ما الذي يحدث وسيحدث في اليمن؟
المتأمل الى ما يحدث في اليمن خلال هذه الأيام وما قبلها، لا يملك سوى أن يقول يا قدرة الله! ما حقيقة هذا الشعب اليمني؟ وما السر الذي جعلهم يرتبطون بنبيهم الأعظم سيدنا محمد (صلوات الله عليه وعلى آله وسلم) كل هذا الارتباط العميق المتجذر التاريخي والممتد والمتجدد الى يومنا هذا؟
المتابع للمشهد اليمني منذ منتصف شهر صفر والشعب يتهيأ لاستقبال مناسبة مولد نبيهم الأعظم! يقدسونه، يعظمونه، يجلّونه، يشتاقون ليوم ميلاده وكأنهم سيستقبلون النبي بنفسه وشخصه في الثاني عشر من ربيع الأول! .
يعيشون هذا الشعور قولا وعملا، يتسابقون ويتنافسون في البذل والعطاء والعمل المتواصل استعدادا لعيدهم الأكبر، ولفرحهم الأعظم في ذكرى مولد حبيبهم ومعلمهم وطبيب قلوبهم وهاديهم وقدوتهم الذي لا يزال حيّ في كل القلوب.. من بذكره تحيا النفوس وتطيب المجالس ويستجيب الله الدعاء ويصلح العمل وينال الإنسان التوفيق والصلاح في حياته , سيما بعد أن حاول أعداء الله أن يغرسوا فكرة أن محمد رسول الله مجرد رسول عادي تنزل عليه الوحي وأدى رسالته ومات وانتهى !! ولم يعد له تأثير على المسلمين !
عملوا ما في جهدهم لفصل الأمة عن كتابها المعظم ونبيها الأعظم وتحويل الإسلام لمجرد طقوس دينية مفصولة تماما عن واقع الحياة المعاش , وصوروا رسول الله أنه مجرد إنسان درويش متدين كان كل عمله هو التنقل ما بين البيت والجامع لأداء الصلاة فقط ودعوة الناس للإسلام بفروضه التي علّمونا بها في المدارس وهي الأركان الخمسة من شهادتين وصلاة وصيام وزكاة وحج وينتهي إسلامهم عند تلك الفرائض التي يريدون من المسلمين أن يؤدوها فقط شكليا دون استشعار حتى لأهدافها وآثارها على النفوس والخروج بها عن مضامينها الحقيقية التي لأجلها شرّعها الله , فالصلاة والصيام والحج والزكاة تترك أثارا كبيرة في زكاة النفس واستقامتها ومعرفتها الهدف الحقيقي الذي لأجله خلقها الله في هذا العالم , والأهم من كل هذا وذاك هو أنهم فصلوا الأمة عن ذروة سنام الإسلام ألا وهو الجهاد في سبيل الله بالمال والنفس , وحصروا الدين في تلك الطقوس مثلما ذكرنا آنفا بعد أن فرغوها من أهدافها حتى تحولت لمجرد عادات وروتين متوارث لا يترك الأثر والتربية الحقيقية للنفس التي إن استقامت وفهمت وتزكت عرفت حينها ما هو واجبها الحقيقي في إقامة دين الله عن طريق موالاة الله ورسوله والذين آمنوا من أهل بيته .
مناسبة المولد النبوي الشريف هي فرصة كبيرة لإعادة تعريف الأمة بنبيها المجاهد الأعظم الذي كانت رسالته رحمة للعالمين نعم وجامعة وشاملة ومفصلة لكل ما من شأنه الارتقاء بالإنسان كإنسان والاعتزاز بالدين الذي فيه من التوجيهات والأوامر ما هو كفيل بأن يجعل من المسلمين من يتحكمون في كل العالم ومن يكونوا هم الأمة الوسط الأمة العزيزة غير الخانعة ولا الذليلة , وأول باب يوصلنا لطريق العزة والقوة هو الاقتداء بمعلمّنا وقدوتنا وهادينا نبيّنا الأكرم سيدنا محمد عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام حيث كانت أخلاقه النبوية الراقية التي وصفها الله تعالى بأنها هي الأخلاق العظيمة التي يجب أن يتأسى بها كل مسلم في هذه الأرض هي المنهج القويم والصراط المستقيم الذي يجب أن يحتذيه كل المسلمين في هذه الأرض , ومن أهم ما أمر الله به نبيه هو الجهاد في سبيله للوصول لطريق العزة حيث قال تعالى :-
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) صدق الله العظيم وهذه الآية تعطينا دليل بأن نبينا الأعظم هو سيد المجاهدين وقدوتنا في الجهاد مهما كانت الظروف وهذا ما عمل العدو على تغييبه عن الأمة حتى ضلت الطريق وتاهت وتخبطت وانقسمت شيعا وأحزابا بعد أن تركت طريق الجهاد والاستشهاد وبذل المال والنفس لتكون كلمة الله هي العليا.
