لمحة عنهم في ضوء التجربة التاريخية وبين الماضي والحاضر ..” المنافقون “: أدوات العدو في حربه النفسية والمعنوية ..فما هو تأثيرهم على حركات المقاومة ومفهوم النفاق في القرآن الكريم
المنافقون .. أدوات العدو في حربه النفسية والمعنوية
الحقيقة / تقرير/ صادق البهكلي
على مر التاريخ، كان للمنافقين دور خطير في هدم المجتمعات من الداخل وإضعاف الأمة الإسلامية منذ فجر الإسلام وإلى اليوم، النفاق ظاهرة خطيرة تعمل في الظل، وتنتهج أسلوب الخداع عبر تظاهر المنافقين بالولاء للداخل الإسلامي وهم في الحقيقة يحملون عداوة خفية، يقول السيد حسين بدر الدين الحوثي:”المنافقون هم فئة تعمل في أوساط المسلمين تثبطهم عن نصر دين الله، تخوفهم، ترعبهم، ترجف قلوبهم، تشيع الشائعات التي تقلق نفوسهم، تشيع الشائعات التي ترعب قلوبهم. المنافقون في كتاب الله الكريم تحدث عنهم أسوأ مما تحدث عن اليهود، والنصارى، والمجوس، والكافرين، إذا كانت جهنم لها سبعة أبواب، ودركاتها متفاوتة في الشدة، فإن المنافقين في الدرك الأسفل من النار. ” وقد تجلت خطورتهم في غزوات المسلمين الأولى عندما حاولوا تعطيل الجهاد وتثبيط عزائم المسلمين. اليوم، نرى أن النفاق لم ينتهِ، بل تطور وازداد تأثيره خاصة في فيما يخص التصدي للظلم والاستعمار، و الحروب الاجرامية ضد أمتنا التي يقودها أعداء الأمة من اليهود و النصارى خاصة أمريكا وإسرائيل.
من خلال ما تناوله الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي، عن هذه الفئة يتضح لنا عمق خطورة المنافقين في المجتمع الإسلامي حيث يلعب المنافقون دورًا حاسمًا في خدمة الأعداء من خلال زعزعة الثقة بالنفس وتقويض الجهود في مواجهة أعداء الأمة. في هذا التقرير، سنسلط الضوء على خطورة المنافقين ودورهم التخريبي استنادًا إلى نصوص القرآن الكريم ومحاضرات الشهيد القائد، بالإضافة إلى الواقع المعاصر.
مفهوم النفاق في القرآن الكريم
النفاق هو حالة من الازدواجية في الأقوال والأفعال، حيث يظهر الفرد الإيمان ويخفي الكفر أو الخيانة، لقد تحدث القرآن الكريم عن المنافقين في العديد من الآيات، وشخص نفسياتهم من ضمن ما تحدث القرآن عن المنافقين يقول الله سبحانه وتعالى:
القرآن الكريم تناول موضوع المنافقين في عدة سور وآيات، وهنا بعض الآيات التي تحدثت عن المنافقين يقول الله سبحانه وتعالى:
{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ}(البقرة: 8) هذه الآية تصف المنافقين الذين يعلنون الإيمان بالله واليوم الآخر، لكنهم في الحقيقة ليسوا مؤمنين.
{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (المنافقون: 1) الآية تكشف كذب المنافقين عندما يدعون الإيمان برسالة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
{يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ} (المنافقون: 4) يبين القرآن أن المنافقين دائمًا في خوف وقلق، ويحذر منهم.
{وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا ۚ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا ۖ قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ} (الأحزاب: 20)يفضح القرآن المنافقين الذين تهربوا من القتال مع المؤمنين بحجة عدم العلم بالقتال.
{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ}(محمد: 29) المنافقين الذين يخفون في قلوبهم الكراهية.
هذه بعض الآيات التي تذكر المنافقين وتبين صفاتهم وسلوكياتهم، وذلك إشارة إلى أن النفاق هو أشد خطورة من الكفر العلني، إذ يعمل المنافق على تفتيت الصفوف من الداخل.
الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي أشار في محاضراته إلى أن المنافقين ليسوا بالضرورة منكرين للقرآن أو للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، بل هم يؤمنون بالقرآن ظاهريًا، ولكن ينطلقون من مصالح شخصية ومادية تجعلهم يتآمرون على الدين والمجتمع. هذه الفئة تشكل خطرًا كبيرًا على الأمة لأنها تعمل على إضعاف عزيمة المؤمنين وتثبيطهم عن الجهاد ومقاومة الظلم.
دور المنافقين في تفتيت المجتمع الإسلامي
أحد أهم الأدوار التي يلعبها المنافقون هو بث الشائعات ونشر الفتن التي تهدف إلى زعزعة الثقة بين أفراد المجتمع الإسلامي. في غزوة تبوك، كما أشار الشهيد القائد في محاضراته، تحرك المنافقون لتثبيط المؤمنين عن الخروج للجهاد، حيث كانوا يروجون لخطاب الهزيمة واليأس، قائلين: “غرّ هؤلاء دينهم”، في محاولة لتصوير الجهاد ضد الروم، وهي إحدى القوى الكبرى في ذلك الوقت، على أنه ضرب من العبث.
