ما هي خيارات السعودية للخروج من المستنقع اليمني؟
منذ حوالي بضعة أشهر، انسحبت الولايات المتحدة علنًا من أفغانستان، معترفه بهزيمتها في هذا البلد الفقير، مما تسبب في صدمة كبيرة وحدوث ارتباك بين حلفائها في منطقة الخليج؛ لأنهم شعروا أن الولايات المتحدة ستتراجع الآن من منطقة غرب آسيا إلى الشرق وستركز على مواجهة النفوذ الصيني والروسي في تلك المناطق، وهذا يعني ترك أصدقاء أمريكا وحيدين في المنطقة. وفي غضون ذلك، بدأت السعودية، الحليف العربي الأهم للولايات المتحدة في المنطقة، بالعمل الجاد لحل قضاياها الحساسة، بما في ذلك الحرب في اليمن والخروج من المستنقع اليمني. كما أن الإمارات العربية المتحدة، أحد الأطراف الرئيسية في حرب اليمن بدأت بعد السعودية، في بذل الكثير من الجهود لتحقيق نفس الهدف وإنهاء الحرب في اليمن، لكن أبوظبي والرياض اتبعتا مسارين مختلفين لتحقيق هذا الهدف المشترك.
إن انعدام الثقة الواضح بينهما واضح تمامًا وهذا الامر يظهر جلياً في تحركات السعودية والإمارات للخروج من المستنقع اليمني. إن الحقيقة هي أن المملكة العربية السعودية، من خلال استمرارها في حرب عقيمة، تعرضت لأكبر قدر من الضرر بين الدول الأعضاء الأخرى في التحالف المعتدي وأعلنت مسؤوليتها عن جميع الهزائم في هذه الحرب. وفي هذا الصدد، يناقش الخبراء الخيارات الممكنة للمملكة العربية السعودية للتقدم في الحرب اليمنية وسبل إنهاءها. وفي محاولتها الأولى لحل الحرب اليمنية وتقليل خسائرها في الحرب، فتحت المملكة العربية السعودية علاقات مع جمهورية إيران الإسلامية. وذكرت مصادر أن حرب اليمن كانت أحد الموضوعات التي نوقشت في الجولة الأولى من المحادثات بين الرياض وطهران. ويرى كثير من المراقبين أن جهود السعودية في الماضي لجذب سوريا والعودة إليها واستئناف العلاقات الدبلوماسية معها ليست منفصلة عن مساعي الرياض للخروج من مستنقع اليمن بأقل قدر من الضرر.
ومن الواضح أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان كان بداية للانسحاب العسكري الأمريكي من المنطقة، ولقد ظهرت نتائج هذا التراجع في تطورات الأوضاع في اليمن. وفي هذه الحالة، فإن خيارات المملكة العربية السعودية للتقدم في اليمن محدودة للغاية وهناك ثلاثة سيناريوهات مقترحة في هذا الصدد:
الف) يمكن لاتفاق المملكة العربية السعودية مع إيران أن يخلق نظامًا إقليميًا تكون فيه السعودية بالطبع الاضعف؛ لأن ميزان القوى في الميدان يظهر تفوق إيران الواضح على السعودية في كل الجبهات.
ب) انسحاب المملكة العربية السعودية من اليمن بقبول شروط “أنصار الله”، والتي تشمل الرفع الكامل للحصار عن اليمن ودفع تعويضات الحرب لأهل هذا البلد، هو الخيار الثاني للسعوديين للتقدم، رغم أن هذا السيناريو غير مرجح بالنظر إلى اليمن وإلى التطورات السريعة التي تحدث هذه الايام.
ج) السيناريو الأخير يتعلق بالهزيمة الكاملة للسعودية وحلفائها في حرب اليمن التي ستحدث بعد سيطرة “أنصار الله” الكاملة على مأرب. لأن هذه المنطقة الإستراتيجية هي العمود الفقري للحرب اليمنية. ويعتقد الكثيرون أن هذا السيناريو هو الخيار الأكثر ترجيحًا وها هم اليمنيين يقتربون من تحقيقه، وفي هذه الحالة من الممكن أن تغير السعودية تحالفاتها وتعطي الأولوية لخيار التقارب مع تركيا.
