محللون يقرأون في أسباب إرسال جنود أمريكيين إلى السعودية؟هل هو تغيير تكتيكي أم استراتيجي؟
الحقيقة/الوقت التحليلي
في عام 2003 تم نقل الكثير من المعدات العسكرية والمكاتب الخاصة بالجيش الأمريكي والتي كانت موجودة في قاعدة الأمير “سلطان بن عبدالعزيز” الجوية في السعودية إلى قاعدة “العديد” في قطر، ما جعلها أكبر قاعدة أمريكية في منطقة الشرق الأوسط، ومنذ ذلك الوقت، كان وجود القوات الأمريكية في السعودية مقصوراً على المناورات العسكرية، وكان جميع عناصر تلك القوات الأمريكية يقيمون في فيلات مجهّزة في منطقة “اسكان”، وخلال تلك السنوات كان يسافر العديد من المستشارين الأمريكيين إلى السعودية كجزء من برنامج إعادة تأهيل قوات الحرس الوطني السعودي بالإضافة إلى تقديم المساعدة العسكرية لوزارة الداخلية السعودية.
لكن الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” أعلن قبل عدة أسابيع عن إرساله قوات أمريكية جديدة إلى السعودية، وبالفعل تم إرسال الآلاف من الجنود الأمريكيين إلى السعودية مع اثنين من أسراب مقاتلات من طراز “إف 15” وسلسلة من المعدات الدفاعية الجوية، وهنا يتبادر هذا السؤال إلى ذهن العديد من الناس، لماذا تضطر الرياض إلى تغيير سياسة التعاون العسكري مع أمريكا وإضافة التكلفة السياسية والاقتصادية للقوات الأمريكية إلى ميزانية إنفاقها على مشتريات الأسلحة الأمريكية؟ ولماذا فضّلت أمريكا ببساطة نشر قواتها في السعودية بدلاً من القيام برد عسكري؟
فورين بوليسي
كتبت صحيفة “فورين بوليسي” في تقرير لها أنه حتى الصين وروسيا، اللتان ناضلتا من أجل تقويض عملية توسّع النفوذ الأمريكي في منطقة غرب آسيا لسنوات طويلة، فوجئتا بفكرة “ترامب” بإلغاء مسؤولية واشنطن في تأمين تلك المنطقة وذلك لأنهما لا تزالان غير مستعدتين بما يكفي لتحلا محل أمريكا.
ومع ذلك، لم يقم “ترامب” بعد بتنفيذ قراره باستثناء الانسحاب الجزئي للقوات الأمريكية من سوريا، ووفقاً لأحد المحللين السياسيين العاملين في صحيفة “فورين بوليسي”، فإن السبب وراء قرار “ترامب” بإرسال قوات أمريكية جديدة إلى المنطقة، هو أن القوات السابقة لم تكن كافية.
مدنية “اسكان” المقر الوحيد للجنود والمستشارين الأمريكيين من سنة 2003 وحتى عام 2019.
وفي سياق متصل، ذكر “بلال صعب”، مدير البرنامج الأمني والدفاعي في معهد دراسات الشرق الأوسط بأن “ترامب” لم يرد على الهجمات التي نفّذتها الطائرات من دون طيار على مصافي أرامكو السعودية، لأنه لم يُقتل أي جنود أمريكيين ولم تتضرر أي منشآت أمريكية في تلك الهجمات.
الآن وبعد إضافة قوات أمريكية جديدة، ما الذي سيُحدث فرقاً إذا لم يتعرّض الجنود الأمريكيون للأذى مرة أخرى في الهجوم التالي؟ يجب أن تكون واشنطن، على الأقل بعد الأحداث الأخيرة المتوترة في الخليج الفارسي، قد أدركت أن حجم قواتها ليس رادعاً لمنع أي هجوم، ناهيك عن أنها تحتاج للكثير من قواتها في العديد من المناطق الأوروبية والأوقيانوسية، وليس في الخليج.
