محللون وباحثون متخصصون في الشأن الدولي لــ “وكالة سند الفلسطينية للأنباء” :عمليات اليمن تضغط “إسرائيل” وتشكل تهديدًا استراتيجيًّا لأمريكا

استأنفت اليمن عملياتها العسكرية لإسناد قطاع غزة، بعد ساعات قليلة من معاودة الاحتلال الإسرائيلي عدوانها الوحشي على القطاع، بالرغم من تعرّض اليمن لعدوان جوي أمريكي متواصل منذ أيام، لردعها عن الانخراط في إسناد المقاومة الفلسطينية باستهدافها للعمق الإسرائيلي.

وقال خبراء أمريكيون وآخرون “إسرائيليون”: إنه من الضروري الاعتراف بحقيقة أن اليمنيين ليسوا عشيرة بدائية، بل هم دولة لديها جيش حقيقي مجهز بأفضل الأسلحة في مجال الطائرات من دون طيار والصـواريخ الباليستية الفرط صوتية.

وأكد الخبراء أن ردع القوات اليمنية يحتاج إلى معلومات استخباراتية وهي مشكلة حقيقية اليوم، فالقيادة المركزية الأمريكية ليس لديها ما يكفي من المعلومات الاستخبارية عما يجري في اليمن على الأرض، و”إسرائيل” أيضًا، فالأمر بالغ التعقيد.

وقال محللون وباحثون متخصصون في الشأن الدولي، في تصريحات منفصلة لــ “وكالة سند للأنباء”، إن العمليات اليمنية ضد “إسرائيل” لها سياقان محوريان مهمان، الأول دولي ومتعلق بكون العمليات اليمنية تهدد 30% من مسار التجارة العالمية، والثاني إقليمي ويشكل ضغطًا حقيقيًّا على الحكومة الإسرائيلية وعلى مسارات التفاوض فيما يتعلق بالحرب على غزة.

ومنذ فجر الثلاثاء الماضي، أطلقت القوات المسلحة اليمنية عدة صواريخ باتجاه فلسطين المحتلة، إسنادًا لغزة وذلك بعد استئناف حرب الإبادة على القطاع غزة التي أودت بحياة المئات بعد أسابيع من الهدوء النسبي.

هل يشكل اليمن تهديدًا استراتيجيًّا..

رأى أستاذ الدراسات الإقليمية في جامعة القدس والكاتب والمحلل السياسي، عبد المجيد سويلم، أن العمليات اليمنية لها تأثير كبير على عدة مستويات، أهما شعور “الإسرائيلي” بأن التهديد قائم، وبأنه ما زال من الممكن تعرضهم للأخطار، بالإضافة إلى شعورهم بالقلق من خلال الهروب إلى الملاجئ في كل حين.

وأضاف الأكاديمي “سويلم”، بأن هذه العمليات تدفع “الإسرائيلي” إلى التفكير بالخروج من هذه الأزمات المتتالية التي يعيشها منذ أكثر من 16 شهرًا، ولا سيما الآثار السلبية المباشرة على نفسية الشارع الإسرائيلي الذي تراجعت فيه شعبية رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، بشكل كبير.

واعتبر أن العمليات العسكرية اليمنية لم تصل إلى حد الردع لـ “إسرائيل”، وإنما هي ما زالت في حدود التضامن مع الفلسطينيين والضغط من أجل العملية التفاوضية، ولكن في حال كثف اليمني من حجم ونوعية وعمق تلك العمليات؛ فهذا سيدفع حكومة الاحتلال بشكل جاد للخروج من هذا المأزق، ليس بالعمليات العسكرية المضادة لأنها غير مجدية، والمجربة خلال الـ10 سنوات الماضية.

وتابع “سويلم” بالقول، إن التدخل الأمريكي يلعب دورًا حاسمًا في هذه القضية، والبعد الأمريكي متعلق بـ “إسرائيل” بشكل جزئي، لكن الموضوع الاستراتيجي هو قضية السيطرة على البحار وهي نظرة استراتيجية قديمة، وتعتبر خطًّا أحمر لدى الولايات المتحدة منذ القدم.

وأردف “بالتالي اليمن يشكل اليوم تهديدًا لتلك الاستراتيجية العسكرية الأمريكية، ونلاحظ أن حدود الرد الأمريكي لم تتجاوز الردع فحسب؛ لكنها لم تطل البنية العسكرية اليمنية ولم تؤثر عليها أيضًا.

