محنة في إيران: رأسا الجمهورية والدبلوماسية مفقودان: إبراهيم رئيسي…. رئيس بصفات كثيرة ..حسين أمير عبد اللهيان… الدبلوماسية الخشنة
محنة في إيران: رأسا الجمهورية والدبلوماسية مفقودان
حتى ساعة متأخرة من ليل أمس، الأحد 19 أيار، كان مصير الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، ورفاقهما على متن المروحية المنكوبة، لا يزال مجهولاً. ففرق الإنقاذ، وعلى رغم التأهُّب الشديد في عموم الجمهورية الإسلامية على مختلف المستويات للعثور على المروحية، لم تستطع الوصول إلى مكانها، بسبب الظروف الجوية القاسية، وطبيعة وتضاريس مكان الحادث؛ و”على اعتبار أن المنطقة ذات منحدر شديد وغابات، ومن ناحية أخرى تشهد أمطاراً غزيرة، فإن مدى الرؤية محدود للغاية. ولهذا السبب، للأسف، لم تصل قوات الإنقاذ بعد إلى النقطة المطلوبة”، وفق ما أعلنه ليلاً وزير الداخلية، أحمد وحيدي. لكن “الهلال الأحمر الإيراني” أعلن، من جهته، أن خمساً من فرقه بدأت تقترب من الإحداثيات التي أفادت بها “منظمة الفضاء الإيرانية”، حيث تمّ تحديد الموقع الدقيق للمروحية بعد ورود إشارة منها ومن هاتف خلوي لأحد أفراد الطاقم.وكان أُعلن، بعد ظهر أمس، تعرُّض مروحية في قافلة كانت تقلّ الرئيس الإيراني، لحادث وصفته وكالة “إرنا” الرسمية للأنباء بـ”هبوط صعب” في منطقة ورزغان في محافظة أذربيجان الشرقية، شمال غربي إیران، وذلك في طريق عودة رئيسي، والوفد المرافق له، من مراسم افتتاح سدّ مائي على نهر آراس الحدودي بين إيران وآذربيجان، رفقة نظيره، إلهام علييف. والمروحية التي سقطت، هي واحدة من ثلاث كانت تقلّ الرئيس الإيراني، ووزير الخارجية، وبعض المسؤولين المحلّیین الآخرين. وبعد نحو ساعة من الإعلان عن الحادث، وصل 16 فريق إنقاذ إلى المكان المعلن، حيث بدأت عمليات البحث، غير أن صعوبة الطرق الجبلية وسط الغابات والظروف الجوية السيئة أعاقت عمليات الإغاثة، علماً أن المروحية تعرّضت للحادث في منطقة غابات ديزمار بين قريتَي عوزي وبير داود. وقال وزير الداخلية الإيراني إن مروحية في موكب الرئيس رئيسي عانت من هبوط صعب، وإن “هناك صعوبة في الاتصال مع فريق الرئيس بسبب طبيعة المكان الجغرافية”، فيما أعلن وزير الصحة الإيراني، بهرام عين اللهي، أن الظروف الجوية والمنطقة الوعرة تعيقان عمليات البحث عن مروحية الرئيس. وفي سیاق متصل، أفاد رئيس جمعية “الهلال الأحمر الإيراني”، بیرحسین کولیوند، بأنه “لا إمكانية لمواصلة البحث عن مروحية الرئيس جوّاً، والعمل يقتصر على الطرق البرية بسبب الظروف الجوية الصعبة”. وبدوره، أوعز قائد الأركان الإيراني، اللواء محمد باقري، لـ”الحرس الثوري” والجيش والشرطة بتوظيف إمكاناتهم للبحث عن مروحية الرئيس.
