لماذا يستهدف الإنسان اليمني بهذه القسوة..و«التحالف» الخاسر في اليمن: إدارة التوحّش بديلاً
لماذا يستهدف الإنسان اليمني بهذه القسوة..
فؤاد البطاينة
الحرب على اليمن من أغرب وأبشع حروب الوكالة وأكثرها عبثا بحياة شعب ومقدراته، فقد أوهمت امريكا النظام السعودي قبل سنوات بأنه قادر على حسم الصراع السياسي هناك والتحكم بهذه الدولة بغزوة جوية، لكنها فشلت وامتدت لحرب استنزاف بلغت كلفتها المنظورة حتى الأن مئات المليارات، فالقرار من صنع أمريكي والمنفذ هي السعودية، اليمن دولة فقيرة المال والاقتصاد والادارة رغم ثرواتها الهائلة بما فيه خارطتها الجغرافية البرية والمائية الاستراتيجية والهامة للعالم، نظامها الذي سطا على الحكم كما سطا من سبقوه طلب الدعم من ايران وتحالف معها تحالفا أمينا بعكس تحالف السعودية مع امريكا غير الأمين، واصبح دعم ايران لليمن في سياق صراعها مع السعودية وأمريكا وليس في ظني أعمق من ذلك.
الكتابات السياسية على جراحات أهل اليمن لمن عايشهم مثلي مؤلمة . والسكوت أكثر إيلاما، اليمن أم العرب، واليمانيون أصل العرب، و نحن في بلاد الشام والعراق والخليج وحتى شمال أفريقيا قد نزح أجدادنا منها، وهناك العديد من العائلات تتشابه اسماؤها مع العائلات اليمنية وحتى أماكنها، في اليمن شعب يذبح ومرض وجوع وتشريد ومقدرات تدمر ومفاهيم تتغير بصمت، وكله بالقرار الأمريكي الصهيوني والأيدي السعودية، وكله بصمت عربي ودولي يُعمقه سكوت الاعلام والمنظمات الدولية ذات الشأن، ولا نرى مؤشرات على نهاية ما يجري إلا في سياق نتائج الصراع في المنطقة وسوريا بالذات.
السعودية التي تخوض الحرب على اليمن وأذكرها دون غيرها لغايات المقال وأقول، إن ثراء اراضيها المادي والروحي ولَّد حاجة العدو لها وأسهم في إضعافها وإفسادها واخضاعها واستخدامها، فهي اليوم دولة فاسدة سياسيا وبالمعنى الشمولي، وتنطبق الأن عليها مواصفات الدولة الفاشلة والنظام العميل على خلفية التآمر الصهيوني على فلسطين، وقد قطع العدو مسافة في محو ذاكرة الكثيرين فيها وتحميلهم مفاهيم جديد على المقاس المطلوب . ولم تتمكن يوما من بناء الجيش المحترف على عقيدة قتالية سوية، ولا تمتلك مقومات الحرب الهجومية ولا الدفاعية . فحسمها لمسألة اليمن بالحرب فاشل.
وحسمها بالتفاوض السياسي البيني فاشل أيضا، لأنها في واقعها ليست حربا بين مصالح البلدين، إنها حرب مربوطة بالأسباب التي قامت عليها في سياق سياسة اخضاع المنطقة وتفتيتها وتغيير مفاهيم شعوبها، إنها جزء من الصراع الدائر في الشرق الأوسط والمنطقة العربية وتستهدف البلدين معا، واجتماعات مجلس الأمن ليست أكثر من تصريف أعمال لا تؤدي الا الى ضبط إيقاع الحرب وتمديد فترتها . إنها حرب تلتقي مع مصالح كل الدول الدائمة العضوية بالمجلس وأستثني الصين شيخة التصويت بالامتناع، التي تعطي الرأي في مختلف المشاكل الدولية ولا تفعل شيئا نزولا عند حكمتها الخاصة بها.
اليمن بجناحيه الشمالي والجنوبي يمتلك كل إمكانيات القوة والعظَمة . المادية منها والروحية والبشرية والجغرافية لبناء دولة مكتفية ذاتيا وقوة مؤثرة في العالم وفي بناء نهضة عربية حضارية، وإن تفعيل مقوماتها خطر كبير على أعداء الأمة وعلى العقلية المادية التي تخلو من الروح، ولذلك كانت على الدوام مستهدفة سياسيا وإداريا، ولو سمح لنظام ديمقراطي فيها وتنمية بشرية لما رأينا عائلة واحدة من عوائل جيرانها في الجزيرة تصمد في حكم بلد بالوكالة مهما كانت عمالتها ومهما كانت قوة مستخدميها، ولسرت عدوى الديمقراطية فيها، فاليمن موطناً قديما للحكمة والسياسة، ومصدرا قديما للفاتحين بالثقافة العربية والإسلامية، وفيها العربي الذي لم يلوث الاستعمار مشاعره وفكره وما زال اليوم، ولكن في أجساد منهكة بفعل التحالف الاستعماري الذي يتبدل شكل استهدافه الى أن استقر اليوم على الانسان اليمني نفسه.