وأضاف بأن الرد الأمريكي غير مرتبط بشكل كلي بإسناد اليمن للفلسطينيين، وهذا يعني أن الاستراتيجية العسكرية الأمريكية لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي إزاء التهديد اليمني للملاحة البحرية العالمية، والذي قد يستوجب حلولًا عسكرية حاسمة أو دبلوماسية، لوقف التعدي على السيادة الأمريكية في البحار، حسب تعبيره.

إطار العمليات العسكرية اليمنية

من جانبه، قال رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة النجاح الفلسطينية، الأكاديمي رائد نعيرات، إن العمليات العسكرية اليمنية بدأت قبل 15 شهرًا في إطار التضامن مع الشعب الفلسطيني في ظل العدوان الهمجي عليه في غزة، لكنه وبعد تنفيذ اليمنيين عمليات نوعية بات يشكل تهديدًا حقيقيًّا وضغطًا كبيرًا على حكومة “نتنياهو” المأزومة أصلًا وغير القادرة على فتح المزيد من الجبهات.

وبين الأكاديمي “نعيرات”، أن العمليات العسكرية اليمنية لم تقتصر فقط على إطلاق الصواريخ والمسيرات، بل كان جانبه الأهم هو في وقف الإمداد البحري القادم من الشرق باتجاه “إسرائيل”، وهو ما اعتبره الأمريكيون تهديدًا بالغ الخطورة على أمن البحار.

ومضى موضحًا “30 بالمائة من التجارة البحرية العالمية تدخل في محيط استهداف العمليات اليمينة، وهذا بحد ذاته يشكل رعبًا دوليًّا لما له من تأثير كبير على خطوط الإمداد العالمية”.

ورأى نعيرات، أن الأمر أصبح يشكل تهديدًا من نوع آخر اليوم وهو تهديد عسكري بالغ الخطورة، بعد أن ضرب اليمنيون حاملة طائرات الأمريكية يو إس إس هاري ترومان، وأصابوها إصابة بليغة، وبالتالي فإن الولايات المتحدة، وخصوصًا في ظل إدارة مثل إدارة دونالد ترامب، ستعتبر ذلك تعديًا يستحق الرد الحاسم.

واستدرك نعيرات “المشكلة ليست في الرد والقدرة الأمريكية على الرد، بل بأن الولايات المتحدة اليوم بحاجة لرد حاسم ورادع والذي يحتاج في الدرجة الأولى إلى معلومات استخباراتية، وهذا غير متوفر لما تفرضه طبيعة الواقع اليمني من تعقيدات كبيرة، تفرض عقبات وتحديات أمام الرد الأمريكي المجدي والحاسم.

آثار العمليات اليمنية على الواقع اليوم

ويعود أول هجوم شنه اليمنيون في البحر الأحمر إلى تاريخ 19 أكتوبر من عام 2023، عندما اعترضوا المدمرة الأمريكية “يو إس إس كارني” بعدة صواريخ أُطلقت من مناطق جنوب اليمن، وفقا للبيت الأبيض، آنذاك.

وفي 19 نوفمبر 2023، استولى اليمنيون على سفينة نقل السيارات “غالاكسي ليدر”، واحتجزت طاقمها المكون من 25 بحارًا كرهائن لمدة تجاوزت العام.

ووفقًا لشركة الأمن البحري الدولية “أمبري”، فقد تم تسجيل أكثر من 300 هجوم على السفن في البحر الأحمر، خلال العام الماضي من قبل اليمنيين، فيما تشير بيانات البيت الأبيض، إلى أن اليمنيين هاجموا السفن الحربية الأمريكية 174 مرة، والسفن التجارية 145 مرة، منذ بداية الأزمة.

ويقول البيت الأبيض إن العمليات العسكرية في البحر الأحمر خلفت خسائر مالية كبيرة، إذ أدت إلى انخفاض حاد في حركة الشحن البحري عبر البحر الأحمر، من 25 ألف سفينة سنويًّا إلى نحو 10 آلاف سفينة فقط، بانخفاض قدره 60 في المائة.

وأضاف أن العمليات اليمنية أجبرت حوالي 75 بالمائة من السفن المرتبطة بالولايات المتحدة والمملكة المتحدة، على إعادة توجيه مساراتها حول قارة أفريقيا، بدلًا من عبور البحر الأحمر، ما أدى إلى إضافة نحو 10 أيام لكل رحلة، وتكاليف وقود إضافية تقدر بنحو مليون دولار لكل رحلة، وهو ما تسبب في ارتفاع بأسعار الشحن، وزيادة معدلات التضخم العالمي للسلع الاستهلاكية بنسبة تتراوح بين 0.6 و0.7 بالمائة خلال عام 2024.

المصدر: وكالة سند للأنباء ـ فلسطين

قد يعجبك ايضا