خامنئي: «لا يقلقنّ الشعب الإيراني، ولا يشعرنّ بالاضطراب، إذ لن يبرز أي خلل في شؤون البلاد»
دولیّاً، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أنها “تتابع عن كثب التقارير الواردة في شأن احتمال هبوط مروحية الرئيس الإيراني اضطراريّاً”، فيما لفت البيت الأبيض إلى أنه “تم إطلاع الرئيس بايدن على تقارير عن سقوط مروحية كانت تقلّ الرئيس الإيراني”. ومن جهته، أعرب رئيس آذربيجان، إلهام علییف، عن قلقه بسبب الأخبار التي تفيد بأن المروحية التي تقلّ الرئيس الإيراني قامت بهبوط اضطراري، قائلاً: “مستعدّون لتقديم كل أشكال الدعم”. وأبدت دول كثيرة استعدادها للدعم، إذ فعّلت المفوضية الأوروبية، بطلب إيراني، خدمة الخرائط بالقمر الاصطناعي للمساعدة في البحث عن مروحية رئيسي. أيضاً، استجابت “هيئة الطوارئ التركية” (أفاد) لطلب إيران إرسال مروحية بحث وإنقاذ للرؤية الليلية، مؤكدةً أن 32 من أفراد البحث والإنقاذ من متسلّقي الجبال، و6 مركبات من مديريتَي فان وأرضروم الإقليميتَين، توجهوا إلى منطقة الحادث في إيران. وأعلنت كل من السعودية والإمارات وقطر والكويت والأردن استعدادها لتقديم أيّ مساعدة تحتاج إليها السلطات الإيرانية.
وفي هذا الوقت، أفادت صحيفة “طهران تايمز” بأن المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران يعقد اجتماعاً طارئاً بحضور المرشد الأعلى، علي خامنئي، الذي أعرب عن تأثّره بالحادث المقلق الذي تعرّض له رئيسي، قائلاً: “لا يقلقنّ الشعب الإيراني، ولا يشعرن بالاضطراب، إذ لن يبرز أي خلل في شؤون البلاد”. وتجدر الإشارة إلى أنه في حال استمرّ غياب رئيس الجمهورية، وهو الشخص الثاني في نظام الجمهورية الإسلامية في إيران بعد المرشد، يتولّى محمد مخبر (68 عاماً)، النائب الأول لرئيس إيران، مهام رئيس الجمهورية مؤقتاً حتى إجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة. وبحسب المادة 131 من الدستور الإیراني، فإنه في حالة وفاة رئيس الجمهورية “يتولّى النائب الأول للرئيس صلاحياته ومسؤولياته بموافقة القيادة”. كما تنص هذه المادة على “تولّي مجلس یتکوّن من رئيس مجلس الشوری (البرلمان)، ورئيس السلطة القضائية، والنائب الأول لرئيس الجمهورية، الترتيب لانتخاب رئيس جديد خلال مدّة أقصاها 50 يوماً”.
إبراهيم رئيسي…. رئيس بصفات كثيرة
يُعد إبراهیم رئیسي، القاضي والسياسي ورجل الدين الإيراني، من الشخصيات الوازنة والمؤثّرة في الجمهورية الإسلامية؛ وقد تولّى منصبه الرئاسي في الدورة الـ13 للانتخابات الرئاسیة في بلاده، في عام 2021، فيما يُعدّ من بين الأسماء المطروحة بقوّة لخلافة المرشد الأعلى، علي خامنئي (85 عاماً). وشغل رئيسي منصب النائب الأول لرئيس “مجلس خبراء القيادة” في عام 2007، ثم صار المدّعي العام في إيران عام 2014، ثمّ رئيساً للسلطة القضائية بعد تعيينه من جانب المرشد عام 2019، علماً أنه اهتمّ بمحاربة الفساد ومحاكمة العديد من رجال الدولة الضالعين في قضايا سوء التسيير، ورفَع شعار “عدوّ المفسدين” في حملته الانتخابية التي أوصلته إلى سدة الرئاسة.ولد رئيسي يوم الـ14 من كانون الأول عام 1960، في حي نوغان في مدينة مشهد (جنوب غربي طهران) عاصمة محافظة خراسان رضوي. وتزامن مولده مع قيام “الثورة البيضاء” التي قادها محمد رضا بهلوي، وقلّلت من سطوة المؤسسة الدينية ونفوذها. ورئيسي الذي نشأ في عائلة متديّنة، تتحفّظ على الإصلاحات التعليمية الهادفة إلى التغريب والعلمنة، ابن لرجل دين من منطقة دشتك في مدينة زابل في محافظة سيستان، توفّي عندما كان ابنه (إبراهيم) في الخامسة من عمره، فتربّى الأخير يتيماً، لكنه أُحيط برعاية رجال الدين الذين أشرفوا على تكوينه وتوجيهه وتعليمه. والرئيس الإيراني متزوج من جميلة علم الهدى، ابنة العالم أحمد علم الهدى، إمام الجمعة وممثّل المرشد الأعلى في مدينة مشهد، وقد فتحت له مصاهرة علم الهدى، الطريق أمام نسج العلاقات مع الشخصيات السياسية والدينية في البلاد، ليكتسب بذلك نفوذاً داخل المؤسسة الدينية.