وبعد طول المدة التي عمل العدو على فصل الأمة فيها عن نبيها وكتابها وفي عز الذل والخنوع والارتهان التي تعانيه الأمة تصدر يمن الأنصار المشهد من جديد , في نصرة هذا الدين وهذا النبي العظيم , وبعد تلك الهجمات الشرسة التي تتعرض لها الأمة , انطلق صراخ من شمال اليمن من منطقة مرّان يرفض كل هذا الواقع المرير والذليل ويثور على كل الثقافات المغلوطة التي حاولت رفع شأن بعض الصحابة على حساب الاستنقاص من شأن النبي الأعظم , حتى غابت القدوة الحقيقية , وقدمت هذه المسيرة القرآنية عشرات الألاف من الشهداء الأطهار الأنقياء الأتقياء كي تستمر وتنتصر وتواجه كل المكائد والمؤامرات التي حيكت ضد الإسلام وضد نبيه الأعظم , فعاد الشعب اليمني وبقوة في تعريف كل الشعوب العربية والإسلامية في أهمية تعزير وتوقير هذا النبي ونصرته واتباع نهجه الذي أصبح كالنور يضيئ درب كل السالكين فيه حتى يصبحوا من المفلحين كما تحدثت عنهم الآية الكريمة التي كانت شعار للمولد لهذا العام : (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
وهاهم اليمانيون بعد هذه المسيرة القرآنية ازدادوا عزة وحرية ونبذوا كل الثقافات المغلوطة وراء ظهورهم وانتفضوا من بين الركام وتغلبوا على كل الجراح والأحزان التي تسبب بها تحالف العدوان الغاشم الذي حاول إطفاء نور هذه المسيرة التي قادها أعلام هداه من ذرية سيدنا محمد صلوات الله عليه وآله , وعادت ذكرى المولد النبوي الشريف هي أكبر الأعياد وأهم المناسبات التي يحييها اليمنيون بكل شغف وشوق ولهفة وتنافس بينهم وكل هذا تعبيرا منهم عن حبهم لنبيهم وعن تعظيمهم وإجلالهم له وأصبحوا يتهيؤون من قبل المولد بحوالي شهر لاستقبال ذكرى المولد ويتولد لديهم شعور عميق بأن النبي العظيم حاضرا بينهم يسمعهم ويراهم ويسعد بهم.
فهم من اتبعوا نور الهدى القرآني عبر أحد أعلام الهدى من ذريته صلوات الله عليه وآله وهو قائد مسيرتنا القرآنية حفظه الله , وهم من جاهدوا في الله حق الجهاد وعبّدوا طريق الجهاد والاستشهاد ولقنوا أعداء الله الدروس في تعريفهم من هم المحمديون قولا وعملا , ففي كل عام يرسم اليمانيون لوحة محمدية بديعة لا يوجد لها مثيل منذ بعثة النبي الأعظم والى يومنا ولا غرابة في هذا الأمر فمن وفقه الله بأن يوالي أولياء الله ويعادي أعداءه فلاشك أنه عرف طريق الهدى والفلاح.
حجم التفاعل الشعبي في اليمن بين الرجال والنساء في القطاعين الحكومي والشعبي في الاحتفاء بهذه المناسبة وفي الشوق العظيم لها يعتبر ضربا من ضروب الخيال أو نستطيع أن نسميه أنه معجزة فاقت كل التوقعات والتحليلات , فرغم الظروف الاقتصادية الصعبة لكن يبقى رسول الله أحب الى أحفاد الأنصار من أبناءهم وأباءهم ومن تجارتهم فقد ظهرت كل المحافظات التي تحت سيطرة الأنصار وهي تكتسي الحلة الخضراء البهية التي تبهج النفوس وتنشر أريج السعادة عند كل من يراها، والجميع ينفق من ماله الخاص حتى من قوت أبناءه لكي يساهم في إقامة مجالس وأمسيات لذكر رسول الله صلوات الله عليه وآله لتحيا به القلوب وتشفى به الصدور وتنفرج به الكروب وتستر به العيوب وتستجاب به الدعوات , وقفنا عاجزين عن تفسير ما يحدث في اليمن من علاقة وطيدة وعميقة بين أحفاد الأنصار وبين نبيهم العظيم , فلا يفهم ولا يدرك هذه المعاني إلا العارفين.
تأثرت حتى بعض الشعوب باليمنيين وهم يحييون ذكرى مولد نبي الأمة جمعاء فالنبي ليس حكرا على أي فئة فهو نبي كل المسلمين , ويفترض أن تكون مناسبة المولد النبوي فرصة عظيمة لتتوحد الأراء وتلتحم الصفوف ويلتم الشمل بين كل أطياف المسلمين فالنبي محمد هو نبي كل المسلمين بمختلف مذاهبهم وأحزابهم .
ولندع تفسير وترجمة اللغة الخفية بين أحفاد الأنصار وبين نبيهم الأعظم لله وللتاريخ فقد عجزت حروف اللغة العربية عن وصف ما يحدث في اليمن من ارتقاب كبير لهذه اليوم الذي غيّر الله به واقع الأمة بأكملها , وليمت أعداء النبي بغيظهم فها هو محمد يتجسد في أخلاق وجهاد اليمنيين المواليين للنبي و أهل بيته الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين .
بقلم – الكاتبة اليمنية “أمة الملك الخاشب ”