فالمقدرات اليمنية المادية ليست مستهدفة بالتدمير بل بديمومة السيطرة عليها، وهذا لا يكون ولا يدوم الا باستهداف الانسان اليمني وكينوناته . وهو ما شاهدناه ونشهده اليوم بأجلى صوره البشعة، إنهم يريدون دخول اليمن في استعمار مباشر مغطى بوكالة شكلية، يستهدف ثقافة إنسانها الموروثة ومفاهيمه بأشكالها، والمثال أمامنا ساطع في السعودية فنحن نشاهد اليوم كيف أن قسما من مواطنيها تركوا كل التطورات السياسية في دولتهم وما يجري من نهب واذلال فيها ولم يروا ما يستحق الثورة إلا عبث النظام بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأصبحت القضية لهم هي قيادة المرأة لسيارة، والقسم الأخر وجدها فرصة للحصول على حريات شخصية مفقودة فهل هناك أكثر انتاجية للاستعمار وأدْوم من النجاح باستهداف الأنسان.
الدول العربية كلها تم إسقاطها عسكريا وسياسيا واقتصاديا ولا سيادة لنظام فيها، وكل ذلك لا يكفي أمريكا الصهيونية، لأنه زائل أمام صحوة الانسان العربي وسوية سلوكه ومفاهيمه، وحالة هذه الدول القائمة ليست معزولة عن تاريخ الدول والشعوب، ومن هنا جاء قرار استهداف هذا الانسان نفسه، فواقع ما يحصل في اليمن وفي كل دولة عربية وخاصة تلك التي استهدفها الربيع الصهيوني، هو الانتقال الى مرحلة ما بعد سقوطها الذي نعيشه، وهي مرحلة استهداف إنسانها التي نشهدها لمسح ذاكرته وتغيير مفاهيمه واستسلامه بثوب المنتصر.
الأنظمة العربية ستبقى وتجدد نفسها في غياب الشعوب . والأمل بالمجتمع الدولي يخلو من المنطق في غياب الشعوب، ولو غيرنا كلمة فلسطيني بإسرائيلي في خبر استشهاد مائة وخمسن فلسطينيا في مسيرة العودة الذي مروا عنه، لاجتمعت كل مؤسساتهم وقاموا ولا يقعدوا، وأمريكا انتقلت من مرحلة التآمر لصالح الصهيونية الى التماهي الشفاف معها، لكن الشعوب عندما تكبو وتغفو فإنها تستفيق برنة جرس، ولنتذكر أن اسرائيل ومعها أمريكا وكل الانظمة العربية العميلة، قد قامت منذ سبعين عاما ولم تستقر ليوم واحد خلالها.
ومن هنا أخذت امريكا المهمة عنها مباشرة لتلبس اليوم دور تناقضنا الأساسي، ورنة الجرس لا تؤدي غرضها بنجاح دون وعي الشعوب العربية على حاضرها ومستقبلها وبدون نخب حقيقية ومضحية تأخذ على عاتقها المهمة، ألم يحن الوقت لهذا، أم نحن بحاجة لتعم الحالة الاستعمارية في كل بلادنا وتستقر، لكن حاجتنا ملحة لتواصل النخب العربية النظيفة ومأسسة عملها.
كاتب وباحث عربي
«التحالف» الخاسر في اليمن: إدارة التوحّش بديلاً
: لقمان عبدالله
يفضح الشعب اليمني كل يوم، بدماء أبنائه وأشلاء أطفاله ونسائه، المزاعم المتكررة لنظامَي آل سعود وآل زايد حول نظافة حربهما على الشعب اليمني. الدماء النازفة من أجساد ضحايا مجزرة طلاب ضحيان في صعدة تسقط إمبراطوريات الإعلام الخليجية القائمة على التزوير، وقلب الحقائق، وبث التفرقة والتعصب والغلو، تماماً كما أسقطتها المشاهد الأخيرة لأسرى من الجيش اليمني واللجان الشعبية وقعوا في أيدي قوى العدوان في مديرية الدريهمي جنوب الحديدة. هكذا، تستعيض الإدارة المشتركة للحرب (السعودية ــــ الإماراتية بإشراف أميركي) عن العجز عن الثبات، والقدرة على المنازلة الميدانية، بالتفوق في السلاح الجوي، وكذلك باستئجار القوى السلفية وإيكال مهمة القتال خارج القيم والمواثيق الحاكمة للحروب إليها، لتُظهر وجهها الحقيقي في إدارة التوحش.