وتلقّى رئيسي بواكير تعليمه في الحوزات الشيعية، على يد عدد من الشخصيات العلمية الدينية، مثل محمود هاشمي شهرودي وأبو القاسم الخزعلي وعلي مشكيني. وفي عام 1975 انتسب إلى المعهد الإسلامي في مدينة قم، وكان عمره 15 عاماً آنذاك، وبعدها انتسب إلى جامعة الشهيد مطهري حتى حاز شهادة الدكتوراه في تخصّص الفقه الإسلامي والقانون القضائي.
وفي عام 2019، أدرجت وزارة الخزانة الأميركية اسم إبراهيم رئيسي ضمن مسؤولين إيرانيين آخرين، في لائحة العقوبات الخاصة بالولايات المتحدة.
حسين أمير عبد اللهيان… الدبلوماسية الخشنة
يوصف حسين أمير عبد اللهيان، بأنه وديعة «الحرس الثوري» في الطاقم الدبلوماسي الإيراني؛ وهو الذي له باعٌ طويل في العمل الدبلوماسي، إذ تولّى مناصب عدّة في وزارة الخارجية، من بينها المدير العام في الوزارة لشؤون الخليج والشرق الأوسط في عام 2010، ثم نائب وزير الخارجية المكلّف بالشؤون العربية والأفريقية في عام 2011، قبل أن يُعيَّن على رأس الوزارة في عهد الرئيس إبراهيم رئيسي، عام 2021. ويُعرف عن أمير عبد اللهيان، قربه من المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي، وقادة «الحرس الثوري، وعلى رأسهم الجنرال الشهيد قاسم سليماني، وكذلك من حركات المقاومة الإسلامية المتحالفة مع طهران، ومن بينها «حزب الله».ولد الدبلوماسي الإيراني، المحسوب على الجناح الأصولي، في عام 1964، في مدينة دامغان في محافظة سمنان، شرقي العاصمة الإيرانية طهران. وقد تخرّج من قسم العلاقات الدبلوماسية في كلية العلاقات الدولية التابعة لوزارة الخارجية الإيرانية، وهو يحمل شهادتَي ماجستير ودكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة طهران. وإذ واصل فور تولّيه منصبه الجديد المفاوضات التي كانت بدأت في عهد الحكومة السابقة مع مجموعة «4+1» (فرنسا، ألمانيا، بريطانيا، الصين وروسيا) بغية إحياء الاتفاق النووي الإيراني، إلا أن المساعي تلك باءت بالفشل، على رغم أنها أوشكت على أن تُحسم أكثر من مرّة. لكن ذلك لم يمنعه من المضيّ قُدُماً في التفاوض غير المباشر مع الجانب الأميركي، والذي خلص، يوم العاشر من آب 2023، إلى صفقة أسفرت عن الإفراج عن 5 سجناء أميركيين لدى إيران، في مقابل الإفراج عن 6 مليارات دولار من الأصول الإيرانية المجمّدة في كوريا الجنوبية. وإلى جانب اهتمامه الكبير بسياسة «التوجُّه شرقاً»، التي تُوّجت بتوقيع اتفاقات استراتيجية بعيدة المدى بين إيران وكلّ من الصين وروسيا، تمكّنت دبلوماسيته، في آذار 2023، من ردم الهوة في علاقات بلاده مع الرياض، بعد قطيعة استمرّت سبع سنوات.
وعقب عملية «طوفان الأقصى»، في السابع من أكتوبر، قام عبد اللهيان بجولة إقليمية شملت كلّاً من العاصمة العراقية بغداد، واللبنانية بيروت، والسورية دمشق، والقطرية الدوحة، متحدّثاً للمرّة الأولى عن احتمالات ما وصفه بـ»التحرّك الوقائي من قِبَل محور المقاومة لوضع حدٍّ لحرب الإبادة الإسرائيلية على غزة».