إن هذا الدور التخريبي للمنافقين لم يتوقف عند ذلك الزمن، بل نراه اليوم في محاولات المنافقين ضرب الروح المعنوية لحركات المقاومة في فلسطين ولبنان ، واستهداف الحاضنة الاجتماعية هؤلاء الأشخاص يحاولون إقناع الناس بأن المقاومة ضد العدو الإسرائيلي و ضد العدو الأمريكي ليست سوى مغامرة خاسرة، وأنه لا جدوى من التضحية والصمود، في محاولة لإضعاف الروح المعنوية وجعل الناس يشككون في جدوى المقاومة.
المنافقون أدوات في يد العدو
إن المنافقين، كما يوضح الشهيد القائد، هم مرآة تعكس نجاح الحركات الجهادية في مواجهة أعداء الأمة و كلما زادت تحركات المنافقين ضد من يتحركون في سبيل الله، كان ذلك مؤشرًا على قوة تأثيرهم في مواجهة أعدائهم، سواء كانوا يهودًا أو نصارى أو غيرهم. المنافقون اليوم يلعبون دورًا حيويًا في خدمة الأجندة الإسرائيلية من خلال نشر الدعاية السلبية وترويج الأفكار التي تقلل من إنجازات المقاومة سوى في غزة أو في لبنان أو في العراق ونشهد دورهم الكبير ضد الشعب اليمني منذ بداية تحركه بل منذ انطلاقة المشروع القرآني..
حيث نجد نشاطهم المكثف عبر كل الوسائل الإعلامية و الثقافية عبر الكتابات الصحفية و في وسائل الإعلام في الإذاعة والقنوات التلفزيونية و في مواقع التواصل، في المساجد و المدارس و الجامعات و حيثما أتيحت لهم الفرصة مستفيدين من الامكانيات الهائلة التي بين أيديهم حيث أصبحت الكثير من الأنظمة بكل امكانياتها وثرواتها تتحرك في الخط النفاقي وخصوصا ما نشهده هذه الأيام في ظل العدوان الصهيوني على فلسطين ولبنان حيث يتحركون جنبًا إلى جنب لترويج فكرة أن المقاومة تسبب فقط في المزيد من المعاناة، متجاهلين دور الاحتلال في قتل الأبرياء وتدمير البنية التحتية. هذه الأدوات الإعلامية تمثل أذرع المنافقين في خدمة العدو، حيث يحاولون تقسيم المجتمعات المقاومة وجعلها تشكك في قياداتها وخياراتها الاستراتيجية.
تأثير المنافقين على حركات المقاومة
كما أشار الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي، فإن المنافقين يشكلون خطرًا كبيرًا على المجتمعات التي تحتضن المقاومة، دورهم الأساسي هو تقويض الدعم الشعبي للمقاومة، إذ يسعون لخلق حالة من الارتباك والتشكيك في جدوى الصمود والتضحية، هؤلاء المنافقون يعتمدون على بث الشائعات والدعاية والارجاف بهدف تحطيم الروح المعنوية للمجتمع المجاهد سعيا إلى إضعاف الدعم الشعبي للمقاومة الذي يعتبر أساس قوتها واستمراريتها.
في فلسطين ولبنان، و اليمن و سوريا نجد أن المنافقين يستغلون الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة ليزعموا أن المقاومة هي السبب في المعاناة، متجاهلين الحقيقة الواضحة بأن أمريكا و الاحتلال الإسرائيلي هم هذه هذه الأزمات، هؤلاء المنافقون يحاولون تصوير المقاومة على أنها عبء على المجتمع، وأن التنازل أو الاستسلام هو الحل الأمثل لتحسين الأوضاع المعيشية.
إن دورنا كشعوب إسلامية ترى وتشاهد يوميا مايفعله أعدائهم من قتل و تدمير وتشريد لاخوانهم في فلسطين و في لبنان و في بقية البلدان الإسلامية المستهدفة هو كما يقول الشهيد القائد : “نحن بحاجة إلى أن نظهر في وعينا في سلوكنا في أعمالنا في جدنا في اهتمامنا إلى درجةٍ تحطم معنويات المخربين من المنافقين والمرجفين”.
النفاق في ضوء التجربة التاريخية
إذا نظرنا إلى التاريخ الإسلامي، نجد أن المنافقين كانوا دائمًا عائقًا أمام أي تحرك إيجابي للأمة، فمنذ زمن الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم، كان للمنافقين دور كبير في تعطيل الجهاد وزرع الشكوك في نفوس المسلمين، في غزوة أحد، على سبيل المثال، تسبب المنافقون في إرباك صفوف المسلمين من خلال انسحابهم وخذلانهم للمؤمنين، مما أدى إلى نتائج كارثية في تلك المعركة، لقد كانت هذه التجارب التاريخية دروسًا للأمة في كيفية التعامل مع هذه الفئة الخطيرة التي تعمل في الخفاء لتقويض الجهود النبيلة.