يوم أمس، انتشر شريط فيديو يظهر قيام عناصر تابعين للميليشيات المدعومة إماراتياً على جبهة الساحل الغربي بنقل ثلاثة أسرى من الجيش واللجان من أرض المعركة إلى الصحراء، حيث تمّ إنزالهم من عربة إماراتية، وتنفيذ حكم الإعدام بحقهم. قبل هذه الحادثة بيومين فقط، أقدمت الميليشيات نفسها على إعدام أسير جريح بالرصاص، ورميه من أعلى الجبل، بعدما جاءت الأوامر من مسؤول المجموعة المقاتلة بتصفيته، قبل أن يُستعلَم عن اسمه واسم محافظته. الحادثتان المذكورتان ليستا الوحيدتين في سياق الحرب على اليمن، فقد حملت هذه الحرب الكثير من عمليات إعدام الأسرى اليمنيين، كما شهدت في السنة الأولى منها قيام فصائل تقاتل إلى جانب الإمارات ببيع أسرى من «أنصار الله» إلى تنظيم «داعش»، الذي نشر لاحقاً تسجيلاً مُصوّراً يظهر تفنّنه في كيفية إعدامهم.
وقائع ليست، بحال من الأحوال، منعزلةً عن السياق الذي يُشنّ فيه العدوان على اليمن. فكما أن السعودية والإمارات تتطلّعان في أهدافهما غير المعلنة إلى إخضاع اليمن بانتقاص سيادته، ومنعه من الاستفادة من موارده وموقعه الحيوي، لاعتقادهما بأنه في حال تمكّن الشعب اليمني من استثمار ثرواته، فإنه سيصبح منافساً قوياً للضفة الشمالية من الجزيرة العربية، فهما كذلك تتعاملان مع الشعب اليمني بالكبر والاستعلاء، وهذا ليس مقتصراً على الجبهة المضادة لهما، بل أكثر من يشكون من الإهانة والإذلال هم كبار المسؤولين الحكوميين التابعين لـ«الشرعية». ومردّ هذا التعامل هو اعتقاد كل من الرياض وأبو ظبي، أيضاً، بأنه لو أتيح لليمنيين استرداد مكامن قوتهم الذاتية، فهم لن يسمحوا لهما بالتفرد والاستعلاء عليهم، ولسوف يعملون على حيازة مكانتهم في التطور الإنساني وأخذ دورهم الطبيعي في العالمين العربي والإسلامي.
ليس من باب الصدفة أن السلفيين يشكّلون قوام التشكيلات الموالية لـ«التحالف»
وليس بعيداً عن هذا السياق، عمدت دول «التحالف»، في سياسة ممنهجة، إلى قطع كل سبل الحياة عن أبناء المحافظات الجنوبية، وأبقت لهم باباً واحداً هو القتال في الجبهات الشمالية. فتم تجنيد عشرات الآلاف في تشكيلات خاصة، وتعيين قادة من «داعش» و«القاعدة» على رأس تلك التشكيلات بعدما تم استيعابهم في تسوية واضحة المعالم. ومن هنا، فليس صدفة أن يكون قادة ألوية «العمالقة» الستة بأجمعهم سلفيين حاربوا «أنصار الله» في دماج، ثم قاتلوا إلى جانب القوات الإماراتية التي دخلت عدن، وحالياً يقاتلون «أنصار الله» في جبهة الساحل الغربي. ولا يقتصر الأمر على ألوية «العمالقة»، فكل قادة ألوية «الحزام الأمني» من السلفيين، كما أن ألوية «الحماية الرئاسية» التابعة للرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، والتي تم استقدام عدد منها في الأسابيع الأخيرة إلى جبهة الساحل، تشكل هي الأخرى جزءاً من أدوات استيعاب السلفيين.
أدوات زودتها الإمارات بأحدث أنواع الأسلحة الغربية، فيما أدار الضباط الإماراتيون عمليات مقاتليها، الذين كان يرفدهم شيوخٌ، وظيفتهم التحريض المذهبي، واستنساخ أدبيات «القاعدة» و«داعش» في رفع الروح المعنوية للمقاتلين، وفي التعامل مع الأسرى والمدنيين. وهو ما لا يفرق كثيراً عما جرى في كل من سوريا والعراق، حيث خرجت الفصائل المسلحة عن كل القيم الدينية والقوانين الإنسانية والدولية، واتبعت منهجاً همجياً في معاملة الأسرى، ولم تفرّق بين المدنيين والعسكريين، وأعدمت الآلاف بأبشع الصور من خلال قطع الرؤوس والصلب والإعدام حرقاً وبإطلاق النار، أو تقطيع أعضاء الجنود وهم أحياء.
المفارقة أن دولة الإمارات، التي تناصب الإسلام السياسي العداء، تعتمد في اليمن على قوى سلفية تدين بالولاء الخالص لها، وتعمل وفق برامج سياسية، وتمارس طرقها القتالية انطلاقاً من أيديولوجيتها، علماً بأن أبو ظبي كانت جرّبت الاستفادة من فصائل جنوبية غير سلفية، إلا أن هذه الأخيرة لم تثبت في المعارك لفقدانها المشروعية والدوافع والأهداف، تماماً مثلما حصل في سوريا حيث تراجعت الفصائل غير الدينية ليتصدّر «داعش» و«القاعدة» ــــ الفرع السوري (جبهة النصرة) المشهد.