ماذا تبقّى لواشنطن من خيارات ضدّ صنعاء؟..كتب/علي ظافر
Share
لم تقتصر المشاركة الأميركيّة في العدوان على اليمن على الجانب العسكري والاستخباراتي واللوجستي فحسب، بل تعدَّته إلى الجانب السياسي والدبلوماسي.
في الآونة الأخيرة، ومع تعاظم القلق الأميركي من دخول قوات صنعاء إلى مدينة مأرب، آخر معاقل ما يسمى بـ”الشرعية”، وانسحاب الميليشيات الموالية للإمارات من مساحة 700 كيلومتر على الخط الساحلي الرابط بين الحديدة والمخاء في محافظة تعز، أدرجت الولايات المتحدة الأميركية ومجلس الأمن عدداً من القيادات العسكرية في وزارة الدفاع اليمنية في لائحة العقوبات، وصعّدت عبر وكلائها الإقليميين (السعودية) وتيرة الحصار والغارات على العاصمة صنعاء وغيرها من المحافظات، كما لو أنَّ الحرب عادت إلى أيامها الأولى، بالتّوازي مع فتح جبهات جديدة في الساحل وباتجاه تعز وفي ساحات أخرى، اعتقاداً منها بأنها ستطوّق الانتصارات الحتمية لصنعاء، كما وصفها مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق ديفيد شينكر.
وفي المسار الدبلوماسي، كثّف المبعوث الأميركي تيم ليندر كينع حراكه الدبلوماسي بين عواصم دول العدوان، وزار عدن لأول مرة محرّضاً الميليشيات المتناحرة على التوحّد لقتال صنعاء، فيما هددت واشنطن، على لسان وزير الخارجية أنتوني بلينكن، بأنها “ستستهدف بلا هوادة أولئك الذين يؤجّجون الصراع”، وهو تهديد مباشر لصنعاء.
في المقابل، لم تكترث صنعاء لهذه التهديدات والعقوبات، وللتلويح بإعادة إدراج “أنصار الله” في “لائحة الإرهاب الأميركية”، كما أنَّ التصعيد الجوي وفتح معارك في أكثر من جبهة وعلى أكثر من صعيد، لم يفتّ من عضدها، ولم يثنِها عن المضي في فرض معادلات ردع جديدة، من خلال عملية “توازن الردع” الثامنة، باتجاه العمق السعودي، ومواصلة معارك التحرير في مأرب وغيرها من الجبهات، إذ إنَّها كانت تتوقّع مثل هذه السيناريوهات وتعدّ لها ولمواجهتها على مستوى العدة والعديد والانتشار والدعم اللوجستي والتخطيط وكل ما تتطلّبه المعارك الميدانية، وبالتالي لم تُفاجأ بها، كما توهّم العدو.
وعلى العكس تماماً مما خطّط له الأميركيّ وأدواته التنفيذيّة، شكّل هذا التّصعيد دافعاً لتثوير الغضب والسخط الجماهيري ضد واشنطن مباشرة، إذ خرج ملايين اليمنيين الأسبوع الماضي في جميع المحافظات الحرة، موجّهين أصابع الاتهام إلى أميركا مباشرة بأنَّها من يقف وراء التصعيد العسكري والاقتصادي واستمرار العدوان والحصار. ولم يخطئ اليمنيون منذ اليوم الأول حين وصفوا الحرب بأنها عدوان أميركي سعودي.
عودة إدارة بايدن إلى صدارة المشهد من خلال فرض العقوبات، والتهديد، والتحريض، وتشديد الحصار، ودفع المنظمات الدولية إلى الضغط على صنعاء وشيطنتها، فضح مزاعم الرئيس الأميركي بحرصه على السلام أولاً، وعزَّز القناعة لدى اليمنيين بأنَّ واشنطن رأس حربة في العدوان على اليمن، وليست طرفاً وسيطاً أو محايداً، كما تحاول الدبلوماسية الأميركية تسويق ذلك، حتى في عهد بايدن الَّذي رفع شعار “الدبلوماسية”، وعيّن تيم ليندركينغ مبعوثاً خاصّاً له إلى اليمن، وأعلن نيّته وقف صفقات التسليح للسّعودية والإمارات، واتضح أنّ كلّ تلك التصريحات كانت مجرد دعاية سياسية لا أساس لها في الواقع، بقدر ما تهدف إلى تحقيق أهداف عجزت وأدواتها الإقليمية مجتمعة عن تحقيقها بالحرب طيلة السنوات الماضية.
