التحالف في فرض حظر على الأسلحة من الوصول لحركة المقاومة في اليمن، “حركة أنصار الله”.
ولما كان الموضوع مما يصيب الأمة بالوهن ويحافظ على التبعية، فمن الطبيعي أن تحضر البصمة الأمريكية في الحرب التي أكملت عامها الثامن، والمصادف تاريخ بدايتها في 26 من شهر آذار الجاري. لقد استلمت واشنطن مهام صفقات بيع الأسلحة لدول التحالف بما يملأ خزينتها الواقعة تحت رزء الديون، وقدّمت الدعم اللوجستي، بل والعسكري عبر التنسيق وإدارة الحرب في مركز القيادة والسيطرة المسؤول عن الضربات الجوية بقيادة السعودية، مع انتشار وحدة العمليات الخاصة في قاعدة العند الجوية في تموز 2021، بما يؤمّن الحركة والنشر السريعين، وكفاءة المناورة في الحالات القتالية، والقيام ببعض العمليات العسكرية السريعة. كما تدخل الكيان المؤقّت في إدارة غرف العمليات في المعارك الحاسمة المصير كمعركة مأرب مؤخرًا. وعلى رغم الانتقادات الأجنبية الواسعة لتدفق الأسلحة الأمريكية والبريطانية للتحالف ووصولها لأيدي الجماعات الإسلامية المتطرفة من القاعدة وداعش، إلا أنّ الصفقات لم تتوقف علمًا أنّ الرئيس بايدن تعهد في شباط الماضي بإنهاء الدعم الأمريكي للسعوديين في اليمن، “بما في ذلك مبيعات الأسلحة ذات الصلة”، وهو ما لم يتمّ، بل وعلى العكس، تماطل إدارة واشنطن بإنهاء الصراع جديًّا وتستثمر الأزمات الإنسانية والاقتصادية والمعيشية والصحيّة لتحقيق أفضل النتائج في إغلاق ملف اليمن.
دوافع التحالف العدواني والأهداف
سعى التحالف إلى تحقيق عدة أهداف منها ما هو استراتيجي ومشترك بين دول التحالف تحدّده تبعية تلك الدول للمحور الأمريكي المتحكّم بها اقتصاديًّا وسياسيًّا، ومنها ما هو خاص بمصالح الأطراف الأساسية في العدوان. بيد أنّ هذه الدوافع والأهداف سرعان ما تراجعت وانخفض مستواها مع الانكشاف الميداني والسياسي لعدوان التحالف حتى وصلت الخسائر المتتالية والمتفاقمة بكلّ من الإمارات والسعودية إلى السعي إلى مجرّد جلب حركة أنصار الله إلى طاولة المفاوضات والخروج من مستنقع اليمن بما يحفظ “ماء الوجه”. ويذكَر من هذه الدوافع والأهداف:
-منع اليمن من الاستفادة من العمق الجيوسياسي لموقعه في سياسة دول البحر الأحمر في تعزيز مكانته الدولية.
-محاولة السيطرة على منفذ بحري مهم في نقل النفط من الخليج إلى أوروبا وأمريكا بما يخدم الولايات المتحدة والكيان المؤقّت.
-السعي إلى إبقاء اليمن في حالة من الضعف والانقسام والحصار الدولي، وعدم التقدّم إلى مصافّ الدول النفطية.
-محاولة تقويض نفوذ القوى المقاومة والقضاء على إرادة الممانعة ووقف تنامي قوة حركة أنصار الله، وتاليًّا، السعي لتدمير القوة العسكرية والصاروخية اليمنية التي تشكل تهديدًا لأمن الكيان المؤقّت بذريعة أنّها تهدّد أمن السعودية ودول الخليج المجاورة، وبما يوفّر
-محاولة التحكم السعودي بكل أجزاء اليمن وفق مصالح الرياض مع النظر لليمن كجزء لا يتجزأ من أمنها القومي.
-حفظ الإمارات تواجدها ودورها في اليمن من أجل تأمين مصالحها وفق استراتيجية “دبلوماسية المضائق”، أي الاستثمار المكثف للممرات المائية الجيوسياسية مثل مضيق هرمز وباب المندب وقناة السويس وخليج عدن والبحر الأحمر، وما توفّره اليمن من ميزة نسبية في النقل البحري.
نتائج عدوان التحالف
نجح التحالف في التسبب بكارثة أو مأساة إنسانية وفق التقارير الدولية، وانعدام الأمن الغذائي الشديد، وتفاقم المجاعة والنزوح. وقد أعلنت مؤسسات الأمم المتحدة المختصة على اختلافها خرق التحالف للقانون الدولي الإنساني، وحمّلت غارات التحالف مسؤولية قتل المدنيين وتدمير المراكز الصحية والبنى التحتية، وانتقدت منظمة حقوق الإنسان مجلس الأمن مرارًا لسكوته “على انتهاكات قوات التحالف. أمّا على غير الصعيد الإنساني، فالتحالف يعاني من هزائم عدة على كافة المستويات، السياسية والعسكرية والميدانية والاستراتيجية. أضف إلى ذلك المستوى الاقتصادي بلحاظ رسائل الردع في العمق السعودي على المنشآت النفطية وتحلية المياه، ناهيك عن القدرة على تهديد الاقتصاد الإماراتي مؤخرًا، خاصة في ما لو بقيت عمليات الاستهداف.
