ماذا بعد إجتماع المركزي؟! .. مثلث التآمر وطرق المواجهة الاستراتيجية المدروسة
اجتماع المجلس المركزي الأخير في رام الله لمخرجاته وتوصياته تداعيات كبيرة، تفرض اتخاذ خطوات عملية على اكثر من صعيد، قادرة على مواجهة الضغوط والتحديات التي تمارسها أكثر من جهة استهدافا للقضية الفلسطينية، وأولى هذه الخطوات تصعيد المقاومة الشعبية السلمية، التي قد لا تقف عند هذا الحد، في حال اشتدت ممارسات الاحتلال ومحاولات التآمر شراسة وحدة.
المجلس المركزي أيضا، فتح الباب للقاءات واجتماعات على أكثر من مستوى، تعتمد استراتيجية جديدة، تبقي على العديد من المؤسسات في حالة انعقاد دائم، في تحد لما تحمله المرحلة المفصلية من أخطار، ومن هذه المؤسسات المجلس الوطني، وقيادات العمل الفصائلي، وربما الاطار القيادي.
المجتمعون في المجلس المركزي، أكدوا على استمرار التمسك بالعملية السلمية، لكن، وفق أسس وقواعد جديدة، تكسر الهيمنة الأمريكية على رعايتها، والتحكم فيها، بما يدعم ويخدم ويحقق المصالح الاسرائيلية، والمجلس المركزي أكد رفضه للقرارات والسياسات الأمريكية خاصة ما يتعلق بالقدس، وهذا الرفض بحاجة الى عوامل لتحقيق نجاحات ومكاسب، في مقدمتها، الوحدة الوطنية وتعزيزها، مع وحدة الموقف.
في اجتماع المجلس المركزي، لم نجد تمثيلا لأكثر من فصيل وتيار فلسطيني، كحركة حماس والجهاد الاسلامي، وغيرهما، واستندوا في هذا الموقف الى اكثر من سبب، وانطلقت الاتهامات المتبادلة قبل أن ينهي المركزي اجتماعاته، بعضها، غير محسوب وغير مقبول، فالرافضون والمقاطعون لاجتماع المركزي تصرفوا واتهموا، وطرحوا بدائل، غير قابلة للتطبيق، وكأن القيادة الفلسطينية تمتلك صواريخ بالستية، وأكثر تسليحا، ولم يكن أمام المجلس المركزي خيارات، أكثر من تلك التي استندت اليها بنود البيان الختامي، والتوصيات التي صدرت عنه، فالمجلس، رفض القرار الأمريكي، والمبادرة الأمريكية (صفقة القرن) ورفض المواقف والتحركات التي اتخذتها وتقوم بها دول عربية، لتطويع القيادة الفلسطينية لصالح المخطط الأمريكي الصهيوني، وأيضا رفض المجلس المركزي خطوات التطبيع التي تقوم بها دول خليجية كالسعودية والامارات ومشيخة قطر، محذرا من هذه الخطوات الحثيثة قبل أن يصار الى ايجاد حل عادل للصراع الفلسطيني الاسرائيلي.
وجاء خطاب الرئيس محمود عباس في المجلس المركزي واضحا، ومحسوبا، شكل مدخلا لاعضاء المجلس ليقروا التوصيات والقرارات المطلوبة، وبمثابة خارطة طريق تسهل قراءتها بعيدا عن الغلو، ولعبة (رفع السقوف)التي اضرت كثيرا، وجاءت محركات للدول المؤثرة في العالم، لتقف الى جانب الموقف الفلسطيني في مواجهة التوحش الامريكي، وربما يدفعها الى المشاركة في رعاية عملية سلمية مستندة الى اسس سليمة ومحمية، تكسر احتكار أمريكا لهذه العملية التي ما تزال تراوح مكانها منذ أكثر من عقدين من الزمن.
وفي كلمة الرئيس عباس أمام أعضاء المجلس المركزي، كشف ابو مازن، عن مشاركة عربية في المخطط الامريكي وطروحات (ناقصة) تسعى بعض الدول العربية الى تمريرها، تسهيلا على واشنطن وتل أبيب للمضي قدما في تطبيق بنود هذا المخطط الرامي الى تصفية القضية الفلسطينية، بمعنى هناك تحالف أمريكي صهيوني عربي، يعمل بقوة ضد هذه القضية، وكشف دون تفصيل عن عروض لن تقبل فلسطينيا، وبالتالي، المواجهة القادمة المدروسة ستكون صعبة في التصدي لثالوث بات يعمل علانية لتصفية القضية الفلسطينية، واذا ما استبعدنا الطريق المسلح في هذه المواجهة، فان المطلوب، ابداعا في التحرك السياسي والدبلوماسية واستراتيجية مدروسة بعناية، فالاصطفاف الذي فرضته ظروف المنطقة وانخراط دول بعينها في المؤامرة الصهيونية الامريكية، واللهاث وراء تطبيع بلا أثمان مع اسرائيل، يزيد من حدة التآمر.
أمام هذا الوضع الذي اتضحت تفاصيله عبر كلمة الرئيس محمود عباس، أمام الرئيس مشوار صعب، يتطلب تغييرات جذرية عاجلة على أكثر من صعيد، في مقدمتها الاستعانة بكفاءات يستدعي تواجدها استبعاد بعض من هم في الدائرة الاستشارية وصنع القرار، والرئيس أعلم من غيره في التقييم والاختيار بعد هذه السنوات الطويلة من التحركات والمواقف، والاضطلاع بالمهام، والكل يعلم ويدرك أنه يخوض معارك وحروبا سياسية ودبلوماسية صعبة، هو يقودها، والأكثر اضطلاعا بها، في الميدان على مدار الساعة.
أما بخصوص الذين قاطعوا جلسات المجلس المركزي، فلديهم حساباتهم وارتباطاتهم وتحالفاتهم ومشاريعهم الخاصة بهم، لذلك لم يحدث التلاقي والانطلاق من هذه الجلسات نحو موقف حقيقي موحد، لمواجهة أخطر المؤامرات التي تعرض لها الشعب الفلسطيني، وهذا من شأنه اضعاف القدرة على هذه المواجهة، المقاطعون يرفعون خيارات غير محسوبة، ويصرون على الأخذ في الاعتبار الاجندات المشبوهة التي لم تسقط من أيديهم وأذهانهم بعد.. كانت المقاطعة خطأ كبيرا، وضاعت فرصة كبيرة، من خلالها كان بالامكان انجاز مصالحة حقيقية ترسخ وحدة وطنية، تكون أحد أهم أسلحة المواجهة.