وعشية نهاية عام 2020 وبعد أكثر من 5 سنوات على هجوم قوات “آل سعود” على اليمن وقيامهم بارتكاب الكثير من المجازر وقتل الآلاف من المدنيين، لم تستطع السعودية إخراج “أنصار الله” من صنعاء ومن العديد من المناطق التي تسيطر عليها هذه الاخيرة في غرب وشمال اليمن. ولقد أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، في نوفمبر / تشرين الثاني 2020، بمقتل 223 ألف شخص منذ اندلاع الحرب اليمنية. وعلى صعيد متصل، كشفت العديد من التقارير الاخبارية، أنه في ظل التقدم الملحوظ الذي حققته قوات “أنصار الله” اليمنية في مأرب خلال الفترة الماضي ، اتضح أن حرب اليمن تحتضر وأن السنة السابعة من هذه الحرب قد لا تكتمل، وأن اتفاق “ستوكهولم” قد انهار أو أنه أصبح في وحدة العناية المركزة وأن المملكة العربية السعودية خسرت هذه الحرب، وأن اليد العليا في هذه الحرب أصبحت لـ”أنصار الله”. ولفتت تلك التقارير إلى أنه في مطلع 2020 استهدف أبطال الجيش واللجان الشعبية اليمنية بشكل متكرر مواقع عسكرية سعودية في مختلف مدن البلاد. وذكرت تلك التقارير أن أبطال الجيش اليمني شنوا أيضا هجمات صاروخية خلال الفترة الماضية من داخل الأراضي اليمنية على مواقع حساسة داخل العمق السعودي.
واستمرارا للجهود السعودية للخروج من المستنقع اليمن بماء الوجه، ذكرت العديد من التقارير أن مستشار الأمن القومي الأمريكي، “جيك سوليفان”، يستهل رحلته إلى الشرق الأوسط هذا الأسبوع بزيارة إلى السعودية، من المتوقع أن يلتقي خلالها ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان” في مدينة نيوم شمال غربي البلاد، حيث سيناقشان تحديات إقليمية ودولية في طليعتها الحرب في اليمن التي تسعى إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” إلى وضع حد لها. ووفق مسؤولين في الإدارة الأمريكية، سيعقد “سوليفان” وهو أرفع مسؤول أمريكي يزور السعودية، منذ تسلم الرئيس “جو بايدن” مقاليد الحكم، اجتماعاً مع نائب وزير الدفاع السعودي الأمير “خالد بن سلمان”، الذي يلعب دوراً بارزاً في مساعي التنسيق للدفع بحل سياسي للأزمة اليمنية، وفق اجتماعاته المتعددة مع المبعوثين الأمريكي والأممي إلى اليمن. إن السعودية وفي حين لم يعد امامها مفر سوى الاعتراف بالهزيمة في الحرب التي فرضتها على اليمن منذ ست سنين، تسعى ومنذ فترة ليست بقصيرة الى الخروج من مستنقع حرب اليمن بشكل يحفظ لها ماء وجهها مع الحصول على ادنى المكاسب المتوخاة. كما ان السعودية تصر على الحيلولة دون تشكيل حكومة تتحلى بتوجهات سياسية ومبادئ اسلامية اصيلة بالقرب من حدودها الجنوبية. مقترح تخفيف الحصار عن مطار صنعاء وميناء الحديدة في المبادرة السعودية خطوة لممارسة الضغط على حركة “انصار الله” وارغامها على الحضور خلف طاولة المفاوضات، ولكن في الواقع ان الهدف من هذه المبادرة هو توفير الفرصة للقوات السعودية لاستعادة انفاسها. هذا في حين أن “انصار الله” ترى في السعودية عدوا خارجيا يجب عليه مغادرة اليمن وانهاء الاحتلال وتفويض شؤون اليمن لليمنيين. وبناء على هذا فاما ستقوم السعودية بهذه الامور طوعا او سترغم على فعلها كرها. بعد ايام ستدخل حرب اليمن عامها السابع، تلك الحرب التي كان من المفترض وفق مزاعم ولي العهد السعودي المتهور أن تنتهي في غضون ثلاثة اسابيع ولمصلحة السعودية .