ماذا يريد “الحلفاء” من اليمن؟
الحقيقة/عبير بسّام
في كل يوم يشتد فيه القصف السعودي على اليمن يطرح السؤال نفسه وبقوة: ماذا يريد السعوديون من اليمن؟ لماذا يريد هؤلاء سحق مهد الحضارات؟ ولماذا يريد هؤلاء وضع اليد عليه؟ ولماذا يتحمل هؤلاء كل هذه الخسائر من أجل بسط السيطرة عليه؟
الأسئلة المطروحة، أسئلة مشروعة ولها علاقة ليس فقط بموقع اليمن الإستراتيجي على موانئ البحر الأحمر ولكن هناك الكثير مما يجعل اليمن من أكثر المناطق “استراتيجية” في العالم وفي الوطن العربي بالذات.
في العام 2007، في حديث مع أحد الأصدقاء الألمان، وكان باحثاً في إحدى مراكز الدراسات الألمانية في لبنان، أخبرني أنه سيذهب ليلاقي زوجته في اليمن من أجل قضاء عطلتي الميلاد وراس السنة. وهي عطلة تمتد لشهر تقريباً. هذا الصديق يستطيع قضاء العطلة في أي مكان يريد في العالم، ولكنه اختار اليمن! وللأسف أن ما كانت تزرعه وسائل الإعلام والأفلام الأميركية في رأسنا يومها، أن اليمن هي مجرد جبال جرداء وبرد وقيظ يفرضه مناخها الصحراوي.
جواب الصديق الألماني كشف الكثير من التجهيل الذي يزرع في رؤوسنا وتغذيه عنجهيات فارغة. فاليمن ليس مجرد جبال جرداء وبُن وقات، اليمن واحدة من أجمل بقاع الأرض، والتنوع البيئي والجغرافي وموقعه وما يمثله اليوم يمكنّه أن يكون وحدة اقتصادية مستقلة قائمة بذاتها. ولديها من المصادر الطبيعية ما يجعلها من أغنى بقاع الأرض. ولكن دول حكام دول الخليج أغرقوا هذا البلد بالجهل من خلال تفشي داء تنظيم “القاعدة” وفرعه “النصرة” فيه جعل الصراع فيه أشد وطأة.
منذ الإنقلاب على الملكية يشعر حكام السعودية بخطر وثقل الحمل الآتي من بلد الثورات. وأجج هذا الخوف منذ أن توجه جمال عبد الناصر بجيشه لمساندة الثوار ضد الملكية في العام 1962. هذا الخوف جعل كل من الأميركيين والسعوديين وبالتالي الصهاينة في قلق دائم من أن يعاود اليمن دوره التاريخي في التصدي لجميع الغزاة الذين تعاقبوا عليه. وعليه فإن اليمن بكينونته المستقلة والمنتجة يعد خطراً على أمن عروش حكام الخليج، وبالتالي على أمن شركات الطاقة الأميركية وأمن “اسرائيل”.
يتصارع اليوم على اليمن، حتى فيما بينهم، كل من السعودية والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة والكيان الصهيوني، قد يبدو الأمر ظاهرياً بأنه تحالف ضد اليمن، ولكنه في حقيقة الأمر هو صراع لأن الفائز باليمن، إن استطاع، ولن يستطيع بحسب ما يفرزه واقع الإنتصارات اليمنية اليوم، فسيفوز بأكبر جائزة “يانصيب” في العالم كله. اذ أن كل من هذه القوى ما عدا الولايات المتحدة تفضل أن يدها هي العليا والمباشرة في أرض اليمن. ومن الطبيعي في تلك الحالة أن تتصارع كلّ من السعودية والإمارات العربية المتحدة الحليفتان اللدودان على أرض اليمن. وأن تحاول كل منهما الخروج بأقل الخسائر الممكنة وبأكبر المكاسب.
تسعى الإمارات العربية اليوم لتحقيق بعض من أهدافها ومكتسباتها عبر سياسة التطبيع التي انتهجتها مع العدو الإسرائيلي. فمنذ العام 2018 دخلت الإمارات على خط الجزر اليمنية في البحر الأحمر، وبحسب موقع “منظمون اعلاميون حول العالم” فقد انسحبت القوات السعودية وفقاً لإتفاق بين القوات الحكومية والمجلس الإنتقالي الجنوبي، وذلك في في 7 أيار/ مايو من العام الماضي عند نقاط تأمين مدينة حديبو، في جزيرة سقطرى، وتزامن الإنسحاب السعودي مع ارسال التعزيزات للمتمردين المدعومين من دولة الإمارات، وبغطاء جوي سعودي.
وفي نفس الموقع، يصف أحد العسكريين الأميركيين الإمارات بأنها ترى نفسها بإسبرطة الصغيرة، وياتي هذا التوصيف في محاولة الإمارات لإيجاد مكانها كإمبراطورية بحرية. اذاً الهدف الرئيسي وراء التطبيع مع “اسرائيل”، هو من أجل كسب موافقة الطرفين الأميركي والصهيوني لإيجاد مكانتها كقوة بحرية. لأنه دون الموافقة الأميركية ـ الإسرائيلية، وللأسف ترى الإمارات أنها لا تستطيع أن تصنع مكانة لها في المنطقة خارج نطاق التآمر مع الصهاينة.