واقترح “صعب” على أمريكا بأنها لو كانت حقاً تهتم بأمن واستقرار المنطقة فإنه ينبغي عليها بدلاً من إرسال المزيد من القوات إلى الخليج الفارسي، أن تغّير من تصريحات مسؤوليها الذي يرسلون إشارات لا تتطابق مع ما يقولونه، وعلى الرغم من أن المسؤولين السعوديين فسروا على ما يبدو إرسال المزيد من القوات الأمريكية بأنه إشارة من البيت الأبيض بأنها لم تتركهم مثل ما فعلت مع الأكراد في سوريا، إلا أنهم لم يعودوا يؤمنون بقدرة أمريكا على تأمينهم ضد موجات وهجمات الطائرات من دون طيار.
صحيفة نيويورك تايمز
أعرب أحد المحللين السياسيين في هذه الصحيفة الأمريكية الشهيرة أن إرسال قوات أمريكية إلى السعودية لا يتماشى مع السياسة التي أعلنت عنها واشنطن قبل خمسة أيام فقط من إعلان الرئيس “ترامب” انسحاب قوات بلاده من سوريا، واضعاً بذلك نهاية لجميع حروب أمريكا التي لا تنتهي في الشرق الأوسط.
كما أن هذا المحلل السياسي لفت إلى أن هذا التناقض، أجبر الممثل الخاص لوزارة الخارجية الأمريكية “براين هوك” المختص بالشؤون الإيرانية، على القول إن نشر قوات جديدة أمر دفاعي، حيث قال: “إنهم موجودون هناك للدفاع عن مصالحنا ومساعدة السعودية في الدفاع عن نفسها”.
وفي سياق متصل، أشار الكاتبان “إريك شميدت” و”ديفيد سانجير” إلى أنه تم مؤخراً إرسال الكثير من القوات الأمريكية إلى السعودية تحت ذريعة الأمن السعودي في الوقت الذي لا يملك فيه المسؤولون الأمريكيون أي دليل على دور إيران في الهجمات الأخيرة على شركة ارامكو السعودية، ومن وجهة نظرهم، فإنه يبدو أن عملية إرسال قوات إضافية إلى السعودية ما هي إلا محاولة لإخفاء مدى ضعف المعدات العسكرية الأمريكية التي لم تستطع التصدي للصواريخ والطائرات من دون طيار.
معهد “كيتو” الإنجليزي
كتب “تيد جالين كاربنتر”، كبير المحللين المتخصص في الدراسات الدفاعية والسياسة الخارجية في معهد “كيتو” الانجليزي، ومؤلف العديد من الكتب في هذا المجال، تعليقاً على إرسال قوات أمريكية جديدة إلى السعودية، حيث قال: “إن الادارة الأمريكية تستمر في تقديم الدعم لحكومة منافقة تسمى السعودية التي ارتكبت الكثير من الجرائم الوحشية في اليمن، إن أمريكا تشارك عن طريق الخطأ في صراع إيراني سعودي متنامٍ، والآن تعمل القوات الأمريكية على نشوب الحرب في المنطقة، إن هذا الاجراء الذي قام به “ترامب” يتعارض مع سياسته في سحب القوات الأمريكية من النزاعات التي تحصل في منطقة الشرق الأوسط، لقد صرّح أنه حان الوقت لإعادة قواتنا إلى الوطن ولكنه الآن يرسل قوات جديدة إلى السعودية.
ينظر العديد من المسلمين إلى شبه الجزيرة العربية كمكان تقع فيه مكة والمدينة، لذلك يشعرون بالسوء إزاء دخول الأحذية الأجنبية. لذا فإن تصرفات “ترامب” هذه قد قوّضت أمن أمريكا، إني قلق من دخول قوات أمريكية جديدة إلى السعودية، على الرغم من انسحابها من سوريا، وذلك لأن واشنطن قد تتورّط في حرب أكثر خطورة”.