ما بين حيفا وباب المندب والرياض معادلة الردع تفرض نفسها
عين الحقيقة / العهد /شارل أبي نادر – عميد متقاعد
لم تعد الأوساط المعنية والمتابعة تستوعب ما يجري على ساحات الإشتباك الإقليمي والدولي في الشرق الأوسط والمحيط، وتجهد هذه الأوساط، خاصة في المرحلة الأخيرة، لفهم أبعاد وتداعيات ما يمكن ان يحدث من تطورات دراماتيكية حسّاسة خلقها كل من: الخطر الكارثي المحتمل من انفجار غاز الأمونيا في حيفا نتيجة إستهدافه بصاروخ من قبل حزب الله، أو الإستهداف الناجح للبارجة السعودية في البحر الأحمر بصاروخ بر – بحر، وأخيراً التجربة الاستراتيجية المذهلة للوحدات اليمنية بإستهداف الرياض بالصاروخ الباليستي “سكود” والمطوّر محلياً تحت اسم “بركان 2”.
بالمبدأ، هذه التهديدات الكارثية للعدو الاسرائيلي، او الضربات الجدّية للمملكة العربية السعودية، لا تنحصر نتائجها على الكيان والدولة المذكورتين، بل تمتد تداعياتها الى خارج حيفا والرياض وباب المندب أو البحر الاحمر لتصيب، وبشكل مباشر المجتمع الغربي الذي يرعى: “اسرائيل”، بهدف حمايتها كإلتزام تاريخي مستمر منذ نشأتها حتى الساعة، و” المملكة العربية السعودية “، بهدف إستغلال ثرواتها ونفطها، وأيضا كمشروع تاريخي مثمر، واظب هذا المجتمع الدولي عليه منذ وجودها وحتى الساعة.
من الناحية العملية، لا يمكننا إلا أن نربط وبشكل مؤكد، بين ما يقوم به الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإدارته ضد إيران من حملات وتهجمات مسعورة تخطت المفاهيم الدولية المعروفة، وبين ما يحدث من تحولات إستراتيجية في الشرق، وضعت كلًّا من إسرائيل والمملكة العربية السعودية في دائرة الخطر الوجودي، وحيث “تتحمل ايران مسؤولية” إكتمال توازن الرعب في المنطقة (حسب الإتهامات الغربية)، وحيث هي بالمبدأ صاحبة الدور المهم والفضل الأكبر (حسب محور المقاومة)، كونها المصدر الأساس لنواة هذا التوازن – والذي هو الصواريخ الباليستية الإستراتيجية – عبر تصنّيعها لهذه الصواريخ وتسلميها، يبقى الدور الأساس في خلق وفرض وتثبيت توازن الرعب هذا، للمقاومة في لبنان (حزب الله)، وللجيش واللجان الشعبية في اليمن مع (انصار الله)، وذلك من خلال ما يلي:
– في لبنان، ساهم، وبشكل رئيسي، رجال حزب الله بخلق توازن الرعب مع العدو الاسرائيلي من خلال التزامهم بالاساس بخيار المقاومة، في الوقت الذي ذهب الكثير غيرهم، في الداخل والمحيط، في خيار آخر اشبه بخيار الاستسلام، خوفاً او تواطؤاً، وكانوا دائما (رجال حزب الله) جاهزين في الساحات والميادين، سهراً وقتالاً ودماءً وشهادةً، للوصول الى إثبات أنفسهم وقوتهم ووجودهم، والى فرض توازن مرعب بمواجهة عدو يملك أحدث التقنيات والأسلحة والتجهيزات، بالإضافة لإمتلاكه دعماً دولياً واسعاً غطى دائماً اعتداءاته وجرائمه بإنحياز واضح وفاضح.
من ناحية أخرى، كان للجهود الجبارة التي قام بها حزب الله، لناحية التدريب والتمرس على إستعمال الأسلحة الكاسرة للتوازن، والتي حصل عليها من ايران، او لناحية تطوير واعادة تجهيز هذه الاسلحة بما يتناسب مع اهدافها وميدان عملها، دور مهم وفاعل في خلق وفرض توازن الرعب هذا مع العدو، والذي اكمله وثبته في معادلة جريئة نقلها الأمين العام لحزب الله عبر خطاب حاسم، من خلال إختيار استراتيجي لأهداف حيوية وحساسة، مثل خزانات غاز الأمونيا في حيفا أو السفينة التي تنقله إليها، بحيث سيكون حتماً لإصابتها تداعيات مؤلمة وكارثية على كيان العدو بشكل عام.
– امّا في اليمن، فقد فاجأ الجيش واللجان الشعبية وانصار الله العالم برمته، بصمودهم ووقوفهم التاريخي في وجه أكبر هجمة شرسة تتعرض لها دولة فقيرة مسالمة في المحيط، وبمواجهتهم الناجحة لتحالف اقليمي ودولي جمع قدرات مالية وتسليحية واعلامية وديبلوماسية ضخمة، حقق هؤلاء اليمنيون الشرفاء، وفي العديد من المعارك الشرسة التي خاضوها بميزان قوى وتجهيز غير متكافئ وغير متناسب، العديد من الانتصارات المُشرِّفة.
وأيضا في اليمن، لم يكتف ابطالها بانتصاراتهم في أغلب معارك الصراع الجائر ضدهم، فها هم ينقلون المعركة، وبذكاءٍ وإقدامٍ وجرأة ٍ الى خارج اليمن، الى المكان الذي يؤلم التحالف الإقليمي الدولي الظالم بحقهم، الى الممر الاستراتيجي الأكثر أهمية، الى بوابة الشرق الإقتصادية والاستراتيجية، الى باب المندب الذي ثبتوا سيطرتهم عليه بالنار وبالمراقبة، وبعد استهدافهم الناجح للبارجة السعودية في البحر الاحمر قبالة مدينة الحديدة اليمنية الساحلية، والذي من خلاله اضعفوا وابعدوا قوة المملكة البحرية عن المعركة ضدهم، ها هم بالأمس القريب، ينقلون المعركة الى عمق أراضي المملكة، الى عاصمتها الرياض رمز سيادتها ومركز قرارها، من خلال استهداف ناجح ومثير وبمدى تجاوز الـ 900 كلم، لقاعدة عسكرية كبيرة بصاروخ بركان 2 المعدل والمطور.
انها معادلة الردع المشتركة التي فرضت نفسها، في فلسطين المحتلة وفي محيط اليمن المستهدف، إنه توازن الرعب نفسه الذي لا بد منه لمواجهة العدو الاسرائيلي أو لمواجهة المجتمع الدولي الذي يوجّه غصباً نظام آل سعود، انهم الابطال أنفسهم، انها دماء الشهداء ذاتها، انه الصراع الوجودي نفسه .