لماذا يحج خادم الحرمين في تل أبيب؟… بقلم / حمود عبدالله الأهنومي
يستميت العدوان السعودي الأمريكي في إيجاد موطئ قدم له في جبهة الحدود، ولو من خلال المرتزقة، الذين يجلبهم من كل فج عميق ليشكلوا له شريطا حدوديا كشريط إسرائيل في جنوب لبنان، يظن من خلاله تخفيف فعالية وحِدّة هجمات المجاهدين الأبطال، ولا يأسف أن يضحي بالآلاف من هؤلاء المرتزقة؛ إذ خيار موت اليمنيين هو أحد أهدافه الاستراتيجية من وراء العدوان، بيد أن الذاكرة الشعبية سوف لن تتذكر هؤلاء المرتزقة إلا في وحل الخزي ومستنقع العار، وسيلعن آخرهم أولهم عليها.
كشفت المجزرة الرهيبة التي تلقاها المرتزقة وأسيادهم من آل سعود على يد أبطالنا في منفذ حرض دروسا مهمة، وأفصحت عن متغيرات جديدة على أرض المعركة، لا تقل شأنا عن متغير منظومة صواريخ الزلزال3 محلية الصنع، لقد كشفت هذه المجزرة عن قدرة قتالية أقوى وأفضل من ذي قبل تتمتع بها قوات الجيش واللجان الشعبية، وعن جهوزية راقية، وتكتيكات حربية فائقة، وقد كان من الطبيعي بعد إنجازات ميدي التاريخية، أن يكون هناك فقط كسرٌ لعنفوان العدوان، المتبختر بعتاده المتطور جوا وبرا، أما أن يتم التهام المهاجمين من جنود العدوان ومرتزقته بتلك الصورة التي رأيناها في حرض، تلك الأرض المفتوحة، فإنه لأمر خارق سيكون مثار إعجاب الخبراء، وتطلعاتهم إلى كشف سره ولو بعد حين.
هذا المتغيِّر في أداء المجاهدين لا يقتصر على جبهة حرض وحدها، بل يكاد أن يكون عاما في كل جبهات الشرف والعزة والكرامة، ولهذا شهدنا تطورات دراماتيكية مذهلة ينجِزها المجاهدون في جبهة ذباب، وباب المندب، وحيفان، والوازعية، وكرش، والضالع، وفي البيضاء، وعسيلان شبوة، وفي صرواح مأرب وبطن الجوف، وفي نهم التي أعلنوا منذ عام أنهم فيها قاب قوسين أو أدنى من الولوج إلى صنعاء الصمود والنصر.
نهم التي اعتبرها العدوان أهم جبهاته الاستراتيجية لقربها من العاصمة صنعاء، تحولت اليوم إلى كابوس غليظ على قادة العدوان ومرتزقتهم، والذين ينتمي معظمهم إلى حزب الإصلاح؛ إذ ظلت هذه الجبهة متنفس خيلائهم وخبالهم نحو العودة إلى دولة الخلافة في صنعاء، ورغم معرفتنا باستماتة هؤلاء المرتزقة من الإخوان في هذه المعركة للعودة إلى أحلامهم السوداوية المسفوحة على عرصات اليمن وجبالها الشماء، إلا أن متغيرات الواقع في الداخل تثبت أنهم وضعوا أنفسهم قرابين بائسة وحقيرة لعدوٍّ لم ولن يرعى فيهم إلا ولا ذمة، وأنهم مجرد أحذية ينتعلها قليلا، ثم يرمي بها دائما، وكان درس جرحى تعز من أعظم الدروس وأوضحها وأفصحها لو كانوا يعقلون بأنهم لا يقيمون لهم وزنا، وأنهم لديهم الأخسرون أعمالا.
عوامل ومتغيرات تبين بوضوح كيف ستكون نهاية هذه الحرب، فهناك لدى المجاهدين تكتيكات القتال المتصاعدة، ودخول أنواع جديدة من السلاح والصواريخ، مع تطور مستمر في هذه المنظومات كلما تقدمنا في عرض المستقبل، بالإضافة إلى التدريبات المستمرة لرفع كفاءة المجاهدين، وتدفقهم الجهادي على ما فيه رضوان الله عليهم، وشرف الدهر المتوج على رؤوسهم، وتطور الأداء الأمني الرائع، وأحسنية إدارة المدن التي تحت نطاق حكمهم، ونبل أخلاق قادتهم الذين ضربوا أمثلة رائعة في التقبل للآخر، والتسامح مع الخصوم، وسعة الصدر على المزوبعين والمتآمرين ما لم يبدوا صفحات مؤامراتهم، والتعامل مع الأوضاع المختلفة بعقلية رجال الدولة العظماء، وواحدية القرار في الحرب والسلم، والتعامل اللائق والحريص على الوضع الاقتصادي في البلد، وإيصال مرتبات الموظفين اليمنيين في كل مكان، إلى الحد الذي لا يأمن فيه المواطن العدني مثلا على نفسه، لكنه آمَن ما يكون على رابته القادم من صنعاء، في الوقت الذي يحرص فيه مرتزقتهم مما يسمى بالشرعية، على ضرب هذا الاقتصاد، والإجهاز عليه، على طريقة (اقتلوني ومالكا، واقتلوا مالكا معي)، أما إذا تحدثنا عن فشل العدوان والاحتلال في إيجاد صيغة قابلة للحياة في تلك المدن الجنوبية التي زعموا تحريرها فإننا نكون قد نكأنا الجرح الدامي والنازف فيهم.