صحيح أن الإمارات قد اعلنت انسحابها من اليمن بشكل رسمي. ولكن أهدافها بالسيطرة على مواقع هامة وحاسسة فيه تعزز قوتها البحرية في المنطقة لم تتغير، خاصة بعد تراجع دورها في ليبيا، والغضب عليها في مصر بسبب موقفها الداعم لسد النهضة في أثيوبيا، والدخول مع الكيان العبري في مشروع بناء قناة بن غوريون ابتداءاً من مشروع بناء أنابيب إيلات عسقلان.
بالتأكيد، القضايا في المنطقة مرتبطة ومتشابكة، وهذا طبيعي! لأن ملفات المنطقة التي تكشفت منذ بداية ما يسمى “الربيع العربي”، والتي ابتدأ فيها تنفيذ خطة التقسيم فيها منذ إعلان الحرب على العراق، مع بداية ولاية جورج بوش الإبن في العام 2001. والتطبيع جاء حصيلة عملية طويلة المدى. ومما تكشف أن الإمارات اليوم وبالتوافق مع الكيان العبري تريد فرض سيطرتها البحرية على مداخل البحر الأحمر، عبر فرض السيطرة على مجموعة من الجزر وأهمها الجزر اليمنية في منون ومجموعة جزر سقطرى.
جزر سقطرى كنز طبيعي قائم بحد ذاته. فهي تعد من أهم الجزر السياحية العذراء في العالم. وتحتوي الجزيرة على نباتات هامة في صناعة الطب والكيمياء، عدا عن التنوع البحري الذي يحيط بشواطئها. يهدف الإماراتيون إلى إعلان جزر سقطرى جزر إماراتية ويسعون إلى منح أهاليها الجنسية الإماراتية. والأكثر من ذلك ينوي العديد من أمرائهم لبناء قصور فيها. وبالتالي فإن الإستثمار السياحي في هذه المجموعة من الجزر لا يقل أهمية عن جزر المالديف بحد ذاتها.
جزر سقطرى لا تختلف بقيمتها الجغرافية عن منطقة حضرموت، الغنية بخزانها المائي الطبيعي الأكبر في شبه الجزيرة العربية وبتربتها الخصبة. وحضرموت وحدها تستطيع توفير الغذاء لشبه الجزيرة باكملها. كما تختزن حضرموت أكبر خزان للنفط في أراضيها. كما ينتج اليمن أفضل أنواع البُن في العالم. وكانت الإمارات تهدف نحو استثمار وسيطرة مشتركة مع السعودية فيه. مع العلم، أن اليمن وحده خزان نفط هائل يعد الأهم في الجزيرة العربية، وما يوجد في اليمن من ثروة نفطية أكبر مما يوجد في دول الخليج العربي والسعودية مجتمعة.
مشكلة اليمن مع الحلفاء المتقاتلين عليه لا تنحصر فقط بالصراع على مقدراته. لأن اليمن لو قبل بما قبل به عربان الخليج من دور متواطئ على فلسطين لكان اليوم في أحسن حالاته. ولكن الدور الذي لعبه اليمن خلال تاريخ الصراع العربي ـ الصهيوني جعل منه دولة تشكل خطراً على “اسرائيل” وعلى ممالك العربان. اذا أنه ليس سراً أنّ البحر الأحمر كان واحداً من أهم عناصر فرض الحصار على الكيان العبري في حرب تشرين/اكتوبرالتحريرية في العام 1973. ومثل واحدة من عوامل الإنتصار الهام فيها. ومنذ ذلك التاريخ و”اسرائيل” تحاول احتلال جزيرة ميون بالذات، حتى قوض لها ذلك اليوم من خلال الإحتلال الإماراتي للجزيرة.
اليوم، باتت السيطرة الإماراتية على الجزر اليمنية في البحر الأحمر “على عينك يا تاجر”، وهي تبني مطاراً جوياً في الجزيرة مقابل اليمن. تقع ميون في واحدة من أهم نقاط الإختناق البحرية الهامة وبالتحديد عند مضيق جبل طارق. اي أن من يتحكم بميون يتحكم بطرق التجارة ونقل النفط في البحر الأحمر.
والجدير ذكره هنا ان هذا الإحتلال لميون تستشعر به مصر خطراً شديداً لناحية أمن واستمرار العمل بقناة السويس، ومن ثم لناحية التعاون العسكري بين الإمارات وإثيوبيا وخاصة فيما يتعلق بمساندة إثيوبيا بمواقفها المتشددة لناحية حبس مياه النيل وراء سد النهضة.
كما أن الأمر هو جزء من الصراع ما بين السعودية والإمارات من جهة وما بين تركيا التي يتنامى دورها في الصومال من جهة أخرى.
أنى أدرناها اليوم يتضح وبشكل جلي أن ما يريده التحالف من اليمن، ليس فقط خزانه النفطي وثرواته الطبيعية، بل فوق ذلك موقعه الإستراتيجي والسياحي وخزانه المائي والغذائي، لكن أهله الفقراء والجوعى والذين تفتك بهم الأمراض ما زالوا حتى اليوم صامدين وفي صدارة المواجهة دفاعاً عنه.