لقد فشلت المناورات السياسية لتعويم حكومة هادي من جهة وتمرير مبادرات “وقف النار” بلا شروط أو مكتسبات لحكومة صنعاء في مقابل تأكيد الجيش اليمني السلطة والسيطرة في كافة الميادين والمحاور والجبهات من حدود اليمن الدولة الى حدود العاصمة، والقدرة على ضرب البنية التحتية العسكرية للعدوان ومرتزقته على اختلاف ولاءاتها ومنعه من امتلاك أي قدرة على المناورة أو المبادرة على الأرض. وقد أرست المسيرات اليمنية المتطورة والصواريخ البالستية الدقيقة والعمليات البريّة الواسعة معادلات ردع قوية.
أسباب فشل التحالف
-الرهان على أطراف سياسية داخلية متناحرة ومنقسمة ومتنافسة على السلطة؛ تتوزع قياداتها الحزبية بين دول التحالف بما يجعلها أسيرة تبعية التمويل ومفتقرة للأهداف الوطنية والمصلحة الواحدة.
-ركون التحالف للأمريكي الذي يفتقر إلى المصداقية والموثوقية في التعامل مع حلفائه.
-معاكسة التيار الطبيعي لاصطفاف الأمة العربية ووحدتها في خندق واحد ضد مشاريع هيمنة الدول الجائرة.
-سياسات دول التحالف وسلوكها البراغماتي وفقًا لأجندات خاصة تخدم مصالحها الخاصة في اليمن، واستعدادها للاستعانة واللجوء إلى أي وسيلة حتى لو ضد حليفها في التحالف.
-دعم دول التحالف بشكل تفضيلي لفصيل دون آخر مع تمويل الإمارات والسعودية جماعات متنازعة؛ حيث تدعم الإمارات الانفصاليين في الجنوب، بينما تدعم السعودية الحكومة الانتقالية.
-التعنّت السعودي في الاعتراف بالدور الإقليمي اليمني وبأنّ استقرار السعودية الاقتصادي والأمني والعسكري وحتى “السيادي” مرتبط بوقف العدوان واحترام حق اليمنيين في تقرير مصيرهم.
-عدم التنسيق التكتيكي بين القوات المدعومة من السعودية والإمارات في اليمن.
-امتلاك اليمن ترسانة عتيقة من الأسلحة ترجع معظمها إلى الحقبة السوفيتية فضلًا عن كمية السلاح الفردي.
-تحالف الرئيس السابق علي عبد الله صالح الذي يدين الجزء الأكبر من الجيش بالولاء له، مع حركة أنصار الله.
-جرائم التحالف الإنسانية والمنحى العدواني لدى التحالف لا سيما في حملات القصف الجوي.
-إرادة القوى المقاومة اليمنية وصلابة الشعب اليمني وعزيمته التي نجحت في صناعة رأي عام شعبي يرتكز على المقاومة والجهاد ضد العدوان، تمظهر في الالتفاف الشعبي حول قيادة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي.
-حكمة القيادة وثباتها في التمسّك بحقوق الشعب اليمني، والتواصل القيادي اللافت مع القاعدة الشعبية.
-قوة الخطاب السياسي اليمني في كشف مخطط الأعداء، وشحذ الهمم، وتمتين اللحمة الداخلية بين القبائل وأبناء الشعب اليمني.
-الوعي السياسي العالي في إسقاط المناورات السياسية الجوفاء للأمم المتحدة، ومن خلفها إدارة واشنطن في محاولة فرض شروط “تحفظ ماء وجه العدوان” ومحركيه.
-القفزات النوعية في القدرات الصاروخية اليمنية، الباليستية وصواريخ كروز والطائرات المسلحة بدون طيار، التي تعدّ قياسية نظرًا للظروف الميدانية، بما ساهم بشكل أساس في تموضع اليمن كثقل استراتيجي في محور المقاومة.
-القدرات اليمنية البرية وتنويع القيادة الميدانية للخطط العسكرية، وقوتها في سلب إرادة العدوان وتوهين ارادة مقاتلي التحالف.
-الدعم السياسي والمعنوي لحلفاء أنصار الله بما يساهم في كبح المخطط الأمريكي في عزلة الحركة وضعفها.
إن حرب التحالف على اليمن في الذكرى الثامنة للعدوان يظهر عجز دول التحالف على تسجيل انتصارات باستثناء الواهمة منها، إلى درجة اللجوء إلى تلفيق الدعايات الإعلامية وتركيب الأفلام الزائفة التي تبرأت هي الأخرى من زيف الفِعال والفاعلين. إنّ الحرب العدوانية على اليمن أخطر من أن تقاس بما سبّبته من ويلات إنسانية فقط، إذ أنّها كشفت مدى نجاح الأمريكي في اختراق الأمة عبر التحكّم النسبي بتحديد الاصطفافات ورسم السياسات، وصولًا إلى انقسام دول المنطقة إلى محورين متباينين. قد تكون الحكومات تعيش موت التبعية التي لا تترك للسيادة والحرية معنى ومضمونًا في قواميس الأمم، لكن يبقى الرهان على وعي الشعوب والإرادة الحرة في إعادة توجيه البوصلة على القضية الفلسطينية كمحور للعالم الإسلامي بأكمله في الاستفاقة من غيبوبته واستعادة تاريخه ونهضته من جديد.