لماذا قدّمت القوى اليمنية “مبادرتها للسلام” في هذا الوقت تحديداً؟
عشيّة الذكرى الـ54 لثورة 26 سبتمبر، قدم رئيس المجلس السياسي الأعلى في اليمن صالح الصماد في خطابه مبادرة جديدة للسلام في اليمن، تتضمن وقف العدوان و رفع الحصار مقابل وقف إطلاق الصواريخ على العمق السعودي وإيقاف العمليات العسكرية في الحدود.
وبعد فترة وجيزة على الإعلان الجديد لرئيس المجلس السياسي الأعلى، دعا رئيس حزب المؤتمر الشعبي العام الزعيم علي عبدالله صالح المجلس السياسي إلى توجيه رسالة إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي بهذا الشأن فيما بدا إعلان مشترك مبنى على تفاهمات مسبقة لدعم مبادرة جديدة لوقف الحرب.
الدعوات الجديدة للسلام، والتي تؤكد عزم القوى الوطنية اليمنية على تغييب الحل العسكري لصالح الحل السياسي، جاء في ظل جملة من المتغيّرات التي ستؤثر على واقع الأزمة اليمنية، وورطة الرياض هناك. السؤال الذي يطرح نفسه اليوم، لماذا جاء المبادرة في هذا الوقت؟ وهل يعد الأمر عجزاَ يمنياً عن المواجهة بعد إعلان حكومة المنفى عودتها النائية لمدينة عدن؟
قد يفهم البعض الدعوة بمعنى تراجع أو استسلام، إلا أن الرئيس الصمّاد قرن دعوته بالحديث عن تشكيل حكومة قائلاً: إن تشكيل الحكومة أمر مفروغ منه، وأن ما حصل من تأخير ليس لأسباب سياسية أو ضغوط خارجية أو داخلية وإنما لأسباب تكتيكية وفنية يرى المجلس السياسي أن الشعب سيدركها بمجرد إعلان تشكيلة الحكومة”.
ولكن في الواقع تحمل الدعوة رسائل أبعد من التهديد هنا والتراجع هناك، وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى النقاط التالية:
أولاً: في الشكل، اتخذ رئيس المجلس السياسي ذكرى ثورة 26 سبتمبرلإطلاق مبادرته، التي إن لم تلقى آذاناً سعوديّةً صاغية، سنكون أمام حكومة جديدة. في الواقع، لو عدنا قليلاً إلى الوراء لوجدنا أن القوى الوطنية اليمنية قد قدّمت مبادرة مماثلة قبيل تشكيل المجلس السياسي، ولاحقاً البرلمان. وبالتالي، في حال فتور الرد السعودي سنكون أمام حكومة جديدة بعد إلقاء الحجّة.
ثانياً: في التوقيت، تأتي الدعوة على بعد أقل من شهرين من الانتخابات الرئاسيّة الأمريكية حيث ستتسبّب العلاقة بجملة من التذبذبات، لاسيّما أن الرئيس أوباما يسعى لإنهاء ولايته الثانية بملفات سلام تجعله في صدر ؤوساء أمريكا “للسلام”، وبالتالي تشكّل الدعوة مخرجاً للسعودية. في التوقيت أيضاً، تأتي الدعوة بالتزامن مع تحرّكات قويّة في الكونغرس الأمريكي لمقاضاة السعودية رغم فيتو الرئيس أوباما على مشروع مقاضاة السعودية من قبل أسر ضحايا هجمات 11سبتمبر 2001. بعبارة أخرى، انتهز الرئيس الصماد الضعف السعودي في ميزان الحسابات الأمريكية، لإنهاء العدوان على بلاده والدخول بحل سياسي ينهي الأزمة.
ثالثاً: في المضمون، لم تخلُ دعوة الصماد من الهجوم على السعودية “التي تآمرت مع الصهاينة والمستكبرين على أهداف الثورة (26 سبتمبر)”، وفق الرئيس الذي اعتبر أن النظام السعودي هو أصل الداء وأساس البلاء لشعبنا اليمني، وبالتالي أراد الرئيس الصماد إيصال رسالة اقتدار إلى السعودية عنوانها “حزم في لين”.