مدينة محمد..
عين الحقيقة/ عبدالله علي صبري
ونحن نحتفل بالمولد النبوي وبرسالة الإسلام الخالدة، يتعين علينا إعادة النظر في نمط إحياء الذكرى، وعدم التعامل معها كمناسبة عابرة، ذلك أنه عليه الصلاة والسلام هو المحور في الدين والنهج القويم الذي فيه منجاة المؤمنين وخلاصهم في الدنيا والآخرة.
ومن الأساليب المبتكرة التي نرى ضرورة القيام بها في إطار إحياء الرسول والرسالة، توجيه مراكز الدراسات والبحوث العلمية، لقراءة الشخصية النبوية، وتاريخها، ومآثرها، وتنقية التراث الإسلامي الذي قدم ويقدم محمداً وفقا لأهواء المسلمين، والدول التي حكمت العالم باسم الإسلام، وهو تاريخ يضرب بعضه بعضاً، ويضفي على التاريخ البشري مسحة دينية لا أصل لها، وقد تم التفاخر بها، وتوارثها حتى ظهر في زماننا تنظيم متوحش يزعم أن محمداً قد جاء بالهدم والدم والذبح!!
ومن المسائل المغيبة في مناهجنا وتاريخنا الإسلامي، أن مدينة يثرب التي احتضنت النبي وصحبه، والتجربة التأسيسية للدعوة الإسلامية، إنما فتحت بالقرآن الكريم، وتكاثر المسلمون والمسلمات على أرضها في أجواء من الحرية والقناعة، وهو ما يعني أن فتح المدينة كان النقلة النوعية في تاريخ الإسلام، وإن فتح مكة لم يكن إلا نتيجة للفتح الأول والأعظم.
في المدينة أدار النبي محمد نظاما جديدا من العلاقات، قائم على أساس الأخوة بين المهاجرين والأنصار، واشترط صلى الله عليه وعلى آله وسلم على كل مسلم جديد أن يهاجر إلى المدينة، كي يغدو عضوا كاملا في الجماعة المسلمة، له من الحقوق وعليه من الواجبات مثل ما لجميع إخوانه المؤمنين.
في المدينة أيضا وقع الرسول مع مختلف بطون يثرب ( ومنهم يهود ومشركين ) ما يعرف بوثيقة المدينة، التي احتوت إطاراً عاما للدفاع عن الوطن كمسئولية تضامنية بين مختلف (المواطنين)، وإن اختلفت عقائدهم ومذاهبهم!!
صحيح أن التاريخ الصراعي اللاحق قد طمر أساسيات التسامح التي صبغت رسالة النبي الخاتم، إلا أن واجب العلماء والباحثين التنقيب مجددا عن القيم العليا التي لازمت سيرة محمد قولا وعملا، فاستحق بموجبها أن يكون رحمة للبشرية جمعاء، للرجال وللنساء، وللعجم والعرب. وليس على صواب من يختزل محمدا اليوم في طائفة بعينها، كما يفعل المتعصبون والغلاة في كل مذهب.
لقد كان محمداً وسيبقى كما قال عنه عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }الأنبياء107