ومن المعلوم أيضاً أنَّ الحرب أعلنت من واشنطن، بضوء أخضر من إدارة أوباما التي كان بايدن جزءاً منها. وقد كشف السفير السعودي آنذاك، عادل الجبير، في مقابلة مع قناة “CNN” الأميركية، بعد أيام قليلة من انطلاق “عاصفة الحزم” عشية 26 آذار/مارس 2015، أن العدوان جاء بعد أشهر من “التنسيق المشترك بين أميركا والسعودية”، وعزز ذلك إقرار جيرالد فيرشتاين، السفير الأميركي الأسبق في اليمن والمسؤول الكبير في وزارة الخارجية الأميركية في إدارة أوباما، بأن الأخيرة منحت السّعوديين الضوء الأخضر.
كبار المسؤولين في إدارة أوباما اعترفوا في بيان صدر عنهم في تشرين الثاني/نوفمبر 2016 بمشاركة أميركا في الحرب، من خلال “توفير المعلومات الاستخبارية وتموين التحالف بالوقود والمساعدات اللوجستية”، بل إنَّ معظم القتل والدمار الذي حصل في اليمن طيلة 6 سنوات يحمل توقيع “MADE IN USA”، وفق شهادة السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي الذي قال: “هناك بصمة أميركية في كل روح بريئة تقتل في اليمن… ذخائرنا هي التي تُلقى على الشعب اليمني، وطائراتنا هي التي تقوم بنقل الوقود، واستخباراتنا هي التي تقوم بتحديد الأهداف”.
وعزز ذلك بروس ريدل الذي عمل في الاستخبارات الأميركية، كما عمل مستشاراً لأربعة رؤساء أميركيين بشهادته: “إنَّ واشنطن شريك أساسي ويومي في الحرب على اليمن، من خلال التزويد بالوقود وتقديم الإحداثيات والدعم الاستخباراتي واللوجستي”، وأضاف: “قرار الحرب أميركي. لو طلبت أميركا وبريطانيا من الملك سلمان أن يوقف الحرب لأوقفها فوراً، لأن الطائرات السعودية لا يمكن أن تعمل من دون الدعم الأميركي والبريطاني”، ما يعني أنَّ قرار الحرب أميركي بامتياز، وقرار وقفها بيد واشنطن. يكفي اتصال واحد فقط من بايدن إلى سلمان. وبحسب السيناتور الأميركي روان بول، “لم تكن السعودية لتعمل ما تعمل لولا الدعم الكامل من الإدارة الأميركية”.
لم تقتصر المشاركة الأميركيّة على الجانب العسكري والاستخباراتي واللوجستي فحسب، بل تعدَّته إلى الجانب السياسي والدبلوماسي، فأميركا هي التي وفّرت الغطاء السياسي والدبلوماسي لأدواتها التنفيذية، وعمدت إلى الإسهام في حصار الشعب اليمني وتجويعها ببارجاته العسكرية، متسبّبةً بأسوأ كارثة إنسانيّة. وبناء عليه، فإنَّ اليمنيين لم يخطئوا حين وصفوا الحرب من يومها الأوّل بأنها “عدوان أميركي سعودي”.
وبناءً على هذه الشَّهادات والمعطيات والحقائق، فإنَّ ما تراه الإدارة الأميركيّة اليوم خيارات بديلة، جرّبته الإدارات السابقة في عهد أوباما وترامب سابقاً، وبات بالياً، ومن العبث تجريب المجرب وتدوير المدور، إذ أثبتت تجربة 7 سنوات من الحرب أنّها خيارات فاشلة أمام صمود المقاتلين اليمنيين وبسالتهم، وصلابة الموقف السياسي، وعنفوان الشعب اليمني.
ويبقى الخيار الأسلم لواشنطن ومديريها التنفيذين في المنطقة أن يسلّموا بحقائق الميدان، ويسلّموا اليمن لأهله، ويذعنوا لشرط اليمنيين، برفع الحصار، ووقف الحرب، وسحب القوات الأجنبية، ومعالجة ملفات الحرب، وعدم التفكير مستقبلاً في المساس بالسيادة اليمنية