التطور في جانب سلطة أنصار الله في مختلف المجالات، والفشل الذريع والمتصاعد والهزائم المتتالية في جانب العدوان ومرتزقته، وكونهم مجرد كروت يستخدمها العدوان، وشعور العالم بأنهم حمّلوهم أكبر من حجمهم، وأملوا فيهم بما لا يستحقونه، يشير إلى مقدار الإحباط والشعور بالقلق تجاه المستقبل من قبل أولياء العدوان، وهذا ما يفسر مؤتمرهم الأخير في لندن، حيث كشف العدو عن رأسه، وظهرت بريطانيا وأمريكا كرأسي حربة، لا يسعهما إلا التأييد والتبني لمطالب ربيبتيهما السعودية والإمارات، والجمع لشملهما الذي بدّدته أطماعُ كل منهما في الجنوب، والشمال.
لقد أعطى اليمنيون بقيادة أنصار الله هذا العالم ما فيه الكفاية من المجاملة التي كان لا بد منها، كهدفٍ تكتيكي، يجنِّب اليمنيين الذرائع التي طالما هدف العدوان إلى التذرع بها، وإلى التباكي بشأنها في المحافل الدولية، لإظهار اليمنيين وكأنهم هم المعتدون، وأنهم غوغائيون، ولا يؤتمنون على السلم والأمن الدوليين، فكانت مشاورات الكويت الماراثونية، فرصة أظهرت مستوى جدارتهم لقيادة بلدهم بكرامة واستقلال، وبينت مهارتهم الديبلوماسية العالية، التي لم تقل عن قدرات مقاتليهم على أرض الميدان؛ ويسَّرت لهم عرض قضيتهم بشكل لا يجد العدوان وسادته الأمريكان أية ذريعة في الاستمرار في هذا العدوان أمام شعوبهم.
لا يجوز للعاقل أن يعطي فرصة لعدوه بترك باب من الأبواب التي لا بد من طرقها، ولا أن يخوِّله بأن يختار ما شاء من الذرائع التي قد يستفيد منها، وهي الفريصة التي أداها وفدنا الوطني في الكويت حيث أوصد أبواب كل تلك الذرائع، وبدّد كل تلك الأوهام، في الوقت الذي كان فيه الأبطال يسارعون الخطى نحو الاستعداد والجهوزية والمواجهة والتزود والتكيف على ظروفٍ وتطوراتٍ أقوى وأفضل، وإذا بنا نشهد نتائج وآثارا عظيمة، كمثل تلك النتيجة في جبهة حرض، التي جعلت العدو مصعوقا ومقتولا في كل متر وشبر من تلك الأرض اليمنية المباركة.
ومن هنا نعلم أهمية وخطورة المعركة المنتصرة التي خاضها اليمنيون في الكويت وفي الجبهات والمواءمة بينهما بالشكل الذي لا يضعِف موقفنا على الأرض، ولا يترك لعدونا فرصة التقول والتوسل بالذرائع، والآن – وبعد التطورات الأخيرة المزلزلة للعدوان وأذنابه بدءا بتوضيحات بطل الكلمة اليمنية الشجاعة والحرة ورسول الأحرار في كل جبهة، الأستاذ محمد عبدالسلام – يجب على اليمنيين أن لا يتسمّروا فقط للأخبار القادمة من مواطن الشرف والرجولة، بل عليهم أن يكونوا جزءا من هذا التاريخ الأسطوري العظيم، والمجد الباذخ الفخيم، الذي يصنعه أهلنا اليوم بشكل يذهل العالم جميعا، ويعيد الحق إلى نصابه، وأصحابه.
لن يكف العدوان عن عدوانه ولا عن حماقاته وأحلامه البائسة، كما لن يكف اليمنيون بقيادتهم الحكيمة عن اجتراح المعجزات التي عوّدوا العالم على رؤيتها وسماعها، ولا عن البحث عن عناصر القوة الفاعلة، وعوامل الحسم السريع، ولا عن التغيير الذي أردناه أن يكون محليا، ولكنهم بتسديد الله جعلوه إقليميا وعالميا، ومن لا يعتقدْ أننا نخوض معركة تحرير فلسطين في هذه المعركة فإنه عريض القفا، واسع الوساد، لا ينظر إلا إلى موضع قدميه، وإلا بعد العدوان على اليمن لماذا أظهر آل سعود في ليلة وضحاها، ما أخفوه عقودا من الزمن، عن علاقتهم بأخدانهم وأترابهم الصهاينة، وإلا لماذا باتت تل أبيب قبلتهم الأولى، ومكان حج وفودهم، وطواف جنرالاتهم، وزيارة أمرائهم؟!.
إنها اليمن إن كانوا يعقلون.