في العصر الحالي، نجد أن المنافقين لا يختلفون عن أسلافهم، حيث يعملون بنفس الأساليب، مستغلين وسائل الإعلام الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي لترويج الأفكار الهدامة وزرع الفتنة، و يستغلون أي فرصة لضرب المقاومة والتشكيك في قياداتها، مستخدمين عبارات مثل “التضحية بلا جدوى” أو “الصراع لا فائدة منه”، واستخدام مصطلحات طائفية وفئوية والتخندق مع أعداء الأمة وإضعاف الروح المعنوية وتقويض الوحدة المجتمعية داخل المجتمع الإسلامي خصوصا حركات المقاومة.
المنافقون بين الماضي والحاضر
لقد حذر القرآن الكريم من المنافقين في آيات عدة، مشددًا على خطورة هذه الفئة وهي إشارة واضحة إلى أن المنافقين هم أشد خطرًا من الكافرين لأنهم يعملون على تقويض الجهود من الداخل، هذا ما أكده الشهيد القائد حينما قال إن المنافقين قد يكونون مؤمنين ظاهريًا بالقرآن ولكنهم يعملون ضد مصالح الأمة بسبب جهلهم بمصالحهم الحقيقية أو بسبب انغماسهم في مصالحهم الشخصية.
في عصرنا الحالي، نجد أن المنافقين قد يكونون من أفراد المجتمع أو حتى من أصحاب النفوذ ومن الأنظمة العربية الذين يتظاهرون بالدفاع عن قضايا الأمة، لكنهم في الحقيقة يعملون على خدمة الأعداء، ويشجعونهم ويدفعون حتى الأموال لهم لمواجهة المجاهدين، و عندما يسقط أحد قادة المقاومة شهيدا أو يضرب العدو يظهرون لغة الشماته و السخرية ولا يترددون عن بث روحية الهزيمة والاستسلام.
في الختام يشكل المنافقون تهديدًا حقيقيًا للمجتمعات الإسلامية بكلها حتى تلك التي باتت تتأثر بهم، فهم يعملون لتقويض الجهود وتحطيم الروح المعنوية، فمنذ فجر الإسلام و الأمة تواجه خطر النفاق من الداخل، واليوم نرى نفس الخطر متمثلًا في الأفراد والجماعات و أنظمة تخدم العدو الإسرائيلي من خلال نشر الشائعات والأفكار الهدامة.
لقد أشار الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي إلى أهمية التصدي لهذا الخطر من خلال الوعي الجماعي والعمل الجاد على إفشال كل محاولات المنافقين. إن مجتمعات المقاومة تحتاج إلى التمسك بوحدتها ودعمها للمقاومة، وألا تدع للمنافقين أي فرصة للتأثير على مواقفها، في النهاية، لا يمكن لأي أمة أن تنتصر ما لم تتصدَ للمنافقين في صفوفها، وبكل الوسائل فكما يطور المنافقين أساليبهم الخبيثة على المؤمنين والمجاهدين أن يطوروا من وعيهم وإيمانهم والثبات على الحق في مواجهة الأعداء، يقول السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه: ” إذا أنت لم ترب نفسك، إذا أنت لم تنمِّ إيمانك ووعيك، فإن المنافقين هم من يُنمُّون نفاقهم، هم من يطورون أساليبهم حتى يصبحوا مَرَدَة، يصبحوا خطيرين قادرين على التأثير, قادرين على ضرب النفوس {وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَرَّتَيْنِ} مِن خبثهم استطاعوا أن يستروا أنفسهم حتى عن رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) استطاعوا أن يستروا أنفسهم حتى عن بقية الناس أنهم منافقون، ثم تنطلق منهم عبارات التثبيط, عبارات الخذلان؛ فيؤثرون على هذا، وعلى هذا، وعلى هذا، تأثيراً كبيراً، هؤلاء مردة، كيف أصبحوا مردة؟ لأنهم هم من يطورون أساليب نفاقهم، من يُنمُّون القدرات النفاقية داخل نفوسهم.”
و إذا كان هناك أمة واعية تستطيع أن تجعل كل جهود المنافقين تتبخر وتتلاشى كما أكد على ذلك القرآن الكريم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الكُفْرَ بِالإِيمَانِ لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ ويقول الشهيد القائد: “المنافقون يكونون دائماً خاسرين، فعندما يرى أن الجانب الآخر انتصر في معركة مُعيَّنة فيعتقد أن كفتهم قد صارت راجحة فيتجه إليهم، في الأخير كيف أصبحت القضية؟ ألم يتلاشَ الكافرون وتلاشى اليهود الذين كان بعض المنافقين يقولون لهم: ﴿لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ﴾ ؟ يُبيِّن بأن المنافقين ليس لديهم رؤية، ليس لديهم معرفة، ليس لديهم نفوس مستقرة، كل قراراتهم فاشلة، وكل النتائج بالنسبة لهم تكون خاسرة”..